فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

{أَوَلَمْ يَسِيروُاْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ} أي آخر أمر الذين كذبوا الرسل من قبلهم {كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} {هم} فصل، وحقه أن يقع بين معرفتين إلا أن أشد منهم ضارع المعرفة في أنه لا تدخله الألف واللام، فأجري مجراه.
{مّنكُمْ} شامي.
{وَءَاثَارًا في الأرض} أي حصونًا وقصورًا {فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ} عاقبهم بسبب ذنوبهم {وَمَا كَانَ لَهُم مّنَ الله مِن وَاقٍ} ولم يكن لهم شيء يقيهم من عذاب الله.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} أي الأخذ بسبب أنهم {كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ الله إِنَّهُ قَوِىٌّ} قادر على كل شيء {شَدِيدُ العقاب} إذا عاقب.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا} التسع {وسلطان مُّبِينٍ} وحجة ظاهرة {إلى فِرْعَوْنَ وهامان وقارون فَقَالُواْ} هو {ساحر كَذَّابٌ} فسموا السلطان المبين سحرًا وكذبًا {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بالحق} بالنبوة {مِنْ عِندِنَا قَالُواْ اقتلوا أَبْنَاءَ الذين ءَامَنُواْ مَعَهُ} أي أعيدوا عليهم القتل كالذي كان أولًا {واستحيوا نِسَاءَهُمْ} للخدمة {وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ في ضلال} ضياع يعني أنهم باشروا قتلهم أولًا فما أغنى عنهم!، ونفذ قضاء الله بإظهار من خافوه فما يغني عنهم هذا القتل الثاني، وكان فرعون قد كف عن قتل الولدان، فلما بعث موسى عليه السلام وأحس بأنه قد وقع أعاده عليهم غيظًا وظنًا منه أنه يصدهم بذلك عن مظاهرة موسى عليه السلام، وما علم أن كيده ضائع في الكرتين جميعًا {وَقَالَ فِرْعَوْنُ} لملئه {ذَرُونِى أَقْتُلْ موسى} كان إذا همّ بقتله كفوه بقولهم: ليس بالذي تخافه وهو أقل من ذلك، وما هو إلا ساحر، وإذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس واعتقدوا أنك عجزت عن معارضته بالحجة، والظاهر أن فرعون قد استيقن أنه نبي وأن ما جاء به آيات وما هو بسحر، ولكن كان فيه خب وكان قتالًا سفاكًا للدماء في أهون شيء، فكيف لا يقتل من أحس بأنه هو الذي يهدم ملكه؟، ولكن كان يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك، وقوله: {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه، وكان قوله: {ذَرُونِى أَقْتُلْ موسى} تمويهًا على قومه وإيهامًا أنهم هم الذين يكفونه وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هول الفزع {إِنِّى أَخَافُ} إن لم أقتله {أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} أن يغير ما أنتم عليه.
وكانوا يعبدونه ويعبدون الأصنام {أَوْ أَن يُظْهِرَ} موسى {فِى الأرض الفساد} بضم الياء ونصب الدال: مدني وبصري وحفص، وغيرهم بفتح الياء ورفع الدال، والأول أولى لموافقة {يبدل}.
والفساد في الأرض التقاتل والتهايج الذي يذهب معه الأمن، وتتعطل المزارع والمكاسب والمعايش ويهلك الناس قتلًا وضياعًا كأنه قال: إني أخاف أن يفسد عليكم دينكم بدعوتكم إلى دينه أو يفسد عليكم دنياكم بما يظهر من الفتن بسببه، وقرأ غير أهل الكوفة {وَأَنْ} ومعناه إني أخاف فساد دينكم ودنياكم معًا.
{وَقَالَ مُوسَى} لما سمع بما أجراه فرعون من حديث قتله لقومه {إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب} وفي قوله: {وَرَبِّكُمْ} بعث لهم على أن يقتدوا به فيعوذوا بالله عياذه، ويعتصموا بالتوكل عليه اعتصامه، وقال: {مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ} لتشمل استعاذته فرعون وغيره من الجبابرة، وليكون على طريقة التعريض فيكون أبلغ، وأراد بالتكبر الاستكبارعن الاذعان للحق وهو أقبح استكبار، وأدل على دناءة صاحبه وعلى فرط ظلمه، وقال: {لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب} لأنه إذا اجتمع في الرجل التكبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله وعباده، ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها، وعذت ولذت أخوان.
{وعت} بالإدغام: أبو عمرو وحمزة وعلي.
{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمانه} قيل: كان قبطيًا ابن عم لفرعون آمن بموسى سرًا، و{مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ} صفة ل {رَجُلٌ} وقيل: كان إسرائيليًا ومن آل فرعون صلة ليكتم أي يكتم إيمانه من آل فرعون واسمه سمعان أو حبيب أو خربيل أو حزبيل، والظاهر الأول {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ} لأن يقول وهذا إنكار منه عظيم كأنه قيل: أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة وما لكم علة في ارتكابها إلا كلمة الحق؟، وهي قوله: {رَبِّىَ الله} وهو ربكم أيضًا لا ربه وحده {وَقَدْ جَاءَكُمْ} الجملة حال {بالبينات مِن رَّبِّكُمْ} يعني أنه لم يحضر لتصحيح قوله ببينة واحدة ولكن ببينات من عند من نسب إليه الربوبية وهو استدراج لهم إلى الاعتراف به {وَإِن يَكُ كاذبا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صادقا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ} احتج عليهم بطريق التقسيم فإنه لا يخلو من أن يكون كاذبًا أو صادقًا، فإن يك كاذبًا فعليه وبال كذبه ولا يتخطاه، وإن يك صادقًا يصبكم بعض الذي يعدكم من العذاب، ولم يقل كل الذي يعدكم مع أنه وعد من نبي صادق القول مداراة لهم وسلوكًا لطريق الإنصاف فجاء بما هو أقرب إلى تسليمهم له وليس فيه نفي إصابة الكل، فكأنه قال لهم: أقل ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض ما يعدكم وهو العذاب العاجل وفي ذلك هلاككم، وكان وعدهم عذاب الدنيا والآخرة، وتقديم الكاذب على الصادق من هذا القبيل أيضًا، وتفسير البعض بالكل مزيف {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مجاوز للحد {كَذَّابٌ} في ادعائه، وهذا أيضًا من باب المجاملة، والمعنى أنه إن كان مسرفًا كذابًا خذله الله وأهلكه فتتخلصون منه، أو لو كان مسرفًا كذابًا لما هداه الله بالنبوة ولما عضده بالبينات، وقيل: أو هم أنه عنى بالمسرف موسى وهو يعني به فرعون.
{ياقوم لَكُمُ الملك اليوم ظاهرين} عالين وهو حال من كم في {لَكُمْ} {فِى الأرض} في أرض مصر {فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله إِن جَاءَنَا} يعني أن لكم ملك مصر، وقد علوتم الناس وقهرتموهم، فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم، ولا تتعرضوا لبأس الله أي عذابه، فإنه لا طاقة لكم به إن جاءكم ولا يمنعكم منه أحد، وقال: {يَنصُرُنَا} و{جَاءنَا} لأنه منهم في القرابة، وليعلمهم بأن الذي ينصحهم به هو مساهم لهم فيه {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أرى} أي ما أشير عليكم برأي إلا بما أرى من قتله يعني لا أستصوب إلا قتله، وهذا الذي تقولونه غير صواب {وَمَا أَهْدِيكُمْ} بهذا الرأي {إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} طريق الصواب والصلاح، أو ما أعلمكم إلا ما أعلم من الصواب ولا أدخر منه شيئًا ولا أسر عنكم خلاف ما أظهر.
يعني أن لسانه وقلبه متواطئان على ما يقول، وقد كذب فقد كان مستشعرًا للخوف الشديد من جهة موسى عليه السلام، ولكنه كان يتجلد، ولولا استشعاره لم يستشر أحدًا ولم يقف الأمر على الإشارة.
{وَقَالَ الذي ءَامَنَ ياقوم إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ الأحزاب} أي مثل أيامهم: لأنه لما أضافه إلى الأحزاب وفسرهم بقوله: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ} ولم يلتبس أن كل حزب منهم كان له يوم دمار اقتصر على الواحد من الجمع، ودأب هؤلاء دءوبهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصي وكون ذلك دائبًا دائمًا منهم لا يفترون عنه، ولابد من حذف مضاف، أي مثل جزاء دأبهم، وانتصاب {مثل} الثاني بأنه عطف بيان ل {مثل} الأول {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ} أي وما يريد الله أن يظلم عباده فيعذبهم بغير ذنب أو يزيد على قدر ما يستحقون من العذاب.
يعني أن تدميرهم كان عدلًا لأنهم استحقوه بأعمالهم، وهو أبلغ من قوله: {وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] حيث جعل المنفي إرادة ظلم منكّر ومن بعد عن إرادة ظلم ما لعباده كان عن الظلم أبعد وأبعد، وتفسير المعتزلة بأنه لا يريد لهم أن يظلموا بعيد، لأن أهل اللغة قالوا: إذا قال الرجل لآخر لا أريد ظلمًا لك معناه لا أريد أن أظلمك، وهذا تخويف بعذاب الدنيا.
ثم خوفهم من عذاب الآخرة بقوله: {وياقوم إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد} أي يوم القيامة.
{التنادي} مكي ويعقوب في الحالين وإثبات الياء هو الأصل وحذفها حسن لأن الكسرة تدل على الياء وآخر هذه الآي على الدال، وهو ما حكى الله تعالى في سورة الأعراف: {وَنَادَى أصحاب الجنة أصحاب النار} [الآية: 44].
{ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة} [الأعراف: 50].
{ونادى أصحاب الأعراف} [الآية: 48].
وقيل: ينادي منادٍ: ألا إن فلانا سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، ألا إن فلانًا شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} منحرفين عن موقف الحساب إلى النار {مَالَكُمْ مِنَ الله} من عذاب الله {مِنْ عَاصِمٍ} مانع ودافع {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} مرشد {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات} هو يوسف بن يعقوب، وقيل: يوسف بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نبيًا عشرين سنة، وقيل: إن فرعون موسى هو فرعون يوسف إلى زمنه.
وقيل: هو فرعون آخر وبخهم بأن يوسف أتاكم من قبل موسى بالمعجزات {فَمَا زِلْتُمْ في شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُمْ بِهِ} فشككتم فيها ولم تزالوا شاكين {حتى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولًا} حكمًا من عند أنفسكم من غير برهان.
أي أقمتم على كفركم وظننتم أنه لا يجدد عليكم إيجاب الحجة {كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ} أي مثل هذا الإضلال يضل الله كل مسرف في عصيانه مرتاب شاك في دينه.
{الذين يجادلون} بدل من {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} وجاز إبداله منه وهو جمع لأنه لا يريد مسرفًا واحدًا بل كل مسرف {فِى ءايات الله} في دفعها وإبطالها {بِغَيْرِ سلطان} حجة {أتاهم كَبُرَ مَقْتًا} أي عظم بغضًا، وفاعل {كَبُرَ} ضمير {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} وهو جمع معنى وموحد لفظًا فحمل البدل على معناه والضمير الراجع إليه على لفظه، ويجوز أن يرفع {الذين} على الابتداء، ولابد في هذا الوجه من حذف مضاف يرجع إليه الضمير في {كَبُرَ} تقديره جدال الذين يجادلون كبر مقتًا {عِندَ الله وَعِندَ الذين ءَامَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}.
{قَلْبٍ} بالتنوين: أبو عمرو.
وإنما وصف القلب بالتكبر والتجبر لأنه منبعهما كما تقول: سمعت الأذن وهو كقوله: {فإنه آثم قلبه} [البقرة: 283] وإن كان الآثم هو الجملة.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ} تمويهًا على قومه أو جهلًا منه {ياهامان ابن لِى صَرْحًا} أي قصرًا.
وقيل الصرح: البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد، ومنه يقال: صرح الشيء إذا ظهر {لَّعَلِّى} وبفتح الياء: حجازي وشامي وأبو عمرو {أَبْلُغُ الأسباب} ثم أبدل منها تفخيمًا لشأنها وإبانة أنه يقصد أمرًا عظيمًا {أسباب السماوات} أي طرقها وأبوابها وما يؤدي إليها وكل ما أداك إلى شيء فهو سبب إليه كالرشاء ونحوه {فَأَطَّلِعَ} بالنصب: حفص على جواب الترجي تشبيهًا للترجي بالتمني.
وغيره بالرفع عطفًا على {أبلغ} {إلى إله موسى} والمعنى فأنظر إليه {وَإِنِّى لأَظُنُّهُ} أي موسى {كاذبا} في قوله له إله غيري {وكذلك} ومثل ذلك التزيين وذلك الصد {زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءَ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السبيل} المستقيم.
وبفتح الصاد: كوفي ويعقوب أي غيره صدًا أو هو بنفسه صدودًا.
والمزين الشيطان بوسوسته كقوله: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل} [النمل: 24].
أو الله تعالى، ومثله: {زَيَّنَّا لَهُمْ أعمالهم فَهُمْ يَعْمَهُونَ} [النمل: 4] {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ في تَبَابٍ} خسران وهلاك.
{وَقَالَ الذي ءَامَنَ ياقوم اتبعون} {اتبعوني} في الحالين: مكي ويعقوب وسهل.
{أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد} وهو نقيض الغي، وفيه تعريض شبيه بالتصريح أن ما عليه فرعون وقومه سبيل الغي.
أجمل أولًا، ثم فسر فافتتح بذم الدنيا وتصغير شأنها بقوله: {ياقوم إِنَّمَا هذه الحياة الدنيا متاع} تمتع يسير، فالإخلاد إليها أصل الشر ومنبع الفتن وثنى بتعظيم الآخرة وبين أنها هي الوطن والمستقر بقوله: {وَإِنَّ الآخرة هي دَارُ القرار} ثم ذكر الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما ليثبط عما يتلف وينشط لما يزلف بقوله: {مَنْ عَمِلَ سَيَّئَةً فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صالحا مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} {يُدخلون} مكي وبصري ويزيد وأبو بكر. اهـ.

.قال البيضاوي:

{أَوَلَمْ يَسِيروُاْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ} مآل حال الذين كذبوا الرسل قبلهم كعاد وثمود.
{كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} قدرة وتمكنًا، وإنما جيء بالفصل وحقه أن يقع بين معرفتين لمضارعة أفعل من للمعرفة في امتناع دخول اللام عليه. وقرأ ابن عامر {أشد منكم} بالكاف.
{وَءَاثَارًا في الأَرْضِ} مثل القلاع والمدائن الحصينة. وقيل المعنى وأكثر آثارًا كقوله: متقلدًا سيفًا ورمحًا {فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مّنَ الله مِن وَاقٍ} يمنع العذاب عنهم.
{ذلك} الأخذ.
{بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات} بالمعجزات أو الأحكام الواضحة.
{فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ الله إِنَّهُ قَوِىٌّ} متمكن مما يريده غاية التمكن.
{شَدِيدُ العقاب} لا يؤبه بعقاب دون عقابه.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا} يعني المعجزات.
{وسلطان مُّبِينٍ} وحجة قاهرة ظاهرة، والعطف لتغاير الوصفين أو لإِفراد بعض المعجزات كالعصا تفخيمًا لشأنه.
{إلى فِرْعَوْنَ وهامان وَقَارُونَ فَقَالُواْ ساحر كَذَّابٌ} يعنون موسى عليه الصلاة والسلام، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان لعاقبة من هو أشد الذين كانوا من قبلهم بطشًا وأقربهم زمانًا.
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ بالحق مِنْ عِندِنَا قَالُواْ اقتلوا أَبْنَاءَ الذين ءَامَنُواْ مَعَهُ واستحيوا نِسَاءَهُمْ} أي أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلون بهم أولًا كي يصدوا عن مظاهرة موسى عليه السلام.
{وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ في ضلال} في ضياع، ووضع الظاهر فيه موضع الضمير لتعميم الحكم والدلالة على العلة.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ موسى} كانوا يكفونه عن قتله ويقولون إنه ليس الذي تخافه بل هو ساحر، ولو قتلته ظن أنك عجزت عن معارضته بالحجة وتعلله بذلك مع كونه سفاكًا في أهون شيء دليل على أنه تيقن أنه نبي فخاف من قتله، أو ظن أنه لو حاوله لم يتيسر له ويؤيده قوله.
{وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} فإنه تجلد وعدم مبالاة بدعائه.
{إِنّي أَخَافُ} إن لم أقتله.
{أَن يُبَدّلَ دِينَكُمْ} أن يغير ما أنتم عليه من عبادته وعبادة الأصنام لقوله تعالى: {وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ} {أَوْ أَن يُظْهِرَ في الأرض الفساد} ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج إن لم يقدر أن يبطل دينكم بالكلية. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالواو على معنى الجمع، وابن كثير وابن عامر والكوفيون غير حفص بفتح الياء والهاء ورفع الفساد.