فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله عز وجل: {ويا قوم لكم الملك اليوم ظاهِرين في الأرض} قال السدي:
غالبين على أرض مصر قاهرين لأهلها، وهذا قول المؤمن تذكيرًا لهم بنعم اللَّه عليهم.
{فمن ينصرنا من بأس الله إِن جاءَنا} أي من عذاب الله، تحذيرًا لهم من نقمة، فذكر وحذر فعلم فرعون ظهور محبته.
{قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى} قال عبد الرحمن بن زيد: معناه ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسي.
{وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} في تكذيب موسى والإيمان بي.
قوله عز وجل: {ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التنادِ} يعني يوم القيامة، قال أمية بن أبي الصلت:
وبث الخلق فيها إذ دحاها ** فهم سكانها حتى التّنَادِ

سمي بذلك لمناداة بعضهم بعضًا، قاله الحسن.
وفيما ينادي به بعضهم بعضًا قولان:
أحدهما: يا حسرتا، يا ويلتا، يا ثبوراه، قاله ابن جريج.
الثاني: ينادي أهلُ الجنة أهل النار أن {قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا} [الأعراف: 44] الآية.
وينادي أهل النار الجنة {أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم اللَّه} [الأعراف: 50] قاله قتادة.
وكان الكلبي يقرؤها: يوم التنادّ، مشدودة، أي يوم الفرار، قال يندّون كما يندّ البعير. وقد جاء في الحديث «أن للناس جولة يوم القيامة يندون يطلبون أنهم يجدون مفرًا» ثم تلا هذه الآية.
{يوم تولون مدبرين} فيه وجهان:
أحدهما: مدبرين في انطلاقهم إلى النار، قاله قتادة.
الثاني: مدبرين في فِرارهم من النار حتى يقذفوا فيها، قاله السدي.
{ما لكم من الله من عاصم} فيه وجهان:
أحدهما: من ناصر، قاله قتادة.
الثاني: من مانع، وأصل العصمة المنع، قاله ابن عيسى.
{ومن يضلل الله فما له من هاد} وفي قائل هذا قولان:
أحدهما: أن موسى هو القائل له.
الثاني: أنه من قول مؤمن آلِ فرعون.
قوله عز وجل: {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات} فيه قولان:
أحدهما: أن يوسف بن يعقوب، بعثه الله رسولًا إلى القبط بعد موت الملك من قبل موسى بالبينات. قال ابن جريج: هي الرؤيا.
الثاني: ما حكاه النقاش عن الضحاك أن الله بعث إليهم رسولًا من الجن يقال له يوسف.
قوله عز وجل: {وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحًا} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: يعني مجلسًا، قاله الحسن.
الثاني: قصرًا، قاله السدي.
الثالث: أنه الآجر ومعناه أوقد لي على الطين حتى يصير آجرًا، قاله سعيد بن جبير.
الرابع: أنه البناء المبني بالآجر، وكانوا يكرهون أن يبنوا بالآجر ويجعلوه في القبر، قاله إبراهيم.
{لعلّي أبلغ الأسباب} يحتمل وجهين:
أحدهما: ما يسبب إلى فعل مرادي.
الثاني: ما أتوصل به إلى علم ما غاب عني، ثم بين مراده فقال: {أسباب السموات} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: طرق السموات، قاله أبو صالح.
الثاني: أبواب السموات، قاله السدي والأخفش، وأنشد قول الشاعر:
ومن هاب أسباب المنايا يَنَلنه ** ولو نال أسباب السماء بِسلَّمِ

الثالث: ما بين السموات، حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم.
{فأطَّلعَ إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبًا} فيه قولان:
أحدهما: أنه غلبه الجهل على قول هذا أو تصوره.
الثاني: أنه قاله تمويهًا على قومه مع علمه باستحالته، قاله الحسن.
{وما كَيْدُ فرعون إلا في تبابٍ} فيه وجهان:
أحدهما: في خسران قاله ابن عباس.
الثاني: في ضلال، قاله قتادة.
وفيه وجهان:
أحدهما: في الدنيا لما أطلعه الله عليه من هلاكه.
الثاني: في الآخرة لمصيره إلى النار، قاله الكلبي. اهـ.

.قال الثعلبي:

{أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً}.
قرأه العامة: بالهاء.
وقرأ ابن عامر: منكم بالكاف. وكذلك هو في مصاحفهم.
{وَآثَارًا فِي الأرض} فلم ينفعهم ذلك حين أخذهم الله {بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ الله مِن وَاقٍ} يعني من عذاب الله من واق ينفعهم ويدفع عنهم {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ الله إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ العقاب وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إلى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بالحق مِنْ عِندِنَا قَالُواْ} يعني فرعون وقومه {اقتلوا أَبْنَاءَ الذين آمَنُواْ مَعَهُ}.
قال قتادة: هذا قتل غير القتل الأول، لأن فرعون كان أمسك عن قتل الولدان، فلما بُعث إليه موسى أعاد القتل عليهم.
{واستحيوا نِسَاءَهُمْ} ليصدوهم بقتل الأبناء واستحياء النساء عن متابعة موسى ومظاهرته {وَمَا كَيْدُ الكافرين} وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ وَقَالَ فِرْعَوْنُ} لملائه {ذروني أَقْتُلْ موسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منّا {إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ} يغير {دِينَكُمْ} الذي أنتم عليه بسحر {أَوْ أَن}.
قرأ أبو عمر وأهل المدينة وأهل الشام وأهل مكة: وأن بغير ألف، وكذلك هي في مصاحف أهل الحرمين والشام.
وقرأ الكوفيون وبعض البصريين: {أو أن} بالألف، وكذلك هي في مصاحف أهل العراق.
وقال أبو عبيد: وبها يقرأ للزيادة التي فيها، ولأن أو ربما كانت في تأويل الواو، ولا تكون الواو في معنى أو.
{يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد}.
قرأ أهل المدينة والبصرة: {يُظهِر} بضم الياء وكسر الهاء، و{الفسادَ} بنصب الدال على التعدية.
ومثله روى حفص عن عاصم وهي اختيار أبي عبيد قال لقومه: يبدل دينكم، فكذلك يظهر ليكون الفعلان على نسق واحد.
وقرأ الآخرون: بفتح الياء والهاء ورفع الدال على اللزوم، وهي اختيار أبي حاتم. والفساد انتقاص الأمر، وأراد فرعون به تبديل الدين وعبادة غيره.
{وَقَالَ موسى} لما توّعده فرعون بالقتل: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} اختلفوا في هذا المؤمن.
فقال بعضهم: كان من آل فرعون، غير أنه كان آمن بموسى، وكان يكتم إيمانه من فرعون وقومه خوفًا على نفسه.
قال السدّي ومقاتل: كان ابن عم فرعون وهو الذي أخبر الله تعالى عنه فقال: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى المدينة يسعى} [القصص: 20].
وقال آخرون: كان إسرائيليًا، ومجاز الآية: وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون. واختلفوا أيضًا في اسمه.
فقال ابن عبّاس وأكثر العلماء: اسمه حزبيل.
وهب بن منبه: اسمه حزيقال.
ابن إسحاق: خبرل.
أخبرنا عبد الله بن حامد أخبرنا محمّد بن خالد أخبرنا داود بن سليمان أخبرنا عبد الواحد أخبرنا أحمد بن يونس حدثنا خديج بن معاوية عن أبي إسحاق قال: كان اسم الرجل الذي آمن من آل فرعون حبيب.
{أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن} أي لأن {يَقُولَ رَبِّيَ الله وَقَدْ جَاءَكُمْ بالبينات مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ} من العذاب.
وقال بعض أهل المعاني: أراد يصبكم كل الذي يعدكم.
والعرب تذكر البعض وتريد الكل، كقول لبيد:
تراك أمكنة إذا لم أرضها ** أو يرتبط بعض النفوس حمامها

أي كل النفوس.
{إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مشرك.
وقال السدي: قتّال.
{كَذَّابٌ} على الله.
أخبرنا الامام أبو منصور محمّد بن عبد الله الجمشاذي حدثنا أبو العبّاس الأصم حدثنا العبّاس بن محمّد الثوري حدثنا خالد بن مخلد القطواني حدثنا سليمان بن بلال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عمرو بن العاص قال: ما تؤول من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء كان أشد من أن طاف بالبيت فلقوه حين فرغ فأخذوا بمجامع ردائه فقالوا: أنت الذي تنهانا عمّا كان يعبد آباؤنا؟
فقال: «أنا ذاك» فقام أبو بكر رضي الله عنه فالتزمه من ورائه وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ الله وَقَدْ جَاءَكُمْ بالبينات مِن رَّبِّكُمْ} إلى آخر الآية رافع صوته بذلك، وعيناه تسفحان حتّى أرسلوه.
{ياقوم لَكُمُ الملك اليوم ظَاهِرِينَ} غالبين مستعلين على بني إسرائيل {فِي الأرض} أرض مصر {فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله} عذاب الله {إِن جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ} من الرأي والنصيحة {إِلاَّ مَآ أرى} لنفسي.
وقال الضحاك: ما أعلمكم إلاّ ما أعلم نظيره {بِمَآ أَرَاكَ الله} [النساء: 105].
{وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد وَقَالَ الذي آمَنَ ياقوم إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ الأحزاب مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِم} مثل ما أصابهم من العذاب {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ وياقوم إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد}.
قرأه العامة: بتخفيف الدال، بمعنى يوم ينادي المناد بالشقاوة والسعادة، إلاّ أن فلان بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، إلاّ أن فلان بن فلان شقى شقاوة لايسعد بعدها أبدًا، وينادي الناس بعضهم بعضًا وينادي أصحاب الأعراف، وأهل الجنّة أهل النار، وأهل النار أهل الجنّة، وينادي حين يذبح الموت: يا أهل الجنّة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، وينادي كل قوم بأعمالهم. وقرأ الحسن: {التنادي} بتخفيف الدال واثبات الياء على الأصل.
وقرأ ابن عبّاس والضحاك: بتشديد الدال، على معنى يوم التنافر، وذلك إذا ندّوا في الأرض كما تند الابل إذا شردت على أربابها.
قال الضحاك: وذلك إذا سمعوا زفير النار ندّوا هرابًا، فلا يأتون قطرًا من الاقطار إلاّ وجدوا ملائكة صفوفًا، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله: {يَوْمَ التناد} وقوله تعالى: {يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا} [الرحمن: 33] {والملك على أَرْجَآئِهَآ} [الحاقة: 17].
{يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} أيّ منصرفين عن موقف الحساب إلى النار.
وقال مجاهد: يعني فارّين غير معجزين.
{مَا لَكُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ} ناصر يمنعكم من عذابه {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ} بن يعقوب عليه السلام {مِن قَبْلُ بالبينات} أي من قبل موسى بالبينات.
قال وهب: إن فرعون موسى هو فرعون يوسف، عمّر إلى زمن موسى. وقال الباقون: هو غيره.
{فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حتى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مشرك {مُّرْتَابٌ} شاك {الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا} أي كبر ذلك الجدال مقتًا كقوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله أَن تَقُولُواْ} [الصف: 3] و{كَبُرَتْ كَلِمَةً} [الكهف: 5] {عِندَ الله وَعِندَ الذين آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله} يختم الله بالكفر {على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر: {قلب} منّونًا.
وقرأ الآخرون: بالإضافة.
واختاره أبو حاتم وأبو عبيد، وفي قراءة ابن مسعود: {على قلب كل متكبر جبار}.
{وَقَالَ فَرْعَوْنُ ياهامان ابن لِي صَرْحًا} قصرًا. والصرح البناء الظاهر الذي لايخفى على الناظر وإن بُعد، وأصله من التصريح وهو الإظهار.
{لعلي أَبْلُغُ الأسباب أَسْبَابَ السماوات} أي طرقها وأبوابها {فَأَطَّلِعَ}.
قرأه العامة: برفع العين نسقًا على قوله: {أبلغ}.
وقرأ حميد الأعرج: بنصب العين.
ومثله روى حفص عن عاصم على جواب {لعلّي} بالفاء.
وأنشد الفراء عن بعض العرب:
على صروف الدهر أو دولاتها يدلننا ** اللمّة من لماتها فتستريح النفس من زفراتها

بنصب الحاء على جواب حرف التمني.
{إلى إله موسى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ} يعني موسى {كَاذِبًا} فيما يقول: إن له ربّا غيري أرسله الينا {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سواء عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السبيل وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ} خسار وضلال. نظيره: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1].
{وَقَالَ الذي آمَنَ ياقوم اتبعون أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد} طريق الصواب {يا قوم إِنَّمَا هذه الحياة الدنيا مَتَاعٌ} متعة وبلاغ، تنتفعون بها مدة ثم تزول عنكم {وَإِنَّ الآخرة هِيَ دَارُ القرار مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}. اهـ.