فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما ذكر الله تعالى الوعيد عاد إلى ذكر ما يدل على وجود الإله القادر الحكيم، وإلى ذكر ما يصلح أن يعد إنعامًا على العباد فقال تعالى: {الله} أي: الملك الأعظم {الذي جعل لكم} أي: لا غيره {الأنعام} أي: الأزواج الثمانية بالتذلل والتسخير، وقال الزجاج: الأنعام الإبل خاصة {لتركبوا منها} وهي الإبل مع قوتها ونفرتها وقد تركب البقر أيضًا {ومنها} أي: من الأنعام كلها {تأكلون} ولما كان التصرف فيها غير منضبط أجمله بقوله تعالى: {ولكم فيها} أي: كلها {منافع} أي: كثيرة بغير ذلك من الدر والوبر والصوف وغيرها {ولتبلغوا عليها} وهي في غاية الذل والطواعية ونبههم على نقصهم وعظم نعمته عليهم بقوله تعالى: {حاجة} أي: جنس الحاجة، وقوله تعالى: {في صدوركم} إشارة إلى أن حاجة واحدة ضاقت عنها قلوب الجميع حتى فاضت منها فملأت مساكنها {وعليها} أي: الإبل في البر {وعلى الفلك} أي: في البحر {تحملون} أي: تحملون أمتعتكم الثقيلة من مكان إلى مكان آخر وأما حمل الإنسان نفسه فقد مر بالركوب، فإن قيل: لِمَ لم يقل وفي الفلك كما قال تعالى في سورة هود: {قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين} (هود: 40)؟
أجيب: بأن كلمة على للاستعلاء فالشيء الذي يوضع على الفلك كما صح أن يقال وضع فيه صح أن يقال وضع عليه، ولما صح الوجهان كانت لفظة على أولى حتى تتم المزاوجة في قوله تعالى: {وعليها وعلى الفلك تحملون} (المؤمنون: 22).
وقال بعضهم: أن لفظ فيها هناك أليق لأن سفينة نوح عليه السلام كما قيل مسبقة عليهم وهي محيطة بهم كالوعاء وأما غيرها فالاستعلاء فيه واضح لأن الناس على ظهرها.
ولما كانت هذه آية عظيمة جعلها الله سبحانه وتعالى مشتملة على آيات كثيرة قال تعالى: {ويريكم} أي: في كل لحظة {آياته} أي: دلائل قدرته {فأي آيات الله} أي: المحيط بصفات الكمال الدالة على وحدانيته {تنكرون} حتى تتوجه لكم المجادلة في آياته وهذا استفهام توبيخ.
تنبيه:
أي: منصوب بتنكرون وقدم وجوبًا لأن له صدر الكلام وتذكيره أشهر من تأنيثه، قال الزمخشري: وقولك فأية آيات الله قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب وهو في أي: أغرب لإبهامه، قال أبو حيان: ومن قلة تأنيث أي: قول الشاعر:
بأي كتاب أم بأية سنة ** ترى حبهم عارًا علي وتحسب

قال ابن عادل: وقوله وهو في أي أغرب إن عني أيًا على الإطلاق فليس بصحيح؛ لأن المستفيض في النداء أن تؤنث في نداء المؤنث كقوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة} (الفجر: 27).
ولا نعلم أحدًا ذكر تذكيرها فيه فيقول: يا أيها المرأة إلا صاحب البديع في النحو وإن عني غير المناداة فكلامه صحيح، يقل تأنيثها في الاستفهام وموصولة وشرطية.
ولما وصل الأمر إلى حد من الوضوح لا يخفى على أحد تسبب عنه لفت الخطاب عنهم دلالة على الغضب الموجب للعقاب المقتضي للرهب فقال تعالى: {أفلم يسيروا} أي: هؤلاء الذين هم أضل من الإنعام، لما حصل في صدورهم من الكبر العظيم طلبًا للرياسة والتقديم على الغير في المال والجاه {في الأرض} أي أرض كانت سير اعتبار {فينظروا} نظر تفكر فيما سلكوه من سبلها ونواحيها {كيف كان عاقبة} أي: آخر {الذين من قبلهم} أي: مع قرب الزمان والمكان أو بعد ذلك {كانوا أكثر منهم} عَددًا وعُددًا ومالًا وجاهًا {وأشد قوة} في الأبدان كقوم هود عليه السلام وبناء {وآثارًا في الأرض} بنحت البيوت في الجبال وحفر الآبار وبناء المصانع الجليلة وغير ذلك {فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} بقوة أبدانهم وعظم عقولهم واحتيالهم وما رتبوا من المصانع لنجاتهم حين جاءهم الموت بل كانوا كأمس الذاهب.
تنبيه:
ما الأولى نافية أو استفهامية منصوبة بأغنى، والثانية موصولة أو مصدرية مرفوعة به.
{فلما جاءتهم رسلهم} أي: الذين قد أرسلناهم إليهم وهم يعرفون صدقهم وأماناتهم {بالبينات} أي: المعجزات الظاهرات الدالة على صدقهم لا محالة واختلف في عود ضمير فرحوا في قوله تعالى: {فرحوا بما عندهم من العلم} على وجهين؛ أحدهما: أنه عائد إلى الكفار واختلف في ذلك العلم الذي فرحوا به فقيل: هو الأشياء التي كانوا يسمونها علمًا وهي الشبهات المحكية عنهم في القرآن كقولهم: {ما يهلكنا إلا الدهر} (الجاثية: 24) وقولهم: {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا} (الأنعام: 148) وقولهم: {من يحيي العظام وهي رميم} (يس: 78) {ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرًا منها منقلبًا} (الكهف: 36) فكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به علوم الأنبياء كما قال تعالى: {كل حزب بما لديهم فرحون} (الروم: 53).
وقيل: المراد علم الفلاسفة فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله تعالى دفعوه وصغروا علوم الأنبياء عن علومهم، كما روي عن بقراط أنه سمع بمجيء بعض الأنبياء عليهم السلام فقيل له: لو هاجرت إليه فقال: نحن قوم مهتدون فلا حاجة بنا إلى من يهدينا. وقيل: المراد علمهم بأمر الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها كقوله تعالى: {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ذلك مبلغهم من العلم}.
فلما جاءت الرسل عليهم السلام بعلوم الديانات ومعرفة الله عز وجل ومعرفة المعاد وتطهير النفس من الرذائل لم يلتفتوا إليها واستهزؤوا بها واعتقدوا أن لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم ففرحوا به، ويجوز أن يكون المراد علم الأنبياء وفرح الكفار به ضحكهم واستهزاؤهم به ويؤيده قوله تعالى: {وحاق} أي: أحاط على وجه الشدة {بهم ما كانوا به يستهزئون} أي: من الوعيد الذي كانوا قاطعين ببطلانه، والوجه الثاني: أنه عائد على الرسل وفيه وجهان؛ أحدهما: أن تفرح الرسل إذا رأوا من قوم جهلًا كاملًا وإعراضًا عن الحق وعلموا سوء غفلتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم وإعراضهم فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله تعالى وحاق بالجاهلين جزاء جهلهم واستهزائهم، الثاني: أن المراد أن الرسل فرحوا بما عند الكفار من العلم فرح ضحك واستهزاء.
{فلما رأوا} أي: عاينوا {بأسنا} أي: عذابنا الشديد ومنه قوله تعالى: {بعذاب بئيس} (الأعراف: 165).
{قالوا آمنا بالله} أي: الذي له مجامع العظمة ومعاقد العز ونفوذ الكلمة {وحده} لا نشرك به شيئًا {وكفرنا بما كنا} أي: جبلة وطبعًا {به مشركين} يعنون الأصنام أي: لأنا علمنا أنه لا يغني من دون الله شيء.
ولما كان الكفر بالغيب سببًا لعدم قبول الإيمان عند الشهادة قال تعالى: {فلم يك ينفعهم} أي: لم يصح ولم يقبل بوجه من الوجوه {إيمانهم} أي: لا يتجدد لهم نفعه بعد ذلك لأنه إيمان الجاء واضطرار، لا إيمان طواعية واختيار {لما رأوا} وأظهر موضع الإضمار زيادة في الترهيب فقال تعالى شأنه: {بأسنا} أي: عذابنا لامتناع قبول الإيمان حينئذ لأنه لا يتحقق ولا يتصور إلا مع الغيب، وأما عند الشهادة فقد كشفت سريرته على أنه قد فاتت حقيقته وصورته، ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه، فإن قيل: أي: فرق بين قوله تعالى: {فلم يك ينفعهم إيمانهم} وبينه، لو قيل فلم ينفعهم إيمانهم؟
أجيب: بأنه من كان في نحو قوله تعالى: {ما كان لله أن يتخذ من ولد} (مريم: 35) والمعنى فلم يصح ولم يستقم أن ينفعهم إيمانهم. فإن قيل: كيف ترادفت هذه الفاءات؟
أجيب: بأن قوله تعالى: {فما أغنى عنهم} نتيجة قوله تعالى: {كانوا أكثر منهم} وأما قوله تعالى: {فلما جاءتهم رسلهم} فجار مجرى البيان والتفسير لقوله تعالى: {فما أغنى عنهم} كقولك رزق زيد المال فمنع المعروف فلم يحسن إلى الفقراء وقوله تعالى: {فلما رأوا بأسنا} تابع لقوله تعالى: {فلما جاءتهم} كأنه قال: فكفروا فلما رأوا بأسنا آمنوا فكذلك فلم يك ينفعهم إيمانهم تابع لإيمانهم لما رأوا بأس الله تعالى، وقوله تعالى: {سنت الله} أي: الملك الأعظم، يجوز انتصابها على المصدر المؤكد لمضمون الجملة أي: الذي فعله الله تعالى بهم سنة سابقة من الله تعالى ويجوز انتصابها على التحذير أي: احذروا سنة الله تعالى في المكذبين {التي قد خلت في عباده} وتلك السنة أنهم إذا عاينوا العذاب آمنوا ولم ينفعهم إيمانهم.
فائدة:
رسمت سنة بتاء مجرورة ووقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالهاء، والباقون بالتاء، وأمال الكسائي الهاء في الوقف {وخسر} أي: هلك أي: تحقق وتبين أنه خسر {هنالك الكافرون} أي: العريقون في هذا الوصف فلا انفكاك بينهم وبين الكفر.
تنبيه:
هنالك في الأصل اسم مكان قيل: استعير هنا للزمان ولا حاجة له فالمكانية فيه ظاهرة، وقول البيضاوي تبعًا للزمخشري عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة المؤمن لم يبق روح نبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن إلا صلى عليه واستغفر له» حديث موضوع. وعن ابن سيرين رأى رجل في المنام سبع جوار حسان في مكان واحد لم ير أحسن منهن فقال لهن: لمن أنتن فقلن لمن يقرأ آل حم. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66)} أمر الله سبحانه رسوله أن يخبر المشركين بأن الله نهاه عن عبادة غيره، وأمره بالتوحيد، فقال: {قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} وهي: الأصنام.
ثم بيّن وجه النهي، فقال: {لَمَّا جَاءنِى البينات مِن رَّبّى} وهي: الأدلة العقلية والنقلية، فإنها توجب التوحيد {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبّ العالمين} أي: أستسلم له بالانقياد، والخضوع.
ثم أردف هذا بذكر دليل من الأدلة على التوحيد، فقال: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ} أي: خلق أباكم الأوّل، وهو: أدم، وخلقه من تراب يستلزم خلق ذرّيته منه {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} قد تقدّم تفسير هذا في غير موضع {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} أي: أطفالًا، وأفرده لكونه اسم جنس، أو على معنى: يخرج كلّ واحد منكم طفلًا {ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ} وهي: الحالة التي تجتمع فيها القوّة، والعقل.
وقد سبق بيان الأشدّ مستوفى في الأنعام، واللام التعليلية في: {لتبلغوا} معطوفة على علة أخرى، {ليخرجكم} مناسبة لها، والتقدير: لتكبروا شيئًا، فشيئا، ثم لتبلغوا غاية الكمال، وقوله: {ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخًا} معطوف على لتبلغوا، قرأ نافع، وحفص، وأبو عمرو، وابن محيصن، وهشام: {شيوخًا} بضم الشين، وقرأ الباقون بكسرها، وقرئ وشيخًا على الإفراد لقوله طفلًا، والشيخ من جاوز أربعين سنة {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ} أي: من قبل الشيخوخة {وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلًا مُّسَمًّى} أي: وقت الموت، أو يوم القيامة، واللام هي: لام العاقبة {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي: لكي تعقلوا توحيد ربكم، وقدرته البالغة في خلقكم على هذه الأطوار المختلفة {هُوَ الذي يُحْيِي وَيُمِيت} أي: يقدر على الإحياء، والإماتة {فَإِذَا قضى أَمْرًا} من الأمور التي يريدها {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} من غير توقف، وهو: تمثيل لتأثير قدرته في المقدورات عند تعلق إرادته بها، وقد تقدّم تحقيق معناه في البقرة، وفيما بعدها.
ثم عجب سبحانه من أحوال المجادلين في آيات الله، فقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يجادلون في ءايات الله} وقد سبق بيان معنى المجادلة {أنى يُصْرَفُونَ} أي: كيف يصرفون عنها مع قيام الأدلة الدالة على صحتها، وأنها في أنفسها موجبة للتوحيد.
قال ابن زيد: هم: المشركون بدليل قوله: {الذين كَذَّبُواْ بالكتاب وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} قال القرطبي: وقال أكثر المفسرين: نزلت في القدرية.
قال ابن سيرين: إن لم تكن هذه الآية نزلت في القدرية، فلا أدري فيمن نزلت، ويجاب عن هذا بأن الله سبحانه قد وصف هؤلاء بصفة تدلّ على غير ما قالوه، فقال: {الذين كَذَّبُواْ بالكتاب} أي: بالقرآن، وهذا وصف لا يصحّ أن يطلق على فرقة من فرق الإسلام، والموصول إما في محل جرّ على أنه نعت للموصول الأوّل، أو بدل منه، ويجوز أن يكون في محل نصب على الذمّ، والمراد بالكتاب: إما القرآن، أو جنس الكتب المنزلة من عند الله، وقوله: {وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} معطوف على قوله: {بالكتاب} ويراد به ما يوحى إلى الرسل من غير كتاب إن كانت اللام في الكتاب للجنس، أو سائر الكتب إن كان المراد بالكتاب القرآن {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عاقبة أمرهم، ووبال كفرهم، وفي هذا وعيد شديد، والظرف في قوله: {إِذِ الأغلال في أعناقهم} متعلق {بيعلمون} أي: فسوف يعلمون وقت كون الأغلال في أعناقهم {والسلاسل} معطوف على الأغلال، والتقدير: إذ الأغلال، والسلاسل في أعناقهم، ويجوز أن يرتفع السلاسل على أنه مبتدأ وخبره محذوف لدلالة في أعناقهم عليه، ويجوز أن يكون خبره {يُسْحَبُونَ في الحميم} بحذف العائد، أي: يسحبون بها في الحميم، وهذا على قراءة الجمهور برفع {السلاسل} وقرأ ابن عباس، وابن مسعود، وعكرمة، وأبو الجوزاء بنصبها، وقرءوا: {يسحبون} بفتح الياء مبنيًّا للفاعل، فتكون السلاسل مفعولًا مقدّمًا، وقرأ بعضهم بجرّ السلاسل.
قال الفراء: وهذه القراءة محمولة على المعنى، إذ المعنى: أعناقهم في الأغلال، والسلاسل.
وقال الزجاج: المعنى على هذه القراءة: وفي السلاسل يسحبون، واعترضه ابن الأنباري: بأن ذلك لا يجوز في العربية، ومحل يسحبون على تقدير عطف السلاسل على الأغلال، وعلى تقدير كونها مبتدأ، وخبرها في أعناقهم النصب على الحال، أو لا محل له، بل هو مستأنف جواب سؤال مقدّر، والحميم هو: المتناهي في الحرّ.
وقيل: الصديد، وقد تقدّم تفسيره {ثُمَّ في النار يُسْجَرُونَ} يقال: سجرت التنور أي: أوقدته، وسجرته ملأته بالوقود، ومنه {والبحر المسجور} [الطور: 6] أي: المملوء، فالمعنى: توقد بهم النار، أو تملأ بهم.
قال مجاهد، ومقاتل: توقد بهم النار، فصاروا وقودها.
{ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ الله} هذا توبيخ، وتقريع لهم، أي: أين الشركاء الذين كنتم تعبدونهم من دون الله {قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} أي: ذهبوا، وفقدناهم، فلا نراهم، ثم أضربوا عن ذلك، وانتقلوا إلى الإخبار بعدمهم، وأنه لا وجود لهم، فقالوا: {بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئًا} أي: لم نكن نعبد شيئًا، قالوا هذا لما تبين لهم ما كانوا فيه من الضلالة، والجهالة، وأنهم كانوا يعبدون ما لا يبصر، ولا يسمع، ولا يضرّ، ولا ينفع، وليس هذا إنكارًا منهم لوجود الأصنام التي كانوا يعبدونها، بل اعتراف منهم بأن عبادتهم إياها كانت باطلة {كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين} أي: مثل ذلك الضلال يضلّ الله الكافرين حيث عبدوا هذه الأصنام التي أوصلتهم إلى النار، والإشارة بقوله: {ذلكم} إلى الإضلال المدلول عليه بالفعل، أي: ذلك الإضلال بسبب {مَّا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ في الأرض} أي: بما كنتم تظهرون في الدنيا من الفرح بمعاصي الله، والسرور بمخالفة رسله، وكتبه.