فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)} كرر نداءهم إيقاظًا لهم عن سنة الغفلة واهتمامًا بالمنادي له ومبالغة في توبيخهم على ما يقابلون به دعوته، وترك العطف في النداء الثاني وهو {يا قوم إِنَّمَا هذه الحياة} [غافر: 39] إلخ لأنه تفسير لما أجمل في النداء قبله من الهداية إلى سبيل الرشاد فإنها التحذير من الاخلاد إلى الدنيا والترغيب في إيثار الآخرة على الأولى وقد أدى ذلك فيه على أتم وجه وأحسنه ولم يترك في هذا النداء لأنه ليس بتلك المثابة وذلك لأنه للموازنة بين الدعوتين دعوته إلى دين الله الذي ثمرته النجاة ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار، وليس ذلك من تفسير الهداية في شيء بل ذلك لتحقيق أنه هادوانهم مضلون وأن ما عليه هو الهدى وما هم عليه هو الضلال فهو عطف على النداء الأول أو المجموع، وقيل: هو عطف على النداء الثاني داخل معه في التفسير لما أجمل في النداء الأول تصريحًا وتعريضًا، ولكل وجه وفي الترجيح كلام.
{تَدْعُونَنِى لأكْفُرَ بالله} بدل من {تدعونني إلى النار} [غافر: 41] أو عطف بيان له بناء على أنه يجري في الجمل كالمفردات أو جملة مستأنفة مفسرة لذلك، والدعاء كالهداية في التعدية بإلى واللام {وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِى بِهِ} أي بكونه شريكًا له تعالى في المعبودية أو بربوبيته وألوهيته {عِلْمٍ} ونفي العلم هنا كناية عن نفي المعلوم، وفي إنكاره للدعوة إلى ما لا يعلمه اشعار بأن الألوهية لابد لها من برهان موجب للعلم بها.
{وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى العزيز الغفار} المستجمع لصفات الألوهية من كمال القدرة والغلبة وما يتوقف عليه من العلم والإرادة والتمكن من المجازاة والقدرة على التعذيب والغفران وخص هذان الوصفان بالذكر وإن كان كناية عن جميع الصفات لاستلزامهما ذلك كما أشير إليه لما فيهما من الدلالة على الخوف والرجاء المناسب لحاله وحالهم.
{لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ في الدنيا وَلاَ في الآخرة} سياقه على مذهب البصريين أن {لا} رد لكلام سابق وهو ما يدعونه إليه هاهنا من الكفر بالله سبحانه وشرك الآلهة الباطلة عز وجل به و{جرم} فعل ماض بمعنى ثبت وحق كما في قوله:
ولقد طعنت أبا عبيدة طعنة ** جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا

وأن ما في حيزها فاعله أي ثبت وحق عدم دعوة للذي تدعونني إليه من الأصنام إلى نفسه أصلًا يعني أن من حق المعبود بالحق أن يدعو العباد المكرمين كالأنبياء والملائكة إلى نفسه ويأمرهم بعبادته ثم يدعو العباد بعضهم بعضًا إليه تعالى وإلى طاعته سبحانه اظهارًا لدعوة ربهم عز وجل وما تدعون إليه وإلى عبادته من الأصنام لا يدعو هو إلى ذلك ولا يدعى الربوبية أصلًا لا في الدنيا لأنه جماد فيها لا يستطيع شيئًا من دعاء وغيره ولا في الآخرة لأنه إذا انشأه الله تعالى فيها حيوانًا تبرأ من الدعاة إليه ومن عبدته وحاصله حق إن ليس لآلهتكم دعوة أصلًا فليست بالهة حقة أو بمعنى كسب وفاعله ضمير الدعاء السابق الذي دعاه قومه وأن مع ما في حيزها مفعوله أي كسب دعاؤكم إياي إلى آلهتكم أن لا دعوة لها أي ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوتها وذهابها ضياعًا، وقيل: {جَرَمَ} اسم لا وهو مصدر مبني على الفتح بمعنى القطع والخبر أن مع ما في حيزها على معنى لا قطع لبطلان دعوة ألوهية الأصنام أي لا ينقطع ذلك البطلان في وقت من الأوقات فينقلب حقًا، وهذا البطلان هو معنى النفي الذي يفهم من قوله تعالى: {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} الخ، و{لاَ جَرَمَ} على هذا مثل لابد فإنه من التبديد وهو التفريق وانقطاع بعض الشيء من بعض، ومن ثم قيل: المعنى لابد من بطلان دعوة الأصنام أي بطلانها أمر ظاهر مقرر، ونقل هذا القول عن الفراء، وعنه أن ذلك هو أصل {لاَ جَرَمَ} لكنه كثر استعماله حتى صار بمعنى حقًا فلهذا يجاب بما يجاب به القسم في مثل لا جرم لآتينك.
وفي الكشاف وروي عن العرب لا جرم أنه يفعل بضم الجيم وسكون الراء أي لابد وفعل وفعل إخوان كرشد ورشد وعدم وعدم، وهذه للغة تؤيد القول بالاسمية في اللغة الأخرى ولا تعينها كما لا يخفى، وقد تقدم شيء من الكلام في لا جرم أيضًا فليتذكر.
ولام له في جميع هذه الأوجه لنسبة الدعوة إلى الفاعل على ما سمعت من المعنى، وجوز أن يكون لنسبتها لي المفعول فإن الكفار كانوا يدعون آلهتهم فنفي في الآية دعاءهم إياها على معنى نفي الاستجابة منها لدعائهم إياها، فالمعنى أن ما تدعونني إليه من الأصنام ليس له استجابة دعوة لمن يدعوه أصلًا أو ليس له دعوة مستجابة أي لا يدعي دعاء يستجيبه لداعيه.
فالكلام اما على حذف المضاف أو على حذف الموصوف، وجوز التجوز فيه للدعوة عن استجابتها التي تترتب عليها، وهذا كما سمي الفعل المجازي عليه باسم الجزاء في قولهم: كما تدين تدان هو من باب المشاكلة عند بعض {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى الله} أي مرجعنا إليه تعالى بالموت، وهذا عطف على {إن تَدْعُونَنِى في الآخرة وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى الله وَأَنَّ المسرفين هُمْ أصحاب النار} وفسر ابن مسعود ومجاهد {المسرفين} هنا بالسفاكين للدماء بغير حلها فيكون المؤمن قد ختم تعريضًا بما أفتتح به تصريحًا في قوله: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا} [غافر: 28].
وعن قتادة أنهم المشركون فإن الإشراك اسراف في الضلالة، وعن عكرمة أنهم الجبارون المتكبرون، وقيل: كل غلب شره خيره فهو مسرف والمراد بأصحاب النار ملازموها، فإن أريد بالمسرفين ما يدخل فيه المؤمن أريد بالملازمة العرفية الشاملة للمكث الطويل، وإن أريد بهم ما يخص الكفرة فهي بمعنى الخلود.
{فَسَتَذْكُرُونَ} وقرئ {فَسَتَذْكُرُونَ} بالتشديد أي فسيذكر بعضكم بعضًا عند معاينة العذاب {مَا أَقُولُ لَكُمْ} من النصائح {وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى الله} ليعصمني من كل سوء {إِنَّ الله بَصِيرٌ بالعباد} فيحرس من يلوذ به سبحانه منهم من المكاره، وهذا يحتمل أن يكون جواب توعدهم المفهوم من قوله تعالى: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ في تَبَابٍ} [غافر: 37] أو من قوله سبحانه: {فَوقَاهُ الله سَيّئَاتِ مَا مَكَرُواْ} ويحتمل أن يكون متاركة والتفريع في {فَسَتَذْكُرُونَ} على قوله الأخير: {حِسَابٍ وياقوم مَا لِى أَدْعُوكُمْ} الخ، وجعله من جعل ذلك معطوفًا على {يا قوم ما لي أدعوكم} [غافر: 41] الثاني تفريعًا على جملة الكلام، و{مَا} في {مَا مَكَرُواْ} مصدرية و{السيئات} الشدائد أي فوقاه الله تعالى شدائد مكرءهم {وَحَاقَ بِئَالِ فِرْعَوْنَ} أي بفرعون وقومه، فاستغنى بذكرهم عن ذكره ضرورة أنه أولى منهم بذلك، ويجوز أن يكون آل فرعون شاملًا له عليه اللعنة بأن يراد بهم مطلق كفرة القبط كما قيل في قوله تعالى: {اعلموا ءالَ داود} [سبأ: 13] أنه شامل لداود عليه السلام، وكانوا على ما حكي الاوزاعي ولا اعتقد صحته ألفي ألف وستمائة ألف.
وعن ابن عباس أن هذا المؤمن لما أظهر إيمانه قصد فرعون قتله فهرب إلى جبل فبعث في طلبه ألف رجل فمنهم من أدركه يصلي والسباع حوله فلما هموا ليأخذوه ذبت عنه فأكلتهم، ومنهم من مات في الجبل عطشًا، ومنهم من رجع إلى فرعون خائبًا فاتهمه وقتله وصبله، فالمراد بآل فرعون هؤلاء الألف الذين بعثهم إلى قتله أي فنزل بهم وأصابهم {فِرْعَوْنَ سُوء العذاب} الغرق على الأول وأكل السباع والموت عطشًا والقتل والصلب على ما روى عن ابن عباس والنار عليهما ولعله الأولى، وإضافة {سُوء} إلى العذاب لامية أو من إضافة الصفة للموصوف {النار} مبتدأ وجملة قوله تعالى: {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} خبره والجملة تفسير لقوله تعالى: {وَحَاقَ} [غافر: 45]. إلخ.
وجوز أن تكون {النار} بدلًا من {سُوء العذاب} و{يُعْرَضُونَ} في ضموع الحال منها أو من الآل، وأن تكون النار خبر مبتدأ محذوف هو ضمير {سُوء العذاب} كأنه قيل: ما سوء العذاب؟ فقيل: هو النار، وجملة {يُعْرَضُونَ} تفسير على ما مر، وفي الوجه الأول من تعظيم أمر النار وتهويل عذابها ما ليس في هذا الوجه كما ذكره صاحب الكشاف، ومنشأ التعظيم على ما في الكشف الاجمال والتفسير في كيفية تعذيبهم وإفادة كل من الجملتين نوعًا من التهويل.
الأولى: الإحاطة بعذاب يستحق أن يسمى سوء العذاب.
والثانية: النار المعروض هم عليها غدوًّا وعشيا.
والسر في إفادة تعظيم النار في هذا الوجه دون ما تضمن تفسير {سُوء العذاب} وبيان كيفية التعذيب أنك إذا فسرت {سُوء العذاب} بالنار فقد بالغت في تعظيم سوء العذاب.
ثم استأنفت بيعرضون عليها تتميمًا لقوله تعالى: {وَحَاقَ بِئَالِ فِرْعَوْنَ} من غير مدخل للنار فيما سيق له الكلام، وإذا جئت بالجملتين من غير نظر إلى المفردين وإن أحدهما تفسير للآخر فقد قصدت بالنار قصد الاستدلال حيث جعلتها معتمد الكلام وجئت بالجملة بيانًا وإيضاحًا للأولى كأنك قد آذنت بأنها أوضح لاشتمالها على ما لا أسوأ منه أعني النار؛ على أن من موجبات تقديم المسند إليه إنباؤه عن التعظيم مع اقتضاء المقام له وههنا كذلك على ما لا يخفى، والتركيب أيضًا يفيد التقوى على نحو زيد ضربته.
ومن هنا قال صاحب الكشف: هذا هو الوجه، وأيد بقراءة من نصب {النار} بناء على أنها ليست منصوبة بأخص أو أعني بل بإضمار فعل يفسره {يُعْرَضُونَ} مثل يصلون فإن عرضهم على النار إحراقهم بها من قولهم: عرض الأساري على السيف قتلوا به، وهو من باب الاستعارة التمثيلية بتشبيه حالهم بحال متاع يبرز لمن يريد أخذه، وفي ذلك جعل النار كالطالب الراغب فيهم لشدة استحقاقهم الهلاك، وهذا العرض لأرواحهم.
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن هزيل بن شرحبيل أن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها.
أخرج ابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد عن هزيل بن شرحبيل أن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن ابن مسعود نحو ذلك، وهذه الطير صور تخلق لهم من صور أعمالهم، وقيل ذاك من باب التمثيل وليس بذاك، وذكر الوقتين ظاهر في التخصيص بمعنى أنهم يعرضون على النار صباحًا مرة ومساء مرة أي فيما هو صباح ومساء بالنسبة إلينا، ويشهد له ما أخرجه ابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهما عن أبي هريرة أنه كان له صرختان في كل يوم غدوة وعشية كان يقول أول النهار: ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار، ويقول أول الليل: ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون على النار فلا يسمع أحد صوته إلا استعاذ بالله تعالى من النار، والفصل بين الوقتين إما بترك العذاب أو بتعذبهم بنوع آخر غير النار.
وجوز أن يكون المراد التأبيد اكتفاء بالطرفين المحيطين عن الجميع، وأيًّا ما كان ففي الآية دليل ظاهر على بقاء النفس وعذاب البرزخ لأنه تعالى بعد أن ذكر ذلك العرض قال جل شأنه: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة أَدْخِلُواْ ءالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب} وهو ظاهر في المغايرة فيتعين كون ذلك في البرزخ، ولا قائل بالفرق بينهم وبين غيرهم فيتم الاستدلال على العموم، وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيء إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى» و{يَوْمٍ} على ما استظهره أبو حيان معمول لقول مضمر، والجملة عطف على ما قبلها أي ويوم تقوم الساعة يقال للملائكة: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب أي عذاب جهنم فإنه أشد مما كانوا فيه أو أشد عذاب جهنم فإن عذابها ألوان بعضها أشدّ من بعض، وعن بعض أشد العذاب هو عذاب الهاوية، وقيل: هو معمول {أَدْخِلُواْ}.
وقيل: هو عطف على {عشيًّا} فالعامل فيه {أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ} و{أَدْخِلُواْ} على إضمار القول وهو كما ترى، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والحسن وقتادة وابن كثير، والعربيان وأبو بكر {أَدْخِلُواْ} على أنه أمر لآل فرعون بالدخول أي ادخلوا يا آل فرعون. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)} أعاد نداءهم وعطفت حكايته بواو العطف للإشارة إلى أن نداءه اشتمل على ما يقتضي في لغتهم أن الكلام قد تخطى من غرض إلى غرض وأنه سَيَطْرَق ما يغاير أول كلامه مغايرة مَّا تُشبه مغايرة المتعاطفين في لغة العرب، وأنه سيرتقي باستدراجهم في دَرَج الاستدلال إلى المقصود بعد المقدمات، فانتقل هنا إلى أن أنكر عليهم شيئًا جرى منهم نحوه وهو أنهم أعقبوا موعظتَهُ إياهم بدعوته للإقلاع عن ذلك وأن يتمسك بدينهم وهذا شيء مطوي في خلال القصة دلت عليه حكاية إنكاره عليهم، وهو كلامُ آيسسٍ من استجابتهم لقوله فيه: {فَسَتَذكُرُونَ مَا أقولُ لَكُم} [غافر: 44]، ومُتَوقِّععٍ أذاهم لقوله: {وَأُفَوِّضُ أمْرِي إلَى الله} [غافر: 44]، ولقوله تعالى آخر القصة: {فوقاه الله سيئات ما مكروا} [غافر: 45].
فصرّح هنا وبينّ بأنه لم يزل يدعوهم إلى اتباع ما جاء به موسى وفي اتّباعه النجاة من عذاب الآخرة فهو يدعوهم إلى النجاة حقيقة، وليس إطلاق النجاة على ما يدعوهم إليه بمجاز مرسل بل يدعوهم إلى حقيقة النجاة بوسائط.
والاستفهام في {مَا لِي أدْعُوكم إلى النجاة} استفهام تعجبي باعتبار تقييده بجملة الحال وهي {وتَدْعُونَنِي إلَى النَّارِ} فجملة {وتَدْعُونَنِي إلَى النَّارِ} في موضع الحال بتقدير مبتدأ، أي وأنتم تدعونني إلى النار وليست بعطف لأن أصل استعمال: ما لي أفعل، وما لي لا أفعل ونحوه، أن يكون استفهامًا عن فعل أو حالٍ ثبت للمجرور باللام وهي لام الاختصاص، ومعنى لام الاختصاص يَكسب مدخولها حالةً خَفيًّا سببُها الذي عُلق بمدخول اللام نحو قوله تعالى: {ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللَّه اثّاقلتم إلى الأرض} [التوبة: 38] {ما لي لا أرى الهدهد} [النمل: 20] وقولك لمن يستوقفك: ما لك؟ فتكون الجملة التي بعد اسم الاستفهام وخبره جملة فعلية.
وتركيب: ما لي ونحوه، هو كتركيب: هل لك ونحوه في قوله تعالى: {فقل هل لك إلى أن تزكى} [النازعات: 18] وقول كعب بن زهير:
ألا بلغا عني بُجيرا رسالة ** فهل لك فيما قلتَ ويحْك هلْ لَكَ

فإذا قامت القرينة على انتفاء إرادة الاستفهام الحقيقي انصرف ذلك إلى التعجب من الحالة، أو إلى الإِنكار أو نحو ذلك.
فالمعنى هنا على التعجب يعني أنه يعجب من دعوتهم إياه لدينهم مع ما رأوا من حرصه على نصحهم ودعوتهم إلى النجاة وما أتاهم به من الدلائل على صحة دعوته وبطلان دعوتهم.
وجملة {تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بالله} بيان لجملة {وتدعونني إلى النار} لأن الدعوة إلى النار أمر مجمل مستغرب فبينه ببيان أنهم يدعونه إلى التلبس بالأسباب الموجبة عذاب النار.
والمعنى: تدعونني للكفر بالله وإشراك ما لا أعلم مع الله في الإِلهية.
ومعنى {مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} ما ليس لي بصحته أو بوجوده علم، والكلام كناية عن كونه يعلم أنها ليست آلهة بطريق الكناية بنفي اللازم عن نفي الملزوم.