فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{حم} أن جعل اسمًا للسورة أو القرآن فهو إما خبر لمحذوف أو مبتدأ خبره.
{تَنزِيلَ} على المبالغة أو التأويل المشهور، وهو على الأول خبر بعد خبر، وخبر مبتدأ محذوف أن جعل {حم} مسرودًا على نمط التعديد عند الفراء، وقوله تعالى: {مّنَ الرحمن الرحيم} من تتمته مؤكد لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أو خبر آخر للمبتدأ المحذوف أو تنزيل مبتدأ لتخصصه بما بعده خبره. {كتاب} وحكي ذلك عن الزجاج والحوفي، وهو على الأوجه الأول بدل منه أو خبر آخر أو خبر لمحذوف، وجملة {فُصّلَتْ ءاياته} على جميع الأوجه في موضع الصفة لكتاب، وإضافة التنزيل إلى {الرحمن الرحيم} من بين أسمائه تعالى للإيذان بأنه مدار للمصالح الدينية والدنيوية واقع بمقتضى الرحمة الربانية حسبما ينبىء عنه قوله تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107] وتفصيل آياته تمييزها لفظًا بفواصلها ومقاطعها ومبادىء السور وخواتمها، ومعنى بكونها وعدًا ووعيدًا وقصصًا وأحكامًا إلى غير ذلك بل من أنصف علم أنه ليس في بدء الخلق كتاب اجتمع فيه من العلوم والمباحث المتباينة عبارة وإشارة مثل ما في القرآن.
وعن السدي {فُصّلَتْ ءاياته} أي بينت ففصل بين حرامه وحلاله وزجره وأمره ووعده ووعيده، وقال الحسن: فصلت بالوعد والوعيد، وقال سفيان: بالثواب والعقاب، وما ذكرنا أولًا أعم ولعل ماذ كروه من باب التمثيل لا الحصر، وقيل: المراد فصلت آياته في التنزيل أي لم تنزل جملة واحدة وليس بذاك.
وقرئ {فُصّلَتْ} بفتح الفاء والصاد مخففة أي فرقت بين الحق والباطل، وقال ابن زيد: بين النبي صلى الله عليه وسلم ومن خالفه على أن فصل متعد أو فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل والمعاني على أن فصل لازم بمعنى انفصل كما في قوله تعالى: {فَصَلَتِ العير} [يوسف: 94] وقرئ {فُصّلَتْ} بضم الفاء وكسر الصاد مخففة على أنه مبني للمفعول والمعنى على ما مر {قُرْءانًا عَرَبِيًّا} نصب على المدح بتقدير أعني أو أمدح أو نحوه أو على الحال فقيل: من {كِتَابٌ} لتخصصه بالصفة، وقيل: من {ءاياته} وجوز في هذه الحال أن تكون مؤكدة لنفسها وأن تكون موطئة للحال بعدها، وقيل: نصب على المصدر أي يقرؤه قرآنًا، وقال الأخفش: هو مفعول ثان لفصلت، وهو كما ترى إن لم تكن أخفش، وأيًا ما كان ففي {قُرْءانًا عَرَبِيًّا} امتنان بسهولة قراءته وفهمه لنزوله بلسان من نزل بين أظهرهم {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي معانيه لكونه على لسانهم على أن المفعول محذوف أو لأهل العلم والنظر على أن الفعل منزل منزلة اللازم ولام {لِقَوْمٍ} تعليلية أو اختصاصية وخصهم بذلك لأنهم هم المنتفعون به والجار والمجرور إما في موضع صفة أخرى لقرآنًا أو صلة لتنزيل أو لفصلت قال الزمخشري: ولا يجوز أن يكون صفة مثل ما قبله وما بعده أي قرآنًا عربيًا كائنًا لقوم عرب لئلا يفرق بين الصلات والصفات، ولعله أراد لئلا يلزم التفريق بين الصفة وهي قوله تعالى: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} وموصوفها وهو {قُرْءانًا} [فصلت: 3] بناءً على أنه صفة له بالصلة وهي {لِقَوْمٍ} على تقدير تعلقه بتنزيل أو بفصلت وبين الصلة وموصولها بالصفة أي {تَنزِيلَ} أو {فُصّلَتْ} و{لِقَوْمٍ} والجمع للمبالغة على حد قولك لمن يفرق بين أخوين: لا تفعل فإن التفريق بين الأخوان مذموم أو أراد لئلا يفرق بين الصلتين في الحكم مع عدم الموجب للتفريق وهو أن يتصل {مّنَ الرحمن} [فصلت: 2] بموصوله ولا يتصل {لِقَوْمٍ يعملون} وكذلك بين الصفتين وهو {عَرَبِيًّا} بموصوفه ولا يتصل {بَشِيرًا} والجمع لذلك أيضًا.
واختار أبو حيان كون الجار والمجرور صلة {فُصّلَتْ} وقال: يبعد تعلقه بتنزيل لكونه وصف قبل أخذ متعلقه إن كان {مّنَ الرحمن} في موضع الصفة أو أبدل منه {كِتَابٌ} أو كان خبرًا لتنزيل فيكون في ذلك البدل من الموصول أو الإخبار عنه أخذه متعلقه وهو لا يجوز ولعل ذلك غير مجمع عليه، وكون {بَشِيرًا} صفة {قُرْءانًا} هو المشهور، وجوز أن يكون مع ما عطف عليه حال من {كِتَابٌ} أو من {ءاياته} وقرأ زيد بن علي {بَشِيرٍ} ونذير برفعهما وهي رواية شاذة عن نافع على الوصفية لكتاب أو الخبرية لمحذوف أي هو بشير لأهل الطاعة ونذير لأهل المعصية {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} عن تدبره وقبوله، والضمير للقوم على المعنى الأول ليعلمون وللكفار المذكورين حكمًا على المعنى الثاني، ويجوز أن يكون للقوم عليه أيضًا بأن يراد به ما من شأنهم العلم والنظر {فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} أي لا يقبلون ولا يطيعون من قولك: تشفعت إلى فلان فلم يسمع قولي ولقد سمعه ولكنه لما لم يقبله ولم يعمل بمقتضاه فكأنه لم يسمعه وهو مجاز مشهور.
وفي الكشف أن قوله تعالى: {فَأَعْرَضَ} مقابل قوله تعالى: {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 3] وقوله سبحانه: {فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} مقابل قوله جل شأنه: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} أي أنكروا إعجازه والإذعان له مع العلم ولم يقبلوا بشائره ونذره لعدم التدبر. {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ} أي أغطية متكاثفة {مّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} من الإيمان بالله تعالى وحده وترك ما ألفينا عليه آباءنا و{مِنْ} على ما في البحر لابتداء الغاية {وَفِى ءاذانِنَا وَقْرٌ} أي صمم وأصله الثقل.
وقرأ طلحة بكسر الواو وقرئ بفتح القاف {وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} غليظ يمنعنا عن التواصل ومن للدلالة على أن الحجاب مبتدأ من الجانبين بحيث استوعب ما بينهما من المسافة المتوسطة ولم يبق ثمت فراغ أصلًا.
وتوضيحه أن البين بمعنى الوسط بالسكون وإذا قيل: بيننا وبينك حجاب صدق على حجاب كائن بينهما استوعب أولًا، وأما إذا قيل: من بيننا فيدل على أن مبتدأ الحجاب من الوسط أعني طرفه الذي يلي المتكلم فسواء أعيد {مِنْ} أو لم يعد يكون الطرف الآخر منتهى باعتبار ومبتدأ باعتبار فيكون الظاهر الاستيعاب لأن جميع الجهة أعني البين جعل مبتدأ الحجاب فالمنتهى غيره البتة، وهذا كاف في الفرق بين الصورتين كيف وقد أعيد البين لاستئناف الابتداء من تلك الجهة أيضًا إذ لو قيل: ومن بيننا بتغليب المتكلم لكفى، ثم ضرورة العطف على نحو بيني وبينك إن سلمت لا تنافي إرادة الإعادة له فتدبر، وما ذكروه من الجمل الثلاث تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك الحق وقبوله ومج أسماعهم له وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وأرادوا بذلك إقناطه عليه الصلاة والسلام عن اتباعهم إياه عليه الصلاة والسلام حتى لا يدعوهم إلى الصراط المستقيم.
وذكر أبو حيان أنه لما كان القلب محل المعرفة والسمع والبصر معينان على تحصيل المعارف ذكروا أن هذه الثلاثة محجوبة عن أن يصل إليها مما يلقيه الرسول صلى الله عليه وسلم شيء ولم يقولوا على قلوبنا أكنة كما قالوا: وفي آذاننا وقر ليكون الكلام على نمط واحد في جعل القلوب والآذان مستقر الأكنة والوقر وإن كان أحدهما استقرار استعلاء والثاني استقرار احتواء إذ لا فرق في المعنى بين قلوبنا في أكنة وعلى قلوبنا أكنة والدليل عليه قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أن يفقهوه ولو قيل إنا جعلنا قلوبهم في أكنة لم يختلف المعنى فالمطابقة حاصلة من حيث المعنى والمطابيع من العرب لا يراعون الطباق والملاحظة إلا في المعاني، واختصاص كل من العبارتين بموضعه للتفنن على أنه لما كان منسوبًا إلى الله تعالى في سورة بني إسرائيل والكهف كان معنى الاستعلاء والقهر أنسب، وههنا لما كان حكاية عن مقالهم كان معنى الاحتواء أقرب، كذا حققه بعض الأجلة ودغدغ فيه، وتفسير الأكنة بالأغطية هو الذي عليه جمهور المفسرين فهي جمع كنان كغطاء لفظًا ومعنى: وقيل: هي ما يجعل فيها السهام.
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد أنه قال في قوله تعالى: {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ} قالوا كالجعبة للنبل {فاعمل} على دينك وقيل في إبطال أمرنا {إِنَّنَا عاملون} على ديننا وقيل: في إبطال أمرك والكلام على الأول متاركة وتقنيط عن اتباعه عليه الصلاة والسلام، ومقصودهم أننا عاملون، والأول: توطئة له، وحاصل المعنى أنا لا نترك ديننا بل نثبت عليه كما نثبت على دينك، وعلى الثاني: هو مبارزة بالخلاف والجدال، وقائل ما ذكر أبو جهل ومعه جماعة من قريش.
ففي خبر أخرجه أبو سهل السري من طريق عبد القدوس عن نافع بن الأزرق عن ابن عمر عن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية أقبلت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: ما يمنعكم من الإسلام فتسودوا العرب؟ فقالوا: يا محمد ما نفقه ما تقول ولا نسمعه وإن على قلوبنا لغلفا وأخذ أبو جهل ثوابًا فمده فيما بينه وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: يا محمد قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب، وفيه فلما كان من الغد أقبل منهم سبعون رجلًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد اعرض علينا الإسلام فلما عرض عليهم الإسلام أسلموا عن آخرهم فتبسم النبي عليه الصلاة والسلام وقال: الحمد الله بالأمس تزعمون أن على قلوبكم غلفا وقلوبكم في أكنة مما أدعوكم إليه وفي آذانكم وقرا وأصبحتم اليوم مسلمين فقالوا: يا رسول الله كذبنا والله بالأمس لو كذلك ما اهتدينا أبدًا ولكن الله تعالى الصادق والعباد الكاذبون عليه وهو الغني ونحن الفقراء إليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{حم (1)} القول في الحروف الواقعة فاتحةَ هذه السورة كالقول في {ألم} {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)} افتتح الكلام باسم نكرة لما في التنكير من التعظيم.
والوجه أن يكون {تَنزِيلٌ} مبتدأ سَوَّغ الابتداء به ما في التنكير من معنى التعظيم فكانت بذلك كالموصوفة وقوله: {مِنَ الرحمنن الرَّحِيم} خبر عنه.
وقوله: {كتاب} بَدل من تنزيل فحصل من المعنى: أن التنزيل من الله كتاب، وأن صفته فُصّلت آياته، موسومًا بكونه قرآنًا عربيًا، فحصل من هذا الأسلوب أن القرآن منزَّل من الرحمان الرحيم مفصلًا عربيًا.
ولك أن تجعل قوله: {مِنَ الرحمنن الرَّحِيم} في موضع الصفة للمبتدأ وتجعل قوله: {كتاب} خبرَ المبتدأ، وعلى كلا التقديرين هو أسلوب فخم وقد مَضى مثله في قوله تعالى: {آلمص كتاب أنزل إليك} [الأعراف: 1، 2].
والمراد: أنه منزَّل، فالمصدر بمعنى المفعول كقوله: {وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين} [الشعراء: 192، 193] وهو مبالغة في كونه فَعَل الله تنزيله، تحقيقًا لكونه موحى به وليس منقولًا من صحف الأولين.
وتنكير {تنزيل} وكتاب لإِفادة التعظيم.
والكتاب: اسم لمجموع حروف دالة على ألفاظ مفيدة وسمي القرآن كتابًا لأن الله أوحى بألفاظه وأمر رسوله بأن يكتب ما أُوحي إليه، ولذلك اتخذ الرسول كتَّابًا يكتبون له كل ما ينزل عليه من القرآن.
وإيثار الصفتين {الرحمن الرَّحِيمِ} على غيرهما من الصفات العلية للإِيماء إلى أن هذا التنزيل رحمة من الله بعباده ليخرجهم من الظلمات إلى النور كقوله تعالى: {فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة} [الأنعام: 157] وقولِه تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107] وقوله: {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون} [العنكبوت: 51].
والجمع بين صفتي {الرحمنن الرَّحِيم} للإيماء إلى أن الرحمة صفة ذاتيَّة لله تعالى، وأن متعلقها منتشر في المخلوقات كما تقدم في أول سورة الفاتحة والبسملة.
وفي ذلك إيماء إلى استحماق الذين أعرضوا عن الاهتداء بهذا الكتاب بأنهم أعرضوا عن رحمة، وأن الذين اهتدوا به هم أهل المرحمة لقوله بعد ذلك: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى} [فصلت: 44].
ومعنى: {فُصِّلَتْ ءاياته} بُينت، والتفصيل: التبيين والإخلاء من الالتباس.
والمراد: أن آيات القرآن واضحة الأغراض لا تلتبس إلا على مكابر في دلالة كل آية على المقصود منها، وفي مواقعها وتمييز بعضها عن بعض في المعنى باختلاف فنون المعاني التي تشتمل عليها، وقد تقدم في طالعة سورة هود.
ومن كمال تفصيله أنه كان بلغة كثيرة المعاني، واسعة الأفنان، فصيحة الألفاظ، فكانت سالمة من التباس الدلالة، وانغلاق الألفاظ، مع وفرة المعاني غير المتنافية في قلة التراكيب، فكان وصفه بأنه عربي من مكملات الإِخبار عنه بالتفصيل.
وقد تكرر التنويه بالقرآن من هذه الجهة كقوله: {بلسان عربي مبين} [الشعراء: 195] ولهذا فرع عليه ذم الذين أعرضوا عنه بقوله هنا {فَأعْرَضَ أكْثَرُهُم فَهُمْ لاَ يَسْمَعُون} وقوله هنالك: {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم} [الشعراء: 200، 201].
والقرآن: الكلام المقروء المتلوّ.
وكونه قُرآنًا من صفات كماله، وهو أنه سهْل الحفظ، سهْل التلاوة، كما قال تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر} [القمر: 22] ولذلك كان شأن الرسول صلى الله عليه وسلم حفظ القرآن عن ظهر قلب، وكان شأن المسلمين الاقتداء به في ذلك على حسب الهمم والمَكْنَات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى تفضيل المؤمنين بما عندهم من القرآن.
وكان يوم أحد يقدم في لحد شهدائه مَن كان أكثرهم أخذًا للقرآن تنبيهًا على فضل حفظ القرآن زيادة على فضل تلك الشهادة.
وانتصب {قرآنًا} على النعت المقطوع للاختصاص بالمدح وإلا لكان مرفوعًا على أنه خبر ثالث أو صفة للخبر الثاني، فقوله: {قرآنًا} مقصود بالذكر للإشارة إلى هذه الخصوصية التي اختص بها من بين سائر الكتب الدينية، ولولا ذلك لقال: كتاب فصّلت آياته عربي كما قال في سورة الشعراء (195) {بلسان عربي مبين} ولك أن تجعله منصوبًا على الحال.
وقوله: {لِقَوْممٍ يَعْلَمُونَ} صفة ل {قرآنًا} ظرفٌ مستقر، أي كائنًا لقوم يعلمون باعتبار ما أفاده قوله: {قُرءَانًا عَرِبيًَّا} من معنى وضوح الدلالة وسطوع الحجة، أو يتعلق {لِقَوْممٍ يَعْلَمُون} بقوله: {تنزيل} أو بقوله: {فُصِّلَتْ ءاياته} على معنى أن فوائد تنزيله وتفصيله لقوم يعلمون دون غيرهم فكأنه لم يُنزل إلا لهم، أي فلا بدع إذا أعرض عن فهمه المعاندون فإنهم قوم لا يعلمون، وهذا كقوله تعالى: {وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} [يونس: 101] وقوله: {وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت: 43] وقوله: {إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون} [يوسف: 2] وقوله: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} [العنكبوت: 49].
والبشير: اسم للمبشر وهو المخبر بخبر يسر المخبَر.
والنذير: المخبر بأمر مَخُوف، شبه القرآن بالبشير فيما اشتمل عليه من الآيات المبشرة للمؤمنين الصالحين، وبالنذير فيما فيه من الوعيد للكافرين وأهل المعاصي، فالكلام تشبيه بليغ.
وليس: {بشيرًا} أو {نذيرًا} اسمي فاعل لأنه لو أريد ذلك لقيل: مُبشرًا ومُنذرًا.
والجمع بين: {بشيرًا} و{نَذِيرًا} من قبيل محسن الطِّبَاق.
وانتصب {بشيرًا} على أنه حال ثانية من {كتاب} أو صفة ل {قرآنًا} وصفة الحال في معنى الحال، فالأوْلى كونه حالًا ثانية.