فصل: اللغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.اللغة:

{ألوف} جمع ألف جمع كثرة وفي القلة آلاف، ومعناه كثرة كاثرة وألوف مؤلفة.
{حذر} خشية وخوف.
{يقبض ويبسط} القبض: ضم الشيء والجمع عليه والمراد به هنا التقتير، والبسط ضده والمراد به التوسيع قال أبو تمام:
تعود بسط الكف حتى لو أنه ** دعاها لقبض لم تجبه أنامله

{الملأ} الأشراف من الناس سموا بذلك لأنهم يملأون العين مهابة وإجلالا.
{فصل} انفصل من مكانه يقال: فصل عن الموضع انفصل عنه وجاوزه.
{مبتليكم} مختبركم.
{يظنون} يستيقنون ويعلمون.
{فئة} الفئة: الجماعة من الناس لا واحد له كالرهط والنفر.
{أفرغ} أفرغ الشيء صبه وأنزله. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن الرؤية قد تجئ بمعنى رؤية البصيرة والقلب، وذلك راجع إلى العلم، كقوله: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128] معناه: علمنا، وقال: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَا أَرَاكَ الله} [النساء: 105] أي علمك، ثم إن هذا اللفظ قد يستعمل فيما تقدم للمخاطب العلم به، وفيما لا يكون كذلك فقد يقول الرجل لغيره يريد تعريفه ابتداء: ألم تر إلى ما جرى على فلان، فيكون هذا ابتداء تعريف، فعلى هذا يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف هذه القصة إلا بهذه الآية، ويجوز أن نقول: كان العلم بها سابقًا على نزول هذه الآية، ثم إن الله تعالى أنزل هذه الآية على وفق ذلك العلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

واعلم أن تركيب ألم تر إلى كذا إذا جاء فعل الرؤية فيه متعديًا إلى ما ليس من شأن السامع أن يكون رآه، كان كلامًا مقصودًا منه التحريض على علم ما عدي إليه فعل الرؤية، وهذا مما اتفق عليه المفسرون ولذلك تكون همزة الاستفهام مستعملة في غير معنى الاستفهام بل في معنى مجازي أو كنائي، من معاني الاستفهام غير الحقيقي، وكان الخطاب به غالبًا موجهًا إلى غير معين، وربما كان المخاطب مفروضًا متخيلًا.
ولنا في بيان وجه إفادة هذا التحريض من ذلك التركيب وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أن يكون الاستفهام مستعملًا في التعجب أو التعجيب، من عدم علم المخاطب بمفعول فعل الرؤية، ويكون فعل الرؤية علميًا من أخوات ظن، على مذهب الفراء وهو صواب؛ لأن إلى ولام الجر يتعاقبان في الكلام كثيرًا، ومنه قوله تعالى: {والأمر إليك} [النمل: 33] أي لك وقالوا: {أحمد الله إليك} كما يقال: {أحمد لك الله} والمجرور بإلى في محل المفعول الأول، لأن حرف الجر الزائد لا يطلب متعلقًا، وجملة: {وهم ألوف} في موضع الحال، سادة مسد المفعول الثاني، لأن أصل المفعول الثاني لأفعال القلوب أنه حال، على تقدير: ما كان من حقهم الخروج، وتفرع على قوله: {وهم ألوف} قوله: {فقال لهم الله موتوا} فهو من تمام معنى المفعول الثاني أو تجعل إلى تجريدًا لاستعارة فعل الرؤية لمعنى العلم، أو قرينة عليها، أو لتضمين فعل الرؤية معنى النظر، ليحصل الادعاء أن هذا الأمر المدرك بالعقل كأنه مدرك بالنظر، لكونه بين الصدق لمن علمه، فيكون قولهم: {ألم تر إلى كذا} في قوله: جملتين: ألم تعلم كذا وتنظر إليه.
الوجه الثاني: أن يكون الاستفهام تقريريًا فإنه كثر مجيء الاستفهام التقريري في الأفعال المنفية، مثل: {ألم نشرح لك صدرك} [الشرح: 1] {ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير} [البقرة: 106].
والقول في فعل الرؤية وفي تعدية حرف إلى نظير القول فيه في الوجه الأول.
الوجه الثالث: أن تجعل الاستفهام إنكاريًا، إنكارًا لعدم علم المخاطب بمفعول فعل الرؤية والرؤية علمية، والقول في حرف إلى نظير القول فيه على الوجه الأول، أو أن تكون الرؤية بصرية ضمن الفعل معنى تنظر على أن أصله أن يخاطب به من غفل عن النظر إلى شيء مبصر ويكون الاستفهام إنكاريًا: حقيقة أو تنزيلًا، ثم نقل المركب إلى استعماله في غير الأمور المبصرة فصار كالمثل، وقريب منه قول الأعشى:
ترى الجود يجري ظاهرًا فوق وجهه

واستفادة التحريض، على الوجوه الثلاثة إنما هي من طريق الكناية بلازم معنى الاستفهام لأن شأن الأمر المتعجب منه أو المقرر به أو المنكور علمه، أن يكون شأنه أن تتوافر الدواعي على علمه، وذلك مما يحرض على علمه.
واعلم أن هذا التركيب جرى مجرى المثل في ملازمته لهذا الأسلوب، سوى أنهم غيروه باختلاف أدوات الخطاب التي يشتمل عليها من تذكير وضده، وإفراد وضده، نحو ألم ترَيْ في خطاب المرأة وألم تريا وألم تروا وألم ترين، في التثنية والجمع هذا إذا خوطب بهذا المركب في أمر ليس من شأنه أن يكون مبصرًا للمخطاب أو مطلقًا. اهـ.

.قال الفخر:

هذا الكلام ظاهره خطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لا يبعد أن يكون المراد هو وأمته، إلا أنه وقع الابتداء بالخطاب معه، كقوله تعالى: {يا أيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]. اهـ.
وقال الفخر:
دخول لفظة {إلى} في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين} يحتمل أن يكون لأجل أن {إلى} عندهم حرف للانتهاء كقولك: من فلان إلى فلان، فمن علم بتعليم معلم، فكأن ذلك المعلم أوصل ذلك المتعلم إلى ذلك المعلوم وأنهاه إليه، فحسن من هذا الوجه دخول حرف {إلى} فيه، ونظيره قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل} [الفرقان: 45]. اهـ.
وقال الفخر:
أما قوله: {إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن ديارهم} ففيه روايات أحدها: قال السدي: كانت قرية وقع فيها الطاعون وهرب عامة أهلها، والذين بقوا مات أكثرهم، وبقي قوم منهم في المرض والبلاء، ثم بعد ارتفاع المرض والطاعون رجع الذين هربوا سالمين، فقال من بقي من المرضى: هؤلاء أحرص منا، لو صنعنا ما صنعوا لنجونا من الأمراض والآفات، ولئن وقع الطاعون ثانيًا خرجنا فوقع وهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفًا، فلما خرجوا من ذلك الوادي، ناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه: أن موتوا، فهلكوا وبليت أجسامهم، فمر بهم نبي يقال له حزقيل، فلما رآهما وقف عليهم وتفكر فيهم فأوحى الله تعالى إليه أتريد أن أريك كيف أحييهم؟ فقال نعم فقيل له: ناد أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي، فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض حتى تمت العظام ثم أوحى الله إليه: ناد يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحمًا ودمًا، فصارت لحمًا ودمًا، ثم قيل: ناد إن الله يأمرك أن تقومي فقامت، فلما صاروا أحياء قاموا، وكانوا يقولون: سبحانك ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت ثم رجعوا إلى قريتهم بعد حياتهم، وكانت أمارات أنهم ماتوا ظاهرة في وجوههم ثم بقوا إلى أن ماتوا بعد ذلك بحسب آجالهم.
الرواية الثانية: قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن ملكًا من ملوك بني إسرائيل أمر عسكره بالقتال، فخافوا القتال وقالوا لملكهم: إن الأرض التي نذهب إليها فيها الوباء، فنحن لا نذهب إليها حتى يزول ذلك الوباء، فأماتهم الله تعالى بأسرهم، وبقوا ثمانية أيام حتى انتفخوا، وبلغ بني إسرائيل موتهم، فخرجوا لدفنهم، فعجزوا من كثرتهم، فحظروا عليهم حظائر، فأحياهم الله بعد الثمانية، وبقي فيهم شيء من ذلك النتن وبقي ذلك في أولادهم إلى هذا اليوم، واحتج القائلون بهذا القول بقوله تعالى عقيب هذه الآية: {وقاتلوا فِي سَبِيلِ الله} [البقرة: 244].
والرواية الثالثة: أن حزقيل النبي عليه السلام ندب قومه إلى الجهاد فكرهوا وجبنوا، فأرسل الله عليهم الموت، فلما كثر فيهم خرجوا من ديارهم فرارًا من الموت، فلما رأى حزقيل ذلك قال: اللهم إله يعقوب وإله موسى ترى معصية عبادك فأرهم آية في أنفسهم تدلهم على نفاذ قدرتك وأنهم لا يخرجون عن قبضتك، فأرسل الله عليهم الموت، ثم إنه عليه السلام ضاق صدره بسبب موتهم، فدعا مرة أخرى فأحياهم الله تعالى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقد اختلف في المراد من هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم، والأظهر أنهم قوم خرجوا خائفين من أعدائهم فتركوا ديارهم جبنًا، وقرينة ذلك عندي قوله تعالى: {وهم ألوف} فإنه جملة حال وهي محل التعجيب، وإنما تكون كثرة العدد محلًا للتعجيب إذا كان المقصود الخوف من العدو، فإن شأن القوم الكثيرين ألا يتركوا ديارهم خوفًا وهلعًا والعرب تقول للجيش إذا بلغ الألوف «لا يغلب من قلة» فقيل هم من نبي إسرائيل خالفوا على نبي لهم في دعوته إياهم للجهاد، ففارقوا وطنهم فرارًا من الجهاد، وهذا الأظهر، فتكون القصة تمثيلًا لحال أهل الجبن في القتال، بحال الذين خرجوا من ديارهم، بجامع الجبن وكانت الحالة الشبه بها أظهر في صفة الجبن وأفظع، مثل تمثيل حال المتردد في شيء بحال من يقدم رجلًا ويؤخر أخرى، فلا يقال إن ذلك يرجع إلى تشبيه الشيء بمثله، وهذا أرجح الوجوه لأن أكثر أمثال القرآن أن تكون بأحوال الأمم الشهيرة وبخاصة بني إسرائيل.
أفيح فرماهم الله بداء موت ثمانية أيام، حتى انتفخوا ونتنت أجسامهم ثم أحياها.
وقيل هم من أهل أذرعات، بجهات الشام.
واتفقت الروايات كلها على أن الله أحياهم بدعوة النبي حزقيال بن بوزى فتكون القصة استعارة شبه الذين يجبنون عن القتال بالذين يجبنون من الطاعون، بجامع خوف الموت، والمشبهون يحتمل أنهم قوم من المسلمين خامرهم الجبن لما دُعوا إلى الجهاد في بعض الغزوات، ويحتمل أنهم فريق مفروض وقوعه قبل أن يقع، لقطع الخواطر التي قد تخطر في قلوبهم.
وفي تفسير ابن كثير عن ابن جريج عن عطاء أن هذا مثل لا قصة واقعة، وهذا بعيد يبعده التعبير عنهم بالموصول وقوله: {فقال لهم الله}.
وانتصب {حذر الموت} على المفعول لأجله، وعامله {خرجوا}.
والأظهر أنهم قوم فروا من عدوهم، مع كثرتهم، وأخلوا له الديار، فوقعت لهم في طريقهم مصائب أشرفوا بها على الهلاك، ثم نجوا، أو أوبئة وأمراض، كانت أعراضها تشبه أعراض الموت، مثل داء السكت ثم برئوا منها فهم في حالهم تلك مثَل قول الراجز:
وخارجٍ أَخرجه حب الطمع ** فَرَّ من الموت وفي الموت وقع

ويؤيد أنها إشارة إلى حادثةٍ وليست مثلًا قولُه: {إن الله لذو فضل على الناس} الآية ويؤيد أن المتحدث عنهم ليسوا من بني إسرائيل قوله تعالى بعد هذه {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى} [البقرة: 246] والآية تشير إلى معنى قوله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت} [النساء: 78] وقوله: {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} [آل عمران: 154].
فأما الذين قالوا إنهم قوم من بني إسرائيل أحياهم الله بدعوة حزقيال، والذين قالوا إنما هذا مثَل لا قصةٌ واقعةٌ، فالظاهر أنهم أرادوا الرؤيا التي ذكرت في كتاب حزقيال في الإصحاح 37 منه إذ قال: أخرجَني روحُ الرب وأنزلني في وسط بقعة ملآنة عظامًا ومرَّ بي من حولها وإذا هي كثيرة ويابسة فقال لي يابن آدم أتحيا هذه العظام؟ فقلت يا سيدي أنت تعلم، فقال لي تنبأْ على هذه العظام وقُل لها أيتها العظام اليابسة اسمعي كلمة الرب، فتقاربت العظام، وإذا بالعصَب واللحم كساها وبُسط الجلدُ عليها من فوق وليس فيها روح فقال لي تنبأْ للروح وقل قال الرب هلم يا روح من الرياح الأربععِ وهِبِّ على هؤلاء القتلى فتنبأْتُ كما أمرني فدخل فيهم الروح فحيُوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جدًا جدًا وهذا مثل ضربهُ النبي لاستماتة قومه، واستسلامهم لأعدائهم، لأنه قال بعده هذه العظام وهي كل بيوت إسرائيل هم يقولون يبست عظامنا وهلك رجاؤنا قد انقطعنا فتنبأْ وقل لهم قال السيد الرب هأنذا أفتح قبوركم وأصعدكم منها يا شعبي وآتي بكم إلى أرض إسرائيل وأجعل روحي فيكم فتحيَوْن فلعل هذا المثل مع الموضع الذي كانت فيه مرائي هذا النبي، وهو الخابور، وهو قرب واسط، هو الذي حدا بعض أهل القصص إلى دعوى أن هؤلاء القوم من أهل دَاوَرْدَان: إذ لعل دَاوَرْدَان كانت بجهات الخابور الذي رأى عنده النبي حزقيال ما رأى. اهـ.