فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{لَخَلْقُ السموات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} تحقيق للحق وتبيين لأشهر ما يجادلون فيه من أمر البعث الذي هو كالتوحيد في وجوب الايمان به على منهاج قوله تعالى: {أَوَ لَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} [يس: 81] وإضافة {خُلِقَ} إلى ما بعده من إضافة المصدر إلى مفعوله أي لخلق الله تعالى السماوات والأرض أعظم من خلقه سبحانه الناس لأن الناس بالنسبة إلى تلك الأجرام العظيم كلا شيء، والمراد أن من قدر على خلق ذلك فهو سبحانه على خلق ما لا يعد شيئًا بالنسبة إليه بدأ وإعادة أقدر وأقدر.
وقال أبو العالية: الناس الدجال وهو بناء على ما روى عنه في المجادلين، ولعمري أن تطبيق هذا ونحوه على ذلك في غاية البعد وأنا لا أقول به {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} وهم الكفرة، ولما كان ما قبل لإثبات البعث الذي يشهد له العقل وتقتضيه الحكم اقتضاء ظاهرًا ناسب نفي العلم عمن كفر به لأنهم لو كانوا من العقلاء الذين من شأنهم التدبر والتفكر فيما يدل عليه لم يصدر عنهم إنكاره، ولم يذكر للعلم مفعولًا لأن المناسب للمقام تنزيله منزلة اللازم، وقيل: المراد لا يعلمون أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس أي لا يجرون على موجب العلم بذلك من الإقرار بالبعث ومن لا يجري على موجب علمه هو والجاهل سواء.
وفي البحر أنه تعالى نبه على أنه لا ينبغي أن يجادل في آيات الله ولا يتكبر الإنسان بقوله سبحانه: {لَخَلْقُ} إلخ أي أن مخلوقاته تعالى أكبر وأجل من خلق البشر فما لأحدهم يجادل ويتكبر على خالقه سبحانه وتعالى ولكن أكثر الناس لا يعلمون لا يتأملون لغلبة الغفلة عليهم ولذلك جادلوا وتكبروا، ولا يخفى أنه تفسير قليل الجدوى.
{وَمَا يَسْتَوِى الاعمى والبصير} أي الغافل عن معرفة الحق في مبدئه ومعاده ومن كانت له بصيرة في معرفتها، وتفسير {البصير} بالله تعالى و{الاعمى} بالصنم غير مناسب هنا {والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} أي المحسن ولذا قوبل بقوله تعالى: {وَلاَ المسىء} وعدل عن التقابل الظاهر كما في الأعمى والبصير إلى ما في النظم الجليل إشارة إلى أن المؤمنين علم في الإحسان، وقدم {الاعمى} لمناسبة العمى ما قبله من نفي العلم، وقدم الذين آمنوا بعد لمجاورة البصير ولشرفهم، وفي مثله طرق أن يجاور كل ما يناسبه كما هنا، وأن يقدم ما يقابل الأول ويؤخر ما يقابل الآخر كقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِى الاعمى والبصير وَلاَ الظلمات وَلاَ النور وَلاَ الظل وَلاَ الحرور} [فاطر: 19- 21] وأن يؤخر المتقابلان كالأعمى والأصم والسميع والبصير وكل من باب التفنن في البلاغة وأساليب الكلام، والمقصود من نفي استواء من ذكر بيان أن هذا التفاوت مما يرشد إلى البعث كأنه قيل: ما يستوي الغافل والمستبصر والمحسن والمسيء فلابد أن يكون لهم حال أخرى يظر فيها ما بين الفريقين من التفاوت وهي فيما بعد البعث.
وأعيدت {لا} في المسيء تذكيرًا للنفي السابق لما بينهما من الفصل بطول الصلة، ولأن المقصود بالنفي أن الكافر المسيء لا يساوي المؤمن المحسن، وذكر عدم مساواة الأعمى للبصير توطئة له، ولو لم يعد النفي فيه فربما ذهل عنه وظن أنه ابتداء كلام، ولو قيل: ولا الذين آمنوا والمسيء لم يكن نصًا فيه أيضًا لاحتمال أنه مبتدأ كلام، ولو قيل: ولا الذين آمنوا والمسيء لم يكن نصًا فيه أيضًا لاحتمال أنه مبتدأ و{قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} خبره وجمع على المعنى قاله الخفاجي، وهو إن تم فعلى القراءة بياء الغيبة، وقيل: لم يقل ولا الذين آمنوا والمسيء لأن المقصود نفي مساواة المسيء للمحسن لا نفي مساواة المحسن له إذ المراد بيان خسارته ولا يصفو عن كدر فتدبر، والموصول مع عطف عليه معطوف على {الأعمى} مع ما عطف عليه عطف المجموع على المجموع كما في قوله تعالى: {هُوَ الأول والاخر والظاهر والباطن} [الحديد: 2] ولم يترك العطف بينهما بناء على أن الأول مشبه به والثاني مشبه وهما متحدان مآلًا لأن كلا من الوصفين الأولين مغاير لكل من الوصفين الأخيرين وتغاير الصفات كتغاير الذوات في صحة التعاطف، ووجه التغاير أن الغافل والمستبصر والمحسن والمسيء صفات متغايرة المفهوم بقطع النظر عن اتحاد ما صدقهما وعدمه، وقيل: التغاير بين الوصفين الأولين والوصفين الأخيرين من جهة أن القصد في الأولين إلى العلم، وفي الأخيرين إلى العمل، وهو وجه لا بأس به، وقيل: هما وإن اتحدا ذاتًا متغايران اعتبارًا من حيث أن الثاني صريح والأول مذكور على طريق التمثيل، ونظر فيه بأنه لو اكتفى بمجرد هذه المغايرة لزم جواز عطف المشبه على المشبه به وعكسه.
{قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} أي تذكرًا قليلًا تتذكرون.
وقرأ الجمهور والأعرج والحسن وأبو جعفر وشيبة بياء الغيبة والضمير للناس أو الكفار، قال الزمخشري: والتاء أعم، وعلله صاحب التقريب بأن فيه تغليب الخطاب على الغيبة، وقال القاضي: إن التاء للتغليب أو الالتفات أو أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمخاطبة أي بتقدير قل قبله، وآثر العلامة الطيبي الالتفات لأن العدول من الغيبة إلى الخطاب في مقام التوبيخ يدل على العنف الشديد والإنكار البليغ، فهذه الآية متصلة بخلق السماوات وهو كلام مع المجادلين.
وتعقبه صاحب الكشف بأنه يجوز أن يجعل ما ذكر نكتة التغليب فيكون أولى لفائدة التعميم أيضًا فليفهم، والظاهر أن التغليب جار على احتمال كون الضمير للناس واحتمال كونه للكفار لأن بعض الناس أو الكفار مخاطب هنا؛ والتقليل أيضًا يصح إجراؤه على ظاهره لأن منهم من يتذكر ويهتدي، وقال الجلبي: الضمير إذا كان للناس فالتقليل على معناه الحقيقي والمستثنى هم المؤمنون وإذا كان للكفار فهو بمعنى النفي، ثم الظاهر أن المخاطب من خاطبه صلى الله عليه وسلم من قريش فمن قال: المخاطب هو النبي عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى: {فاصبر} [غافر: 55] ولا يناسب إدخاله فيمن لم يتذكر فقدسها ولم يتذكر.
{إِنَّ الساعة لاَتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا} أي في مجيئها أي لابد من مجيئها ولا محالة لوضوح الدلالة على جوازها وإجماع الأنبياء على الوعد الصادق بوقوعها.
ويجوز أن يكون المعنى أنها آتية وأنها ليست محلًا للريب أي لوضوح الدلالة إلى آخر ما مر، والفرق أن متعلق الريب على الأول المجيء وعلى هذا الساعة والحمل عليه أولى.
{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ} لا يصدقون بها لقصور نظرهم على ما يدركونه بالحواس الظاهرة واستيلاء الأوهام على عقولهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّ الذين يجادلون في ءايات الله بِغَيْرِ سلطان أتاهم إِن في صُدُورِهِمْ إلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبلِغِهِ}.
جرى الكلام من أول السورة إلى هنا في مَيدان الرد على مجادلة المشركين في آيات الله ودَحض شُبههم وتوعدهم على كفرهم وضرب الأمثال لهم بأمثالهم من أهل العناد ابتداء من قوله: {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} [غافر: 4] وقوله: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم} [غافر: 21]، كما ذُكرت أمثال أضدادهم من أهل الإِيمان من حَضَر منهم ومَن غَبَرَ من قوله: {ولقد أرسلنا موسى بئاياتنا وسلطان مبين إلى فرعون} [هود: 96- 97] ثم قوله: {وقال رجل مؤمن من ءال فرعون} [غافر: 28]، وخُتم ذلك بوعد النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالنصر كما نُصر النبيئون من قبله والذين آمنوا بهم، وأُمر بالصبر على عناد قومه والتوجه إلى عبادة ربه، فكان ذكر الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان عقب ذلك من باب المثل المشهور: الشيء بالشيء يُذكر.
وبهذه المناسبة انتقل هنا إلى كشف ما تكنه صدور المجادلين من أسباب جدالهم بغير حق، ليَعلم الرسول صلى الله عليه وسلم دخيلتهم فلا يحسب أنهم يكذبونه تنقصًا له ولا تجويزًا للكذب عليه، ولكن الذي يدفعهم إلى التكذيب هو التكبر عن أن يكونوا تبعًا للرسول صلى الله عليه وسلم ووراء الذين سبقوهم بالإِيمان ممن كانوا لا يعبَأون بهم.
وهذا نحو قوله تعالى: {قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} [الأنعام: 33].
فقوله: {إنَّ الذينَ يُجادلُونَ في ءاياتت الله} الآية استئناف ابتدائي وهو كالتكرير لِجملة {الذين يجادلون في ءايات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتًا عند الله} [غافر: 35] تكرير تعداد للتوبيخ عند تنهية غرض الاستدلال كما يوقَّف الموبخ المرة بعد المرة.
و{الذِينَ يجادلون} هم مشركو أهل مكة وهم المخبَر عنهم في قوله أولَ السورة: {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد} [غافر: 4].
ومعنى المجادلة في آيات الله تقدم هنالك.
ويتعلق قوله: {بِغَيْرِ سلطان} ب {يجادلون} والباء للمصاحبة، أي مصاحب لهم غير سلطان، أي غير حجة، أي أنهم يجادلون مجادلة عناد وغصْب.
وفائدة هذا القيد تشنيع مجادلتهم وإلا فإن المجادلة في آيات الله لا تكون إلا بغير سلطان لأن آيات الله لا تكون مخالفة للواقع فهذا القيد نظير القيد في قوله: {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} [القصص: 50]، وكذلك وصف {سلطان} بجملة {أتاهم} لزيادة تفظيع مجادلتهم بأنها عرية عن حجة لديهم فهم يجادلون بما ليس لهم به علم، وتقدم نظير أول هذه الآية في أثناء قصة موسى وفرعون في هذه السورة.
و{إنْ} في قوله: {إن في صُدُورِهم إلاَّ كِبْرٌ} نافية والجار والمجرور خبر مقدم، والاستثناء مفرّغ، و{كبر} مبتدأ مؤخَّر، والجملة كلها خبر عن {الَّذِينَ يُجادلون}.
وأطلق الصدور على القلوب مجازًا بعلاقة الحلول، والمراد ضمائر أنفسهم، والعرب يطلقون القلب على العقل لأن القلب هو الذي يحس الإِنسان بحركته عند الانفعالات النفسية من الفرح وضده والاهتماممِ بالشيء.
والكِبْر من الانفعالات النفسية، وهو: إدراك الإِنسان خواطر تشعره بأنه أعظم من غيره فلا يرضى بمساواته بَلْهَ متابعته، وتقدم في تفسير قوله تعالى: {إلا إبليس أبى واستكبر} في سورة [البقرة: 34].
والمعنى: ما يحملهم على المجادلة في آيات الله إلا الكِبر على الذي جاءهم بها وليست مجادلتهم لدليل لاح لهم.
وقد أثبت لهم الكبرَ الباعثَ على المجادلة بطريق القصر ليُنفَى أن يكون داعيهم إلى المجادلة شيء آخر غير الكِبْر على وجه مؤكد، فإن القصر تأكيد على تأكيد لما يتضمنه من إثبات الشيء بوجه مخصوص مؤكِّد، ومن نفي ما عداه فتضمن جملتين.
وجملة {ما هُمْ بِبالِغِيه} يجوز أن تكون معترضة، ويجوز أن تكون في موضع الصفة ل {كبر} وحقيقة البلوغ: الوصول، قال تعالى: {إلى بلد لم تكونوا بالغيبة إلا بشق الأنفس} [النحل: 7] ويطلق على نوال الشيء وتحصيله مجازًا مرسلًا كما في قوله تعالى: {ما بلغوا معشار ما آتيناهم} [سبأ: 45] وهو هنا محمول على المعنى المجازي لا محالة، أي ما هم ببالغي الكِبر.
وإذ قد كان الكبر مثبتًا حصوله في نفوسهم إثباتًا مؤكدًا بقوله: {إنَّ في صُدُورهم إلاَّ كِبرٌ} تعيّن أن نفي بلوغهم الكِبر منصرف إلى حالات الكِبر: فإما أن يراد نفي أهليتهم للكبر إذ هم أقل من أن يكون لهم الكبر كقوله تعالى: {ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقون: 8] أي لا عزة حقًا لهم، فالمعنى هنا: كِبْر زيفٌ، وإما أن يراد نفي نوالهم شيئًا من آثار كِبْرهم مثل تحقير الذين يتكبرون عليهم مثل احتقار المتكبر عليهم ومخالفتهم إياهم فيما يدعونهم إليه فضلًا عن الانتظام في سلك اتباعهم، وإذلالهم، وإفْحام حجتهم، فالمعنى: ما هم ببالغين مرادهم الذي يأملونه منك في نفوسهم الدالة عليه أقوالهم مثل قولهم: {نتربص به ريب المنون} [الطور: 30] وقولهم: {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} [فصلت: 26] ونحو ذلك من أقوالهم الكاشفة لآمالهم.
فتنكير: {كبر} للتعظيم، أي كبر شديد بتعدد أنواعه، وتمكنه من نفوسهم، فالضمير البارز في {ببالغيه} عائد إلى الكبر على وجه المجاز بعلاقة السببية أو المسببية، والداعي إلى هذا المجاز طلب الإِيجاز لأن تعليق نفي البلوغ باسم ذات الكبر يشمل جميع الأحوال التي يثيرها الكِبر، وهذا من مقاصد إسناد الأحكام إلى الذوات إن لم تقم قرينة على إرادة حالة مخصوصة، كما في قوله تعالى: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم} [الزخرف: 32] أي جميع أحوال معيشتهم.
فشمل قوله: {ما هم ببالغيه} عدم بلوغهم شيئًا مما ينطوي عليه كِبرُهم، فما بلغوا الفضل على غيرهم حتى يتكبروا، ولا مطمع لهم في حصول آثار كبرهم، كما قال تعالى: {لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتوًا كبيرًا} [الفرقان: 21].
وقد نُفي أن يبلغوا مرادهم بصوغه في قالب الجملة الاسمية لإِفادتها ثبات مدلولها ودوامه، فالمعنى، أنهم محرومون من بلوغه حرمانًا مستمرًا، فاشتمل تشويه حالهم إثباتًا ونفيًا على خصوصيات بلاغية كثيرة.
ومن المفسرين من جعل مَا صَدْقَ: {الذين يجادلون في ءايات الله} هنا اليهودَ، وجعله في معنى قوله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} [النساء: 54]، وارتقى بذلك إلى القول بأن هذه الآية مدنية ألحقت بالسورة المكية كما تقدم في مقدمة تفسير السورة، وأيدوا تفسيرهم هذا بآثار لو صحت لم تكن فيها دلالة على أكثر من صلوحية الآية لأن تُضرب مثلًا لكل فريق يجادلون في آيات الله بغير سلطان جدالًا يدفعهم إليهم الكبر.
{ببالغيه فاستعذ بالله إِنَّهُ هُوَ السميع} لما ضمن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن الذين يجادلونه فيما جاءهم به يحدوهم إلى الجدال كبرهم المنطوي على كيدهم وأنهم لا يبلغون من أضمروه وما يضمرونه، فَرّع على ذلك أن أَمَرَه بأن يجعل الله معاذه منهم، أي لا يعبأ بما يبيتونه، أي قدم على طلب العوذ بالله.
وحذف متعلق استعذ لقصد تعميم الاستعاذة من كل ما يخاف منه.
وجملة {إنَّه هوَ السَّمِيع البصِير} تعليل للأمر بالدوام على الاستعاذة، أي لأنه المطلع على أقوالهم وأعمالهم وأنت لا تحيط علمًا بتصاريف مكرهم وكيدهم.
والتوكيد بحرف إنّ، والحصرُ بضمير الفصل مراعى فيه التعريض بالمتحدث عنهم وهم الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان.
والمعنى: أنه هو القادر على إبطال ما يصنعونه لا أنت فكيف يتم لهم ما أضمروه لك.
{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)} مناسبة اتصال هذا الكلام بما قبله أن أهم ما جادلوا فيه من آيات الله هي الآيات المثبِتة للبعث وجدالهم في إثبات البعث هو أكبر شبهة لهم ضللت أنفسهم وروجوها في عامَّتهِم فقالوا: {أإذا كنا ترابًا أإنا لفي خلق جديد} [الرعد: 5].
فكانوا يسخرون من النبي صلى الله عليه وسلم لأجل ذلك {وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد أفترى على اللَّه كذبًا أم به جنة} [سبأ: 7، 8]، ولما كانوا مقرّين بأن الله هو خالق السماوات والأرض أقيمت عليهم الحجة على إثبات البعث بأنّ بعْث الأموات لا يبلغ أمره مقدار أمر خلق السماوات والأرض بالنسبة إلى قدرة الله تعالى.