فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مّن قَبْلِكَ} يعني: إلى قومهم، {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ} يعني: سميناهم لك، فأنت تعرفهم، {وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} يعني: لم نسمهم لك ولم نخبرك بهم يعني: أنهم صبروا على أذاهم، فاصبر أنت يا محمد على أذى قومك كما صبروا.
{وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِئَايَةٍ} أي: ما كان لرسول، من القدرة {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا} أي بدلائل، وبراهين، {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} يعني: بأمره.
{فَإِذَا جَاء أَمْرُ الله} يعني: العذاب، {قُضِىَ بالحق} أي: عذبوا، ولم يظلموا حين عذبوا، {وَخَسِرَ هُنَالِكَ المبطلون}.
أي: خسر عند ذلك المبطلون.
يعني: المشركون.
ويقال: يعني: الظالمون.
ويقال: الخاسرون.
ثم ذكر صنعه ليعتبروا فقال: {الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام} يعني: خلق لكم البقر، والغنم، والإبل، {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا} أي بعضها وهو الإبل، {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي: من الأنعام منافع في ظهورها، وشعورها، وشرب ألبانها، {وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً في صُدُورِكُمْ} أي ما في قلوبكم، من بلد إلى بلد {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} يعني: على الأنعام، وعلى السفن، {وَيُرِيكُمْ ءاياته} يعني: دلائله، وعجائبه، {وَيُرِيكُمْ ءاياته فَأَىَّ ءايات} بأنها ليست من الله، {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرض} يعني: يسافروا في الأرض، {فَيَنظُرُواْ} أي: فيعتبروا، {كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} يعني: آخر أمر من كان قبلهم، كيف فعلنا بهم حين كذبوا رسلهم، {كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ} يعني: أكثر من قومك في العدد، {وَأَشَدَّ قُوَّةً} من قومك، {أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِى} يعني: مصانعهم أعظم آثارًا في الأرض، وأطول أعمارًا، وأكثر ملكًا في الأرض، {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يعني: لم ينفعهم ما عملوا في الدنيا، حين نزل بهم العذاب.
{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} بالأمر، والنهي، وبخبر العذاب، {فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ العلم} يعني: من قلة علمهم، رضوا بما عندهم من العلم، ولم ينظروا إلى دلائل الرسل.
ويقال: رضوا بما عندهم.
فقالوا: لن نعذب، ولن نبعث.
ويقال: {فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ العلم} أي: علم التجارة، كقوله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الحياة الدنيا وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غافلون} [الروم: 7].
{وَحَاقَ بِهِم} أي نزل بهم {مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} أي: يسخرون به، ويقولون: إنه غير نازل بهم.
{فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} أي: عذابنا في الدنيا، {قَالُواْ ءامَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا} أي: تبرأنا، {بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} يعني: بما كنا به مشركين من الأوثان، {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم} يعني: تصديقهم، {لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} أي: حين رأوا عذابنا.
قال القتبي: البأس الشدة.
والبأس العذاب كقوله: {فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} وكقوله: {فَلَمَّا أَحَسُّواْ} بأسنا، {سُنَّتُ الله التي قَدْ خَلَتْ في عِبَادِهِ} قال مقاتل: يعني: كذلك كانت سنة الله {فِى عِبَادِهِ}.
يعني: العذاب في الأمم الخالية إذا عاينوا العذاب، لم ينفعهم الإيمان.
وقال القتبي: هكذا سنة الله أنه من كفر عذبه، {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون} أي: خسر عند ذلك الكافرون بتوحيد الله عز وجل، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {لا جَرَمَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه: لا بد، قاله المفضل.
الثاني: معناه: لقد حق واستحق، قاله المبرد.
الثالث: أنه لا يكون إلا جوابًا كقول القائل: فعلوا كذا، فيقول المجيب: لا جرم إنهم سيندمون، قاله الخليل.
{أن ما تدعونني إليه} أي من عبادة ما تعبدون من دون الله.
{ليس له دعوةٌ في الدنيا ولا في الآخرة} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة، قاله السدي.
الثاني: لا ينفع ولا يضر في الدنيا ولا في الآخرة، قاله قتادة.
الثالث: ليس له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة، قاله الكلبي.
{وأن مردنا إلى الله} أي مرجعنا بعد الموت إلى الله ليجازينا على أفعالنا.
{وأن المسرفين هم أصحاب النار} فيهم قولان:
أحدهما: يعني المشركين، قاله قتادة.
الثاني: يعني السفاكين للدماء بغير حق، قاله الشعبي، وقال مجاهد: سمى الله القتل سرفًا.
قوله عز وجل: {فستذكرون ما أقول لكم} فيه قولان:
أحدهما: يعني في الآخرة، قاله ابن زيد.
الثاني: عند نزول العذاب بهم، قاله النقاش.
{وأفوّض أمري إلى الله} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه: وأسلم أمري إلى الله، قاله ابن عيسى.
الثاني: أشهد عليكم الله، قاله ابن بحر.
الثالث: أتوكل على الله، قاله يحيى بن سلام.
{إن الله بصير بالعباد} فيه وجهان:
أحدهما: بأعمال العباد.
الثاني: بمصير العباد.
وفي قائل هذا قولان:
أحدهما: أنه من قول موسى.
الثاني: من قول مؤمن آل فرعون، فعلى هذا يصير بهذا القول مظهرًا لإيمانه. قوله عز وجل: {فوقاه الله سيئات ما مكروا} فيه قولان:
أحدهما: أن موسى وقاه الله سيئات ما مكروا، فعلى هذا فيه قولان:
أحدهما: أن مؤمن آل فرعون نجاه الله مع موسى حتى عبر البحر واغرق الله فرعون، قاله قتادة، وقيل إن آل فرعون هو فرعون وحده ومنه قول أراكة الثقفي:
لا تبك ميتًا بعد موت أحبةٍ ** عليّ وعباس وآل أبي بكر

يريد أبا بكر.
الثاني: أن مؤمن آل فرعون خرج من عنده هاربًا إلى جبل يصلي فيه، فأرسل في طلبه، فجاء الرسل وهو في صلاته وقد ذبت عنه السباع والوحوش أن يصلوا إليه، فعادوا إلى فرعون فأخبروه فقتلهم فهو معنى قوله: {فوقاه الله سيئات ما مكروا}.
{وحاق بآل فرعون سوء العذاب} فيه وجهان:
أحدهما: أنهم قومه، وسوء العذاب هو الغرق، قاله الضحاك.
الثاني: رسله الذين قتلهم، وسوء العذاب هو القتل.
قوله عز وجل: {النار يعرضون عليها غُدُوًّا وعشيًّا} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه يعرض عليهم مقاعدهم من النار غدوة وعشية، فيقال: لآلِ فرعون هذه منازلكم، توبيخًا، قاله قتادة.
الثاني: أن أرواحهم في أجواف طير سود تغدو على جهنم وتروح فذلك عرضها، قاله ابن مسعود.
الثالث: أنهم يعذبون بالنار في قبرهم غدوًا وعشيًا، وهذا لآل فرعون خصوصًا. قال مجاهد: ما كانت الدنيا.
{ويوم تقولم الساعةُ} وقيامها وجود صفتها على استقامة، ومنه قيام السوق وهو حضور أهلها على استقامة في وقت العادة.
{أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} لأن عذاب جهنم مُخْتَلِف. وجعل الفراء في الكلام تقديمًا وتأخيرًا وتقديره: ادخلوا آل فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا، وهو خلاف ما ذهب إليه غيره من انتظام الكلام على سياقه.
قوله عز وجل: {إنا لننصُرُ رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا} فيه قولان:
أحدهما: بإفلاج حجتهم، قاله أبو العالية.
الثاني: بالانتقام من أعدائهم قال السدي: ما قتل قوم قط نبيًا أو قومًا من دعاة الحق من المؤمنين إلا بعث الله من ينتقم لهم فصاروا منصورين فيها وإن قُتلوا.
{ويومَ يقَوم الأشْهاد} بمعنى يوم القيامة. وفي نصرهم قولان:
أحدهما: بإعلاء كلمتهم وإجزال ثوابهم.
الثاني: إنه بالانتقام من أعدائهم.
وفي {الأشهاد} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم الملائكة شهدوا للأنبياء بالإبلاغ، وعلى الأمم بالتكذيب، قاله مجاهد والسدي.
الثاني: إنهم الملائكة والأنبياء، قاله قتادة.
الثالث: أنهم أربعة: الملائكة والنبيون والمؤمنون والأجساد، قاله زيد بن أسلم ثم في {الأشهاد} أيضًا وجهان:
أحدهما: جمع شهيد مثل شريف، وأشراف.
الثاني: أنه جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب.
قوله عز وجل: {فاصبر إنَّ وعد الله حق} فيه قولان:
أحدهما: هو ما وعد الله رسوله في آيتين من القرآن أن يعذب كفار مكة، قاله مقاتل.
الثاني: هو ما وعد الله رسوله أن يعطيه المؤمنين في الآخرة، قاله يحيى بن سلام.
{واستغفر لذنبك} اي من ذنب إن كان منك. قال الفضيل: تفسير الاستغفار أقلني.
{وسبح بحمد ربِّك} قال مجاهد: وصَلِّ بأمر ربك.
{بالعشي والإبكار} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها صلاة العصر والغداة، قاله قتادة.
الثاني: أن العشي ميل الشمس إلى أن تغيب، والإبكار أول الفجر، قاله مجاهد.
الثالث: هي صلاة مكة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ركعتان غدوة وركعتان عشية، قاله الحسن.
قوله عز وجل: {إنّ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم} أي بغير حجة جاءتهم.
{إن في صدورهم إلا كبرٌ ما هم ببالغيه} فيه قولان:
أحدهما: أن أكبر العظمة التي في كفار قريش، ما هم ببالغيها، قاله مجاهد.
الثاني: ما يستكبر من الاعتقاد وفيه قولان:
أحدهما: هو ما أمله كفار قريش في النبي صلى الله عليه وسلم وفي أصحابه أن يهلك ويهلكوا، قاله الحسن.
الثاني: هو أن اليهود قالوا إن الدجال منا وعظموا أمره، واعتقدوا أنهم يملكون، وينتقمون، قاله أبو العالية.
{فاستعذ بالله} من كبرهم.
{إنه هو السميع} لما يقولونه {البصير} بما يضمرونه.
قوله عز وجل: {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لخلق السموات والأرض أعظم من خلق الدجال حين عظمت اليهود شأنه، قاله أبو العالية.
الثاني: أكبر من إعادة خلق الناس حين أنكرت قريش البعث، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: أكبر من أفعال الناس حين أذل الكفار بالقوة وتباعدوا بالقهر.
قوله عز وجل: {وقال ربكم ادعوني استجبْ لكم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه وحدوني بالربوبية أغفر لكم ذنوبكم، قاله ابن عباس.
الثاني: اعبدوني استجب لكم، قاله جرير بن عبد الله، أي اتبعكم على عبادتكم.
الثالث: سلوني أعطكم، قاله السدي. وإجابة الداعي عند صدق الرغبة مقيد بشرط الحكمة. وحكى قتادة أن كعب قال: أعطيت هذه الأمة ثلاثًا لم تعطهن أمّة قبلكم إلا نبي: كان إذا أرسل نبي قيل له: أنت شاهد على أمتك، وجعلكم شهداء على الناس، وكان يقال للنبي، ليس عليك في الدين من حرج، وقال لهذه الأمة: وما جعل عليكم في الدين من حرج، وكان يقال للنبي: ادعني أستجب لك، وقال لهذه الأمة: ادعوني أستجب لكم.
قوله عز وجل: {الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لتستريحوا فيه من عمل النهار.
الثاني: لتكفوا فيه عن طلب الأرزاق.
الثالث: لتحاسبوا فيه أنفسكم على ما عملتم بالنهار.
{والنهار مبصرًا} فيه وجهان:
أحدهما: مبصرًا لقدرة الله في خلقه.
الثاني: مبصرًا لمطالب الأرزاق.
قوله عز وجل: {كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: كذلك يصرف، قاله يحيى.
الثاني: كذلك يكذب بالتوحيد، قاله مقاتل.
الثالث: كذلك يعدل عن الحق، قاله ابن زيد.
قوله عز وجل: {ذلكم بما كنتم تفرحون} الآية. في الفرح والمرح وجهان:
أحدهما: أن الفرح: السرور والمرح: البطر، فسرّوا بالإمهال وبطروا بالنعم.
الثاني: الفرح والسرور، قاله الضحاك، والمرح العدوان.
روى خالد عن ثور عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يبغض البذخين الفرحين المرحين، ويحب كل قلب حزين ويبغض أهل بيت لحمين، ويبغض كل حبر سمين» فأما أهل بيت لحمين فهم الذين يأكلون لحوم الناس بالغيبة، وأما الحبر السمين فالمتحبر بعلمه ولا يخبر به الناس، يعني المستكثر من علمه ولا ينفع به الناس.
قوله عز وجل: {فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العِلمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: بقولهم نحن أعلم منهم لن نبعث لن نعذب، قاله مجاهد.
الثاني: بما كان عندهم أنه علم وهو جهل، قاله السدي.
الثالث: فرحت الرسل بما عندهم من العلم بنجاتهم وهلاك أعدائهم، حكاه ابن عيسى.
الرابع: رضوا بعلمهم واستهزأوا برسلهم، قاله ابن زيد.
{وحاق بهم} فيه وجهان:
أحدهما: أحاط بهم، قاله الكلبي.
الثاني: عاد عليهم.
{ما كانوا به يستهزئون} فيه وجهان:
أحدهما: محمد صلى الله عليه وسلم أنه ساحر.
الثاني: بالقرآن أنه شِعْر. اهـ.