فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال النبي فهذا اليوم أي الجمعة هو اليوم الذي اختلفوا فيه فَهدانا الله إليه فالناسُ لنا فيه تبع اليهودُ غدًا والنصارى بعد غدٍ.
ولا خلاف في أن الله خلق آدم بعد تمام خلق السماء والأرض فتعين أن يكون يومُ خلقه هو اليوم السابع.
وقد رَوى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن الله ابتدأ الخلق يوم السبت».
وقد ضعّفه البخاري وابن المديني بأنه من كلام كَعب الأحبار حدّث به أبَا هريرة وإنما اشتبه على بعض رواةِ سنده فظنه مرفوعًا.
ولهذه تفصيلات ليس وراءها طائل وإنما ألمْمنَا بها هنا لئلا يعروَ التفسير عنها فيقع من يراها في غيرِهِ في حَيْرةٍ وإنما مقصد القرآن العِبرة.
{يَوْمَيْنِ وأوحى في كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح}.
{وأوحى} عطف على {فقضاهن}.
والوحي: الكلام الخفي، ويطلق الوحي على حصول المعرفة في نفس من يراد حصولها عنده دون قولٍ، ومنه قوله تعالى حكاية عن زكرياء {فأوحى إليهم} [مريم: 11] أي أومأ إليهم بما يدل على معنى: سَبحوا بُكرة وعشيًا.
وقول أبي دُؤاد:
يَرمُون بالخُطب الطِّوالِ وتارةً ** وَحْيَ الملاَحظ خيفةَ الرُّقَباء

ثم يتوسع فيه فيطلق على إلهام الله تعالى المخلوقات لما تتطلبه مما فيه صلاحها كقوله: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتًا} [النحل: 68] أي جَبَلها على إدراك ذلك وتطلّبه، ويطلق على تسخير الله تعالى بعض مخلوقاته لقبول أثر قدرته كقوله: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} [الزلزلة: 1] إلى قوله: {بأن ربك أوحى لها} [الزلزلة: 5].
والوحي في السماء يقع على جميع هذه المعاني من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازاته، فهو أوحى في السماوات بتقادير نُظُم جاذبيتها، وتقادير سير كواكبها، وأوحى فيها بخلق الملائكة فيها، وأوحى إلى الملائكة بما يتلقونه من الأمر بما يعملون، قال تعالى: {وهم بأمره يعملون} [الأنبياء: 27] وقال: {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} [الأنبياء: 20].
و{أمرها} بمعنى شأنها، وهو يصدق بكل ما هو من ملابساتها من سكانها وكواكبها وتماسك جرمها والجاذبية بينها وبين ما يجاورها.
وذلك مقابل قوله في خلق الأرض {وجعَلَ فِيهَا رواسي مِن فَوْقِهَا وبارك فِيهَا وقَدَّرَ فِيهَا أقواتها} [فصلت: 10].
وانتصب {أمرها} على نزع الخافض، أي بأمرها أو على تضمين أَوحَى معنى قدَّر أو أودَع.
ووقع الالتفات من طريق الغيبة إلى طريق التكلم في قوله: {وَزَيَّنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بمصابيح} تجديدًا لنشاط السامعين لطول استعمال طريق الغيبة ابتداءً من قوله: {بالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ في يَوْمَينِ} [فصلت: 9] مع إظهار العناية بتخصيص هذا الصنع الذي ينفع الناس دينًا ودُنيا وهو خلق النجوم الدقيقة والشهب بتخصيصه بالذكر من بين عموم {وأوحى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أمْرَهَا}، فما السماء الدنيا إلا من جملة السماوات، وما النجوم والشُّهُب إلا من جملة أمرها.
والمصابيح: جمع مصباح، وهو ما يوقد بالنار في الزيت للإضاءة وهو مشتق من الصباح لأنهم يحاولون أن يجعلوه خلفًا عن الصباح.
والمراد بالمصابيح: النجوم، استعير لها المصابيح لما يبدو من نورها.
وانتصب {حفظًا} على أنه مفعول لأجله لفعل محذوف دل عليه فعل {زيَّنَّا}.
والتقدير: وجعلنَاها حفظًا.
والمراد: حفظًا للسماء من الشياطين المسترقة للسمع.
وتقدم الكلام على نظيره في سورة الصّافات.
{وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز} الإِشارة إلى المذكور من قوله: {وَجَعَلَ فِيهَا رواسي مِن فَوْقِهَا} [فصلت: 10] إلى قوله: {وَزَيَّنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بمصابيح وَحِفْظًا}.
والتقدير: وضْع الشيء على مقدار معيَّن، وتقدم نظيره في سورة يَس.
وتقدم وجهُ إيثار وصفي {العَزِيزِ العَلِيمِ} بالذكر. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)} تقدم القول في أوائل السور مما يختص به الحواميم، وأمال الأعمش {حم} [فصلت: 1، الشورى: 1، الدخان: 1، الزخرف: 1، الجاثية: 1، الأحقاف: 1] في كلها. و: {تنزيل} خبر الابتداء، إما على أن يقدر الابتداء، إما على أن يقدر الابتداء في: {حم} على ما تقتضيه بعض الأقوال إذا جعلت اسمًا للسورة أو للقرآن أو إشارة إلى حروف المعجم، وإما على أن يكون التقدير: هذا تنزيل، ويجوز أن يكون {تنزيل} ابتداء وخبره في قوله: {كتاب فصلت} على معنى ذو تنزيل. و: {الرحمن الرحيم} صفتا رجاء ورحمة لله تعالى. و: {فصلت} معناه بينت آياته، أي فسرت معانيه ففصل بين حلاله وحرامه وزجره وأمره ووعده ووعيده، وقيل {فصلت} في التنزيل، أي نزل نجومًا، لم ينزل مرة واحدة، وقيل {فصلت} بالمواقف وأنواع أواخر الآي، ولم يكن يرجع إلى قافية ونحوها كالشعر والسجع. و: {قرآنًا} نصب على الحال عند قوم، وهي مؤكدة، لأن هذه الحال ليست مما تنتقل. وقالت فرقة: هو نصب على المصدر، وقالت فرقة: {قرآنًا} توطئة للحال. و: {عربيًا} حال. وقالت فرقة: {قرآنًا} نصب على المدح وهو قول ضعيف.
وقوله تعالى: {لقوم يعلمون} قالت فرقة: معناه يعلمون الأشياء ويعقلون الدلائل وينظرون على طريق نظر، فكأن القرآن فصلت آياته لهؤلاء، إذ هم أهل الانتفاع بها، فخصوا بالذكر تشريفًا، ومن لم ينتفع بالتفصيل فكأنه لم يفصل له. وقالت فرقة: {يعلمون} متعلق في المعنى بقوله: {عربيًا} أي جعلناه بكلام العرب لقوم يعلمون ألفاظه ويتحققون أنها لم يخرج شيء منها عن كلام العرب، وكأن الآية رادة على من زعم أن في كتاب الله ما ليس في كلام العرب، فالعلم على هذا التأويل أخص من العلم على التأويل الأول، والأول أشرف معنى، وبين أنه ليس في القرآن إلا ما هو من كلام العرب إما من أصل لغتها وإما عربته من لغة غيرها ثم ذكر في القرآن وهو معرب مستعمل.
وقوله: {بشيرًا ونذيرًا} نعت للقرآن، أي يبشر من آمن بالجنة، وينذر من كفر بالنار. والضمير في: {أكثرهم} عائد على القوم المذكورين.
وقوله: {فهم لا يسمعون} نفي لسمعهم النافع الذي يعتد به سمعًا، ثم حكى عنهم مقالتهم التي باعدوا فيها كل المباعدة وأرادوا أن يؤيسوهم من قبولهم دينهم وهي {قلوبنا في أكنة} جمع كنان وهو باب فعال وأفعلة. والكنان: ما يجمع الشيء ويضمه ويحول بينه وبين غيره، ومنه: الكن ومنه: كنانة النبل، وبها فسر مجاهد هذه الآية. ومن في قوله: {مما} لابتداء الغاية وكذلك هي في قوله: {ومن بيننا} مؤكدة ولابتداء الغاية. والوقر: الثقل في الأذن الذي يمنع السمع.
وقرأ ابن مصرف: {وِقر} بكسر الواو.
والحجاب: الذي أشاروا إليه: هو مخالفته إياهم ودعوته إلى الله دون أصنامهم، أي هذا أمر يحجبنا عنك، وهذه مقالة تحتمل أن تكون معها قرينة الجد في المحاورة وتتضمن المباعدة، ويحتمل أن تكون معها قرينة الهزل والاستخفاف، وكذلك قوله: {فاعمل إننا عاملون} يحتمل أن يكون القول تهديدًا، ويحتمل أن يكون متاركة محضة.
وقرأ الجمهور: {قل إنما} على الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش: {قل إنما} على المضي والخبر عنه، وهذا هو الصدع بالتوحيد والرسالة.
وقوله: {قل إنما أنا بشر} قال الحسن: علمه الله تعالى التواضع، و{إن} في قوله: {إنما} رفع على المفعول الذي لم يسم فاعله.
وقوله: {فاستقيموا} أي على محجة الهدى وطريق الشرع والتوحيد، وهذا المعنى مضمن قوله: {إليه}. والويل: الحزن والثبور، وفسره الطبري وغيره في هذه الآية بقبح أهل النار وما يسيل منهم.
وقوله تعالى: {الذين لا يؤتون الزكاة} قال الحسن وقتادة وغيره: هي زكاة المال. وروي: الزكاة قنطرة الإسلام، من قطعها نجا، ومن جانبها هلك. واحتج لهذا التأويل بقول أبي بكر في الزكاة وقت الردة. وقال ابن عباس والجمهور: {الزكاة} في هذه الآية: لا إله إلا الله التوحيد كما قال موسى لفرعون: {هل لك إلى أن تزكى} [النازعات: 18] ويرجح هذا التأويل أن الآية من أول المكي، وزكاة المال إنما نزلت بالمدينة، وإنما هذه زكاة القلب والبدن، أي تطهيره من الشرك والمعاصي، وقاله مجاهد والربيع. وقال الضحاك ومقاتل: معنى {الزكاة} هنا: النفقة في الطاعة، وأعاد الضمير في قوله: {هم كافرون} توكيدًا.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)} ذكر عز وجل حالة الذين آمنوا معادلًا بذلك حالة الكافرين المذكورين ليبين الفرق.
وقوله: {غير ممنون} قال ابن عباس معناه: غير منقوص. وقالت فرقة معناه: غير مقطوع، يقال مننت الحبل: إذا قطعته. وقال مجاهد معناه: غير محسوب، لأن كل محسوب محصور، فهو معد لأن يمن به، فيظهر في الآية أنه وصفه بعدم المن والأذى من حيث هو من جهة الله تعالى، فهو شريف لا من فيه، وأعطيات البشر هي التي يدخلها المن. وقال السدي: نزلت هذه الآية من المرضى والزمنى، إذا عجزوا عن إكمال الطاعات كتب لهم من الأجر كأصح ما كانوا يعملون، ثم أمر تعالى نبيه أن يوقفهم موبخًا على كفرهم بخالق الأرض والسماوات ومخترعها، ووصف صورة خلقها ومدته، والحكمة في خلقه هذه المخلوقات في مدة ممتدة مع قدرة الله على إيجادها في حين واحد. وهي إظهار القدرة في ذلك حسب شرف الإيجاد أولًا أولًا. قال قوم: وليعلّم عباده التأني في الأمور والمهل، وقد تقدم القول غير مرة في نظير قوله: {أئنكم}.
واختلف رواة الحديث في اليوم الذي ابتدأ الله تعالى فيه خلق الأرض، فروي عن ابن عباس وغيره: أن أول يوم هو الأحد، وأن الله تعالى خلق فيه وفي الاثنين: الأرض، ثم خلق الجبال ونحوها يوم الثلاثاء. قال ابن عباس فمن هنا قيل: هو يوم ثقيل. ثم خلق الشجر والثمار والأنهار يوم الأربعاء، ومن هنا قيل: هو يوم راحة وتفكر في هذه التي خلقت فيه. ثم خلق السماوات وما فيها يوم الخميس ويوم الجمعة، وفي آخر ساعة من يوم الجمعة: خلق آدم. وقال السدي: وسمي يوم الجمعة لاجتماع المخلوقات فيه وتكاملها، فهذه رواية فيها أحاديث مشهورة. ولما لم يخلق تعالى في يوم السبت شيئًا امتنع فيه بنو إسرائيل عن الشغل. ووقع في كتاب مسلم بن الحجاج: أن أول يوم خلق الله فيه التربة يوم السبت، ثم رتب المخلوقات على ستة أيام، وجعل الجمعة عاريًا من المخلوقات على ستة أيام إلا من آدم وحده. والظاهر من القصص في طينة آدم أن الجمعة التي خلق فيها آدم قد تقدمتها أيام وجمع كثيرة، وأن هذه الأيام التي خلق الله فيها هذه المخلوقات هي أول الأيام، لأن بإيجاد الأرض والسماء والشمس وجد اليوم، وقد يحتمل أن يجعل تعالى قوله: {يومين} على التقدير، وإن لم تكن الشمس خلقت بعد، وكأن تفصيل الوقت يعطي أنها الأحد ويوم الاثنين كما ذكر. والأنداد: الأشباه والأمثال، وهذه إشارة إلى كل ما عبد من الملائكة والأصنام وغير ذلك. قال السدي: أكفاء من الرجال تطيعونهم. والرواسي: هي الجبال الثوابت، رسا الجبل إذا ثبت.
وقوله تعالى: {وبارك فيها} أي جعلها منبتة للطيبات والأطعمة، وجعلها طهورًا إلى غير ذلك من وجوه البركة. وفي قراءة ابن مسعود: {وقسم فيها أقواتها}.
وفي مصحف عثمان رضي الله عنه: {وقدر} واختلف الناس في معنى قوله: {أقواتها} فقال السدي: هي أقوات البشر وأرزاقهم، وأضافها إلى الأرض من حيث هي فيها وعنها. وقال قتادة: هي أقوات الأرض من الجبال والأنهار والأشجار والصخور والمعادن والأشياء التي بها قوام الأرض ومصالحها. وروى ابن عباس رضي الله عنه في هذا المعنى حديثًا مرفوعًا فشبهها بالقوت الذي به قوام الحيوان. وقال مجاهد: أراد {أقواتها} من المطر والمياه. وقال عكرمة والضحاك ومجاهد أيضًا: أراد بقوله: {أقواتها} خصائصها التي قسمها في البلاد، فجعل في اليمن أشياء ليست في غيره، وكذلك في العراق والشام والأندلس وغيرها من الأقطار ليحتاج بعضها إلى بعض ويتقوت من هذه في هذه الملابس والمطعوم، وهذا نحو القول الأول، إلا أنه بوجه أعم منه.
وقوله تعالى: {في أربعة أيام} يريد باليومين الأولين، وهذا كما تقول: بنيت جدار داري في يوم وأكملت جميعها في يومين، أي بالأول.
وقرأ الحسن البصري وأبو جعفر وجمهور الناس: {سواءً} بالنصب على الحال، أي سواء هي وما انقضى فيها.
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: {سواءٌ} بالرفع، أي هي سواء.
وقرأ الحسن وعيسى وابن أبي إسحاق وعمرو بن عبيد: {سواءٍ} بالخفض على نعت الأيام.
واختلف المتأولون في معنى: {للسائلين} فقال قتادة والسدي معناه: سواء لمن سأل عن الأمر واستفهم عن حقيقة وقوعه وأراد العبرة فيه فإنه يجده كما قال عز وجل. وقال ابن زيد وجماعة معناه: مستو مهيأ أمر هذه المخلوقات ونفعها للمحتاجين إليها من البشر، فعبر عنهم ب {السائلين} بمعنى الطالبين، لأنهم من شأنهم ولابد طلب ما ينتفعون به، فهم في حكم من سأل هذه الأشياء إذ هم أهل حاجة إليها، ولفظة {سواء} تجري مجرى عدل وزور في أن ترد على المفرد والمذكر والمؤنث.
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)} {استوى إلى السماء} معناه بقدرته واختراعه أي إلى خلق السماء وإيجادها.
وقوله تعالى: {وهي دخان} روي أنها كانت جسمًا رخوًا كالدخان أو البخار، وروي أنه مما أمره الله أن يصعد من الماء، وهنا لفظ متروك ويدل عليه الظاهر، وتقديره: فأوجدها وأتقنها وأكمل أمرها، وحينئذ قيل لها وللأرض {ائتيا طوعًا أو كرهًا}.
وقرأ الجمهور: {إيتيا} من أتى يأتي {قالتا أتينا} على وزن فعلنا، وذلك بمعنى إيتيا وإرادتي فيكما، وقرأ ابن عباس وابن جبير ومجاهد: {آيتيا} من آتى يؤتى {قالتا آتينا} على وزن أفعلنا، وذلك بمعنى أعطيا من أنفسكما من الطاعة ما أردته منكما، والإشارة بهذا كله إلى تسخيره وما قدره الله من أعمالها.
وقوله: {أو كرهًا} فيه محذوف ومقتضب، والتقدير: {ائتيا طوعًا} وإلا أتيتما {كرهًا}.
وقوله: {قالتا} أراد الفرقتين المذكورتين، وجعل السماوات سماء والأرضين أرضًا، ونحو هذا قول الشاعر: الوافر:
ألم يحزنك أن حبال قومي ** وقومك قد تباينتا انقطاعا

جعلها فرقتين، وعبر عنها ب {ائتيا}.
وقوله: {طائعين} لما كانت ممن يقول وهي حالة عقل جرى الضمير في {طائعين} ذلك المجرى، وهذا كقوله: {رأيتهم لي ساجدين} [يوسف: 4] ونحوه.
واختلف الناس في هذه المقالة من السماء والأرض، فقالت فرقة: نطقت حقيقة، وجعل الله تعالى لها حياة وإدراكًا يقتضي نطقها. وقالت فرقة: هذا مجاز، وإنما المعنى أنها ظهر منها من اختيار الطاعة والخضوع والتذلل ما هو بمنزلة القول {أتينا طائعين} والقول الأول أحسن، لأنه لا شيء يدفعه وإنما العبرة به أتم والقدرة فيه أظهر.
وقوله تعالى: {فقضاهن} معناه: صنعهن وأوجدهن، ومنه قول أبي ذؤيب: الكامل:
وعليهما مسرودتان قضاهما ** داود أو صنع السوابغ تبع

وقوله تعالى: {وأوحى في كل سماء أمرها} قال مجاهد وقتادة: أوحى إلى سكانها وعمرتها من الملائكة وإليها هي في نفسها ما شاء تعالى من الأمور التي بها قوامها وصلاحها. قال السدي وقتادة: ومن الأمور التي هي لغيرها مثل ما فيها من جبال البرد ونحوه، وأضاف الأمر إليها من حيث هو فيها، ثم أخبر تعالى أن الكواكب زين بها السماء الدنيا، وذلك ظاهر اللفظ وهو بحسب ما يقتضيه حسن البصر.
وقوله تعالى: {وحفظًا} منصوب بإضمار فعل، أي وحفظناها حفظًا.
وقوله: {ذلك} إشارة إلى جميع ما ذكر، أو أوجده، بقدرته وعزته، وأحكمه بعلمه. اهـ.