فصل: قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعطف عليه {وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفَّار} فكان بيانًا لمجمل جملة {أدْعُوكُمْ إلَى النجاة}.
وإبراز ضمير المتكلم في قوله: {وأنا أدعوكم} لإِفادة تقوِّي الخبر بتقديم المسند إليه على خبره الفعلي.
وفعل الدعوة إذا ربط بمتعلق غير مفعوله يعدّى تارة باللام وهو الأكثر في الكلام، ويعدى بحرف إلى وهو الأكثر في القرآن لما يشتمل عليه من الاعتبارات ولذلك علق به معموله في هذه الآية أربع مرات ب إلى ومرة باللام مع ما في ربط فعل الدعوة بمتعلقه الذي هو من المعنويات من مناسبة لام التعليل مثل {تدعونني لأكْفُرَ بالله وأُشْرِكَ بِهِ} وربطِه بما هو ذات بحرف إلى في قوله: {أدْعُوكم إلى النجاة} فإن النجاة هي نجاة من النار فهي نجاة من أمر محسوس، وقوله: {وتدعونني إلى النَّار} وقوله: {وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا} الخ، لأن حرف إلى دالّ على الانتهاء لأن الذي يدعو أحدًا إلى شيء إنما يدعوه إلى أن ينتهي إليه، فالدعاء إلى الله الدعاء إلى توحيده بالربوبية فشبه بشيء محسوس تشبيه المعقول بالمحسوس، وشبه اعتقادُه صحتَه بالوصول إلى الشيء المسعي إليه، وشبهت الدعوة إليه بالدلالة على الشيء المرغوب الوصول إليه فكانت في حرف إلى استعارة مكنية وتخييلية وتبعية، وفي {العَزِيزِ الغفار} استعارة مكنية، وفي {أدعوكم} استعارة تبعية وتخييلية.
وعدل عن اسم الجلالة إلى الصفتين {العَزِيزِ الغفار} لإِدماج الاستدلال على استحقاقه الإِفراد بالإِلهية والعبادة، بوصفه {العزيز} لأنه لا تناله الناس بخلاف أصنامهم فإنها ذليلة توضع على الأرض ويلتصق بها القتام وتلوثها الطيور بذرقها، ولإِدماج ترغيبهم في الإقلاع عن الشرك بأن الموحد بالإِلهية يغفر لهم ما سلف من شركهم به حتى لا ييأسوا من عفوه بعد أن أساءوا إليه.
وجملة {لا جَرَمَ أنما تَدْعُونني} بيان لجملة {تَدْعُونني لأكْفُرَ بِالله}.
وكلمة {لا جَرَم} بفتحتين في الأفصح من لغاتتٍ ثلاث فيها، كلمة يراد بها معنى لا يثبت أو لا بد، فمعنى ثبوته لأن الشيء الذي لا ينقطع هو باق وكل ذلك يؤول إلى معنى حق وقد يقولون: لا ذا جرم، ولا أنَّ ذا جرم، ولا عَنَّ ذا جرم، ولاَ جَرَ بدون ميم ترخيمًا للتخفيف.
والأظهر أن جَرم اسم لا فعل لأنه لو كان فعلًا لكان ماضيًا بحسب صيغته فيكون دخول لا عليه من خصائص استعمال الفعل في الدعاء.
والأكثر أن يقع بعدها أنَّ المفتوحة المشددة فيقدر معها حرف في ملتزمًا حذفه غالبًا.
والتقدير: لا شك في أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة.
وتقدم بيان معنى لا جَرم وأن جرم فعل أو اسم عند قوله تعالى: {لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون} في سورة [هود: 22].
وَمَا صَدَق ما الأصنام وأعيد الضمير عليها مفردًا في قوله: لَيْسَ لَهُ مراعاة لإِفراد لفظ ما.
وقوله: {لاَ جَرم أنَّما تدعونني إليه} إلى قوله: {أصحاب النَّار} واقع موقع التعليل لجملتي {ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار} لأنه إذا تحقق أن لا دعوة للأصنام في الدنيا بدليل المشاهدة، ولا في الآخرة بدلالة الفحوى، فقد تحقق أنها لا تنجي أتباعها في الدنيا ولا يفيدهم دعاؤها ولا نداؤها.
وتحقق إذن أن المرجو للإِنعام في الدنيا والآخرة هو الربّ الذي يدعوهم هو إليه.
وهذا دليل إقناعي غير قاطع للمنازع في إلهية رب هذا المؤمن ولكنه أراد إقناعهم واستحفظهم دليلَه لأنهم سيظهر لهم قريبًا أن رب موسى له دعوة في الدنيا ثقة منه بأنهم سيرون انتصار موسى على فرعون ويرون صرف فرعون عن قتل موسى بعد عزمه عليه فيعلمون أن الذي دعا إليه موسى هو المتصرف في الدنيا فيعلمون أنهُ المتصرف في الآخرة.
ومعنى {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} انتفاء أن يكون الدعاء إليه بالعبادة أو الالتجاء نافعًا لا نفي وقوع الدعوة لأن وقوعها مشاهَد.
فهذا من باب «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وقولهم: ليس ذلك بشيء، أي بشيء نافع، وبهذا تعلم أن دعوة مصدر متحمل معنَى ضمير فاعل، أي ليست دعوةُ داع، وأنّ ضمير له عائد إلى ما الموصولة، أي لا يملك دعوة الداعين، أي لا يملك إجابتهم.
وعطفت على هذه الجملة جملة {وأنَّ مردَّنَا إلى الله} عطفَ اللازم على ملزومه لأنه إذا تبين أن رب موسى المسمى الله هو الذي له الدعوة، تبين أن المرد أي المصير إلى الله في الدنيا بالالتجاء والاستنصار وفي الآخرة بالحكم والجزاء.
ولو عطف مضمون هذه الجملة بالفاء المفيدة للتفريع لكانت حقيقة بها، ولكن عُدل عن ذلك إلى عطفها بالواو اهتمامًا بشأنها لتكون مستقلة الدلالة بنفسها غيرَ باحثثٍ سامعُها على ما ترتبط به، لأن الشيء المتفرع على شيء يعتبر تابعًا له، كما قال الأصوليون في أنّ جوابَ السائل غيرَ المستقل بنفسِه تَابع لعُموم السُّؤال.
وكذلك جملة {وأنَّ المُسْرِفِينَ هُمْ أصحاب النَّارِ} بالنسبة إلى تفرع مضمونها على مضمون جملة {وأنَّ مَرَدَّنا إلى الله} لأنه إذا كان المصير إليه كان الحكم والجزاء بين الصائرين إليه من مُثاب ومعاقب فيتعين أن المعاقَب هم الكافرون بالله.
فالإِسراف هنا: إفراط الكفر، ويشمل ما قيل: إنه أريد هنا سفك الدم بغير حق ليصرف فرعون عن قتل موسى عليه السلام.
والوجه أن يعم أصحاب الجرائم والآثام.
والتعريف فيه تعريف الجنس المفيد للاستغراق وهو تعريض بالذين يُخاطبهم إذْ هُم مسرفون على كل تقدير فهم مسرفون في إفراط كفرهم بالرب الذي دعا إليه موسى، ومسرفون فيما يستتبعه ذلك من المعاصي والجرائم فضمير الفصل في قوله: {هُمْ أصحاب النَّارِ} يفيد قصرًا ادعائيًا لأنهم المتناهون في صحبة النار بسبب الخلود بخلاف عصاة المؤمنين، وهذا لِحَمل كلام المؤمن على موافقة الواقع لأن المظنون به أنه نبي أو مُلْهَم وإلاّ فإن المقام مقام تمييز حال المؤمنين من حال المشركين، وليس مقام تفصيل درجات الجزاء في الآخرة.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)} هذا الكلام متاركة لقومه وتنهية لخطابه إياهم ولعله استشعر من ملامحهم أو من مقاطعتهم كلامه بعبارات الإِنكار، ما أيْأَسَه من تأثرهم بكلامه، فتحدّاهم بأنهم إن أعرضوا عن الانتصاح لنصحه سيندمون حين يرون العذاب إما في الدنيا كما اقتضاه تهديده لهم بقوله: {إنِّي أخافُ عليكم مِثْلَ يَوْممِ الأحْزَابِ} [غافر: 30]، أو في الآخرة كما اقتضاه قوله: {إنِّي أخافُ عليكم يَومَ التَّنادِ} [غافر: 32]، فالفاء تفريع على جملة {ما لِيَ أدْعُوكم إلى النجاة وتَدْعُونني إلى النَّار} [غافر: 41].
وفعل {ستذكرون} مشتق من الذُّكْر بضم الذال وهو ضد النسيان، أي ستذكرون في عقولكم، أي ما أقول لكم الآن يحضر نصب بصائركم يوم تحققه، فشبه الإِعراض بالنسيان ورمز إلى النسيان بما هو من لوازمه في العقل مُلازمةَ الضد لضده وهو التذكر على طريقة المكنية وفي قرينتها استعارة تبعية.
والمعنى سيحلّ بكم من العذاب ما يُذَكِّركم ما أقوله: إنَّه سيحل بكم.
وجملة {وَأُفَوِّضُ أمرِي إلى الله} عطف على جملة {ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار} ومساق هذه الجملة مساق الانتصاف منهم لما أظهروه له من الشرّ، يعني: أني أَكِل شأني وشأنكم معي إلى الله فهو يجزي كل فاعل بما فعل، وهذا كلام مُنصِف فالمراد ب {أمري} شأني ومُهمّي.
ويدل لمعنى الانتصاف تعقيبه بقوله: {إن الله بَصيرٌ بالعِبَادِ} معللًا تفويض أمره معهم إلى الله بأن الله عليم بأحوال جميع العباد فعموم العباد شَمِله وشمل خصومَهُ.
وقال في الكشاف قوله: {وأُفَوِّضُ أمرِي إلى الله} لأنهم توعدوه. اهـ.
يعني أن فيه إشعارًا بذلك بمعونة ما بعده.
و{العباد} الناس يطلق على جماعتهم اسم العباد، ولم أر إطلاق العبد على الإِنسان الواحد ولا إطلاق العبيد على الناس.
والبصير: المطلع الذي لا يخفى عليه الأمر.
والبَاء للتعدية كما في قوله تعالى: {فبصرت به عن جنب} [القصص: 11]، فإذا أرادوا تعدية فعل البصر بنفسه قالوا: أبصره.
{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)} تفريع {فَوَقاهُ الله} مؤذن بأنهم أضمروا مكرًا به.
وتسميته مكرًا مؤذن بأنهم لم يُشعروه به وأن الله تكفل بوقايته لأنه فوَّض أمره إليه.
والمعنى: فأنجاه الله، فيجوز أن يكون نجا مع موسى وبني إسرائيل فخرج معهم، ويجوز أن يكون فرّ من فرعون ولم يعثروا عليه.
و ما مصدرية.
والمعنى: سيئات مكْرهم.
وإضافة {سيئات} إلى {مكر} إضافة بيانية، وهي هنا في قوة إضافة الصفة إلى الموصوف لأن المكر سيّء.
وإنما جُمع السيئات باعتبار تعدد أنواع مكرهم التي بيّتوها.
وحَاق: أحاط.
والعذاب: الغَرَق.
والتعريف للعهد لأنه مشهور معلوم.
وتقدم له ذكر في السور النازلة قبل هذه السورة.
ومناسبة فعل {حَاق} لذلك العذاب أنه مما يَحيق على الحقيقة، وإنما كان الغَرَق سوء عذاب لأن الغريق يعذب باحتباس النفَس مدة وهو يطفو على الماء ويغوص فيه ويُرعبه هول الأمواج وهو مُوقن بالهلاك ثم يكون عُرضة لأكْل الحيتان حيًّا وميِّتًا وذلك ألم في الحياة وخزي بعد الممات يُذكرون به بين الناس.
وقوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عليها غُدُوًا وعَشيًا} يجوز أن يكون جملة وقعت بدلًا من جملة {وحاق بآل فرعون سوء العذاب} فيجعل {النَّار} مبتدأ ويجعل جملة {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} خبرًا عنه ويكون مجموع الجملة من المبتدأ وخبره بدل اشتمال من جملة {وحَاقَ بِآللِ فِرعون سُوءُ العَذَّابِ} لأن سوء العذاب إذا أريد به الغرق كان مشتملًا على موتهم وموتُهم يشتمل على عرضهم على النار غدُوًّا وعشِيًّا، فالمذكور عَذَابَان: عذاب الدنيا وعذابُ الغرق وما يلحق به من عذاببٍ قبل عذاب يوم القيامة.
ويجوز أن يكون {النار} بدلًا مفردًا من {سُوءُ العَذَابِ} بدلًا مطابقًا وجملة {يُعْرَضُونَ عليها} حالًا من {النار} فيكون المذكور في الآية عذابًا واحدًا ولم يذكر عَذاب الغرق.
وعلى كلا الوجهين فالمذكور في الآية عذاب قبل عذاب يوم القيامة فذلك هو المذكور بعده بقوله: {ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ادْخِلُوا ءالَ فِرْعَونَ أشَدَّ العَذَابِ}.
والعرض حقيقته: إظهار شيء لمن يراه لترغيب أو لتحذير وهو يتعدّى إلى الشيء المظْهَر بنفسه وإلى من يُظهَر لأجله بحرف على، وهذا يقتضي أن المعروض عليه لا يكون إلا من يَعقل ومنزّلًا منزلة من يعقل، وقد يقلب هذا الاستعمال لقصد المبالغة كقول العرب عرضتُ الناقةَ على الحوض، وحقه: عرضت الحوض على الناقة، وهو الاستعمال الذي في هذه الآية وقوله في سورة الأحقاف (20) {ويوم يعرض الذين كفروا على النار} وقد عدَّ علماء المعاني القلب من أنواع تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ومثلوا له بقول العرب: عرضت الناقة على الحوض.
واختلفوا في عدّه من أفانين الكلام البليغ فعدّه منها أبو عبيدة والفارسي والسكاكي ولم يقبله الجمهور، وقال القزويني: إن تضمن اعتبارًا لطيفًا قُبِل وإلاّ رُدّ.
وعندي أن الاستعمالين على مقتضى الظاهر وأن العَرض قد كثر في معنى الإمرار دون قصد الترغيب كما يقال: عُرض الجيش على أميره واستعرضه الأمير.
ولعلّ أصله مجاز ساوى الحقيقة فليس في الآيتين قلب ولا في قول العرب: عرضت الناقة على الحوض، قَلب، ويقال: عُرض بنو فلان على السيف، إذا قُتلوا به.
وخرج في الكشف آية الأحقاففِ على قولهم: عُرض على السيففِ.
ومعنى عرضهم على النار أن أرواحهم تُشاهِد المواضع التي أعدت لها في جهنم، وهو ما يبينه حديث عبد الله بن عُمر في الصحيح قال: قال رسول الله: «إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقْعَدُه بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثَك الله يوم القيامة».
وقولُه: {غُدُوًّا وعَشِيًّا} كناية عن الدوام لأن الزمان لا يخلو عن هاذين الوقتين.
وقوله: {ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة أدْخِلوا ءالَ فِرْعون أشدَّ العَذَابِ} هذا ذكر عذاب الآخرة الخالد، أي يُقال: أَدخلوا آل فرعون أشد العذاب، وعلم من عذاب آل فرعون أن فرعون داخل في ذلك العذاب بدلالة الفحوى.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص وأبو جعفر ويعقوب {أدخلوا} بهمزة قطع وكسر الخاء.
وقرأ الباقون بهمزة وصل وضم الخاء على معنى أن القول مُوجّه إلى آل فرعون وأن {ءَالَ فِرْعَونَ} منادى بحذف الحرف. اهـ.

.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23)} ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه أرسل نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، بآياته وحججه الواضحة كالعصا واليد البيضاء إلى فرعون وهامان وقارون فكذبوهن وزعموا أنه ساحر.
وأوضح هذا المعنى، في آيات كثيرة كقوله تعالى عن فرعون وقومه: {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا} [الأعراف: 132]، وقوله تعالى عن فرعون {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر} [طه: 71]. وقوله تعالى: {قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} [الشعراء: 34] والآيات بمثل ذلك كثيرة. وقد بيناها في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك.
{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)} ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، عاذ بربه، أي اعتصم به، وتمنع من كل متكبر، أي متصف بالكبر، لا يؤمن بيوم الحساب، أي لا يصدق بالبعث والجزاء.
وسبب عياذ موسى بربه المذكور، أن فرعون قال لقومه: {ذروني أَقْتُلْ موسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد} [غافر: 26].
فعياذ موسى المذكور بالله إنما هو في الحقيقة من فرعون، وإن كانت العبارة أعم من خصوص فرعون، لأن فرعون لا شك أنه متكبر، لا يؤمن بيوم الحساب فهو داخل في الكلام دخولًا أوليًّا، وهو المقصود بالكلام.