فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}.
لا يخفى ما يسبق إلى الذهن من منافاة هذه الحال وصاحبها لأنها جمع مذكور عاقل وصاحبها ضمير تثنية لغير عاقل ولو طابقت صاحبها في التثنية حسب ما يسبق إلى الذهن لقال: أتينا طائعتين.
والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما- وهو الأظهر عندي- أن جمعه للسموات والأرض لأن السموات سبع والأرضين كذلك بدليل قوله: {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} فالتثنية لفظية تحتها أربعة عشر فردا، وأما إتيان الجمع على صيغة جمع العقلاء فلأن العادة في اللغة العربية أنه إذا وصف غير العاقل بصفة تختص بالعاقل أجرى عليه حكمه ومنه قوله تعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} لما كان السجود في الظاهر من خواص العقلاء أجرى حكمهم على الشمس والقمر والكواكب لوصفها به، ونظيره، قوله تعالى: {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ}.
فأجرى على الأصنام حكم العقلاء لتنزيل الكفار لها منزلتهم، ومن هذا المعنى قول قيس بن الملوح:
أسرب القطا هل من يعير جناحه

البيت.
فإنه لما طلب الإعارة من القطا وهي من خواص العقلاء أجرى على القطا اللفظ المختص بالعقلاء لذلك، ووجه تذكير الجمع أن السموات والأرض تأنيثها غير حقيقي.
الوجه الثاني: أن المعنى قالتا أتينا بمن فينا طائعين فيكون فيه تغليب العاقل على غيره والأول أظهر عندي والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.من فوائد محمود غريب في الآية الكريمة:

{وقدر فيها أقواتها}.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيّ المصطفى؛ أما بعد:
إذا كان الكائن الحي لا يمكنه أن يعيش بدون الهواء والماء والغذاء فإن القدر الأعلى قد وزّع هذه الضروريات على الأرض توزيعا عجيبا؛ فالهواء لا يستطيع الكائن الحي أن يعيش بدونه لذلك نراه موفورا في كل مكان والماء رصيد البشرية من الماء محفوظ في البحار والمحيطات.
والماء العذب هو المقدار المتداول بين الطبيعة والكائنات الحية فقد شق الله تعالى الأنهار لتوصل الماء العذب إلى الأحياء في كل مكان {أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} النمل: 61 فإذا وقفت عقبات أمام الأنهار فإن صاحب الوجود ينقذ عباده في الأماكن العالية التي لا تصلها الأنهار عن طريق النقل الجوي وهو أسرع أنواع النقل قال تعالى...
{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} فاطر: 9 ألست معي أن مجّري السّحاب هو منبت النبات هو خالق الإنسان، والغذاء وصراع الإنسان بحثا عن الغذاء صراع طويل ولكن العجيبأن النيتروجين الموجود في الهواء بنسبة كبيرة وهو من أهم العناصر لتكوين النبات وصناعة السّماد الكيماوية.
وهو انتصار كبير على مشكلة الغذاء ولو تحولت الأبحاث من غزو الفضاء إلى غزو البحار لأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم ذلك لأن الذي خلق الأرض في يومين قدر فيها أقواتها في أربعة أيام.
يا سبحان الله: عالم عجيب.
الذّرة الصغيرة تحكي صورة المجرة الكبيرة، والكواكب السابحة أكثر من عدد الحصى.
والمادة التي خلقت منها الأرض السّوداء خلقت منها النجوم المضيئة والإنسان الضعيف على الأرض يخدمه كلّ شيء في الوجود؛ الشّمس تدفئه والقمر يخدمه والغلاف الهوائي للأرض يوفر له الهواء ويحمل إليه الماء ويشترك في تكوين الغذاء، ثمّ له دور آخر فهو يحمي الإنسان من الشّهب التي تغزو الأرض من الكواكب الأخرى.
ولولا مقاومة الغلاف الهوائي لأحرقت الأرض ومن فيها {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} لقمان 11. اهـ.

.تفسير الآيات (13- 18):

قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا القدر من العلم موجبًا للانقياد لكل خير من الوحدانية وغيرها، والإقبال على الحق في كل أمر، فكان المتمادي على إعراضه قبل الوعظ به كأنه جدد إعراضًا غير إعراضه الأول، قال مفصلًا بعض قوله: {فأعرض أكثرهم}: {فإن أعرضوا} أي استمروا على إعراضهم، أو أعرض غيرهم عن قبول ما جئتهم به من الذكر بعد هذا البيان الواضح في هذه الآيات التي دلت على الوحدانية والعلم والقدرة وغيرها من صفات الكمال أتم دلالة {فقل} أي لهم: إن لكم سلفًا سلكتم طريقهم في العناد، فإن أبيتم إلا الإصرار ألحقناكم بهم كأمثالهم وهو معنى {أنذرتكم صاعقة}، أي حلول صاعقة مهيأة لمن كشف له الأمر فعاند، فإن وظيفة الحجة قد تمت على أكمل الوجوه، قال البغوي وابن الجوزي: والصاعقة المهلكة من كل شيء- انتهى.
والحاصل أنه عذاب شديد الوقع كأنه في شدة وقعه صاعقة.
ولما كان التخويف بما تسهل مشاهدة مثله أوقع في النفس قال: {مثل صاعقة عاد وثمود} أي الذين تنظرون ديارهم وتستعظمون آثارهم، وعلل إيقاع ذلك بهم بقوله: {إذا} ويجوز أن يكون ظرفًا لصاعقة وظرفيته لا تنافي عليته أي حين {جاءتهم الرسل} لأن الزمان الطويل يجوز نسبة ما وقع في جزء منه إليه، ولما كانت الرسل إنما أتت بالفعل في بعض الزمان أدخل الجار فقال: {من بين أيديهم} أي من قبلهم لأن النذير الأول نذير لكل من أتى بعده بأنه إن واقع ما واقعه أتاه ما عذب به {ومن خلفهم} وهم من أتى إليهم لأنهم لم يكونوا يعلمون إتيانهم، فالخلف كناية عن الخفاء، والقدام عن الجلاء، ولا شك أن الإنسان لما انقاد له من قبله فسمعه منه أقبل مما رآه بعينه، لأن النفس لا تنقاد لما خالفها إلا بعد جدال وجهاد، فإذا تطاول الزمن وانقاد له الغير، سهل عليها الأمر، وخف عليها الخطب، وأيضًا الآتي إلى ناس إنما يأتيهم بعد وجودهم وبلوغهم حد التكليف، فهو بهذا آتٍ إليهم من ورائهم أي بعد وجودهم أو يكون ما بين الأيدي هو من جاءهم لأنهم علموا بمجيئه علم من ينظر من قدامه، وما خلفهم ما غاب عنهم ممن تقدمهم، فلم تنقل إليهم أخبارهم إلا على وجوه تحتمل الطعن، أو المعنى: أتاهم رسولهم الذي هو بإظهار المعجزة كجميع الرسل بالوعظ من كل جانب يخفى عليهم أو يتضح لهم وأعمل فيهم كل حيلة بكل حجة حتى لم يدع لهم شبهة، ثم بين أن مجيء الرسل ينفي عبادة غير الله وقصر العبادة عليه، فقال مظهرًا مع العبادة الاسم الذي هو أولى بها: {أن} أي بأن قولوا لهم {لا تعبدوا إلا الله} أي الذي له جميع صفات الكمال.
ولما كان هذا موضعًا لتشوف السامع إلى خبرهم عند ذلك إجابة بقولهم: {قالوا} أي كل منهم: {لو شاء ربنا} أي والذي ربانا أحسن تربية وجعلنا من خواصه بما حبانا به من النعم أن يرسل إلينا رسولا {ملائكة} فأرسلهم إلينا بما يريده منا لكنه لم ينزل ملائكة فلم يشأ أن يرسل رسولًا، فتسبب عما قالوه من القياس الاستثنائي الذي استنتجوا فيه من نقيض تاليه نقيض مقدمه، لما جعلوا بين المقدم والتالي من الملازمة بزعمهم قولهم: {فإنا بما} أي بسبب الذي ولما كانوا لم ينكروا مطلق رسالتهم، إنما أنكروا كونها من الله، بنوا للمجهول قولهم مغلبًا تعالى في الترجمة عنهم للخطاب على الغيبة لأنه أدخل في بيان قلة أدبهم: {أرسلتم} أي أيها الرسل ومن كان على مثل حالهم من البشر {به} أي على ما تزعمون خاصة لا بغير ما أرسلتم به مما أنزل به ملائكة مثلًا {كافرون} لأن قياسنا قد دل على أنه تعالى لم يشأ الإرسال، فأنتم لستم بمرسل عنه لأنكم بشر لا ملائكة وقد كذبوا في قياسهم الذي لم يأخذوه عن عقل ولا نقل لأنه لا ملازمة بين مشيئة الإرسال إلى الناس كافة أو إلى أمة منهم وبين أن يكون المرسل إليهم كلهم ملائكة.
ولما جمعهم فيما اجتمعوا فيه حتى كأنهم تواصوا به، فصل ما اختلفوا فيه فقال مسببًا عما مضى من مقالهم: {فأما عاد} أي قوم هود عليه الصلاة والسلام {فاستكبروا} أي طلبوا الكبر وأوجدوه {في الأرض} أي كلها التي كانوا فيها بالفعل وبقيتها بالقوة، أو في الكل بالفعل لكونهم ملكوها كلها.
ولما كان الكبر قد يكون بالحق كما على من خالف أمر الله قال: {بغير الحق} أي الأمر الذي يطابقه الواقع، وهو إنكار رسالة البشر، فإن الواقع إرسالهم {وقالوا} أي وضموا إلى استكبارهم على قبول ما جاءهم من الحق أن قالوا متعاظمين على أمر الله بما أتاهم الله من فضله: {من أشد منا قوة} فنحن نقدر على دفع ما يأتي من العذاب الذي يهددنا به هود عليه الصلاة والسلام لأنهم كانوا أشد الناس قوى وأعظمهم أجسامًا.
ولما كان التقدير أن يقال إنكارًا عليهم: ألم يروا أن الله لو شاء لجعلهم كغيرهم، عطف عليه قوله: {أو لم يروا} أي يعلموا علمًا كما هو كالمشاهدة لأنه غريزة في الفطرة الأولى فهو علم ضروري {أنّ الله} أي المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا {الذي خلقهم} ولم يكونوا شيئًا {هو أشد منهم قوة} ومن علم أن غيره أقوى منه وكان عاقلًا انقاد له فيما ينفعه ولا يضره، واجتماع قوتهم التي هي شدة البنية وقوته سبحانه التي هي كمال القدرة وهي صفة قائمة بذاته سبحانه إنما هو في الآثار الناشئة عن القوة، فلذلك جمعًا بأشد.
ولما بين أنهم أوجدوا الكبر، عطف عليه من غرائزهم ما هو أصل لكل سوء، فقال مبينًا قرط جهلهم باجترائهم على العظمة التي شأنها قصم الظالم وأخذ الآثم: {وكانوا} أي طبعًا لهم {بآياتنا} على ما لها من العظمة بنسبتها إلينا {يجحدون} أي ينكرون إنكارًا يضمحل عنده كل إنكار عنادًا مع علمهم بأنها من عندنا {فأرسلنا} بسبب ذلك على ما لنا من العظمة، ودل على صغارهم وحقارتهم بأداة الاستعلاء فقال: {عليهم} وزاد في تحقيرهم بأن أخبر أنه أهلكهم لأجل ما تعززوا به من قوة أبدانهم ووثاقة خلقهم بما هو من ألطف الأشياء جسمًا وهو الهواء فقال: {ريحًا} أي عظيمة {صرصرًا} أي شديدة البرد والصوت والعصوف حتى كانت تجمد البدن ببردها فتكون كأنها تصره- أي تجمعه- في موضع واحد فتمنعه التصرف بقوته، وتقطع القلب بصوتها، فتقهر شجاعته، وتحرق بشدة بردها كل ما مرت عليه.
ولما تقدم في هذا السياق استكبارهم على الوجه المذكور وادعاؤهم أنهم أشد الناس قوة اقتضى الحال تحقيرهم في إهلاكهم، فذكر الأيام دون الليالي وإن تضمنتها فقال تعالى: {في أيام} ولما كان جمع القلة قد يستعار للكثرة حقق أن المراد القلة بوصفه بجمع السلامة فقال: {نحسات} وكان ذلك أدل على هذا المراد من إفراد اليوم كما في القمر لأنه قد يراد به زمان يتم فيه أمر ظاهر ولو طالت مدته، ويصح للجنس فيشمل مع القليل ما يصلح له جمع الكثرة.
وفيه- مع أنه نذارة- رمز للمنزل عليه هذا الوحي- صلى الله عليه وسلم- بأعظم بشارة لما أومأ إليه افتتاح السورة باسمي الرحمة، وقوله تعالى: {بشيرًا ونذيرًا} ومن جعل أيام هذا العذاب ثمانية، أشار إلى الحلم والتأني كما أشار إليه ما تقدم من خلق هذا الوجود في ستة أيام، وقد كان قادرًا على كل من التعذيب والإيجاد في لحظة واحدة، فأشار ذلك إلى أنه في السنة السادسة من الهجرة يكون الفتح السببي بعمرة الحديبية التي كانت سبب نزول سورة الفتح، وفي السابعة يكون الاعتمار الذي كان عليهم أشد من وقوع الصارم البتار، حتى ذهب عمرو بن العاص من أجل ذلك إلى الحبشة لئلا يرى من دخول النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه رضى الله عنه م ما لا صبر له عليه، وفي الثامنة يكون الفتح الحقيقي بعشرة آلاف مقاتل أكثرهم دارع لا يُرى منهم إلا الحدق، حتى خالوا بياض لأمهم السراب، فظنوا بهم غاية العذاب، فكانوا رحمة، وعاد رأوا السحاب فظنوه رحمة فكان عذابًا ونقمة، ووصفها بالنحس مبالغة مثل رجل عدل ليدل على أنها كانت قابلة لانفعال الجسد وما كان فيه من القوى بهذه الريح، وهو مصدر جمع لاختلاف أنواع النحس فيها- هذا على قراءة الجماعة بسكون الحاء، وأما قراءة ابن عامر والكوفيين بكسر الحاء فهي صفة من فعل بالكسر مثل: فرح فهو فرح، وأول هذه الأيام الأربعاء في قول يحيى بن سلام، وقال غيره: وما عذب قوم إلا يوم الأربعاء {لنذيقهم} وأضاف الموصوف إلى صفته على المبالغة من وادي رجل عدل فقال: {عذاب الخزي} أي الذي يهيئهم ويفضحهم ويذلهم بما تعظموا وافتخروا على كلمة الله التي أتتهم بها رسله، وصف العذاب بالخزي الذي هو للمعذب به مبالغة في إخزائه له {في الحياة الدنيا} ليذلوا عند من تعظموا عليهم في الدار التي اغتروا بها فتعظموا فيها فإن ذلك أدل على القدرة عند من تقيد بالوهم {ولَعذاب الآخرة} الذي أعد للمتكبرين {أخزى} أي أشد إخزاء.
كما قالوا: هو أعطاهم للدراهم وأولادهم للمعروف، وأكد لإنكارهم له.
ولما انتفت مدافعتهم عن أنفسهم، نفى دفع غيرهم فقال: {وهم} أي أصابهم هذا العذاب وسيصيبهم عذاب الآخرة والحال أنهم {لا يُنصرون} أي لا يوجد ولا يتجدد لهم نصر أبدًا بوجه من الوجوه.
ولما أنهى أمر صاعقتهم، شرع في بيان صاعقة ثمود فقال: {وأما ثمود} وهم قوم صالح عليه الصلاة والسلام {فهديناهم} أي بينا لهم طريق الهدى من أنا قادرون على البعث وعلى كل شيء فلا شريك لنا، وكان بيان ذلك بالناقة غاية البيان فأبصروا ذلك بأبصارهم التي هي سبب أبصار بصائرهم غايه الإبصار، فكرهوا ذلك لما يلزمه من تنكب طريق آبائهم وأقبلوا على لزوم طريق آبائهم: {فاستحبوا العمى} اي الضلال الناشئ عن عمى اليصر أو البصيرة أو هما معًا {على الهدى} أي أوجدوا من الأفعال والأقوال ما يدل على حب ذلك وعلى طلب حبه فعموا فضلوا، وقال القشيري: قيل: إنهم آمنوا وصدقوا ثم ارتدوا وكذبوا، فأجراهم مجرى إخوانهم في الاستئصال.
{فأخذتهم} أي بسبب ذلك أخذ قسر وهوان {صاعقة العذاب} وأبلغ في وصفه بجعله نفس الهون فقال: {الهون} أي ذي الهون، قامت ضمته مقام ما في الهوان من الصيغة فعلم أن المراد أنه المهين المخزي {بما كانوا} أي دائمًا {يكسبون} أي يتجدد تحصيلهم له وعدهم له فائدة، فالآية من الاحتباك: ذكر الهداية أولًا دليلًا على حذف الضلال ثانيًا والعمى ثانيًا دليلًا على حذف الإبصار أولًا، وسره أنه نسب إليه أشرف فعليه، وأسند إليهم ما لا يرضاه ذو الروح.
ولما أتم الخبر عن الكافرين من الفريقين، أتبعه الخبر عن مؤمنيهم بشارة لمن اتبع النبي- صلى الله عليه وسلم- ونذارة لمن صد عنه فقال: {ونجينا} أي تنجية عظيمة {الذين آمنوا} أي أوجدوا هذا الوصف ولو على أدنى وجوهه من الفريقين {وكانوا} أي كونًا عظيمًا {يتقون} أي يتجدد لهم هذا الوصف في كل حركة وسكون فلا يقدمون على شيء بلا دليل. اهـ.