فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما حرك الهمم بهذا الوعظ إلى الإعراض عن دار الأنكاد والأمراض، والإقبال على دار الجلال والجمال بخدمة ذي العز والكمال، قال في جواب من سأل عن كيفية ذلك ما حاصله أنه بالإقبال على محاسن الأعمال، وترك السيء من الخلال، واصلًا بذلك على طريق البيان للبيان، ذاكرًا عاقبة كل ليثبط عما يتلف، وينشط لما يزلف، مشيرًا إلى جانب الرحمة أغلب، مقدمًا لما هم عليه من السوء محذرًا منه ليرجعوا {من عمل سيئة} أي ما يسوء من أي صنف كان: الذكور والإناث والمؤمنين والكافرين {فلا يجزى} أي من الملك الذي لا ملك سواه {إلا مثلها} عدلًا لا يزاد عليها مقدار ذرة ولا أصغر منها ويدخل النار إن لم يكن له ما يكفرها، فهذا هو الملك الذي ينبغي الإقبال على خدمته لكونه الحكم العدل القادر على الجزاء والمساواة في الجزاء، فالكافر لما كان على عزم إدامه الكفر كان عذابه دائمًا والفاسق لما كان على نية التوبة لاعتقاده أنه في معصية وشر كان عذابه منقطعًا، والآية على عمومها، وما خرج منها بدليل كان مخصوصًا فيخرج عليها جميع باب الجنايات وغيره، ومن قال: إنها في شيء معين، لزمه أن تكون مجملة، لأن ذاك المعين غير مذكور، والتخصيص أولى من الإجمال كما قال أهل الأصول.
ولما بين العدل في العقاب، بين الفضل في الثواب، تنبيهًا على أن الرحمة سبقت الغضب فقال: {ومن عمل صالحًا} أي ولو قل.
ولما كان من يعهدون من الملوك إنما يستعملون الأقوياء لاحتياجهم، بين أنه على غير ذلك لأنه لا حاجة به أصلًا فقال: {من ذكر أو أنثى} ولما كان العمل لا يصح بدون الإيمان قال مبينًا شرطه: {وهو} أي عمل والحال أنه {مؤمن} ولما كان في مقام الترغيب في عدله وجوده وفضله، جعل الجزاء مسببًا عن الأعمال فقال: {فأولئك} أي العالو الهمة والمقدار {يدخلون الجنة} أي بأمر من له الأمر كله بعد أن ضاعف لهم أعمالهم فضلًا، والآية من الاحتباك: ذكر المساواة أولًا عدلًا يدل على المضاعفة ثانيًا فضلًا، وذكر إدخال الجنة ثانيًا يدل على إدخال النار أولًا، وسره أنه ذكر فضله في كل من الشقين {يرزقون فيها} أي من غير احتياج إلى تحول أصلًا ولا إلى أسباب، ولعل ذلك من أسرار البناء للمفعول {بغير حساب} لخروج ما فيها بكثرته عن الحصر، فإن أدنى أهلها منزلة لو أضاف كل أهل الأرض لكفاهم من غير أن ينقص من ملكه شيء، وهذا من باب الفضل، وفضل الله لا حد له، ورحمته غلبت غضبه، وأما جزاء السيئة فمن باب العدل، فلذلك وقع الحساب فيها لئلا يقع الظلم، قال الأصبهاني: فإذا عارضنا عمومات الوعيد بعمومات الوعد ترجح الوعد لسبق الرحمة الغضب، فانهدمت قواعد المعتزلة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38)} اعلم أن هذا من بقية كلام الذي آمن من آل فرعون، وقد كان يدعوهم إلى الإيمان بموسى والتمسك بطريقته.
واعلم أنه نادى في قومه ثلاث مرات: في المرة الأولى دعاهم إلى قبول ذلك الدين على سبيل الإجمال، وفي المرتين الباقيتين على سبيل التفصيل.
أما الإجمال فهو قوله: {ياقوم اتبعون أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد} وليس المراد بقوله: {اتبعون} طريقة التقليد، لأنه قال بعده {أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد} والهدى هو الدلالة، ومن بين الأدلة للغير يوصف بأنه هداه، وسبيل الرشاد هو سبيل الثواب والخير وما يؤدي إليه، لأن الرشاد نقيض الغي، وفيه تصريح بأن ما عليه فرعون وقومه هو سبيل الغي.
وأما التفصيل فهو أنه بين حقارة حال الدينا وكمال حال الآخرة، أما حقارة الدنيا فهي قوله: {ياقوم إِنَّمَا هذه الحياة الدنيا متاع} والمعنى أنه يستمتع بهذه الحياة الدنيا في أيام قليلة، ثم تنقطع وتزول، وأما الآخرة فهي دار القرار والبقاء والدوام، وحاصل الكلام أن الآخرة باقية دائمة والدنيا منقضية منقرضة، والدائم خير من المنقضي، وقال بعض العارفين: لو كانت الدينا ذهبًا فانيًا، والآخرة خزفًا باقيًا، لكانت الآخرة خيرًا من الدنيا، فكيف والدنيا خزف فإن، والآخرة ذهب باق.
واعلم أن الآخرة كما أن النعيم فيها دائم فكذلك العذاب فيها دائم، وإن الترغيب في النعيم الدائم والترهيب عن العذاب الدائم من أقوى وجوه الترغيب والترهيب، ثم بين كيف تحصل المجازاة في الآخرة، وأشار فيه إلى أن جانب الرحمة غالب على جانب العقاب فقال: {مَنْ عَمِلَ سَيّئَةً فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا} والمراد بالمثل ما يقابلها في الاستحقاق، فإن قيل كيف يصح هذا الكلام، مع أن كفر ساعة يوجب عقاب الأبد؟ قلنا إن الكافر يعتقد في كفره كونه طاعة وإيمانًا فلهذا السبب يكون الكافر على عزم أن يبقى مصرًا على ذلك الاعتقاد أبدًا، فلا جرم كان عقابه مؤبدًا بخلاف الفاسق فإنه يعتقد فيه كونه خيانة ومعصية فيكون على عزم أن لا يبقى مصرًا عليه، فلا جرم قلنا إن عقاب الفاسق منقطع.
أما الذي يقوله المعتزلة من أن عقابه مؤبد فهو باطل، لأن مدة تلك المعصية منقطعة والعزم على الإتيان بها أيضًا ليس دائمًا بل منقطعًا فمقابلته بعقاب دائم يكون على خلاف قوله: {مَنْ عَمِلَ سَيّئَةً فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا} واعلم أن هذه الآية أصل كبير في علوم الشريعة فيما يتعلق بأحكام الجنايات فإنها تقتضي أن يكون المثل مشروعًا، وأن يكون الزائد على المثل غير مشروع، ثم نقول ليس في الآية بيان أن تلك المماثلة معتبرة في أي الأمور فلو حملناه على رعاية المماثلة في شيء معين، مع أن ذلك المعين غير مذكور في الآية صارت الآية مجملة، ولو حملناه على رعاية المماثلة في جميع الأمور صارت الآية عامًا مخصوصًا، وقد ثبت في أصول الفقه أن التعارض إذا وقع بين الإجمال وبين التخصيص كان دفع الإجمال أولى فوجب أن تحمل هذه الآية على رعاية المماثلة من كل الوجوه إلا في مواضع التخصيص، وإذا ثبت هذا فالأحكام الكثيرة في باب الجنايات على النفوس، وعلى الأعضاء، وعلى الأموال يمكن تفريعها على هذه الآية.
ثم نقول إنه تعالى لما بيّن أن جزاء السيئة مقصور على المثل بين أن جزاء الحسنة غير مقصور على المثل بل هو خارج عن الحساب فقال: {وَمَنْ عَمِلَ صالحا مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} واحتج أصحابنا بهذه الآية فقالوا قوله: {وَمَنْ عَمِلَ صالحا} نكرة في معرض الشرط في جانب الإثبات فجرى مجرى أن يقال من ذكر كلمة أو من خطا خطوة فله كذا فإنه يدخل فيه كل من أتى بتلك الكلمة أو بتلك الخطوة مرة واحدة، فكذلك هاهنا وجب أن يقال كل من عمل صالحًا واحدًا من الصالحات فإنه يدخل الجنة ويرزق فيها بغير حساب، والآتي بالإيمان والمواظب على التوحيد والتقديس مدة ثمانين سنة قد أتى بأعظم الصالحات وبأحسن الطاعات، فوجب أن يدخل الجنة والخصم يقول إنه يبقى مخلدًا في النار أبد الآباد فكان ذلك على خلاف هذا النص الصريح.
قالت المعتزلة إنه تعالى شرط فيه كونه مؤمنًا وصاحب الكبيرة عندنا ليس بمؤمن فلا يدخل في هذا الوعد والجواب: أنا بينا في أول سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} [البقرة: 3] أن صاحب الكبيرة مؤمن فسقط هذا الكلام، واختلفوا في تفسير قوله: {يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} فمنهم من قال لما كان لا نهاية لذلك الثواب قيل بغير حساب، وقال الآخرون لأنه تعالى يعطيهم ثواب أعمالهم ويضم إلى ذلك الثواب من أقسام التفضل ما يخرج عن الحساب وقوله: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} واقع في مقابلة {إِلاَّ مِثْلَهَا} يعني أن جزاء السيئة له حساب وتقدير، لئلا يزيد على الاستحقاق، فأما جزاء العمل الصالح فبغير تقدير وحساب بل ما شئت من الزيادة على الحق والكثرة والسعة، وأقول هذا يدل على أن جانب الرحمة والفضل راجح على جانب القهر والعقاب، فإذا عارضنا عمومات الوعد بعمومات الوعيد، وجب أن يكون الترجيح بجانب عمومات الوعد وذلك يهدم قواعد المعتزلة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقَالَ الذي آمَنَ يا قوم اتبعون} هذا من تمام ما قاله مؤمن آل فرعون؛ أي اقتدوا بي في الدين.
{أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد} أي طريق الهدى وهو الجنة.
وقيل: من قول موسى.
وقرأ معاذ بن جبل {الرَّشَّادِ} بتشديد الشين وهو لحن عند أكثر أهل العربية؛ لأنه إنما يقال أرشد يُرشِد ولا يكون فَعَّال من أفعل إنما يكون من الثلاثي، فإن أردت التكثير من الرباعي قلت: مِفْعال.
قال النحاس: يجوز أن يكون رشَّاد بمعنى يرشد لا على أنه مشتق منه، ولكن كما يقال لاَّال من اللؤلؤ فهو بمعناه وليس جاريًا عليه.
ويجوز أن يكون رشاد من رشد يرشد أي صاحب رشَّاد؛ كما قال:
كِلينِي لِهَمٍّ يَا أمَيْمَة ناصِبِ

الزمخشري: وقرئ {الرَّشَّادِ} فَعَّال من رَشِد بالكسر كعَلاَّم أو من رَشَد بالفتح كعبّاد.
وقيل: من أرشد كجبّار من أجبر وليس بذاك؛ لأن فعّالا من أفعل لم يجىء إلا في عدّة أحرف: نحو دراك وسأَّرٍ وقصَّار وجَبَّار.
ولا يصح القياس على هذا القليل.
ويجوز أن يكون نسبته إلى الرشد كعوَّاج وبتّات غير منظور فيه إلى فعل.
ووقع في المصحف {اتَّبِعُونِ} بغير ياء.
وقرأها يعقوب وابن كثير بالإثبات في الوصل والوقف.
وحذفها أبو عمرو ونافع في الوقف وأثبتوها في الوصل، إلا وَرْشًا حذفها في الحالين، وكذلك الباقون؛ لأنها وقعت في المصحف بغير ياء ومن أثبتها فعلى الأصل.
قوله تعالى: {ياقوم إِنَّمَا هذه الحياة الدنيا مَتَاعٌ} أي يتمتع بها قليلًا ثم تنقطع وتزول.
{وَإِنَّ الآخرة هِيَ دَارُ القرار} أي الاستقرار والخلود.
ومراده بالدار الآخرة الجنة والنار لأنهما لا يفنيان.
بيّن ذلك بقوله: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً} يعني الشرك {فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا} وهو العذاب.
{وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا} قال ابن عباس: يعني لا إله إِلاَّ الله.
{وَهُوَ مُؤْمِنٌ} مصدق بقلبه لله وللأنبياء.
{فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة} بضم الياء على ما لم يسم فاعله.
وهي قراءة ابن كثير وابن مُحَيْصن وأبي عمرو ويعقوب وأبي بكر عن عاصم، يدل عليه {يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} الباقون {يَدْخُلُونَ} بفتح الياء. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَالَ الذي ءامَنَ} هو مؤمن آل فرعون، وقيل: فيه نظير ما قيل في سابقه أنه موسى عليه السلام وهو ضعيف كما لا يخفى {ءامَنَ يا قوم اتبعون} فيما دللتكم عليه {أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد} سبيلًا يصل به سالكه إلى المقصود، وفيه تعريض بأن ما عليه فرعون وقومه سبيل الغي.
وقرأ معاذ بن جبل كما في البحر {الرشاد} بتشديد الشين وتقدم الكلام في ذلك فلا تغفل.
{يا قوم إِنَّمَا هذه الحياة الدنيا} أي تمتع أو متمتع به يسير لسرعة زواله {وَإِنَّ الآخرة هي دَارُ القرار} لخلودها ودوام ما فيها.
{مَنْ عَمِلَ سَيّئَةً} في الدنيا {فَلاَ يجزى} في الآخرة {إِلاَّ مِثْلَهَا} عدلًا من الله عز وجل، واستدل به على أن الجنايات تغرم بمثلها أي بوزانها من غير مضاعفة {وَمَنْ عَمِلَ صالحا مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ} الذين عملوا ذلك {يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} بغير تقدير وموازنة بالعمل بل اضعافا مضاعفة فضلًا منه تعالى ورحمة، وقسم العمال إلى ذكر وأنثى للاهتمام والاحتياط في الشمول لاحتمال نقص الاناث، وجعل الجزاء في جزاء أعمالهم جملة اسمية مصدرة باسم الإشارة مع تفضيل الثواب وتفصيله تغليبًا للرحمة وترغيبًا فيما عند الله عز وجل، وجعل العمل عمدة وركنا من القضية الشرطية والإيمان حالًا للدلالة على أن الإيمان شرط في اعتبار العمل والاعتداد به والثواب عليه لأن الأحوال قيود وشروط للحكم التي وقعت فيه، ويتضمن ذلك الإشارة إلى عظيم شرفه ومزيد ثوابه، وقرأ الأعرج والحسن وأبو جعفر وعيسى وغير واحد من السبعة {يَدْخُلُونَ} مبنيًّا للمفعول. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38)} هذا مقال في مقام آخر قاله مؤمنُ آل فرعون، فهذه المقالات المعطوفة بالواو مقالات متفرقة.
فابتدأ موعظته بندائهم ليلفت إليه أذهانهم ويستصغي أسماعهم، وبعنوان أنهم قومه لتَصْغَى إليه أفئدتُهم.
ورتب خطبتُه على أسلوب تقديم الإِجمال ثم تعقيبه بالتفصيل، فابتدأ بقوله: {اتَّبِعُوننِ أَهدِكُم سَبِيلَ الرَّشَادِ} وسبيل الرشاد مجمل وهو على إجماله مما تتوق إليه النفوس، فربْطُ حصوله باتِّباعهم إيَّاه مما يُقبِل بهم على تلقّي ما يفسر هذا السبيل، ويسترعي أسماعهم إلى ما يقوله إذ لعله سيأتيهم بما ترغبه أنفسهم إذ قد يَظنون أنه نقحَ رأَيه ونخَل مقالَه وأنه سيأتي بما هو الحق الملائم لهم.
وتقدم ذكر {سبيل الرشاد} آنفًا.
وأعاد النداء تأكيدًا لإِقبالهم إذْ لاحت بوارقه فأكمل مقدمته بتفصيل ما أجمله يذكرهم بأن الحياة الدنيا محدودة بأجل غير طويل، وأن وراءها حياةً أبدية، لأنه علم أن أشدّ دفاعهم عن دينهم منبعثٌ عن محبة السيادة والرفاهية، وذلك من متاع الدنيا الزائل وأن الخير لهم هو العمل للسعادة الأبدية.
وقد بنَى هذه المقدمة على ما كانوا عليه من معرفة أن وراء هذه الحياة حياة أبدية فيها حقيقة السعادة والشقاء، وفيها الجزاء على الحسنات والسّيئات بالنعيم أو العذاب، إذ كانت ديانتهم تثبت حياة أخرى بعد الحياة الدنيا ولكنها حَرفت معظم وسائل السعادة والشقاوة، فهذه حقائق مسلّمة عندهم على إجمالها وهي من نوع الأصول الموضوعة في صناعة الجَدل، وبذلك تمّت مقدمة خطبته وتهيأت نفوسهم لبيان مقصده المفسِّر لإِجمال مقدمته.
فجملة {إنما هذه الحياة الدُّنيا متاع} مبينة لجملة {أهْدِكُم سَبِيلَ الرَّشَادِ}.
والمتاع: ما ينتفع به انتفاعًا مؤجلًا.
والقرار: الدوام في المكان.
والقصر المستفاد من قوله: {إنما هذه الحياة الدنيا متاع} قصرُ موصوففٍ على صفة، أي لا صفة للدنيا إلا أنها نفع موقت، وهو قصر قلب لتنزيل قومه في تهالكهم على منافع الدنيا منزلة من يحسبها منافع خالدة.
وجملتا {مَنْ عَمِلَ سَيِئَةً} إلى آخرهما بيان لجملة {وإنَّ الآخِرَة هِيَ دَارُ القَرارِ} والقصر المستفاد من ضمير الفصل في قوله: {وَإِنَّ الآخِرَة هي دَارُ القَرارِ} قصرُ قلْببٍ نظير القصر في قوله: {إنَّما هَذهِ الحَياةُ الدُّنْيا متاع} وهو مؤكد للقصر في قوله: {إنَّما هَذهِ الحَياةُ الدُّنْيا متاع} من تأكيد إثبات ضد الحكم لضد المحكوم عليه، وهو قصر قلب، أي لاَ الدنيا.