فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} أخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال: يثغر الغلام لسبع، ويحتلم لأربعة عشر، وينتهي طوله لإِحدى وعشرين، وينتهي عقله لثمان وعشرين، ويبلغ أشده لثلاث وثلاثين.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جرير رضي الله عنه {ومنكم من يتوفى من قبل} قال: من قبل أن يكون شيخًا {ولتبلغوا أجلًا مسمى} الشيخ والشاب {ولعلكم تعقلون} عن ربكم أنه يحييكم كما أماتكم وهذه لأهل مكة كانوا يكذبون بالبعث.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {أنّى يصرفون} قال: أنّى يكذبون وهم يعقلون.
{إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71)} أخرج أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون} فقال: «لو أن رصاصة مثل هذه- وأشار إلى جمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة- لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفًا- الليل والنهار- قبل أن تبلغ أصلها أو قال قعرها».
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه عن يعلى بن منبه رضي الله عنه رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينشىء الله سحابة لأهل النار سوداء مظلمة يقال لها ولأهل النار أي شيء تطلبون؟ فيذكرون بها سحاب الدنيا فيقولون: يا ربنا الشراب، فتمطرهم أغلالًا تزيد في أعناقهم، وسلاسل تزيد في سلاسلهم، وجمرًا يلتهب عليهم».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ {والسلاسل يسحبون في الحميم}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه وهو يصلي في شهر رمضان يردد هذه الآية {فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون}.
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة النار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {يسحبون في الحميم} فيسلخ كل شيء عليهم من جلد، ولحم، وعرق، حتى يصير في عقبه. حتى أن لحمه قدر طوله ستون ذراعًا. ثم يكسى جلدًا آخر، ثم يسجر في الحميم، فيسلخ كل شيء عليهم من جلد ولحم وعرق.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {يسجرون} قال: توقد بهم النار. وفي قوله: {تمرحون} قال: تبطرون وتاشرون.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} أخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: {ومنهم من لم نقصص عليك} قال: بعث الله عبدًا حبشيًا نبيًا، فهو ممن لم يقصص على محمد صلى الله عليه وسلم.
{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79)} أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم} قال: أسفاركم لحاجتكم ما كانت. وفي قوله: {وآثارًا في الأرض} قال: المشي فيها بأرجلهم. وفي قوله: {فرحوا بما عندهم من العلم} قال: قولهم نحن أعلم منهم ولن نعذب، وفي قوله: {وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون} قال: ما جاءت به رسلهم من الحق.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم} قال: من بلد إلى بلد. وفي قوله: {سنت الله التي قد خلت في عباده} قال: سننه أنهم كانوا إذا رأوا بأسنا آمنوا فلم ينفعهم إيمانهم عند ذلك. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {هُوَ الذي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَِّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا}.
فمن تُربْةٍ إلى قطْرَةٍ؛ ومن قطرةٍ إلى عَلَقَةٍ.. ثم من بطون أُمهاتكم إلى ظهوركم في دنياكم.. ثم من حال كونكم طفلًا ثم شابًا ثم شيخًا.
وهو الذي يحيي ويميت، ثم يبعث في أُخرى الدارين.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69)} في آيات الله يتبلّدُون؛ فلا حُجة يوردُون، ولا عذاب عن أنفسهم يرُدُّون، سيعلمون حين لا ينفعهم عِلمُهم، ويعتذرون حين لا يُسمَع عُذْرُهم، وذلك عندما: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)} يُسحبُون في النار والأغلالُ في أعناقهم، ثم يُذَاقُون ألوان العذاب. فإذا أُقرُّوا بكفرهم وذنوبهم يقال لهم: أدخلوا جهنم خالدين فيها، فبئس مثواهم ومصيرهم، وساء ذهابُهم ومسيرهم.
قوله جل ذكره: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}.
كُنْ بِقلبكَ فارغًا عنهم، وانظر من بعدُ إلى ما يُفعلُ بهم، واستيقن بأنه لا بقاء لجولة باطلهم.. فإن لقيت بعض ما نتوعدُهم به وإلاّ فلا تكُ في ريبٍ من مقاساتهم ذلك بَعْدُ. ثم أكَّدَ تسليتَه إياه وتجديدَ تصبيره وتعريفه بقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ}.
قصصنا عليك قصصَ بعضهم، ولم نخبرك عن قصص آلاخرين.
ولم يكن في وسع أحدٍ الإتيان بمعجزة إلا إذا أظهرنا نحن عليه ما أردنا إذا ما أردنا. فكذلك إن طالبُوك بآيةٍ فقد أظهرنا عليك من الآيات ما أزحنا به العُذْرُ، ووضحنا صِحّةً الأمر.. وما اقترحُوه.. فإن شئنا أظْهَرنا، وإن شِئنا تَرَكنا.
{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79)} ذكّرهم عظيمَ إنعامه بتسخير الأنعام؛ فقال جعلها لكم لتنتفعوا بها بالركوب والحمل والعمل، ولتستقوا ألبانها، ولتأكلوا لحومها وشحومَها، ولتنتفعوا بأصوافها وأوبارها وأشعارها، ولتقطعوا مسافة بعيدةً عليها.. فعلى الأنعام وفي الفُلْكِ تنتقلون من صقْعٍ إلى صُقعٍ.. وأنالذي يَسَّرْتُ لكم هذا، وأنا الذي ألهمتكم الانتفَاع به؛ فثقُوا في ذلك واعرفوه.
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)} أمَرَهم بالاعتبار بِمَنْ كانُوا قبلهُمْ؛ كانوا أشدّ قوةً وأكثر أموالًا وأطولَ أعمارًا، فانجرُّوا في حِبَالِ آمالهم، فوقعوا في وهْدَة غرورهم، وما في الحقُّ عن مراده فيهم، واغتروا بسلامتهم في مُدّةِ ما أرخينا لهم عنان آمالهم، ثم فاجأناهُم بالعقوبة، فلم يُعْجِزُوا الله في مُرادِه منهم.
فلمَّا رأوا شِدَّةَ البأسِ، ووقعوا مذلّةِ الخيبة واليأس تمنّوا أن لو أُعيدُوا إلى الدنيا من الرأس.. فقابلهم الله بالخيبة (1)؛ وخرطهم في سِلكِ مَن أبادهم من أهل الشِّرْكِ والسّخْطِ. اهـ.

.من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} رَوَى سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} قَالَ: بُنِيَ بِالْآجُرِّ، وَكَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَبْنُوا بِالْآجُرِّ وَيَجْعَلُونَهُ فِي قُبُورِهِمْ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ عَنْ سَبِيعٍ الْكِنْدِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ ثُمَّ قَرَأَ: {اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}» الْآيَة.
وقَوْله تَعَالَى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} غُدُوًّا وَعَشِيًّا قَبْلَ الْقِيَامَةِ. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)}.
قوله: {ويا قوم} قال الزمخشري: فإنْ قلتَ: ولِمَ جاء بالواوِ في النداء الثالثِ دونَ الثاني؟ قلت: لأنَّ الثاني داخلٌ في كلامٍ هو بيانٌ للمُجْمَلِ وتفسيرٌ له، فأُعْطِي الداخلُ عليه حكمَه في امتناعِ دخولِ الواو. وأما الثالثُ فداخِلٌ على كلامٍ ليس بتلك المَثابةِ.
قوله: {وتدعونني إِلَى النار} هذه الجملةُ مستأنفةٌ أخبر عنهم بذلك بعد استفهامِه عن دعاءِ نفسِه. ويجوز أن يكونَ التقديرُ: وما لكم تَدْعُونني إلى النارِ، وهو الظاهرُ. ويَضْعُفُ أَنْ تكونَ الجملةُ حالًا أي: ما لكم أدعوكم إلى النجاةِ حالَ دعائِكم إياي إلى النار؟
{تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)}.
قوله: {تَدْعُونَنِي} هذه الجملةٌ بدلٌ مِنْ {تَدْعونني} الأولى على جهةِ البيان لها، وأتى في قولِه {تَدْعُونني} بجملةٍ فعليةٍ ليدُلَّ على أنَّ دعوتَهم باطلةٌ لا ثبوتَ لها، وفي قوله: {وأنا أَدْعوكم} بجملة اسميةٍ ليدُلَّ على ثبوتِ دعوتِه وتقويتِها.
وقد تقدَّم الخلافُ في {لاَ جَرَمَ} [غافر: 43]. وقال الزمخشري هنا: ورُوي عن العرب لا جُرْمَ أنه يفعل كذا بضم الجيم وسكونِ الراء بمعنى لا بُدَّ، وفُعْل وفَعَل أخَوان كرُشْد ورَشَد وعُدْم وعَدَم.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)}.
قوله: {وَأُفَوِّضُ} هذه مستأنفةٌ. وجَوَّز أبو البقاء أَنْ تكونَ حالًا مِنْ فاعل {أَقول}.
{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)}.
قوله: {النار} الجمهورُ على رفعِها. وفيه ثلاثة أوجه.
أحدُها: أنه بدلٌ مِنْ {سوءُ العذاب}.
الثاني: أنها خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي: هو أي سوءُ العذابِ النارُ؛ لأنه جوابٌ لسؤالٍ مقدرٍ و{يُعْرَضُون} على هذين الوجهين: يجوز أَنْ يكون حالًا من {النار} ويجوز أن يكونَ حالًا من {آل فرعون}.
الثالث: أنه مبتدأٌ، وخبرُه {يُعْرَضون}.
وقُرئ {النارَ} منصوبًا. وفيه وجهان، أحدهما: أنه منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ يُفَسِّره {يُعْرَضون} من حيث المعنى أي: يَصْلَوْن النارَ يُعْرَضون عليها، كقوله: {والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ} [الإنسان: 31]. والثاني: أَنْ ينتصبَ على الاختصاص. قاله الزمخشري، فعلى الأولِ لا مَحَلَّ ل {يُعْرَضُون} لكونِه مفسِّرًا، وعلى الثاني هو حالٌ كما تقدَّمَ.
قوله: {ويومَ تقومُ} فيه ثلاثةُ أوجهٍ:
أظهرها: أنه معمولٌ لقولٍ مضمرٍ، وذلك القولُ المضمرُ محكيٌّ به الجملةُ الأمريَّةُ من قوله {أدخِلوا} والتقدير: ويُقال له يومَ تقومُ الساعةُ: أدْخِلوا. الثاني: أنه منصوبٌ بأَدخِلوا أي: أدْخِلوا يومَ تقومُ. وعلى هذين الوجهين فالوقفُ تامٌّ على قوله {وعَشِيًَّا}.
والثالث: أنه معطوفٌ على الظرفَيْن قبلَه، فيكونُ معمولًا ل {يُعْرَضُون}. فالوقفُ على هذا على قولِه {الساعة} و{أَدْخِلوا} معمولٌ لقولٍ مضمرٍ أي: يُقال لهم كذا وكذا. وقرأ الكسائي وحمزة ونافع وحفص {أدْخِلُوا} بقطع الهمزةِ أمرًا مِنْ أَدْخَلَ، فآلَ فرعون مفعولٌ أولُ، و{أشدَّ العذاب} مفعولٌ ثانٍ. والباقون {ادْخُلوا} بهمزةِ وصلٍ مِنْ دَخَلَ يَدْخُلُ. فآلَ فرعونَ منادى حُذِف حرفُ النداءِ منه، و{أشدَّ} منصوبٌ به: إمَّا ظرفًا، وإمّا مفعولًا به، أي: ادخلوا يا آل فرعونَ في أشدِّ العذاب.
{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47)}.
قوله: {وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ} في العاملِ في {إذ} ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه معطوفٌ على {غُدُوًَّا} فيكونُ معمولًا ل {يُعْرَضون} أي: يُعْرَضُونَ على النار في هذه الأوقاتِ كلِّها، قاله أبو البقاء. والثاني: أنه معطوفٌ على قوله: {إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} [غافر: 18] قاله الطبري. وفيه نظرٌ لبُعْدِ ما بينهما، ولأنَّ الظاهرَ عَوْدُ الضميرِ مِنْ {يَتَحاجُّون} على آل فرعون. الثالث: أنه منصوبٌ بإضمارِ {اذْكُرْ} وهو واضحٌ.
قوله: {تَبَعًا} فيه ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنه اسمُ جمعٍ لتابعٍ، ونحوه: خادِم وخَدَم، وغائِب، وغَيَبَ، وأَديم وأَدَم. والثاني: أنه مصدرٌ واقع موقعَ اسمِ الفاعلِ أي: تابِعين. والثالث: أنه مصدرٌ أيضًا، ولكنْ على حَذْفِ مضاف أي: ذوي تَبَع.
قوله: {نصيبًا} فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ ينتصبَ بفعلٍ مقدرٍ يَدُلُّ عليه قولُه {مُغْنُون} تقديرُه: هل أنتم دافِعون عنا نصيبًا.
الثاني: أَنْ يُضمَّنَ {مُغْنون} معنى حامِلين. الثالث: أَنْ ينتصبَ على المصدرِ. قال أبو البقاء: كما كان شيءٌ كذلك، ألا ترى إلى قوله: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ الله شَيْئًا} [آل عمران: 116] ف {شيْئًا} في موضعِ غَناء، فكذلك {نصيبًا}. و{من النار} صفةٌ ل {نَصيبًا}.
{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)}.
قوله: {إِنَّا كُلٌّ} العامَّةُ على رفع {كلٌ} ورفعُه على الابتداء و{فيها} خبرُه، والجملةُ خبرُ إنَّ، وهذا كقولِه في آل عمران: {قُلْ إِنَّ الأمر كُلُّهُ للَّهِ} في قراءة أبي عمروٍ. وقرأ ابن السَّمَيْفع وعيسى بن عمر بالنصب وفيه ثلاثة أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يكونَ تأكيدًا لاسم إنَّ. قال الزمخشري: توكيدٌ لاسم إنَّ، وهو معرفةٌ. والتنوينٌ عوضٌ من المضافِ إليه، يريد: إنَّا كلَّنا فيها انتهى. يعني فيكون {فيها} هو الخبر. وإلى كونِه تأكيدًا ذهب ابنُ عطية أيضًا. وقد رَدَّ ابن مالكٍ هذا المذهبَ فقال في تسهيله: ولا يُستغنى بنية إضافتِه خلافًا للزمخشري: قلت: وليس هذا مذهبًا للزمخشري وحدَه بل هو منقول عن الكوفيين أيضًا. الثاني: أَنْ تكونَ منصوبةً على الحال، قال ابن مالك: والقولُ المَرْضِيُّ عندي أنَّ كلًا في القراءة المذكورة منصوبةٌ على الحال من الضمير المرفوع في {فيها} و{فيها} هو العاملُ وقد قُدِّمَتْ عليه مع عَدَمِ تصرُّفه، كما قُدِّمَتْ في قراءةِ مَنْ قرأ: {والسماوات مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ}. وكقولِ النابغة:
رَهْطُ ابنِ كُوْزٍ مُحقِبيْ أَدْراعِهم ** فيهمْ ورَهْطُ ربيعةَ بنِ حُذار

وقول بعض الطائيين:
دعا فَأَجَبْنَا وَهْو بادِيَ ذلَّةٍ ** لديكمْ وكان النصرُ غيرَ بعيدِ

يعني بنصب باديَ وهذا هو مذهبُ الأخفش، إلاَّ أنَّ الزمخشريَّ مَنَعَ مِنْ ذلك قال: فإنْ قلتَ: هل يجوزُ أَنْ يكونَ كلًا حالًا قد عَمِل فيه فيها؟ قلت: لا؛ لأنَّ الظرفَ لا يعملُ في الحال متقدمةً كما يعملُ في الظرفِ متقدِّمًا. تقول: كلَّ يوم لك ثوبٌ. ولا تقول: قائمًا في الدار زيد. قال الشيخ: وهذا الذي منعه أجازه الأخفشُ إذا توسَّطَتِ الحالُ نحو: زيدٌ قائمًا في الدار و زيدٌ قائمًا عندك، والمثالُ الذي ذكره ليس مطابقًا لِما في الآية؛ لأنَّ الآيةَ تَقَدَّمَ فيها المسندُ إليه الحكمُ وهو اسمُ إنَّ، وتوسَّطَتِ الحالُ إذا قلنا إنها حالٌ، وتأخَّر العاملُ فيها. وأمَّا تمثيلُه بقولِه: ولا تقولُ: قائمًا في الدار زيد، فقد تأخَّر فيه المسندُ والمسندُ إليه. وقد ذكر بعضُهم أنَّ المنعَ في ذلك إجْماعٌ من النحاة.
قلت: الزمخشريُّ مَنْعُه صحيحٌ لأنه ماشٍ على مذهبِ الجمهور، وأمَّا تمثيلُه بما ذَكَر فلا يَضُرُّه لأنه في محلِّ المَنْعِ، فعدمُ تجويزِه صحيحٌ.