فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن جزي:

{مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أي ليس لي علم بربوبيته والمراد بنفي العلم نفي المعلوم كأنه قال: وأشرك به ما ليس بإله، وإذا لم يكن إلهًا لم يصح ربوبيته.
{لاَ جَرَمَ} أي لابد ولا شك {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} قال ابن عطية ليس له قدر ولا حق، يجب أن يدعى إليه كأنه قال: أتدعونني إلى عبادة ما لا خطر له في الدنيا، ولا في الآخرة، ويحتمل اللفظ أن يكون معناه: ليس له دعوة قائمة، أي لا يدعى أحد إلى عبادته.
{فَوقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ} دليل على أن من فوض أمره إلى الله عز وجل كان الله معه.
{النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} النار بدل من سوء العذاب، أو مبتدأ أو خبر مبتدأ مضمر، وعرضهم عليها من حين موتهم إلى يوم القيامة، وذلك مدّة البرزخ بدليل قوله: يوم القيامة {أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب} واستدل أهل السنة بذلك على صحة ما ورد من عذاب القبر، وروي أن أرواحهم في أجواف طيور سود تروح بهم وتغدوا إلى النار {غُدُوًّا وَعَشِيًّا} قيل: معناه في كل غدوة وعشية من أيام الدنيا، وقيل: المعنى على تقدير: ما بين الغدوة والعشية، لأن الآخرة لا غدوة فيها ولا عشية.
{لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} إن قيل: هلا قال الذين في النار لخزنتها فلم صرح باسمها؟ فالجواب أن في ذكر جهنم تهويلًا ليس في ذكر الضمير {وَمَا دُعَاءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} يحتمل أن يكون من كلام خزنة جهنّم فيكون متّصلًا بقوله: {فادعوا} أن يكون من كلام الله تعالى استنئنافًا.
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا} قيل: إن هذا خاص فيمن أظهره الله على الكفار، وليس بعام؛ لأن من الأنبياء من قتله قومه كزكريا ويحيى، والصحيح أنه عام، والجواب عما ذكروه أن زكريا ويحيى لم يكونا من الرسل، إنما كانا من الأنبياء الذي ليسوا بمرسلين، وإنما ضمن الله نصر الرسل خاصة، لا نصر الأنبياء كلهم {وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد} يعني يوم القيامة، والأشهاد جمع شاهد أو شهيد، ويحتمل أن يكون بمعنى الحضور. أو الشهادة على الناس أو الشهادة في سبيل الله، والأظهر أنه بمعنى الشهادة على الناس لقوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [النساء: 41].
{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُمْ} يحتمل أنهم لا يتعذرون أو يعتذرون، ولكن لا تنفعهم معذرتهم، والأول أرجح لقوله: {وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 36] فنفى الاعتذار والانتفاع به.
{إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} يعني وعده لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالنصر والظهور على أعدائه الكفار {بالعشي والإبكار} قيل: العشي صلاة العصر والإبكار صلا الصبح، وقيل: العشي بعد العصر إلى الغروب والإبكار من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
{إِنَّ الذين يُجَادِلُونَ} يعني كفار قريش {إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ} أي تكبر وتعاظم، يمنعهم من أن يتبعوك أن ينقادوا إليك وقيل: كبرهم أنهم أرادوا النبوة لأنفسهم، ورأوا أنهم أحق بها، والأول أظهر لأن إرادتهم النبوة لأنفسهم حسد، والأول هو الكبر {مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} أي لا يبلغون ما يقتضيه كبرهم من الظهور عليك، ومن نيل النبوة {فاستعذ بالله} أي استعذ من شرهم لأنهم أعداء لك، واستعذ من مثل حالهم في الكبر والحسد، واستعذ بالله من جميع أمورك على الاطلاق.
{لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} الخلق هنا مصدر مضاف إلى المفعول، والمراد به الاستدلال على البعث، لأن الإله الذي خلق السموات والأرض على كبرها، قادر على إعادة الأجسام بعد فنائها، وقيل: المراد توبيخ الكفار المتكبرين، كأنه قال: خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس، فما بال هؤلاء يتكبرون على خالقهم، وهم من أصغر مخلوقاته وأحقرهم، والأول أرجح لوروده في مواضع من القرآن لأنه قال بعده: {إِنَّ الساعة لآتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا} فقدم الدليل، ثم ذكر المدلول.
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ} الدعاء هنا هو الطلب والرغبة، وهذا وعد مقيّد بالمشيئة، وهي موافقة القدر لمن أراد أن يستجيب له، وقيل: أدعوني هنا: اعبدوني بدليل قوله بعده: {إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} وقوله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» ثم تلا الآية {أَسْتَجِبْ لَكُمْ} لكم على هذا القول بمعنى أغفر لكم أو أعطيكم أجوركم. والأول أظهر، ويكون قوله: {يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} بمعنى يستكبرون عن الرغبة إليّ كما قال صلى الله عليه وسلم: «من لم يسأل الله يغضب عليه» وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» فمعناه أن الدعاء والرغبة إلى الله هي العبادة، لأن الدعاء يظهر فيه افتقار العبد وتضرعه إلى الله {دَاخِرِينَ} أي صاغرين.
{لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} ذكر في [يونس: 67].
{وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطيبات} يعني المستلذات، لأنه جاء ذكر الطيبات في معرض الإنعام فيراد به المستلذات، وإذا جاء في معرض التحليل والتحريم فيراد به الحلال والحرام {الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} هذا متصل بما قبله، قال ذلك ابن عطية والزمخشري وتقديره: ادعوه مخلصين قائلين {الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} ولذلك قال ابن عباس: من قال لا إله إلا الله فليقل الحمد لله رب العالمين، ويحتمل أن يكون الحمد لله استئنافًا.
{ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} أراد الجنس ولذلك أفرد لفظه مع أن الخطاب لجماعة {ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ} ذكر الأشد في سورة يوسف عليه السلام: [يوسف: 22] واللام تتعلق بفعل محذوف تقديره: ثم يبقيكم لتبلغوا وكذلك ليكونوا أو أما لتبلغوا أجلًا مسمى فمتعلق بمحذوف آخر تقديره: فعل ذلك بكم لتبلغوا أجلًا مسمى هو الموت أو يوم القيامة.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُجَادِلُونَ} يعني كفار قريش، وقيل: هم أهل الأهواء كالقدرية وغيرهم، وهذا مردود بقوله: {الذين كَذَّبُواْ بالكتاب} إلا إن جعلته منقطعًا مما قبله وذلك بعيد {إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ} العامل في إذ يعملون وجعل الظرف الماضي من الموضع المستقبل لتحقيق الأمر به {إِذِ الأغلال} أي يجرون والحميم الماء الشديد الحرارة {يُسْحَبُونَ فِي الحميم} أي يجرون في الحميم والماء الشديد الحرارة {ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ} هذا من قولك: سجرت التنور إذا ملأته بالنار، فالمعنى أنهم يدخلون فيها كما يدخل الحطب في التنور، ولذلك قال مجاهد في تفسيره: توقد بهم النار {تمرحون} من المرح وهو الأشر والبطر. وقيل: الفخر والخيلاء.
{فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} إن قيل: قياس النظم أن يقول بئس مدخل الكافرين لأنه تقدم قبله ادخلوا. فالجواب أن الدخول المؤقت بالخلود في معنى الثوى {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ} أصل إما إن نريك ودخلت ما الزائدة بعد إن الشرطية، وجواب الشرط محذوف تقديره: إن أريناك بعض الذي نعدهم من العذاب قرّت عينك بذلك، وإن توفيناك قبل ذلك فإلينا يرجعون، فننتقم منهم أشد الانتقام.
{مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ} روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى بعث ثمانية آلاف رسول وفي حديث آخر أربعة آلاف، وفي حديث أبي ذر أن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا منهم الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر؛ فذكر الله بعضهم في القرآن، فهم الذي قص عليه ولم يذكر سائرهم فهم الذين لم يقصص عليه {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ الله قُضِيَ بالحق} قال الزمخشري: أمر الله: القيامة، وقال ابن عطية: المعنى إذا أراد الله إرسال رسول قضي ذلك، ويحتمل أن يريد بأمر الله إهلاك المكذبين للرسل لقوله: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ المبطلون} هنالك في الموضعين يراد به الوقت والزمان، وأصله ظرف كان ثم وضع موضع ظرف الزمان الأنعام هي الإبل والبقر والضأن والمعز، فقوله: {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا} يعني الإبل، و{وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} يعني اللحوم والمنافع منها اللبن والصوف وغير ذلك {وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً} يعني قطع المسافة البعيدة، وحمل الأثقال على الإبل، {تُحْمَلُونَ} يريد الركوب عليها وإنما كرره بعد قوله: {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا} لأنه أراد الركوب الأول المتعارف في القرى والبلدان وبالحمل عليها، الأسفار البعيدة، قاله ابن عطية {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} هذا عموم بعد ما قدم من الآيات المخصوصة ولذلك وبخهم بقوله: {فَأَيَّ آيَاتِ الله تُنكِرُونَ}.
{فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم} الضمير يعود على الأمم المكذبين وفي تفسير علمهم وجوه: أحدها أنه ما كانوا يعتقدون من أنهم لا يبعثون ولا يحاسبون، والثاني أنه علمهم بمنافع الدنيا ووجوه كسبها، والثالث أنه علم الفلاسفة الذين يحتقرون علوم الشرائع وقيل: الضمير يعود على الرسل، أي فرحوا بما أعطاهم الله من العلم وشرائعه أو بما عندهم من العلم بأن الله ينصرهم على من يكذبهم، وأما الضمير في {وَحَاقَ بِهِم} فيعود على الكفار باتفاق، ولذلك ترجع أن يكون الضمير في {فَرِحُواْ} يعود عليهم ليتسق الكلام {سنة الله} انتصب على المصدرية والله سبحانه أعلم. اهـ.

.قال النسفي:

ثم وازن بين الدعوتين دعوته إلى دين الله الذي ثمرته الجنات، ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار بقوله: {ويا قوم مَالِيَ} وبفتح الياء: حجازي وأبو عمرو {أَدْعُوكُمْ إِلَى النجاة} أي الجنة {وَتَدْعُونَنِى إِلَى النار تَدْعُونَنِى لأكْفُرَ بالله} هو بدل من {تَدْعُونَنِى} الأول يقال: دعاه إلى كذا ودعاه له كما يقال هداه إلى الطريق وهداه له {وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ} أي بربوبيته والمراد بنفي العلم نفي المعلوم كأنه قال: وأشرك به ما ليس بإله وما ليس بإله كيف يصح أن يعلم إلهًا {وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى العزيز الغفار} وهو الله سبحانه وتعالى، وتكرير النداء لزيادة التنبيه لهم والإيقاظ عن سنة الغفلة، وفيه أنهم قومه وأنه من آل فرعون.
وجيء بالواو في النداء الثالث دون الثاني، لأن الثاني داخل على كلام هو بيان للمجمل وتفسير له بخلاف الثالث.
{لاَ جَرَمَ} عند البصريين لا رد لما دعاه إليه قومه، و{جرم} فعل بمعنى حق و أن مع ما في حيزه فاعله أي حق ووجب بطلان دعوته {أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ في الدنيا وَلاَ في الآخرة} معناه أن تدعونني إليه ليس له دعوة إلى نفسه قط أي من حق المعبود بالحق أن يدعو العباد إلى طاعته، وما تدعون إليه وإلى عبادته لا يدعو هو إلى ذلك ولا يدعي الربوبية، أو معناه ليس له استجابة دعوة في الدنيا ولا في الآخرة أو دعوة مستجابة، جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة كلا دعوة، أو سميت الاستجابة باسم الدعوة كما سمي الفعل المجازي عليه بالجزاء في قوله: «كما تدين تدان» {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى الله} وأن رجوعنا إليه {وَأَنَّ المسرفين} وأن المشركين {هُمْ أصحاب النار فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} أي من النصيحة عند نزول العذاب {وَأُفَوِّضُ} وأسلم {أَمْرِى} وبفتح الياء: مدني وأبو عمرو {إِلَى الله} لأنهم توعدوه {إِنَّ الله بَصِيرٌ بالعباد} بأعمالهم ومالهم {فَوقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ} شدائد مكرهم وما هموا به من إلحاق أنواع العذاب بمن خالفهم، وقيل: إنه خرج من عندهم هاربًا إلى جبل فبعث قريبًا من ألف في طلبه فمنهم من أكلته السباع ومن رجع منهم صلبه فرعون {وَحَاقَ} ونزل.
{بِأَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العذاب النار} بدل من {سُوءُ العذاب} أو خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل: ما سوء العذاب؟ فقيل: هو النار، أو مبتدأ خبره {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} وعرضهم عليها إحراقهم بها يقال: عرض الإمام الأسارى على السيف إذا قتلهم به.
{غُدُوًّا وَعَشِيًّا} أي في هذين الوقتين يعذبون بالنار، وفيما بين ذلك إما أن يعذبوا بجنس آخر أو ينفس عنهم، ويجوز أن يكون غدوًا وعشيًا عبارة عن الدوام هذا في الدنيا {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة} يقال لخزنة جهنم {أَدْخلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ} من الإدخال: مدني وحمزة وعلي وحفص وخلف ويعقوب، وغيرهم {أدخلوا} أي يقال لهم ادخلوا يا آل فرعون {أَشَدَّ العذاب} أي عذاب جهنم، وهذه الآية دليل على عذاب القبر.