فصل: أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {الله الذي جعل لكم الأرض قرارا}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {الله الذي جعل لكم الأرض قرارا}:

ذكر ابن كثير يرحمه الله ما نصه: أي جعلها لكم مستقرا، تعيشون عليها وتتصرفون فيها، وتمشون في مناكبها.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين رحمهما الله رحمة واسعة ما نصه: اي مكانا لاستقراركم وحياتكم.
وجاء في الظلال رحم الله كاتبها رحمة واسعة ما نصه:.... والأرض قرار صالح لحياة الإنسان بتلك الموافقات الكثيرة التي أشرنا إلي بعضها إجمالا.
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن علي كاتبه من الله الرضوان ما نصه: {الأرض قرارا} مستقرا تعيشون فيها.
وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم جزي الله المشاركين في كتابته خير الجزاء ما نصه: الله وحده الذي جعل لكم الأرض مستقرة صالحة لحياتكم عليها.
وجاء في صفوة التفاسير جزي الله كاتبها خير الجزاء ما نصه: أي جعلها مستقرا لكم في حياتكم وبعد مماتكم، قال ابن عباس: جعلها منزلا لكم في حال الحياة وبعد الموت.
{الله الذي جعل لكم الأرض قرارا} في مفهوم العلوم المكتسبة.
جاء ذكر هذه الحقيقة في كتاب الله مرتين: أولاهما في سورة النمل حيث يقول ربنا تبارك وتعالى: {أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أءله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون} (النمل 61).
وتكرر هذا السؤال: أءله مع الله؟ خمس مرات في خمس آيات متتاليات من سورة النمل استنكارا لشرك المشركين بالله...!!
ويأتي الجواب قاطعا جازما حاسما في كل مرة:
{بل هم قوم يعدلون} (النمل:60).
{بل أكثرهم لا يعلمون} (النمل:61).
{قليلا ما تذكرون} (النمل:62).
{تعالى الله عما يشركون} (النمل:63).
{قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (النمل:64).
وتسبق هذه الآيات الخمس بالحقيقة القاطعة التي يقررها ربنا تبارك وتعالى لذاته العلية علي لسان هدهد سليمان بقوله الحق: {الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} (النمل:26).
والمرة الثانية التي جاءت فيها الإشارة إلي جعل الأرض قرارا هي الأية التي نحن بصددها من سورة غافر والتي يقول فيها الحق تبارك وتعالى: {الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين} [غافر: 64].
وواضح من دلالة اللغة، ومن شروح المفسرين أن التعبير جعل الأرض قرارا تعني مستقرا في ذاتها، وقرار للحياة علي سطحها، وهما قضيتان مختلفتان ولكنهما متصلتان اتصالا وثيقا ببعضهما علي النحو التالي:
أولا: جعل الأرض قرارا بمعني مستقرة بذاتها الأرض ثالثة الكواكب السيارة الداخلية جريا حول الشمس، ويسبقها من هذه الكواكب الداخلية قربا من الشمس كل من عطارد والزهرة علي التوالي، ويليها إلي الخارج أي بعدا عن الشمس بالترتيب: المريخ، المشتري، زحل يورانوس نبتيون، وبلوتو، وهناك مدار لمجموعة من الكويكبات بين كل من المريخ والمشتري يعتقد بأنها بقايا لكوكب عاشر انفجر منذ زمن بعيد، كما أن الحسابات الفلكية التي قام بها عدد من الفلكيين الروس تشير إلي أحتمال وجود كوكب حادي عشر لم يتم رصده بعد اطلقوا عليه اسم بروسوبينا أو بريينا.
وبهذا يصبح عدد كواكب المجموعة الشمسية أحد عشر كوكبا، وهنا يبرز التساؤل عن إمكانية وجود علاقة ما بين هذه الحقيقة الفلكية التي لم تكتمل معرفتها إلا في أواخر القرن العشرين وبين رؤيا سيدنا يوسف علي نبينا وعليه من الله السلام التي يصفها الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه بقوله: {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} [يوسف: 4].
وإن كان ظاهر الأمر في السورة الكريمة أن المقصود هو ما تحقق بالفعل بعد تلك الرؤيا بسنين عديدة من سجود إخوة يوسف الأحد عشر وأبويه له عند قدومهم إلي مصر من بادية الشام، وعلي الرغم من ذلك فإن هذه العلاقة لا يمكن استبعادها، وهذا السبق القرآني بالإشارة إليها لايمكن تجاهله....!!
والأرض عبارة عن كوكب صخري، شبه كروي له الأبعاد التالية:
متوسط قطر الأرض =12،742 كيلو متر.
متوسط محيط الأرض =40،042 كيلو متر.
مساحة سطح الأرض =510،000،000 كيلو متر مربع منها:
149 مليون كم 2 يابسة.
361 مليون كم 2 ماء.
حجم الأرض =108،000،000 كيلو متر مكعب.
متوسط كثافة الأرض =5،52 جرام / للسنتيمتر المكعب.
كتلة الأرض =5520 مليون مليون مليون طن.
متوسط كثافة الصخور في قشرة الأرض =2،5 جرام / للسنتيمتر المكعب.
متوسط كثافة الصخور الجرانيتية المكونة لكتل القارات =2،7 جرام / للسنتيمتر المكعب.
متوسط كثافة الصخور البازلتية المكونة لقيعان المحيطات =2،9 جرام / للسنتيمتر المكعب.
{أمن جعل الأرض قرارا} وبمقارنة متوسط كثافة الصخور المكونة لقشرة الأرض والتي تتراوح بين 2،9،2،5 جرام للسنتيمتر المكعب مع متوسط كثافة الأرض ككل والمقدرة بحوالي 5،52 جرام للسنتيمتر المكعب ثبت أن كثافة المادة المكونة للأرض تزداد باستمرار من سطحها في اتجاه مركزها حيث تتراوح الكثافة من 10 إلي 13،5 جرام للسنتيمتر المكعب ويفسر ارتفاع متوسط الكثافة بالقرب من مركز الأرض بوجود نسبة عالية من الحديد، وغيره من العناصر الثقيلة في قلب الأرض، وتناقص نسبة هذه العناصر الثقيلة بالتدريج في اتجاه قشرة الأرض.
وتقدر نسبة الحديد في الأرض بحوالي 35،9% من مجموع كتلة الأرض المقدرة بحوالي 5520 مليون مليون مليون طن، وعلي ذلك فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بحوالي الألف وخمسمائة مليون مليون مليون طن، ويتركز هذا الحديد في قلب الأرض علي هيئة كرة ضخمة من الحديد 90% والنيكل 9% وبعض العناصر الخفيفة من مثل السيليكون، والكربون والفوسفور والكبريت والتي لاتشكل في مجموعها أكثر من 1% مما يعرف باسم لب الأرض، والذي تشكل كتلته 31% من كتلة الأرض، ويمثل طول قطره حوالي 55% من طول قطر الأرض، أما باقي الحديد في الأرض 5،9% من كتلة الأرض فيتوزع علي باقي كتلة الأرض وشاح الأرض وغلافها الصخري بسمك يقدر بحوالي ثلاثة آلاف كيلو متر 2895 كيلو مترا في تناقص مستمر يصل بنسبة الحديد في الغلاف الصخري للأرض إلي 5،6%.
وتركيز هذه الكتلة الهائلة من الحديد وغيره من العناصر الثقيلة في قلب الأرض من وسائل جعله جرما مستقرا في ذاته.
وهنا تأتي الإشارة القرآنية إلي تلك الحقيقة سبقا يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق، ويشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة لأن أحدا في زمانه ولا لقرون متطاولة من بعده لم يكن له علم بهذه الحقيقة التي لم يكتشفها الإنسان إلا في القرن العشرين، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها} [الزلزلة: 1- 2].
ولو أن الزلزال المقصود هنا هو زلزال الآخرة عند نفخة البعث، إلا أن الحقيقة المصاحبة للهزة الأرضية تبقي واحدة، ولو أن المفسرين السابقين قد رأوا في أثقال الأرض إشارة ضمنية إلي أجساد الموتي بما تحمل من أوزار والتي تلفظها الأرض من داخل بطنها بسبب هذا الزلزال الأخير، تلفظهم أحياء للحساب والجزاء، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصف لبعث الأموات صورة مغايرة لذلك.
والأثقال جمع ثقل بكسر فسكون وهو الحمل الثقيل، أو جمع ثقل بالتحريك وهو كل نفيس مصون.
وفي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الاسطوانة من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا».
وهذا الحديث الشريف يؤكد أن المقصود بأثقال الأرض في سورة الزلزلة هو الأحمال الثقيلة كما أثبتت الدراسات العلمية الحديثة، وليست أجساد الموتي فقط كما تخيل العديد من المفسرين السابقين، وهذا سبق علمي قرآني ونبوي معجز لأن أحدا من البشر لم يكن له علم بأن أثقال الأرض في جوفها حتي القرن العشرين.
ويقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي مائة وخمسين مليونا من الكيلومترات، وهذه المسافة قد حددتها بتقدير من الله الخالق سبحانه وتعالى كتلة الأرض تطبيقا لقوانين الجاذبية، والتي تنادي بأن قوة الجذب بين جسمين تتناسب تناسبا طرديا مع كتلة كل منهما، وتناسبا عكسيا مع مربع المسافة بينهما حسب المعادلة التالية:
قوة الجاذبية بين كتلتين م 1، م 2= ثابت الجاذبية م 1 م 2/ مربع المسافة بينهما.
وهذا يعني أنه كلما زادت كتلة أي من الجسمين زادت قوة الجذب بينهما، وكلما زادت المسافة بينهما قلت قوة الجاذبية.
والاتزان بين قوة جذب الشمس للأرض، والقوة النابذة المركزية التي دفعت بالأرض الأولية من الشمس هو الذي حدد بمشيئة الله الخالق بعد الأرض عن الشمس.
والارتباط الوثيق بين كل من كتلتي الأرض والشمس بطريقة منتظمة بمعني أنه كلما تغيرت كتلة أحدهما تغيرت كتلة الآخر بنفس المعدل، هو من الأمور التي تعمل علي تثبيت بعد الأرض عن الشمس، وجعلها مستقرة في دورانها حول محورها، وفي جريها حول الشمس في مدار محدد مما يؤدي إلي تثبيت كمية الطاقة الشمسية التي تصل إلي الأرض وهي من عوامل تهيئتها لاستقبال الحياة واستقرارها، وذلك لأن كمية الطاقة التي تصل من الشمس إلي كل كوكب من كواكبها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس، وكذلك تتناسب سرعة جري الكوكب في مداره حول الشمس.
والأرض كوكب فريد في صفاته الفيزيائية والكيميائية والفلكية مما أهله بجدارة إلي أن يكون مهدا للحياة الأرضية بكل مواصفاتها النباتية، والحيوانية، والإنسية.
فقد أثبتت دراسات الفيزياء الأرضية أن الأرض مبنية من عدد من النطق المتمركزة حول كرة مصمطة من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الأرض الصلب أو اللب الداخلي للأرض، وتقسم هذه النطق الأرضية علي أساس من تركيبها الكيميائي أو علي أساس من صفاتها الميكانيكية علي النحو التالي:
(1) قشرة الأرض: وتتكون من صخور نارية ومتحولة صلبة تتغطي بسمك قليل من الصخور الرسوبية أو الرسوبيات التربة في كثير من الأحيان، وتغلب الصخور الحامضية وفوق الحامضية علي كتل القارات وذلك من مثل الجرانيت والصخور الجرانيتية بمتوسط كثافة 2،7 جرام / للسنتيمتر المكعب ويغلب علي قيعان البحار والمحيطات الصخور القاعدية وفوق القاعدية من مثل البازلت والجابرو بمتوسط كثافة 2،9 جرام / للسنتيمتر المكعب.
ويتراوح متوسط سمك القشرة الأرضية في كتل القارات من 35 إلي 40 كيلو مترا، وإن تجاوز ذلك تحت المرتفعات الأرضية من مثل الجبال.
ويتراوح متوسط سمك القشرة الأرضية المكونة لقيعان البحار والمحيطات من 5 إلي 8 من الكيلو مترات.
(2) الجزء السفلي من الغلاف الصخري للأرض: ويتكون من صخور صلبة تغلب عليها الصخور الحامضية وفوق الحامضية في كتل القارات بسمك يصل إلي 85 كيلو مترا، بينما تغلب عليها الصخور القاعدية وفوق القاعدية تحت البحار والمحيطات بسمك في حدود 60 كيلو مترا.
ويفصل هذا النطاق عن قشرة الأرض سطح انقطاع للموجات الاهتزازية يعرف باسم الموهو TheMohoDiscontinuity.
(3) الجزء العلوي من وشاح الأرض نطاق الضعف الأرضي:
وتوجد فيه الصخور في حالة لدنة، شبه منصهرة أو منصهرة انصهارا جزئيا في حدود 1%، ويتراوح سمك هذا النطاق بين 280 كيلو مترا،335 كيلو مترا، وهو مصدر للعديد من نشاطات الأرض من مثل الزلازل، والبراكين، وتحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض، وتكون الجبال والسلاسل الجبلية.
(4) الجزء الأوسط من وشاح الأرض: ويتكون من مواد صلبة، كثيفة، ويقدر سمكه بحوالي 270 كيلو مترا، ويحده من أسفل ومن أعلي مستويات من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل يقع أحدهما علي عمق 400 كيلومتر من سطح الأرض، ويقع الآخر علي عمق 670 كيلو مترا من سطح الأرض.
(5) الجزء السفلي من وشاح الأرض: ويتكون من مواد صلبة تعلو لب الأرض السائل، ويحده من أعلي أحد مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل علي عمق 670 كيلو مترا من سطح الأرض، ويحده من أسفل نطاق انتقالي شبه منصهر يفصله عن لب الأرض السائل علي عمق 2885 كيلو مترا من سطح الأرض، ولذا يقدر سمك هذا النطاق بحوالي 2215 كيلو مترا.