فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: بما كنتم تفرحون به من المال، والأتباع، والصحة، وقيل: بما كنتم تفرحون به من إنكار البعث.
وقيل: المراد بالفرح هنا: البطر، والتكبر، وبالمرح: الزيادة في البطر.
وقال مجاهد، وغيره: تمرحون، أي: تبطرون، وتأشرون.
وقال الضحاك: الفرح السرور، والمرح العدوان.
وقال مقاتل: المرح البطر، والخيلاء {ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ} حال كونكم {خالدين فِيهَا} أي: مقدّرين الخلود فيها {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} عن قبول الحق جهنم.
ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر، فقال: {فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} أي: وعده بالانتقام منهم كائن لا محالة، إما في الدنيا، أو في الآخرة، ولهذا قال: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ} من العذاب في الدنيا بالقتل، والأسر، والقهر، وما في {فإما} زائدة على مذهب المبرد، والزجاج، والأصل فإن نرك، ولحقت بالفعل نون التأكيد، وقوله: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} معطوف على {نرينك} أي: أو نتوفينك قبل إنزال العذاب بهم {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} يوم القيامة، فنعذبهم {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ} أي: أنبأناك بأخبارهم، وما لقوه من قومهم {وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} خبره، ولا أوصلنا إليك علم ما كان بينه، وبين قومه {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِئَايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} لا من قبل نفسه، والمراد بالآية: المعجزة الدالة على نبوّته {فَإِذَا جَاء أَمْرُ الله} أي: إذا جاء الوقت المعين لعذابهم في الدنيا، أو في الآخرة {قُضِىَ بالحق} فيما بينهم، فينجي الله بقضائه الحق عباده المحقين {وَخَسِرَ هُنَالِكَ} أي: في ذلك الوقت {المبطلون} الذين يتبعون الباطل، ويعملون به.
ثم امتنّ سبحانه على عباده بنوع من أنواع نعمه التي لا تحصى، فقال: {الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام} أي: خلقها لأجلكم، قال الزجاج: الأنعام ها هنا الإبل، وقيل: الأزواج الثمانية {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا} من للتبعيض، وكذلك في قوله: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} ويجوز أن تكون لابتداء الغاية في الموضعين، ومعناها: ابتداء الركوب، وابتداء الأكل، والأوّل أولى.
والمعنى: لتركبوا بعضها، وتأكلوا بعضها {وَلَكُمْ فيِهَا منافع} أخر غير الركوب، والأكل من الوبر، والصوف، والشعر، والزبد، والسمن، والجبن، وغير ذلك {وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً في صُدُورِكُمْ} قال مجاهد، ومقاتل، وقتادة: تحمل أثقالكم من بلد إلى بلد، وقد تقدم بيان هذا مستوفى في سورة النحل {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} أي: على الإبل في البرّ، وعلى السفن في البحر.
وقيل: المراد بالحمل على الأنعام هنا: حمل الولدان، والنساء بالهوادج {وَيُرِيكُمْ ءاياته} أي: دلالاته الدالة على كمال قدرته، ووحدانيته {فَأَىَّ ءايات الله تُنكِرُونَ} فإنها كلها من الظهور، وعدم الخفاء بحيث لا ينكرها منكر، ولا يجحدها جاحد، وفيه تقريع لهم، وتوبيخ عظيم، ونصب {أيّ} بتنكرون، وإنما قدم على العامل فيه، لأن له صدر الكلام.
ثم أرشدهم سبحانه إلى الاعتبار، والتفكر في آيات الله، فقال: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} من الأمم التي عصت الله، وكذبت رسلها، فإن الآثار الموجودة في ديارهم تدلّ على ما نزل بهم من العقوبة، وما صاروا إليه من سوء العاقبة.
ثم بيّن سبحانه أن تلك الأمم كانوا فوق هؤلاء في الكثرة، والقوّة، فقال: {كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً} أي: أكثر منهم عددًا، وأقوى منهم أجسادًا، وأوسع منهم أموالًا، وأظهر منهم {آثَارا في الأرض} بالعمائر، والمصانع، والحرث {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يجوز أن تكون ما الأولى استفهامية، أي: أيّ شيء أغنى عنهم، أو نافية.
أي: لم يغن عنهم، و ما الثانية يجوز أن تكون موصولة، وأن تكون مصدرية.
{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} أي: بالحجج الواضحات، والمعجزات الظاهرات {فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ العلم} أي: أظهروا الفرح بما عندهم مما يدعون أنه من العلم من الشبه الداحضة، والدعاوي الزائغة، وسماه علمًا تهكمًا بهم، أو على ما يعتقدونه.
وقال مجاهد: قالوا: نحن أعلم منهم لن نعذب، ولن نبعث.
وقيل: المراد من علم أحوال الدنيا لا الدين كما في قوله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مّنَ الحياة الدنيا} [الروم: 7]، وقيل: الذين فرحوا بما عندهم من العلم هم: الرسل، وذلك أنه لما كذبهم قومهم أعلمهم الله بأنه مهلك الكافرين، ومنجي المؤمنين، ففرحوا بذلك {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} أي: أحاط بهم جزاء استهزائهم {فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} أي: عاينوا عذابنا النازل بهم {قَالُواْ ءامَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} وهي: الأصنام التي كانوا يعبدونها {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} أي: عند معاينة عذابنا، لأن ذلك الإيمان ليس بالإيمان النافع لصاحبه، فإنه إنما ينفع الإيمان الاختياري لا الإيمان الاضطراري {سُنَّتُ الله التي قَدْ خَلَتْ في عِبَادِهِ} أي: التي قد مضت في عباده، والمعنى: أن الله سبحانه سن هذه السنّة في الأمم كلها أنه لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا العذاب، وقد مضى بيان هذا في سورة النساء، وسورة التوبة، وانتصاب سنّة على أنها مصدر مؤكد لفعل محذوف بمنزلة وعد الله، وما أشبهه من المصادر المؤكدة.
وقيل: هو منصوب على التحذير، أي: احذروا يا أهل مكة سنّة الله في الأمم الماضية، والأوّل أولى.
{وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون} أي: وقت رؤيتهم بأس الله، ومعاينتهم لعذابه.
قال الزجاج: الكافر خاسر في كل وقت، ولكنه يتبين لهم خسرانهم إذا رأوا العذاب.
وقد أخرج أحمد، والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث والنشور، عن عبد الله بن عمرو قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِذِ الأغلال في أعناقهم} إلى قوله: {يُسْجَرُونَ} فقال: «لو أن رصاصة مثل هذه، وأشار إلى جمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض، وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفًا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها، أو قال قعرها» وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة النار، عن ابن عباس قال: يسحبون في الحميم، فينسلخ كل شيء عليهم من جلد، ولحم، وعرق حتى يصير في عقبه حتى إن لحمه قدر طوله، وطوله ستون ذراعًا، ثم يكسى جلدًا آخر، ثم يسجر في الحميم.
وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب في قوله: {وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} قال: بعث الله عبدًا حبشيًا، فهو ممن لم يقصص على محمد. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أي: بوجوده علم؛ إذ لا وجود له: {وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ} أي: الغالب الذي يقهر من عصاه: {الْغَفَّارِ} أي: الذي يستر ظلمات نفوس من أطاعه، بأنواره.
{لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ} أي: الذي تدعوني إلى عبادته، ليس له دعوة في الدنيا لدفع الشدائد، والأمراض ونحوها، ولا في الآخرة لدفع أهوالها، على ما قاله المهايمي. أو لا دعوة له في الدارين لعدمه بنفسه، واستحالة وجوده فيهما، على ما قاله القاشاني. وقال الشهاب: عدم الدعوة عبارة عن جماديتها، وأنها غير مستحقة لذلك.
وسياق: {لَا جَرَمَ} عند البصريين أن يكدن لا ردًّا لما دعاه إليه قومه و: {جَرَمَ} بمعنى كسب؛ أي: وكسب دعاؤهم إليه بطلان دعوته؛ أي: ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته، ويجوز أن يكون: {لَا جَرَمَ} نظير لابد من الجرم وهو القطع. فكما أنك تقول: لابد لك أن تفعل. والبد من التبديد الذي هو التفريق، ومعناه لا مفارقة لك من فعل كذا، فكذلك في المطبوع: فكذالك: {لَا جَرَمَ} معناه لا انقطاع لبطلان دعوة الأصنام. بل هي باطلة أبدًا. هذا ما يستفاد من الكشاف.
وفي الصحاح: قال الفراء: {لَا جَرَمَ} كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا محالة، ولابد فجرت على ذلك، وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم، وصارت بمنزلة حقا، فلذلك يجاب عنها باللام. ألا تراهم يقولون: لا جرم لآتيناك. وقد حقق الكلام فيها ابن هشام في المغني في بحث، والجلال في همع الهوامع أثناء بحث إن والقسم، فنظرهما {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ} أي: في الضلالة، والطغيان، وسفك الدماء: {هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} أي: في النصح عند معاينة الأهوال، وما يحيق بكم: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} أي: وأسلم أمري إليه، وأجعله له، وأتوكل عليه، فإنه الكافي من توكل عليه: {إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} أي: فيعلم المطيع منهم، والعاصي، ومن يستحق المثوبة والعقوبة.
{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} أي: فرفع الله عن هذا المؤمن من آل فرعون، بإيمانه وتصديق رسوله موسى، مكروه ما كان فرعون ينال به أهل الخلاف عليه، من العذاب والبلاء، فنجاه منه: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ} أي: بفرعون، وقومه: {سُوءُ الْعَذَابِ} يعني الغرق، أو النار. وعلى الأول، فقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} جملة مستأنفة مبنية لكيفية نزول العذاب بهم، على أن: {النَّارُ} مبتدأ، وجملة: {يُعْرَضُونَ} خبره. وعلى الثاني، فالنار خبر لمحذوف، وهو خبر العذاب السيء، أو هي بدل من: {سُوءُ الْعَذَابِ}. والمراد عرض أرواحهم عليها دائمًا. واكتفى بالطرفين المحيطين- الغدو والعشي- عن الجميع، وبه يستدل على عذاب القبر والبرزخ. وقاناه الله تعالى، بمنه.
قال السيوطي: وفي العجائب للكرماني، في الآية أدل دليل على عذاب القبر؛ لأن المعطوف غير المعطوف عليه؛ يعني قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} أي: هذا العرض ما دامت الدنيا، فإذا قامت الساعة يقال لهم: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} وهو عذاب جهنم؛ لأنه جزاء شدة كفرهم: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} أي: يتخاصمون فيها، الأتباع والمتبوعون: {فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} أي: أتباعًا كالمكرهين: {فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} أي: نحن وأنتم. فكيف نغني عنكم؟ ولو قدرنا لأغنينا عن أنفسنا: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} أي: بأن أدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ولا معقب لحكمه. أو بأن قدّر عذابًا لكل منا لا يدفع عنه، ولا يتحمله عنه غيره، قال الشهاب: وهذا أنسب بما قبله.
{وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} أي: لما أيسوا من التخفيف عند المحاجّة: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ} أي: يدفع عنا يومًا من أيام العذاب، أو ألَمَ يوم، وشدته.
{قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ} أي: المتكاثرة على صدقهم، المنذرة بهذه الشدة: {قَالُوا بَلَى} أي: جاءوا بها، وأخبروا مع البينات: {قَالُوا فَادْعُوا} أي: إن كان ينفعكم، وهيهات: {وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} أي: في ضياع لا يجاب.
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} أي: لننصرهم في الدارين، أما في الدنيا، فبإهلاك عدوهم واستئصاله عاجلًا، أو بإظفارهم بعدوّهم وإظهارهم عليه، وجعل الدولة لهم، والعافية لأتباعهم، وأما في الآخرة، فبالنعيم الأبدي، والحبور السرمدي. و: {الْأَشْهَادُ} جمع شاهد، وهم من يشهد على تبليغ الرسل وتكذيبهم ظلمًا، أو جمع شهيد، كأشراف وشريف.
{يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} قال ابن جرير: ذلك يوم لا ينفع أهل الشرك اعتذارهم، لأنهم لا يعتذرون إلا بباطل؛ وذلك أن الله قد أعذر إليهم في الدنيا، وتابع عليهم الحجج فيها، فلا حجة لهم في الآخرة إلا الاعتصام بالكذب؛ بأن يقولوا: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، ولذا كانت لهم اللعنة، وهي البعد من رحمة الله، وشر ما في الدار الآخرة من العذاب الأليم.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى} أي: ما يهتدي به، فكذب به فرعون، وقومه كما كذبت قريش: {وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} أي: وتركنا عليهم بعده من ذلك التوراة.
{هُدًى} أي: بيانًا لأمر دينهم، وما ألزمناهم من شرائعها: {وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} أي: لذوي الحجى، والعقول منهم.
{فَاصْبِرْ} أي: إذا تلوت ما قصصناه عليك للناس، فاصبر على أذى المشركين، واصدع بما تؤمر: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي: بنصرك على من خالف، لا خلف له وهو منجزه، واذكر نبأ موسى وفرعون: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} أي: سله غفرانه، وعفوه: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} كقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39].
{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ} أي: يدفعون الحق بالباطل، ويردّون الحجج الصحيحة بالشبه الفاسدة، بلا برهان ولا حجة من الله: {إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ} أي: إلا تكبّر عن الحق، وتعظم عن التفكر، وغمط لمن جاءهم به، حسدًا منهم على الفضل الذي آتاك الله، والكرامة التي أكرمك بها من النبوة: {مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} قال ابن جرير: أي: الذي حسدوك عليه أمر ليسوا بمدركيه ولا نائليه. لأن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وليس بالأمر الذي يدرك بالأماني. وقد قيل: إن معناه إن في صدورهم إلا عظمة، ما هم ببالغي تلك العظمة، لأن الله مذلّهم: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} قال ابن جرير: أي: فاستجر بالله يا محمد، من شر هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان، ومن الكبر أن يعرض في قلبك منه شيء: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} أي: لما يقولون، وبما يعملون، فسيجازيهم.
تنبيه:
قال كعب، وأبو العالية: نزلت هذه الآية في اليهود، وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم، وأنهم يملكون به الأرض. فأمر صلى الله عليه وسلم أن يستعذ بالله من فتنته. قال ابن كثير: وهذا قول غريب، وفيه تعسف بعيد. وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم، ولم يذكره ابن جرير، على ولعه بالغريب والضعيف.
وفي الإكليل: ليس في القرآن الإشارة إلى الدجال إلا في هذه الآية، أي: على صحة هذه الرواية.
{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} أي: لإنشائهما، وابتداعهما من غير شيء، أعظم من خلق البشر: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} أي: لا ينظرون، ولا يتأملون لغلبة الجهل عليهم؛ ولذا يجعلون إعادة الشيء أعظم من خلقه عن عدم، مع أنه أهون وأيسر.
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} أي: ما يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئًا، وهو مثل الكافر الذي لا يتأمل حجج الله بعينيه فيتدبرها ويعتبر بها، فيعلم وحدانيته وقدرته على خلق ما شاء، ويؤمن به- والبصير الذي يرى بعينيه ما شخص لهما ويبصره. وذلك مثل المؤمن الذي يرى بعينيه حجج الله فيتفكر فيها، ويتعظ، ويعلم ما دلت من توحيد صانعه، وعظيم سلطانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: ولا يستوي أيضًا المؤمنون بالله ورسوله، المطيعون لربهم: {وَلَا الْمُسِيءُ} وهو الكافر بربه، العاصي له، المخالف أمره: {قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} أي: حججه تعالى. فيعتبرون ويتعظون؛ أي: لو تذكّروا آياته واعتبروا بها، لعرفوا خطأ ما هم مقيمون عليه، من إنكار البعث، ومن قبح الشرك.