فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما تفكيك الكلام، فالظاهر أن بغير سلطان متعلق بيجادلون، ولا يتعقل جعله خبرًا للذين، لأنه جار ومجرور، فيصير التقدير: {الذين يجادلون في آيات الله} كائنونن، أو مستقرون، {بغير سلطان} أي في غير سلطان، لأن الباء إذا ذاك ظرفية خبر عن الجثة، وكذلك في قوله: {يطبع} أنه مستأنف فيه تفكيك الكلام، لأن ما جاء في القرآن من {كذلك يطبع} أو نطبع، إنما جاء مربوطًا بعضه ببعض، فكذلك هنا.
وأما ارتكاب مذهب الصحيح خلافه، فجعل الكاف اسمًا فاعلًا بكبر، وذلك لا يجوز على مذهب البصريين إلا الأخفش، ولم يثبت في كلام العرب، أعني نثرها: جاءني كزيد، تريد: مثل زيد، فلم تثبت اسميتها، فتكون فاعلة.
وأما قوله: ومن قال لي آخره، فإنّ قائل ذلك وهو الحوفي، والظن به أنه فسر المعنى ولم يرد الإعراب.
وأما تفسير الإعراب أن الفاعل بكبر ضمير يعود على الجدال المفهوم من يجادلون، كما قالوا: من كذب كان شرًا له، أي كان هو، أي الكذب المفهوم من كذب.
والأولى في إعراب هذا الكلام أن يكون الذين مبتدأ وخبره كبر، والفاعل ضمير المصدر المفهوم من يجادلون، وهذه الصفة موجودة في فرعون وقومه، ويكون الواعظ لهم قد عدل عن مخاطبتهم إلى الاسم الغائب، لحسن محاورته لهم واستجلاب قلوبهم، وإبراز ذلك في صورة تذكيرهم، ولا يفجأهم بالخطاب.
وفي قوله: {كبر مقتًا} ضرب من التعجب والاستعظام لجدالهم والشهادة على خروجه عن حدّ إشكاله من الكبائر.
{كذلك} أي مثل ذلك الطبع على قلوب المجادلين، {يطبع الله} أي يحتم بالضلالة ويحجب عن الهدى.
وقرأ أبو عمرو بن ذكوان، والأعرج، بخلاف عنه: قلب بالتنوين، وصف القلب بالتكبر والجبروت، لكونه مركزهما ومنبعهما، كما يقولون: رأت العين، وكما قال: {فإنه آثم قلبه} والإثم: الجملة، وأجاز الزمخشري أن يكون على حذف المضاف، أي على كل ذي قلب متكبر، بجعل الصفة لصاحب القلب.
انتهى، ولا ضرورة تدعو إلى اعتقاد الحذف.
وقرأ باقي السبعة: قلب متكبر بالإضافة، والمضاف فيه العام عام، فلزم عموم متكبر جبار.
وقال مقاتل: المتكبر: المعاند في تعظيم أمر الله، والجبار المسلط على خلق الله.
{وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحًا} أقوال فرعون: {ذروني أقتل موسى} {ما أريكم إلا ما أرى} {يا هامان ابن لي صرحًا} حيدة عن محاجة موسى، ورجوع إلى أشياء لا تصح، وذلك كله لما خامره من الجزع والخوف وعدم المقاومة، والتعرف أن هلاكه وهلاك قومه على يد موسى، وأن قدرته عجزت عن التأثير في موسى، هذا على كثرة سفكه الدماء.
وتقدم الكلام في الصرح في سورة القصص فأغنى عن إعادته.
قال السدي: الأسباب: الطرق.
وقال قتادة: الأبواب؛ وقيل: عنى لعله يجد، مع قربه من السماء، سببًا يتعلق به، وما أداك إلى شيء فهو سبب، وأبهم أولًا الأسباب، ثم أبدل منها ما أوضحها.
والإيضاح بعد الإبهام يفيد تفخيم الشيء، إذ في الإبهام تشوق للمراد، وتعجب من المقصود، ثم بالتوضيح بحصل المقصود ويتعين.
وقرأ الجمهور: فأطلع رفعًا، عطفًا على أبلغ، فكلاهما مترجي.
وقرأ الأعرج، وأبو حيوة، وزيد بن علي، والزعفراني، وابن مقسم، وحفص: فأطلع، بنصب العين.
وقال أبو القاسم بن جبارة، وابن عطية: على جواب التمني.
وقال الزمخشري: على جواب الترجي، تشبيهًا للترجي بالتمني. انتهى.
وقد فرق النحاة بين التمني والترجي، فذكروا أن التمني يكون في الممكن والممتنع، والترجي يكون في الممكن.
وبلوغ أسباب السموات غير ممكن، لكن فرعون أبرز ما لا يمكن في صورة الممكن تمويهًا على سامعيه.
وأما النصب بعد الفاء في جواب الترجي فشيء أجازه الكوفيون ومنعه البصريون، واحتج الكوفيون بهذه القراءة وبقراءة عاصم، فتنفعه الذكرى في سورة عبس، إذ هو جواب الترجي في قوله: {لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى} وقد تأولنا ذلك على أن يكون عطفًا على التوهم، لأن خبر لعل كثيرًا جاء مقرونًا بأن في النظم كثيرًا، وفي النثر قليلًا.
فمن نصب، توهم أن الفعل المرفوع الواقع خبرًا كان منصوبًا بأن، والعطف على التوهم كثير، وإن كان لا ينقاس، لكن إن وقع شيء وأمكن تخريجه عليه خرج، وأما هنا، فأطلع، فقد جعله بعضهم جوابًا للأمر، وهو قوله: {ابن لي صرحًا} كما قال الشاعر:
يا ناق سيري عنقًا فسيحًا ** إلى سليمان فنستريحا

ولما قال: {فأطلع إلى إله موسى} كان ذلك إقرارًا بإله موسى، فاستدرك هذا الإقرار بقوله: {وإني لأظنه كاذبًا} أي في ادعاء الإلهية، كما قال في القصص: {لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين} {وكذلك} أي مثل ذلك التزيين في إيهام فرعون أنه يطلع إلى إله موسى.
{زين لفرعون سوء عمله}.
وقرأ الجمهور: {زين لفرعون} مبنيًّا للمفعول؛ وقرئ: زين مبنيًّا للفاعل.
وقرأ الجمهور: {وصد} مبنيًّا للفاعل: أي وصد فرعون؛ والكوفيون: بضم الصاد مناسبًا لزين مبنيًّا للمفعول؛ وابن وثاب: بكسر الصاد، أصله صدد، نقلت الحركة إلى الصاد بعد توهم حذفها؛ وابن إسحاق، وعبد الرحمن بن أبي بكرة، بفتح الصاد وضم الدال، منونة عطفًا على {سوء عمله}.
والتباب: الخسران، خسر ملكه في الدنيا فيها بالغرق، وفي الآخرة بخلود النار، وتكرر وعظ المؤمن إثر كلام فرعون بندائه قومه مرتين، متبعًا كل نداء بما فيه زجر واتعاظ لو وجد من يقبل، وأمر هنا باتباعه لأن يهديهم سبيل الرشاد.
وقرأ معاذ بن جبل: بشد الشين، وتقدم الكلام على ذلك.
والرد على من جعل هذه القراءة في كلام فرعون، وأجمل أولًا في قوله: {سبيل الرشاد} وهو سبيل الإيمان بالله واتباع شرعه.
ثم فسر، فافتتح بذم الدنيا وبصغر شأنها، وأنها متاع زائل، هي ومن تمتع بها، وأن الآخرة هي دار القرار التي لا انفكاك منها، إما إلى جنة، وإما إلى نار.
وكذلك قال: {من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها}.
وقرأ أبو رجاء، وشيبة، والأعمش، والإخوان، والصاحبان، وحفص: {يدخلون} مبنيًّا للفاعل، وباقي السبعة، والأعرج، والحسن، وأبو جعفر، وعيسى: مبنيًّا للمفعول. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ} هو يوسفُ بنُ يعقوبَ عليهما السَّلامُ على أنَّ فرعونَهُ فرعونُ موسى أو على نسبةِ أحوالِ الآباءِ إلى الأولادِ، وقيلَ سِبْطُه يوسفُ بنُ إبراهيمَ بنِ يوسفَ الصدِّيقِ.
{مِن قَبْلُ} من قبلِ موُسى {بالبينات} بالمعجزاتِ الواضحةِ {فَمَا زِلْتُمْ في شَكّ مّمَّا جَاءكُمْ بِهِ} من الدينِ {حتى إِذَا هَلَكَ} بالموتِ {قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولًا} ضمًَّا إلى تكذيبِ رسالتِه تكذيبَ رسالةِ مَنْ بعدَهُ أو جزمًا بأنْ لا يُبعثَ بعدَهُ رسولٌ معَ الشكِّ في رسالتِه. وقُرئ ألنْ يبعثَ الله على أنَّ بعضَهُم يقررُ بعضًا بنفي البعثِ {كذلك} أي مثل ذلكَ الإضلالِ الفظيعِ {يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} في عصيانِه {مُّرْتَابٌ} في دينِه شاكٌّ فيما تشهدُ به البيناتُ لغلبةِ الوهمِ والانهماكِ في التقليدِ.
{الذين يجادلون في ءايات الله} بدلٌ من الموصولِ الأولِ أو بيانٌ له أو صفةٌ باعتبارٍ معناهُ كأنَّه قيلَ كلُّ مسرفٍ مرتابٍ أو المسرفينَ المرتابينَ {بِغَيْرِ سلطان} متعلقٌ بيجادلونَ أي بغيرِ حُجَّةٍ صالحةٍ للتمسكِ بها في الجُملةِ {ءاتاهم} صفةُ سلطانِ {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله وَعِندَ الذين ءامَنُواْ} فيه ضربٌ من التعجبِ والاستعظامِ وفي كبُر ضميرٌ يعودُ إلى مَنْ وتذكيرُه باعتبارِ اللفظِ وقيلَ إلى الجدالِ المستفادِ من يُجادلونَ {كذلك} أي مثل ذلكَ الطبعِ الفظيعِ {يَطْبَعُ الله على كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ} فيصدرُ عنه أمثالُ ما ذُكَر من الإسرافِ والارتيابِ والمجادلةِ بالباطلِ. وقُرئ بتنوينِ قلبِ، ووصفُه بالتكبرِ والتجبرِ لأنَّه منبعُهما {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ياهامان ابن لِى صَرْحًا} أي بناءً مكشُوفًا عاليًا من صرُحَ الشيءُ إذَا ظهرَ {لَّعَلّى أَبْلُغُ الأسباب} أي الطرقَ {أسباب السموات} بيانٌ لها وفي إبهامِها ثمَّ إيضاحِها تفخيمٌ لشأنِها وتشويقٌ للسامعِ إلى معرفتِها {فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى} بالنصبِ على جوابِ الترجِّي. وقُرئ بالرفعِ عطفًا على أبلغُ، ولعلَّه أرادَ أنْ يبنيَ له رَصَدًا في موضعٍ عالٍ ليرصُدَ منْهُ أحوالَ الكواكبِ التي هي أسبابٌ سماويةٌ تدلُّ على الحوادثِ الأرضيةِ فيرى هَلْ فيها ما يدلُّ على إرسالِ الله تعالَى إيَّاهُ أو أنْ يَرَى فسادَ قولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بأنَّ إخبارَهُ من إلِه السماءِ يتوقفُ على اطِّلاعِه عليهِ ووصولِه إليهِ وذلكَ لا يتأتَّى إلا بالصُّعودِ إلى السماءِ وهُو ممَّا لا يقْوَى عليهِ الإنسانُ وما ذاكَ إلا لجهلِه بالله سبحانَهُ وكيفيِة استنبائِه {وَإِنّى لاَظُنُّهُ كاذبا} فيَما يدعيهِ من الرسالةِ {وكذلك} أيْ ومثلَ ذلكَ التزيينِ البليغِ المُفْرطِ {زُيّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوء عَمَلِهِ} فانهمكَ فيهِ انهماكًا لا يرْعَوِي عنه بحال {وَصُدَّ عَنِ السبيل} أي الرشادِ. والفاعلُ في الحقيقةِ هُو الله تعالَى، ويؤيدُه قراءةُ {زَيَّنَ} بالفتحِ وبالتوسطِ {الشيطانُ} وقُرئ {وصَدَّ} على أنَّ فرعونَ صدَّ الناسَ عنِ الهُدى بأمثالِ هذهِ التمويهاتِ والشبهاتِ. ويُؤيدُه قولُه تعالى: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ في تَبَابٍ} أي خسَارٍ وهلاكِ أو على أنَّه من صَدَّ صُدودًا أي أعرضَ. وقُرئ بكسرِ الصَّادِ على نقلِ حركةِ الدَّالِ إليهِ. وقُرئ وصَدٌّ على أنَّه عطفٌ على سوءُ عملِه وقُرئ وصَدُّوا أيْ هُو وقومُهُ.
{وَقَالَ الذي ءامَنَ} أي مؤمنُ آلِ فرعونَ، وقيلَ مُوسَى عليهِ السَّلامُ.
{ءامَنَ ياقوم اتبعون} فيما دَللْتكُم عليهِ {أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد} أيْ سبيلًا يصلُ سالكُه إلى المقصودِ وفيه تعريضٌ بأنَّ ما يسلُكُه فرعونُ وقومُه سبيلُ الغيِّ والضلالِ.
{ياقوم إِنَّمَا هذه الحياة الدنيا متاع} أي تمتعٌ يسيرٌ لسرعةِ زوالِها أجملَ لَهمُ أولًا ثمَّ فسرَ فافتتحَ بذمِّ الدُّنيا وتصغيرِ شأنِها لأنَّ الإخلادَ إليها رأسُ كلِّ شرَ ومنه تتشعبُ فنونُ ما يُؤدِّي إلى سخطِ الله تعالَى ثمَّ ثنَّى بتعظيمِ الآخرةِ فقالَ: {وَإِنَّ الأخرة هي دَارُ القرار} لخلودِها ودوامِ ما فيها.
{مِنْ عَمَلٍ} في الدُّنيا {سَيّئَةً فَلاَ يجزى} في الآخرةِ {إِلاَّ مِثْلَهَا} عدلًا من الله سبحانَهُ وفيه دليلٌ على أنَّ الجناياتِ تُغْرمُ بأمثالِها {وَمَنْ عَمِلَ صالحا مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ} الذينَ عملِوا ذلَك {يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} أيْ بغيرِ تقديرٍ وموازنةٍ بالعملِ بَلْ أضعافًا مُضاعفةً فضلًا من الله عزَّ وجلَّ ورحمةً. وجعلُ العملِ عمدةً والإيمانِ حالًا للإيذانِ بأنَّه لا عبرةَ بالعملِ بدونِه، وأنَّ ثوابَهُ أَعْلَى منْ ذلك. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

{أَوَلَمْ يِسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا} يعني: فيعتبروا، {كَيْفَ كَانَ عاقبة} يعني: آخر أمر، {الذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} يعني: منعة.
قرأ ابن عامر، ومن تابعه من أهل الشام {أَشَدَّ مِنكُمْ} بالكاف على معنى المخاطبة.
والباقون {أَشَدُّ مِنْهُم} بالهاء على معنى الخبر عنهم.
{أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِى} يعني: أكثر أعمالًا.
ويقال: أشد لها طلبًا، وأبعد لها ذهابًا.
{فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ} أي: عاقبهم الله {وَمَا كَانَ لَهُم مّنَ الله مِن وَاقٍ} أي: من مانع يمنعهم من عذاب الله.
{ذلك} أي: ذلك العذاب {بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات} يعني: بالأمر، والنهي.
ويقال: بالدلائل الواضحات، {فَكَفَرُواْ} بهم، وبدلائلهم، {فَأَخَذَهُمُ الله إِنَّهُ قَوِىٌّ شَدِيدُ العقاب} أي: عاقبهم الله بذنوبهم، إنه قادر على أخذهم، شديد العقاب لمن عاقب.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا} التسع، {وسلطان مُّبِينٍ} أي: حجة بيّنة {إلى فِرْعَوْنَ وهامان وَقَشرُونَ فَقَالُواْ ساحر كَذَّابٌ} يعني: لم يصدقوا موسى.
قوله عز وجل: {فَلَمَّا جَاءهُمْ بالحق مِنْ عِندِنَا} يعني: بالرسالة، {قَالُواْ اقتلوا أَبْنَاء الذين ءامَنُواْ مَعَهُ} يعني: أعيدوا القتل عليهم، {واستحيوا نِسَاءهُمْ} فلا تقتلوهن، {وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ في ضلال} أي: في خطأ بيّن.
قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ} لقومه {ذَرُونِى أَقْتُلْ موسى} يعني: خلوا عني، حتى أقتل موسى.
{وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} يعني: ليدعوا ربه موسى، لكي يمنعه عني.
وذلك أن قومه كانوا يقولون: أرجئه وأخاه، ولا تقتله حتى لا يفسدوا عليك الملك.
فقال لهم فرعون: {ذَرُونِى أَقْتُلْ موسى} فإِني أعلم أن صلاح ملكي في قتله.
{إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُمْ} يعني: عبادتكم إياي، {أَوْ أَن يُظْهِرَ في الأرض الفساد} يعني: الدعاء إلى غير عبادتي.
قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو عمرو {وَإِن يَظْهَرُوا} على معنى العطف.
والباقون: {أَوْ أَن يُظْهِرَ} على معنى الشك، وكلاهما جائز.
وأو لأحد الشيئين: إما لشك المتكلم أو أحدهما.
والواو للجمع، وتقع على الأمرين جميعًا.
وقرأ أبو عمرو، ونافع، وعاصم {يُظْهِرُ} بضم الياء، وكسر الهاء، {الفساد} بالنصب.
والباقون: {يُظْهِرُ} بنصب الياء، والهاء، {الفساد} بالضم.
فمن قرأ: يُظْهر بالضم.
فالفعل لموسى، والفساد نصب لوقوع الفعل عليه.
ومن قرأ يَظْهَر، فالفعل للفساد، فيصير الفسادُ رفعًا، لأنه فاعل.
فلما سمع موسى ذلك التهديد، استعاذ بالله من شره، فذلك قوله: {وَقَالَ موسى إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ} يعني: أستعيذ بربي، وربكم، {مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ} عن الإيمان يعني: {لاَ يُؤْمِنُ} أي: لا يصدق {بِيَوْمِ الحساب}.
{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ} وهو حزبيل بن ميخائيل، هو ابن عم قارون، وكان أبوه من آل فرعون، وأمه من بني إسرائيل.
ويقال: كان ابن فرعون {يَكْتُمُ إيمانه} وكان قد أسلم سرًا من فرعون.
قوله: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبّىَ الله وَقَدْ جَاءكُمْ بالبينات مِن رَّبّكُمْ} يعني: اليد، والعصا.