فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تبارك وتعالى: {حم} روي عن ابن عباس أنه قال الحواميم كلها مكية.
وهكذا روي عن محمد بن الحنفية.
وقال ابن مسعود: إِنَّ {حم} دِيْبَاجُ القُرْآنِ.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْتَعَ فِي رِيَاضِ الجَنَّةِ فَلْيَقْرَأْ الحَوَامِيم».
وقال قتادة: {حم} اسم من أسماء الله الأعظم.
ويقال: اسم من أسماء القرآن.
ويقال: قسم أقسم الله بحم.
ويقال: معناه قضى بما هو كائن.
ويقال: حم الأمر أي: قدر، وقضى، وتم.
وقرأ ابن كثير، وحفص، عن عاصم: {حم} بفتح الحاء.
وقرأ أبو عمرو، ونافع: بين الفتح والكسر، والباقون بالكسر.
وكل ذلك جائز في اللغة.
ثم قال: {تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز العليم} يعني: إنّ هذا القرآن الذي يقرأه عليكم محمد، هو من عند الله، العَزِيز في سلطانه، وملكه، الْعَلِيمِ بخلقه، وبأعمالهم، {غَافِرِ الذنب} لمن يقول: لا إله إلا الله، مخلصًا، يستر عليه ذنوبه، {وَقَابِلِ التوب} لمن تاب، ورجع، {شَدِيدُ العقاب} لمن مات على الشرك، ولم يقل لا إله إلا الله، {ذِى الطول} يعني: ذي الفضل على عباده، والمن والطول في اللغة: التفضل.
يقال: طل علي برحمتك أي: تفضل.
وقال مقاتل: ذي الطَّوْلِ يعني: ذي الغنى عمن لم يوحده.
ثم وحّد نفسه فقال: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المصير} يعني: إليه مصير العباد، ومرجعهم في الآخرة، فيجازيهم بأعمالهم.
قوله: {مَا يجادل في ءايات الله} يعني: ما يخاصم في آيات الله بالتكذيب، {إِلاَّ الذين كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ في البلاد} يعني: ذهابهم، ومجيئهم في أسفارهم، وتجاراتهم، فإنهم ليسوا على شيء من الدين.
وقال مقاتل: {تَقَلُّبِهِمْ} يعني: ما هم فيه من السعة في الرزق.
ثم خوّفهم ليحذروا فقال: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والاحزاب مِن بَعْدِهِمْ} يعني: الأمم من بعد قوم نوح، {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} يعني: أرادوا أن يقتلوه، {وجادلوا بالباطل} أي: بالشرك، {لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق} يعني: ليبطلوا به دين الحق، وهو الإسلام، والذي جاء به الرسل.
{فَأَخَذَتْهُمُ} أي: عاقبتهم، {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} يعني: كيف رأيت عذابي لهم.
أليس قد وجدوه حقًا.
{وكذلك حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ} يعني: سبقت، ووجبت كَلِمَةُ رَبِّكَ، {عَلَى الذين كَفَرُواْ} بالعذاب، {أَنَّهُمْ أصحاب النار} يعني: يصيرون إليها.
قرأ نافع، وابن عامر: {كلمات رَبَّكَ} بلفظ الجماعة.
والباقون: كلمة ربك بلفظ الواحد.
وهي عبارة عن الجنس.
والجنس يقع على الواحد، وعلى الجماعة، وقرئ في الشاذ: إِنَّهم بالكسر على معنى الابتداء، وقراءة العامة بالنصب على معنى البناء.
ثم قال الله تعالى: {الذين يَحْمِلُونَ العرش} وهم الملائكة، {وَمَنْ حَوْلَهُ} من المقربين، {يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ} يعني: يسبحون الله تعالى، ويحمدونه، {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} أي: يصدقون بالله، {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} يعني: المؤمنين.
وفي الآية: دليل فضل المؤمنين، وبيانه، أن الملائكة مشتغلون بالدعاء لهم.
ثم وصف دعاءهم للمؤمنين وهو قولهم: {رَبَّنَا} يعني: يقولون: يا ربنا، {وَسِعْتَ كُلَّ شيء رَّحْمَةً وَعِلْمًا} يعني: يا ربنا رحمتك واسعة، وعلمك محيط بكل شيء.
ويقال: معناه ملأت كل شيء نعمة، وعلمًا، علم ما فيها من الخلق.
روى قتادة، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: وجدنا أنصح عباد الله، لعباد الله، الملائكة.
ووجدنا أغش عباد الله، لعباد الله، الشياطين.
وروى الأعمش، عن إبراهيم قال: كان أصحاب عبد الله بن مسعود يقولون: الملائكة خير للمسلمين من ابن الكواء، الملائكة يستغفرون لمن في الأرض، وابن الكواء يشهد عليهم بالكفر، وكان ابن الكواء رجلًا خارجيًا.
قوله: {فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ} أي: تجاوز عنهم يعني الذين رجعوا عن الشرك، {واتبعوا سَبِيلَكَ} يعني: دينك الإسلام، {وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم} يعني: ادفع عنهم في الآخرة عذاب النار {رَبَّنَا} يعني: ويقولون: رَبَّنَا {وَأَدْخِلْهُمْ جنات عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ} على لسان رسلك، {وَمَنْ صَلَحَ} أي: من وحّد الله تعالى: {مِنْ ءابَائِهِمْ وأزواجهم وذرياتهم} أي: وأدخلهم معهم الجنة أيضًا، {إِنَّكَ أَنتَ العزيز} في ملكك، {الحكيم} في أمرك، {وَقِهِمُ السيئات} يعني: ادفع عنهم العذاب في الآخرة.
{وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ} يعني: من دفعت العذاب عنه، فقد رحمته.
قال مقاتل: السيئات يعني: الشرك في الدنيا، {فَقَدْ رَحِمْتَهُ} في الآخرة، {وذلك هُوَ الفوز العظيم} يعني: النجاة الوافرة.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ} قال مقاتل والكلبي: لما عاين الكفار النار، ودخلوها، مقتوا أنفسهم أي: لاموا أنفسهم، وغضبوا عليها.
فتقول لهم خزنة جهنم: {لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ} يعني: غضب الله عليكم، وسخطه، أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ {أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ} أي: تجحدون، وتثبتون على الكفر، {قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين} يعني: كنا نطفًا أمواتًا، {وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين} يعني: فأحييتنا، ثم أمتنا عند آجالنا، ثم أحييتنا اليوم.
وذكر عن القتبي نحو هذا.
وقال بعضهم: إحدى الإماتتين يوم الميثاق، حين صيروا إلى صلب آدم، والأخرى في الدنيا عند انقضاء الأجل، وإحدى الإحيائين في بطن الأمهات، والأخرى في القبر.
{فاعترفنا بِذُنُوبِنَا} يعني: أقررنا بشركنا، وظهر لنا أن البعث حق، {فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ} يعني: فهل سبيل إلى الخروج من النار.
ويقال: فهل من حيلة إلى الرجوع {ذلكم} يعني: يقال لهم ذلك الخلود {بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} يعني: إذا قيل لكم لا إله إلا الله جحدتم، وأقمتم على الكفر، {وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ} يعني: إذا دعيتم إلى الشرك، وعبادة الأوثان، تصدقوا {فالحكم للَّهِ العلى الكبير} يعني: القضاء فيكم {للَّهِ العلى الكبير} أي: الرفيع فوق خلقه، القاهر لخلقه، {الكبير} بالقدرة، والمنزلة.
ثم قال الله تعالى: {هُوَ الذي يُرِيكُمْ ءاياته} يعني: عجائبه، ودلائله، من خلق السموات والأرض، والشمس، والقمر، والليل، والنهار، وذلك أنه لما ذكر ما يصيبهم يوم القيامة، عظم نفسه تعالى.
ثم ذكر لأهل مكة من الدلائل ليؤمنوا به، فقال: {هُوَ الذي يُرِيكُمْ ءاياته} {وَيُنَزّلُ لَكُم مّنَ السماء رِزْقًا} يعني: المطر.
ويقال: الملائكة لتدبير الرزق.
{وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ} يعني: ما يتعظ بالقرآن، إلا من يقبل إليه بالطاعة.
ويقال: {وَمَا يَتَذَكَّرُ} في هذا الصنيع، فيوحد الرب إلا من يرجع إليه، {فادعوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} يعني: اعبدوه بالإخلاص، {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} يعني: وإن شق ذلك على المشركين، الكافرين.
{رَفِيعُ الدرجات} يعني: رافع، وخالق السموات.
أي: مطبقًا بعضها فوق بعض.
ويقال: هو رافع الدرجات في الدنيا بالمنازل، وفي الآخرة الجنة ذو الدرجات، {ذُو العرش} يعني: رافع العرش.
ويقال: خالق العرش، هو رب العرش {يُلْقِى الروح مِنْ أَمْرِهِ} يعني: ينزل جبريل بالوحي {على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} وهو النبي صلى الله عليه وسلم، {لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق} يعني: ليخوف بالقرآن.
وقرأ الحسن: {لّتُنذِرَ} بالتاء على معنى المخاطبة.
يعني: لتنذر يا محمد.
وقراءة العامة بالياء يعني: لينذر الله.
ويقال: {لّيُنذِرَ} من أنزل عليه الوحي {يَوْمَ التلاق} قرأ ابن كثير: يَوْمَ التَّلاَقِي بالياء.
وهي إحدى الروايتين عن نافع، والباقون بغير ياء.
فمن قرأ بالياء فهو الأصل.
ومن قرأ بغير ياء، فلأن الكسر يدل عليه.
وقال في رواية الكلبي: {يَوْمَ التلاق} يوم يلتقي أهل السموات، وأهل الأرض.
ويقال: يوم يلتقي الخصم، والمخصوم، {يَوْمَ هُم بارزون} أي: ظاهرين، خارجين من قبورهم، {لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَىْء} يعني: من أعمال أهل السموات، وأهل الأرض.
{لّمَنِ الملك اليوم} قال بعضهم: هذا بين النفختين.
يقول الرب تبارك وتعالى: {لّمَنِ الملك اليوم}؟ فلا يجيبه أحد، فيقول لنفسه: {للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ}.
قال بعضهم: إن ذلك لأهل الجمع يوم القيامة.
يقول: {لّمَنِ الملك اليوم} فأقر الخلائق كلهم، وقالوا: {للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ}.
يقول الله تعالى: {اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} يعني: ما عملت في الدنيا من خير أو شر، {لاَ ظُلْمَ اليوم إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} وقد ذكرناه، {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الازفة} يعني: خوفهم بيوم القيامة.
فسمي الأزفة لقربه.
ويقال: أزف شخوص فلان يعني: قرب كما قال أَزِفَتِ الآزفة.
ثم قال: {إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} من الخوف، لا تخرج، ولا تعود إلى مكانها، {كاظمين} أي: مغمومين يتردد خوفهم في أجوافهم {مَا للظالمين} يعني: المشركين {مِنْ حَمِيمٍ} أي قريب، {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} أي: له الشفاعة فيهم.
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاعين} هذا موصول بقوله: {لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَىْء} وهو {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاعين}.
وقال أهل اللغة: الخائنة والخيانة واحدة، كقوله: {فَبِمَا نَقْضِهِم ميثاقهم لعناهم وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مواضعه وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ على خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلًا مِّنْهُمُ فاعف عَنْهُمْ واصفح إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين} [المائدة: 13].
وقال مجاهد: {خَائِنَةَ الاعين} يعني: نظر العين إلى ما نهى الله عنه.
وقال مقاتل: الغمزة فيما لا يحل له، والنظرة إلى المعصية.
ويقال: النظرة بعد النظرة.
وقال قتادة: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاعين} يعني: يعلم غمزه بعينه، وإغماضه فيما لا يحب الله تعالى، {وَمَا تُخْفِى الصدور}.
{والله يَقْضِى بالحق} أي: يحكم بالحق.
ويقال: يأمر بما يجب به الثواب، وينهى عما يجب به العقاب.
{والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} يعني: يعبدون من الآلهة.
قرأ نافع، وابن عامر: {تَدْعُونَ} بالتاء على معنى المخاطبة.
والباقون، بالياء على معنى الخبر عنهم.
{لاَ يَقْضُونَ بِشَىْء} يعني: ليس لهم قدرة، ولا يحكمون بشيء، {إِنَّ الله هُوَ السميع البصير} يعني: {السميع} لمقالة الكفار {البصير} بأعمالهم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {حم} فيه خمسة أوجه:
أحدهما: أنه اسم من أسماء الله أقسم به، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة.