فصل: من فوائد ابن عرفة في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قوله تعالى: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا}.
هذه رحمة من الله تعالى لأنه متولّ على جميع الخلق غني بذاته عنهم، ومع هذا يجعل طاعتهم له سلفا منهم له، وقال في سورة براءة: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة} ووصفه بالحسن في كميته وكيفيته. وقرضا إن كان مصدرا فهو مجاز، كما قال الإمام المازري في {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} إنّ التأكيد يصير التطهير المعنوي حسيا وهو من ترشيح المجاز كقولك قول هند زوجة ابن زنباع:
بكى الخزمن عوف وانكره جلده ** وعج عجيجا من جذام المطارق

قوله تعالى: {أَضْعَافًا كَثِيرَةً}.
قال ابن عرفة: {كثيرة} راجع إلى المجموع وإفراد، كل واحد من تلك الأضعاف موصوف بالكثرة.
قوله تعالى: {والله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
قدم القبض ترجيحا له أي ذلك القبض الذي ينالكم بالصلاة والزكاة راجع لكونه يعود عليكم بالبسط في الدنيا والثواب في الآخرة، وهذا بحسب الأشخاص فقد يكون إنفاق درهم قليلا لشخص وكثيرا لآخر كما في الحديث: «سَبَقَ دينار مائة، فمن عنده درهمان فأنفق منهما درهما ليس كمن عنده عشرة دراهم فينفق منها درهما». اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}.
ساعة تسمع {يقرض الله} فذلك أمر عظيم؛ لأنك عندما تقرض إنسانا فكأنك تقرض الله، ولكن المسألة لا تكون واضحة، لماذا؟ لأن ذلك الإنسان سيستفيد استفادة مباشرة، لكن عندما تنفق في سبيل الله فليس هناك إنسان بعينه تعطيه، وإنما أنت تعطي المعنى العام في قضية التدين، وتعاملك فيها يكون مع الله. كأنك تقرض الله حين تنفق من مالك لتعد نفسك للحرب.
والحق سبحانه وتعالى يريد أن ينبهنا بكلمة القرض على أنه يطلب منا عملية ليست سهلة على النفس البشرية، وهو سبحانه يعلم بما طبع عليه النفوس. والقرض في اللغة معناه قضم الشيء بالناب، وهو سبحانه وتعالى يعلم أن عملية الإقراض هي مسألة صعبة، وحتى يبين للناس أنه يعلم صعوبتها جاء بقوله: {يقرض}، إنه المقدر لصعوبتها، ويقدر الجزاء على قدر الصعوبة. {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا}. وما هو القرض الحسن؟ وهل إذا أقرضت عبدًا من عباد الله لا يكون القرض حسنا؟
أولا إذا أقرضت عبدًا من عباد الله فكأنك أقرضت الله، صحيح أنت تعطي الإنسان ما ييسر له الفرج في موقف متأزم، وصحيح أيضا أنك في عملية الجهاد لا تعطي إنسانا بعينه وإنما تعطي الله مباشرة، وهو سبحانه يبلغنا: أن من يقرض عبادي فكأنه أقرضني. كيف؟ لأن الله هو الذي استدعى كل عبد له للوجود، فإذا احتاج العبد فإن حاجته مطلوبة لرزقه في الدنيا، فإذا أعطى العبد لأخيه المحتاج فكأنه يقرض الله المتكفل برزق ذلك المحتاج. وقوله تعالى: {يقرض الله} تدلنا على أن القرض لا يضيع؛ لأن القرض شيء تخرجه من مالك على أمل أن تستعيده، وهو سبحانه وتعالى يطمئنك على أنه هو الذي سيقترض منك، وأنه سيرد ما اقترضه، لكن ليس في صورة ما قدمت وإنما في صورة مستثمرة أضعافا مضاعفة، إن الأصل محفوظ ومستثمر، ولذلك يقول: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة}، إنها أضعاف كثيرة بمقاييس الله عز وجل لا بمقاييسنا كبشر.
والتعبير بالقرض الحسن هنا يدلنا على أن مصدر المال الذي تقرض منه لابد أن يكون من حلال، ولذلك قيل للمرأة التي تتصدق من مال الزنا: «ليتها لم تزن ولم تتصدق». وقيل: إن القرض ثوابه أعظم من الصدقة، مع أن الصدقة يجود فيها الإنسان بالشيء كله، في حين أن القرض هو دين يسترجعه صاحبه، لأن الألم في إخراج الصدقة يكون لمرة واحدة فأنت تخرجها وتفقد الأمل فيها، لكن القرض تتعلق نفسك به، فكلما صبرت مرة أتتك حسنة، كما أن المتصدق عليه قد يكون غير محتاج، ولكن المقترض لا يكون إلا محتاجا.
والقرض من المال الذي لديك يجعل المال يتناقص، لذلك فالله يعطيك أضعافا مضاعفة نتيجة هذا القرض، وذلك مناسب تماما لقوله تعالى: {يقبض ويبسط} التي جاء بها في قوله تعالى: {والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون} أي ساعة تذهب إليه ويأخذ كل منا حقه بالحساب أي أن المال الذي تقرض منه ينقص في ظاهر الأمر ولكن الله سبحانه يزيده ويبسطه أضعافا مضاعفة وفي الآخرة يكون الجزاء جزيلا. ثم ينتقل الله عز وجل إلى قضية أخرى يستهلها بقوله سبحانه: {ألم تر} تأكيدا للخبر الذي سيأتي بعدها على أنه أمر واقع وقوع الشيء المرئي، يقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}. اهـ.

.فوائد بلاغية في الآيات السابقة:

قال أبو حيان:
تضمنت هذه الآيات الكريمة من ضروب علم البيان، وصنوف البلاغة: الاستفهام الذي أجرى مجرى التعجب في قوله: {ألم تر إلى الذين} والحذف بين: موتوا ثم أحياهم، أي: فماتوا ثم أحياهم، وفي قوله تعالى: {فقال لهم الله} أي: ملك الله بإذنه، وفي لا لا يشكرونه، وفي قوله: سميع لأقوالكم عليم باعمالكم، وفي قوله: ترجعون، فيجازي كلًا بما عمل. والطباق في قوله: موتوا ثم أحياهم، وفي: يقبض ويبسط؛ والتكرار في: على الناس، ولكن أكثر الناس؛ والالتفات في: وقاتلوا في سبيل الله؛ والتشبيه بغير أداته في: قرضًا حسنًا، شبه قبوله تعالى إنفاق العبد في سبيله ومجازاته عليه بالقرض الحقيقي، فأطلق اسم القرض عليه، والاختصاص بوصفه بقوله: حسنًا؛ والتجنيس المغاير في قوله: فيضاعفه له أضعافًا. اهـ.

.فوائد لغوية:

قال ابن عاشور:
و{القرض} إسلاف المال ونحوه بنية إرجاع مثله، ويطلق مجازًا على البذل لأجل الجزاء، فيشمل بهذا المعنى بذل النفس والجسم رجاءَ الثواب، ففعل {يقرض} مستعمل في حقيقته ومجازه.
والاستفهام في قوله: {من ذا يقرض الله} مستعمل في التحضيض والتهييج على الاتصاف بالخير كأنَّ المستفهم لا يدري مَن هو أهل هذا الخير والجديرُ به، قال طرفة:
إذا القوم قالوا مَن فتى خِلْتُ أنني ** عُنِيتُ فلَم أَكسَلْ ولم أتَبَلَّدِ

وذا بعد أسماء الاستفهام قد يكون مستعملًا في معناه كما تقول وقد رأيتَ شخصًا لا تعرفه: {مَن ذا} فإذا لم يكن في مقام الكلام شيء يصلح لأن يشار إليه بالاستفهام كان استعمال ذا بعد اسم الاستفهام للإشارة المجازية بأن يَتصوَّر المتكلم في ذهنه شخصًا موهومًا مجهولًا صدر منه فعل فهو يسأل عن تعيينه، وإنما يكون ذلك للاهتمام بالفعل الواقع وتطلُّب معرفة فاعله ولكون هذا الاستعمال يلازم ذكر فعلٍ بعد اسم الإشارة، قال النُّحاة كلهم بصريُّهم وكوفيُّهم: بأن ذا مع الاستفهام تتحوّل إلى اسم موصول مبهم غير معهود، فعدُّوه اسمَ موصول، وبوَّب سيبويه في كتابه فقال: باب إجرائهم ذَا وحدَه بمنزلة الذي وليس يكون كالذي إلا مع ما ومن في الاستفهام فيكون ذا بمنزلة الذي ويكون ما أي أو من حرفَ الاستفهام وإجراؤهم إياه مع ما أي أو من بمنزلة اسم واحد ومثَّله بقوله تعالى: {ماذا أنزل ربكم قالوا خيرًا} [النحل: 30] وبقية أسماء الإشارة مثل اسم ذا عند الكوفيين، وأما البصريون فقصروا هذا الاستعمال على ذا وليس مرادهم أن ذا مع الاستفهام يصير اسم موصول فإنه يكثر في الكلام أن يقع بعده اسم موصول، كما في هذه الآية، ولا معنى لوقوع اسمى موصول صلتهما واحدة، ولكنهم أرادوا أنه يفيد مُفاد اسم الموصول، فيكون ما بعده من فِعل أو وصف في معنى صلة الموصول، وإنما دوَّنوا ذلك لأنهم تناسوا ما في استعمال ذا في الاستفهام من المجاز، فكان تدوينها قليل الجدوى.
والوجه أن ذا في الاستفهام لا يخرج عن كونه للإشارة وإنما هي إشارة مجازية، والفعل الذي يجيء بعده يكون في موضع الحال، فوزان قوله تعالى: {ماذا أنزل ربكم} [النحل: 24] وزان قول يزيد بن ربيعة بن مفرغ يخاطب بغلته:
نَجَوْتتِ وهذا تَحْمِلِينَ طَلِيق

والإقراض: فعل القرض.
والقرض: السلف، وهو بذل شيء ليرد مثله أو مساويه، واستعمل هنا مجازًا في البذل الذي يرجى الجزاء عليه تأكيدًا في تحقيق حصول التعويض والجزاء.
ووصف القرض بالحسن لأنه لا يرضَى الله به إلاَّ إذا كان مبرَّأً عن شوائب الرياء والأذى، كما قال النابغة:
ليست بذات عقارب

وقيل: القرض هنا على حقيقته وهو السلف، ولعله علق باسم الجلالة لأن الذي يُقرض الناس طمعًا في الثواب كأنه أقرض الله تعالى؛ لأن القرض من الإحسان الذي أمر الله به وفي معنى هذا ما جاء في الحديث القدسي «أن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه» الحديث.
وقد رووا أن ثواب الصدقة عشْر أمْثالها وثواب القرض ثمانية عشر من أمثاله. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}.
أخرج سعيد بن منصور وابن سعد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال لما نزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له} قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله وإن الله ليريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح. قال: أرني يدك يا رسول الله، فناوله يده قال: فإني أقرضت ربي حائطي وحائط له فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها، فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح قالت: لبيك. قال: اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن زيد بن أسلم قال: لما نزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا} الآية. جاء أبو الدحداح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله ألا أرى ربنا يستقرضنا مما أعطانا لأنفسنا، وإن لي أرضين احداهما بالعالية والأخرى بالسافلة، وإني قد جعلت خيرهما صدقة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كم من عذق مدلل لأبي الدحداح في الجنة».
وأخرج الطبراني في الأوسط وزيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب. مثله.
وأخرج ابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن الأعرج عن أبي هريرة قال: لما نزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا} قال ابن الدحداح: يا رسول الله لي حائطان أحداهما بالسافلة والآخر بالعالية وقد أقرضت ربي أحداهما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد قبله منك. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم اليتامى الذين في حجره، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «رب عذق لابن الدحداح مدلى في الجنة».
وأخرج ابن سعد عن يحيى بن أبي كثير قال لما نزلت هذه الآية: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرة} فالكثيرة عند الله أكثر من ألف ألف وألفي وألف، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة».
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر قال: لما نزلت {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل} [البقرة: 261] إلى آخرها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رب زد أمتي. فنزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرة} قال: رب زد أمتي. فنزلت {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10] فانتهى».
وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال: لما نزلت {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] قال: رب زد أمتي. فنزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا} الآية. قال: رب زد أمتي. فنزلت {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل} [البقرة: 261] الآية. قال: رب زد أمتي. فنزلت {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10] فانتهى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله: {قرضًا حسنًا} قال: النفقة على الأهل.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم من طريق أبي سفيان عن أبي حيان عن أبيه عن شيخ لهم. أنه كان إذا سمع السائل يقول: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا} قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاَّ الله، والله أكبر، هذا القرض الحسن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب. أن رجلًا قال له: سمعت رجلًا يقول من قرأ: {قل هو الله أحد} [الاخلاص: 1] واحدة بنى الله له عشرة آلاف ألف غرفة من درٍّ وياقوت في الجنة أفأصدق بذلك؟ قال: نعم، أوعجبت من ذلك وعشرين ألف ألف، وثلاثين ألف ألف، وما لا يحصى، ثم قرأ: {فيضاعفه له أضعافًا كثيرة} فالكثير من الله ما لا يحصى.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن ملكًا بباب من أبواب السماء يقول: من يقرض الله اليوم يجز غدًا، وملك بباب آخر ينادي: اللهم اعط منفقا خلفًا واعط ممسكًا تلفًا، وملك بباب آخر ينادي: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم، ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وملك بباب آخر ينادي: يا بني آدم لِدُوا للموت وابنوا للخراب».
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يروي ذلك عن ربه عز وجل أنه يقول: يا ابن آدم أودع من كنزك عندي ولا حرق ولا غرق ولا سرق، أوفيكه أحوج ما تكون إليه».
أما قوله تعالى: {والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون}.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والله يقبض} قال: يقبض الصدقة {ويبسط} قال: يخلف {وإليه ترجعون} قال: من التراب خلقهم وإلى التراب يعودون.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة وابن جرير والبيهقي في سننه عن أنس قال «غلا السعر فقال الناس: يا رسول الله سعر لنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة من دم ولا مال».
وأخرج أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة «أن رجلًا قال: يا رسول الله سعر. قال: بل ادعو. ثم جاءه رجل فقال: يا رسول الله سعر. فقال: بل الله يخفض ويرفع، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة».
وأخرج البزار عن علي قال: «قيل: يا رسول الله قوّم لنا السعر. قال: إن غلاء السعر ورخصه بيد الله، أريد أن ألقى ربي وليس أحد يطلبني بمظلمة ظلمتها إياه».
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: علم الله أن فيمن يقاتل في سبيله من لا يجد قوة، وفيمن لا يقاتل في سبيله من يجد، فندب هؤلاء إلى القرض فقال: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرة والله يقبض ويبسط} قال: يبسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده، ويقبض عن هذا وهو يطيب نفسًا بالخروج ويخف له، فقوّه مما في يدك يكن لك في ذلك حظ. اهـ.