فصل: قال أبو حيان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي} أمر الله تعالى نبيه، عليه السلام، أن يخبرهم بأنه نهى أن يعبد أصنامهم، لما جاءته البينات من ربه، فهذا نهي بالسمع، وإن كان منهيًا بدلائل العقل، فتظافرت أدلة السمع وأدلة العقل على النهي عن عبادة الأوثان.
فمن أدلة السمع قوله تعالى: {أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون} إلى غير ذلك، وذكره أنه نهى بالسمع لا يدل على أنه كان منهيًا بأدلة العقل.
ولما نهى عن عبادة الأوثان، أخبر أنه أمر بالاستسلام لله تعالى، ثم بين أمر الوحدانية والألوهية التي أصنامهم عارية عن شيء منهما، بالاعتبار في تدريج ابن آدم بأن ذكر مبدأه الأول، وهو من تراب.
ثم أشار إلى التناسل بخلقه من نطفة، والطفل اسم جنس، أو يكون المعنى: {ثم يخرجكم} أي كل واحد منكم طفلًا، وتقدم الكلام على بلوغ الأشد.
و{من قبل} قال مجاهد: من قبل أن يكون شيخًا، قيل: ويجوز أن يكون من قبل هذه الأحوال، إذا خرج سقطًا، وقيل: عبارة بتردده في التدريج المذكور، ولا يختص بما قبل الشيخ، بل منهم من يموت قبل أن يخرج طفلًا، وآخر قبل الأشد، وآخر قبل الشيخ.
{ولتبغلوا} متعلق بمحذوف، أي يبقيكم لتبلغوا، أي ليبلغ كل واحد منكم أجلًا مسمى لا يتعداه.
قال مجاهد: يعني موت الجميع، وقيل: هو يوم القيامة.
و{لعلكم تعقلون} ما في ذلك من العبرة والحجج، إذا نظرتم في ذلك وتدبرتم.
ولما ذكر، رتب الإيجاد، ذكر أنه المتصف بالإحياء والإمانة، وأنه متى تعلقت إرادته بإيجاد شيء أوجده من غير تأخر، وتقدم الكلام على مثل هذه الجمل.
ثم قال بعد ظهور هذه الآيات: ألا تعجب إلى المجادل في آيات اله كيف يصرف عن الجدال فيها ويصير إلى الإيمان بها؟ والظاهر أنها في الفكار المجادلين في رسالة الرسول عليه السلام والكتاب الذي جاء به بدليل قوله: {الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا} ثم هددهم بقوله: {فسوف تعلمون} وهذا قول الجمهور.
وقال محمد بن سيرين وغيره: هي إشارة إلى أهل الأهواء من الأمة، ورووا في نحو هذا حديثًا وقالوا: هي في أهل القدر ومن جرى مجراهم، ويلزم قائلي هذه المقالة أن يجعل قوله: {الذين كذبوا} كلامًا مستأنفًا في الكفار، ويكون {الذين كذبوا} مبتدأ، وخبره: {فسوف يعلمون}.
وأما على الظاهر، فالذين بدل من الذين، أو خبر مبتدأ محذوف، أو منصوبًا على الذم، وإذ ظرف لما مضى، فلا يعمل فيه المستقبل، كما لا يقول: سأقوم أمس، فقيل: إذا يقع موقع إذ، وأن موقعها على سبيل المجاز، فيكون إذ هنا بمعنى إذا، وحسن ذلك تيقن وقوع الأمر، وأخرج في صيغة الماضي، وإن كان المعنى على الاستقبال.
قال النخعي: لو أن غلًا من أغلال جهنم وضع على جبل، لأ رحضة حتى يبلغ إلى الماء الأسود.
وقرأ: والسلاسل عطفًا على الأغلال، يسحبون مبنيًّا للمفعول.
وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن علي، وابن وثاب، والمسيء في اختياره: والسلاسل بالنصب على المفعول، يسحبون مبنيًّا للفاعل، وهو عطف جملة فعلية على جملة اسمية.
وقرأت فرقة منهم ابن عباس: والسلاسل، بجر اللام.
قال ابن عطية: على تقدير، إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل، فعطف على المراد من الكلام لا على ترتيب اللفظ، إذ ترتيبه فيه قلب، وهو على حد قول العرب: أدخلت القلنسوة في رأسي، وفي مصحف أبيّ: وفي السلاسل يسحبون.
وقال الزمخشري: ووجهه أنه لو قيل: إذ أعناقهم في الأغلال، مكان قوله: {إذ الأغلال في أعناقهم} لكان صحيحًا مستقيمًا.
فلما كانتا عبارتين معتقبتين، حمل قوله: {والسلاسل} على لعبارة الأخرى، ونظيره قول الشاعر:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ** ولا ناعب إلا ببين غرابها

كأنه قيل: بمصلحين.
وقرئ: وبالسلاسل، انتهى، وهذا يسمى العطف على التوهم، ولكن توهم إدخال حرف الجر على مصلحين أقرب من تغيير تركيب الجملة بأسرها، والقراءة من تغيير تركيب الجملة السابقة بأسرها، ونظير ذلك قول الشاعر:
أحدك لن ترى بثعيلبات ** ولا بيداء ناجية زمولا

ولا متدارك والليل طفل ** ببعض نواشع الوادي حمولا

التقدير: لست براء ولا متدارك.
وهذا الذي قاله ابن عطية والزمخشري سبقهما إليه الفراء، قال: من جر السلاسل حمله على المعنى، لأن المعنى: أعناقهم في الأغلال والسلاسل.
وقال الزجاج: من قرأ بحفص والسلاسل، فالمعنى عنده: وفي السلاسل يسحبون.
وقال ابن الأنباري: والخفض على هذا المعنى غير جائز، لو قلت: زيد في الدار، لم يحسن أن تضمر في فتقول: زيد الدار، ثم ذكر تأويل الفراء، وخرج القراءة ثم قال: كما تقول: خاصم عبد الله زيدًا العاقلين، بنصب العاقلين ورفعه، لأن أحدهما إذا خاصمه صاحبه فقد خاصمه الآخر.
انتهى، وهذه المسألة لا تجوز عند البصريين، وهي منقول جوازها عن محمد بن سعفان الكوفي، قال: لأن كل واحد منهما فاعل مفعول، وقرئ: وبالسلاسل يسحبون، ولعل هذه القراءة حملت الزجاج على أن تأول الخفض على إضمار حرف الجر، وهو تأويل شذوذ.
وقال ابن عباس: في قراءة من نصب {والسلاسل} وفتح ياء {يسحبون} إذا كانوا يجرونها، فهو أشد عليهم، يكلفون ذلك وهم لا يطيقون.
وقال مجاهد: {يسجرون} يطرحون فيها، فيكونون وقودًا لها.
وقال السدي: يسجرون: يحرقون.
ثم أخبر تعالى أنهم يوقفون يوم القيامة من جهة التوبيخ والتقريع، فيقال لهم: أين الأصنام التي كنتم تعبدون في الدنيا؟ فيقولون: {ضلوا عنا} أي تلفوا منا وغابوا واضمحلوا، ثم تضطرب أقوالهم ويفزعون إلى الكذب فيقولون: {بل لم نكن نعبد شيئًا} وهذا من أشد الاختلاط في الذهن والنظر.
ولما تبين لهم أنهم لم يكونوا شيئًا، وما كانوا يعبدون بعبادتهم شيئًا، كما تقول: حسبت أن فلانًا شيء، فإذا هو ليس بشيء إذا اختبرته، فلم تر عنده جزاء، وقولهم: {ضلوا عنا} مع قوله: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} يحتمل أن يكون ذلك عند تقريعهم، فلم يكونوا معهم إذ ذاك، أو لما لم ينفعوهم قالوا: {ضلوا عنا} وإن كانوا معهم.
{كذلك} أي مثل هذه الصفة وبهذا الترتيب، {يضل الله الكافرين} وقال الزمخشري: أي مثل ضلال آلهتهم عنهم، يضلهم عن آلهتهم، حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادفوا.
ذلكم الإضلال بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح، {بغيرالحق} وهو الشهادة عبادة الأوثان.
وقال ابن عطية: ذلك العذاب الذي أنتم فيه مما كنتم تفرحون في الأرض بالمعاصي والكفر. انتهى.
و{تمرحون} قال ابن عباس: الفخر والخيلاء؛ وقال مجاهد: الاشر والبطر.
انتهى، فقال لهم ذلك توبيخًا أي إيمانًا لكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعاصي وكثرة المال والأتباع والصحة.
وقال الضحاك: الفرح والسرور، والمرح: العدوان، وفي الحديث: «إن الله يبغض البذخين الفرحين ويحب كل قلب حزين» وتفرحون وتمرحون من باب تجنيس التحريف المذكور في علم البديع، وهو أن يكون الحرف فرقًا بين الكلمتين.
{ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها} الظاهر أنه قيل لهم: ادخلوا بعد المحاورة السابقة، وهم قد كانوا في النار، ولكن هذا أمر يقيد بالخلود، وهو الثواء الذي لا ينقطع، فليس أمرًا بمطلق الدخول، أو بعد الدخول فيها أمروا أن يدخلوا سبعة أبواب التي لكل باب منها جزء مقسوم من الكفار، فكان ذلك أمرًا بالدخول يفيد التجزئة لكل باب.
وقال ابن عطية: وقوله تعالى: {ادخلوا} معناه: يقال لهم قبل هذه المحاورة في أول الأمر ادخلوا، لأن هذه المخاطبة إنما هي بعد دخولهم، وفي الوقت الذي فيه الأغلال في أعناقهم.
وأبواب جهنم: هي السبعة المؤدّية إلى طبقاتها وأدراكها السبعة. انتهى.
وخالدين: حال مقدرة، ودلت على الثواء الدائم، فجاء التركيب: {فبئس مثوى المتكبرين} فبئس مدخل المتكبرين، لأن نفس الدخول لا يدوم، فلم يبالغ في ذمّه، بخلاف الثواء الدائم. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ} أي في ضمنِ خلقِ آدمَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ منه حسبَما مرَّ تحقيقُه مرارًا.
{ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} أي ثمَّ خلقكُم خلقًا تفصيليًا من نطفة أي منيَ.
{ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} أي أطفالًا. والإفراد لإرادة الجنسِ، أو لإرادةِ كلِّ واحدٍ من أفرادِه.
{ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ} علةٌ ليخرجَكم معطوفةً على علةٍ أُخرى له مناسبةٌ لها كأنَّه قيلَ ثم يُخرجَكُم طِفْلًا لتكبَروا شيئًا فشيئًا ثم لتبلُغوا كمالَكُم في القوةِ والعقلِ وكَذا الكلامُ في قولِه تعالى: {ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخًا} ويجوزُ عطفُه عَلى لتبلغُوا.
وقُرئ شيخًا كقوله تعالى: {طِفْلًا وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ} أي من قبلِ الشيخوخةِ بعد بلوغِ الأشدِّ أو قبلَه أيضًا.
{وَلِتَبْلُغُواْ} متعلقٌ بفعلٍ مقدرٍ بعدَهُ أي ولتبلغُوا {أَجَلًا مُّسَمًّى} هُو وقتُ الموتِ، أو يومَ القيامةِ يفعلُ ذلكَ {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ولكي تعقلُوا ما في ذلكَ من فنونِ الحِكَمِ والعِبر {هُوَ الذي يُحْىِ} الأمواتَ {وَيُمِيتُ} الأحياءَ أو الذي يفعلُ الإحياءَ والإماتةَ {فَإِذَا قضى أَمْرًا} أي أرادَ أمرًا من الأمورِ {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} من غيرِ توقفٍ على شيءٍ من الأشياءِ أصلًا وهذا تمثيلٌ لتأثيرِ قُدرتِه تعالى في المقدوراتِ عند تعلقِ إرادتِه بها وتصويرٌ لسرعةِ ترتبِ المكوناتِ على تكوينِه من غيرِ أنْ يكونَ هناكَ أمرٌ ومأمورٌ. والفاءُ الأُولَى للدِلالةِ على أنَّ ما بعدَها من نتائج ما قبلها من اختصاصِ الإحياءِ والإماتةِ به سبحانَه.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يجادلون في ءايات الله أنى يُصْرَفُونَ} تعجيبٌ من أحوالِهم الشنيعةِ وآرائِهم الركيكةِ وتمهيدٌ لما يعقُبه من بيانِ تكذيبِهم بكلِّ القُرآنِ وبسائرِ الكتبِ والشرائعِ وترتيبُ الوعيدِ على ذلكَ كَما أنَّ ما سبقَ من قولِه تعالَى: {إِنَّ الذين يجادلون في ءايات الله} إلخ بيانٌ لا بتناءِ جدالِهم على مَبْنى فاسدٍ لا يكادُ يدخلُ تحتَ الوجودِ هُو الأمنيَّةُ الفارغةُ فلا تكريَر فيهِ أي انظُرْ إلى هؤلاءِ المكابرينَ المُجادلينَ في آياتِه تعالَى الواضحةِ الموجبةِ للإيمانِ بها الزاجرةِ عن الجدالِ فيها كيفَ يُصرفونَ عنها معَ تعاضدِ الدَّواعِي إلى الإقبالِ عليها وانتفاءِ الصوارفِ عنها بالكُلِّيةِ.
وقوله تعالَى: {الذين كَذَّبُواْ بالكتاب} أيْ بكُلِّ القُرآنِ أو بجنسِ الكُتبِ السماويةِ فإنَّ تكذيبَهُ تكذيبٌ لهَا في محلِّ الجرِّ على أنَّه بدلٌ من الموصولِ الأولِ أو في حيزِ النصبِ أو الرفعِ على الذمِّ، وإنما وُصلَ الموصولُ الثَّانِي بالتكذيبِ دُونَ المُجادلةِ لأنَّ المعتادَ وقوعَ المُجادلةِ في بعض الموادِ لا في الكُلِّ. وصيغةُ الماضِي للدِلالة على التحقق كما أنَّ صيغةَ المضارعِ في الصلةِ الأُولى للدلالةِ على تجددِ المجادلةِ وتكررِها {وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} من سائرِ الكتبِ أو مطلقِ الوَحي والشرائعِ {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} كُنْهَ ما فعلُوا من الجدالِ والتكذيبِ عند مشاهدتِهم لعقوباتِه {إِذِ الأغلال في أعناقهم} ظرفٌ ليعلمونَ إِذ المَعْنى على الاستقبالِ. ولفظُ الماضِي لتيقنِه {والسلاسل} عطفٌ على الأغلالِ. والجارُّ في نيةِ التأخيرِ وقيل: مبتدأ حذف خبره لدلالة خبر الأول عليه، وقيل: قوله تعالى: {يُسْحَبُونَ} بحذفِ العائدِ أي يُسحبونَ بَها وهُو على الأولَينِ حالٌ من المُستكنِّ في الظرفِ وقيل: استئنافٌ وقعَ جوابًا عن سؤالٍ نشأَ من حكايةِ حالِهم كأنَّه قيلَ فماذَا يكونُ حالُهم بعدَ ذلكَ فقيلَ يُسحبونَ {فِى الحميم} وقُرئ والسلاسلَ يَسحبون بالنَّصبِ وَفتحِ الياءِ عَلَى تقديمِ المفعولِ وعطفِ الفعليةِ على الاسميةِ، والسَّلاسلِ بالجرِّ حملًا على المَعْنى لأنَّ قولَه تعالى: {الأغلال في أعناقهم} في مَعْنى أعناقُهم في الأغلالِ أو إضمارًا للباءِ ويدلُّ عليه القراءةُ بهِ {ثُمَّ في النار يُسْجَرُونَ} أي يُحرقونَ مِنْ سجرَ التنورَ إذا ملأَهُ بالوقودِ ومنُه السَّجيرُ للصديقِ كأنَّه سُجِّر بالحبِّ أي مُلىءَ والمرادُ بيانُ أنَّهم يُعذبونَ بأنواعِ العذابِ ويُنقلونَ من بابِ إلى بابٍ {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ الله قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} أي يقالُ لَهمُ ويقولونَ. وصيغةُ المَاضِي للدلالةِ على التحقيقِ ومَعْنى ضلُّوا عنَّا غابُوا عنَّا وذلكَ قبلَ أنْ يُقرنَ بهم آلهتُهم أو ضاعُوا عنَّا فلم نجدْ ما كُنَّا نتوقعُ منُهم.
{بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئًا} أي بَلْ تبينَ لنَا أنَّا لم نكُنْ نعبدُ شيئًا بعبادتِهم لما ظهرَ لنا اليومَ أنَّهم لم يكونُوا شيئًا يعتدُّ بهِ كقولِك حسبتُه فلم يكُنْ.
{كذلك} أي مثلَ ذلكَ الضلالِ الفظيعِ {يُضِلُّ الله الكافرين} حيثُ لا يهتدونَ إلى شيءٍ ينفُعهم في الآخرةِ أو كما ضلَّ عنُهم آلهتُهم يُضلّهم عن آلهتِهم حتَّى لو تطالبُوا لم يتصادفُوا.
{ذلكم} الإضلالُ {بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ في الأرض} أي تبطَرون وتتكبرون {بِغَيْرِ الحق} وهُو الشركُ والطغيانُ {وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} تتوسعونَ في البطر والأشَر. والالتفاتُ للمبالغة في التوبيخِ.
{ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ} أي أبوابَها السبعةَ المقسومةَ لكُم {خالدين فِيهَا} مقدرًا خلودُكم فيها {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} أي عن الحقِّ جهنمُ والتعبيرُ عن مدخلِهم بالمَثْوى لكونِ دخولِهم بطريقِ الخلودِ {فاصبر} إلى أنْ يُلاقُوا ما أُعدَّ لهمُ من العذابِ {إِنَّ وَعْدَ الله} بتعذيبِهم {حَقّ} كائنٌ لا محالَة {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} أي فإنْ نُرِكَ ومَا مزيدةٌ لتأكيدِ الشرطيةِ ولذلكَ لحقتِ النونُ الفعلَ ولا تلحقُه مع إنْ وحدَها {بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ} وهو القتلُ والأسرُ {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبلَ ذلكَ {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} يومَ القيامةِ فنجازِيهم بأعمالِهم وهُو جوابُ نتوفينكَ وجوابُ نرينك محذوفٌ مثلُ فذاكَ ويجوزُ أن يكونَ جوابًا لهما بَمعْنى إنْ نُعذبهم في حياتِك أو لم نُعذبْهم فإنَّا نعذبهم في الآخرةِ أشدَّ العذابِ وأفظَعه كما ينبىءُ عنْهُ الاقتصارُ على ذكِر الرجوعِ في هذا المعرضِ. اهـ.