فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ} واذكر وقت تخاصمهم {فِى النار فَيَقُولُ الضعفاؤا لِلَّذِينَ استكبروا} يعني الرؤساء {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} تباعًا كخدم في جمع خادم {فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ} دافعون {عَنَّا نَصِيبًا} جزاءً {مِّنَ النار قَالَ الذين استكبروا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} التنوين عوض من المضاف إليه أي إنا كلنا فيها لا يغني أحد عن أحد {إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد} قضى بينهم بأن أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار {وَقَالَ الذين في النار لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} للقُوَّام بتعذيب أهلها.
وإنما لم يقل لخزنتها لأن في ذكر جهنم تهويلًا وتفظيعًا، ويحتمل أن جهنم هي أبعد النار قعرًا من قولهم بئر جهنّام بعيدة القعر وفيها أعتى الكفار وأطغاهم، فلعل الملائكة الموكلين بعذاب أولئك أجوب دعوة لزيادة قربهم من الله تعالى فلهذا تعمدهم أهل النار بطلب الدعوة منهم {ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا} بقدر يوم من الدنيا {مِّنَ العذاب قَالُواْ} أي الخزنة توبيخًا لهم بعد مدة طويلة {أَوَلَمْ تَكُ} أي ولم تك قصة، وقوله: {تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم} تفسير للقصة {بالبينات} بالمعجزات {قَالُواْ} أي الكفار {بلى قَالُواْ} أي الخزنة تهكمًا بهم {فادعوا} أنتم ولا استجابة لدعائكم {وَمَا دعاؤا الكافرين إِلاَّ في ضلال} بطلان وهو من قول الله تعالى، ويحتمل أن يكون من كلام الخزنة.
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين ءَامَنُواْ في الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد} أي في الدنيا والآخرة يعني أنه يغلبهم في الدارين جميعًا بالحجة والظفر على مخالفيهم وإن غلبوا في الدنيا في بعض الأحايين امتحانًا من الله والعاقبة لهم، ويتيح الله من يقتص من أعدائهم ولو بعد حين.
و{يوم} نصب محمول على موضع الجار والمجرور كما تقول جئتك في أمس واليوم، والأشهاد جمع شاهد كصاحب وأصحاب يريد الأنبياء والحفظة، فالأنبياء يشهدون عند رب العزة على الكفرة بالتكذيب والحفظة يشهدون على بني آدم بما عملوا من الأعمال.
{تَقُومُ} بالتاء: الرازي عن هشام.
{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُمْ} هذا بدل من {يَوْمَ يَقُومُ} أي لا يقبل عذرهم.
{لاَّ ينفَعُ} كوفي ونافع {وَلَهُمُ اللعنة} البعد من رحمة الله {وَلَهُمْ سُوءُ الدار} أي سوء دار الآخرة وهو عذابها {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الهدى} يريد به جميع ما أتى به في باب الدين من المعجزات والتوراة والشرائع {وَأَوْرَثْنَا بَنِى إسراءيل الكتاب} أي التوراة والإنجيل والزبور لأن الكتاب جنس أي تركنا الكتاب من بعد هذا إلى هذا {هُدًى وذكرى} إرشادًا وتذكرة، وانتصابهما على المفعول له أو على الحال {لأُِوْلِى الألباب} لذوي العقول.
{فاصبر} على ما يجرعك قومك من الغصص {إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} يعني إن ما سبق به وعدي من نصرتك وإعلاء كلمتك حق {واستغفر لِذَنبِكَ} أي لذنب أمتك {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعشى والإبكار} أي دم على عبادة ربك والثناء عليه.
وقيل: هما صلاتا العصر والفجر.
وقيل: قل سبحان الله وبحمده.
{إِنَّ الذين يجادلون في ءايات الله بِغَيْرِ سلطان أتاهم} لا وقف عليه لأن خبر إن {إِن في صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ} تعظم وهو إرادة التقدم والرياسة وأن لا يكون أحد فوقهم، فلهذا عادوك ودفعوا آياتك خيفة أن تتقدمهم ويكونوا تحت يدك وأمرك ونهيك لأن النبوة تحتها كل ملك ورياسة، أو إرادة أن تكون لهم النبوة دونك حسدًا وبغيًا وبدل عليه قوله: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11] أو إرادة دفع الآيات بالجدل {مَّا هُم ببالغيه} ببالغي موجب الكبر ومقتضيه وهو متعلق إرادتهم من الرياسة أو النبوة أو دفع الآيات {فاستعذ بالله} فالتجيء إليه من كيد من يحسدك ويبغي عليك {إِنَّهُ هُوَ السميع} لم تقول ويقولون {البصير} بما تعمل ويعملون فهو ناصرك عليهم وعاصمك من شرهم.
{لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} لما كانت مجادلتهم في آيات الله مشتملة على إنكار البعث، وهو أصل المجادلة ومدارها حجوا بخلق السماوات الأرض لأنهم كانوا مقرين بأن الله خالقها فإن من قدر على خلقها مع عظمها كان على خلق الإنسان مع مهانته أقدر.
{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} لأنهم لا يتأملون لغلبة الغفلة عليهم.
{وَمَا يَسْتَوِى الأعمى والبصير والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَلاَ المسىء} {لا} زائدة {قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} تتعظون بتاءين: كوفي، وبياء وتاء: غيرهم، و{قَلِيلًا} صفة مصدر محذوف أي تذكرًا قليلًا يتذكرون و{ما} صلة زائدة.
{إِنَّ الساعة لآتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا} لابد من مجيئها وليس بمرتاب فيها لأنه لابد من جزاء لئلا يكون خلق الخلق للفناء خاصة {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ} لا يصدقون بها {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادعونى} اعبدوني {أَسْتَجِبْ لَكُمْ} أثبكم فالدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن ويدل عليه قوله: {إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى} وقال عليه السلام: «الدعاء هو العبادة» وقرأ هذه الآية صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: وحدوني أغفر لكم وهذا تفسير للدعاء بالعبادة ثم للعبادة بالتوحيد.
وقيل: سلوني أعطكم {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ} {سيُدخلون} مكي وأبو عمرو.
{داخرين} صاغرين.
{الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ والنهار مُبْصِرًا} هو من الإسناد المجازي أي مبصرًا فيه لأن الإبصار في الحقيقة لأهل النهار.
وقرن {الليل} بالمفعول له و{النهار} بالحال ولم يكونا حالين أو مفعولًا لهما رعاية لحق المقابلة لأنهما متقابلان معنى، لأن كل واحد منهما يؤدي مؤدى الآخر، ولأنه لو قيل لتبصروا فيه فاتت الفصاحة التي في الإسناد المجازي، ولو قيل ساكنًا لم تتميز الحقيقة من المجاز إذ الليل يوصف بالسكون على الحقيقة، ألا ترى إلى قولهم ليل ساجٍ أي ساكن لا ريح فيه {إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس} ولم يقل لمفضل أو لمتفضل لأن المراد تنكير الفضل وأن يجعل فضلًا لا يوازيه فضل وذلك إنما يكون بالإضافة {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ} ولم يقل ولكن أكثرهم حتى لا يتكرر ذكر الناس لأن في هذا التكرير تخصيصًا لكفران النعمة بهم وأنهم هم الذين يكفرون فضل الله ولا يشكرونه كقوله: {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ} [الحج: 66].
وقوله: {إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].
{ذلكم} الذي خلق لكم الليل والنهار {الله رَبُّكُمْ خالق كُلِّ شيء لاَّ إله إِلاَّ هُوَ} أخبار مترادفة أي هو الجامع لهذه الأوصاف من الربوبية والإلهية وخلق كل شيء والوحدانية {فأنى تُؤْفَكُونَ} فكيف ومن أي وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة الأوثان؟ {كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الذين كَانُواْ بئايات الله يَجْحَدُونَ} أي كل من جحد بآيات الله ولم يتأملها ولم يطلب الحق أفك كما أفكوا.
{الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَارًا} مستقرًا {والسماء بِنَاءً} سقفًا فوقكم {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} قيل: لم يخلق حيوانًا أحسن صورة من الإنسان.
وقيل: لم يخلقهم منكوسين كالبهائم {وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات} اللذيذات {ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ فتبارك الله رَبُّ العالمين هُوَ الحى لاَ إله إِلاَّ هُوَ فادعوه} فاعبدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي الطاعة من الشرك والرياء قائلين {الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين.
ولما طلب الكفار منه عليه السلام عبادة الأوثان نزل {قُلْ إِنِّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَمَّا جَاءَنِى البينات مِن رَّبِّى} هي القرآن وقيل العقل والوحي {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ} أستقيم وأنقاد {لِرَبِّ العالمين هُوَ الذي خَلَقَكُمْ} أي أصلكم {مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} اقتصر على الواحد لأن المراد بيان الجنس {ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ} متعلق بمحذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وكذلك {ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخًا} وبكسر الشين: مكي وحمزة وعلي وحماد ويحيى والأعشى {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ} أي من قبل بلوغ الأشد أو من قبل الشيوخة {وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلًا مُّسَمًّى} معناه ويفعل ذلك لتبلغوا أجلًا مسمى وهو وقت الموت أو يوم القيامة {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ما في ذلك من العبر والحجج {هُوَ الذي يُحْيِى وَيُمِيتُ فَإِذَا قضى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ} أي فإنما يكوّنه سريعًا من غير كلفة.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يجادلون في ءايات الله أنى يُصْرَفُونَ} ذكر الجدال في هذه السورة في ثلاثة مواضع فجاز أن يكون في ثلاثة أقوام أو ثلاثة أصناف أو للتأكيد {الذين كَذَّبُواْ بالكتاب} بالقرآن {وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} من الكتاب {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الاغلال في أعناقهم} {إذ} ظرف زمان ماضٍ والمراد به هنا الاستقبال كقوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وهذا لأن الأمور المستقبلة لما كانت في أخبار الله تعالى مقطوعًا بها عبر عنها بلفظ ما كان ووجد، والمعنى على الاستقبال {والسلاسل} عطف على {الأغلال} والخبر {فِى أعناقهم} والمعنى إذ الأغلال والسلاسل في أعناقهم {يُسْحَبُونَ في الحميم} يجرون في الماء الحار {ثُمَّ في النار يُسْجَرُونَ} من سجر التنور إذا ملأه بالوقود ومعناه أنهم في النار فهي محيطة بهم وهم مسجورون بالنار مملوءة بها أجوافهم {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ} أي تقول لهم الخزنة {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ الله} يعني الأصنام التي تعبدونها {قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا ننتفع بهم {بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئًا} أي تبين لنا أنهم لم يكونوا شيئًا وما كنا نعبد بعبادتهم شيئًا كما تقول: حسبت أن فلانًا شيء فإذا هو ليس بشيء إذا خبرته فلم تر عنده خيرًا.
{كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين} مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلون عن آلهتهم حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادفوا، أو كما أضل هؤلاء المجادلين يضل سائر الكافرين الذين علم منهم اختيار الضلالة على الدين {ذلكم} العذاب الذي نزل بكم {بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ في الأرض بِغَيْرِ الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح بغير الحق وهو الشرك وعبادة الأوثان فيقال لهم {ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ} السبعة المقسومة لكم.
قال الله تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْء مَّقْسُومٌ} [الحجر: 44].
{خالدين فِيهَا} مقدرين الخلود {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} عن الحق جهنم {فاصبر} يا محمد {إِنَّ وَعْدَ الله} بإهلاك الكفار {حَقٌّ} كائن {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} أصله فإن نريك و{ما} مزيدة لتوكيد معنى الشرط ولذلك ألحقت النون بالفعل، ألا تراك لا تقول إن تكرمني أكرمك ولكن إما تكرمني أكرمك {بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} هذا الجزاء متعلق ب {نَتَوَفَّيَنَّكَ} وجزاء {نُرِيَنَّكَ} محذوف وتقديره وإما نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب وهو القتل يوم بدر فذاك، أو إن نتوفينك قبل يوم بدر فإلينا يرجعون يوم القيامة فننتقم منهم أشد الانتقام.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ} إلى أممهم {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} قيل: بعث الله ثمانية آلاف نبي: أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس.
وعن علي رضي الله عنه: إن الله تعالى بعث نبيًا أسود فهو ممن لم تذكر قصته في القرآن {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِئَايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} وهذا جواب اقتراحهم الآيات عنادًا يعني إنا قد أرسلنا كثيرًا من الرسل وما كان لواحد منهم أن يأتي بآية إلا بإذن الله فمن أين لي بأن آتي بآية مما تقترحونه إلا أن يشاء الله ويأذن في الإتيان بها؟ {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ الله} أي يوم القيامة وهو وعيد ورد عقيب اقتراحهم الآيات {قُضِىَ بالحق وَخَسِرَ هُنَالِكَ المبطلون} المعاندون الذين اقترحوا الآيات عنادًا.
{الله الذي جَعَلَ} خلق {لَكُمُ الأنعام} الإبل {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي لتركبوا بعضها وتأكلوا بعضها {وَلَكُمْ فيِهَا منافع} أي الألبان والأوبار {وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً في صُدُورِكُمْ} أي لتبلغوا عليها ما تحتاجون إليه من الأمور {وَعَلَيْهَا} وعلى الأنعام {وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} أي على الأنعام وحدها لا تحملون ولكن عليها وعلى الفلك في البر والبحر {وَيُرِيكُمْ ءاياته فَأَىَّ ءايات الله تُنكِرُونَ} أنها من عند الله.
و{أَي} نصب ب {تُنكِرُونَ} وقد جاءت على اللغة المستفيضة.
وقولك {فأية آيات الله} قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب وهي في {أي} أغرب لإبهامه {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ} عددًا {وَأَشَدَّ قُوَّةً} بدنًا {وَءَاثَارًا في الأرض} قصورًا ومصانع.
{فَمَآ أغنى عَنْهُمْ} {ما} نافية {مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم} يريد علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها كما قال: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مّنَ الحياة الدنيا وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غافلون} [الروم: 7] فلما جاءتهم الرسل بعلوم الديانات وهي أبعد شيء من علمهم لبعثها على رفض الدنيا والظلف عن الملاذ والشهوات، لم يلتفتوا إليها وصغروها واستهزءوا بها واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم ففرحوا به، أو علم الفلاسفة والدهريين فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم.
وعن سقراط أنه سمع بموسى عليه السلام وقيل له: لو هاجرت إليه فقال: نحن قوم مهذبون فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا، أو المراد فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك منه واستهزاء به كأنه قال: استهزءوا بالبينات وبما جاءوا به من علم الوحي فرحين مرحين، ويدل عليه قوله: {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} أو الفرح للرسل أي الرسل لما رأوا جهلهم واستهزاءهم بالحق وعلموا سوء عاقبتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم واستهزائهم.
{فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} شدة عذابنا {قَالُواْ ءَامَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} أي فلم يصح ولم يستقم أن ينفعهم إيمانهم {سُنَّتَ الله} بمنزلة وعد الله ونحوه من المصادر المؤكدة {التى قَدْ خَلَتْ في عِبَادِهِ} أن الإيمان عند نزول العذاب لا ينفع وأن العذاب نازل بمكذبي الرسل {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون} هنالك مكان مستعار للزمان والكافرون خاسرون في كل أوان، ولكن يتبين خسرانهم إذا عاينوا العذاب، وفائدة ترادف الفاءات في هذه الآيات أن {فَمَا أغنى عَنْهُمْ} نتيجة قوله: {كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ} و{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم} كالبيان والتفسير لقوله: {فَمَا أغنى عَنْهُمْ} كقولك رزق زيد المال فمنع المعروف فلم يحسن إلى الفقراء، و{فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} تابع لقوله: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ} كأنه قال: فكفروا فلما رأوا بأسنا آمنوا، وكذلك {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم} تابع لإيمانهم لما رأوا بأس الله، والله أعلم. اهـ.

.قال البيضاوي:

{ويا قوم مَا لِى أَدْعُوكُمْ إِلَى النجاة وَتَدْعُونَنِى إِلَى النار} كرر ندائهم إيقاظًا لهم عن سنة الغفلة واهتمامًا بالمنادى له، ومبالغة في توبيخهم على ما يقابلون به نصحه، وعطفه على النداء الثاني الداخل على ما هو بيان لما قبله ولذلك لم يعطف على الأول، فإن ما بعده أيضًا تفسير لما أجمل فيه تصريحًا أو تعريضًا أو على الأول.
{تَدْعُونَنِى لأَكْفُرَ بالله} بدل أو بيان فيه تعليل والدعاء كالهداية في التعدية بإلى واللام.
{وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِى بِهِ} بربوبيته.
{عِلْمٌ} والمراد نفي المعلوم والإِشعار بأن الألوهية لابد لها من برهان فاعتقادها لا يصح إلا عن إيقان.