فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قرأ نافع وحده {عَسَيْتُمْ} بكسر السين ههنا، وفي سورة محمد صلى الله عليه وسلم، واللغة المشهورة فتحها ووجه قراءة نافع ما حكاه ابن الأعرابي أنهم يقولون: هو عسى بكذا وهذا يقوي {عَسَيْتُمْ} بكسر السين، ألا ترى أن عسى بكذا، مثل حري وشحيح وطعن أبو عبيدة في هذه القراءة فقال لو جاز ذلك لجاز {عسى رَبُّكُمْ} أجاب أصحاب نافع عنه من وجهين:
الأول: أن الياء إذا سكنت وانفتح ما قبلها حصل في التلفظ بها نوع كلفة ومشقة، وليست الياء من {عَسَى} كذلك، لأنها وإن كانت في الكتابة ياء إلا أنها في اللفظ مدة، وهي خفيفة فلا تحتاج إلى خفة أخرى.
والجواب الثاني: هب أن القياس يقتضي جواز {عسى رَبُّكُمْ} إلا أنا ذكرنا أنهما لغتان، فله أن يأخذ باللغتين فيستعمل إحداهما في موضع والأخرى في موضع آخر. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {هل عسيتم إن كتب عليكم القتال} الآية، استفهام تقريري وتحذير، فقوله: {ألا تقاتلوا} مستفهم عنه بهل وخبر لعسى متوقع، ودليل على جواب الشرط {إن كتب عليكم القتال} وهذا من أبدع الإيجاز فقد حكى جملًا كثيرة وقعت في كلام بينهم، وذلك أنه قررهم على إضمارهم نية عدم القتال اختبارًا وسبرًا لمقدار عزمهم عليه، ولذلك جاء في الاستفهام بالنفي فقال ما يؤدي معنى هلْ لاَ تقاتلون ولم يقل: هل تقاتلون؛ لأن المستفهم عنه هو الطرَف الراجح عند المستفهم، وإن كان الطرَف الآخر مقدرًا، وإذا خرج الاستفهام إلى معانيه المجازية كانت حاجة المتكلم إلى اختيار الطرف الراجح متأكدة.
وتوقع منهم عدم القتال وحذرهم من عدم القتال إن فرض عليهم، فجملة: {ألا تقاتلوا} يتنازع معناها كل من هَل وَعسى وإنْ، وأُعطيت لعسى، فلذلك قرنت بإنْ، وهي دليل للبقية فيقدر لكل عامل ما يقتضيه.
والمقصود من هذا الكلام التحريض لأن ذا الهمة يأنف من نسبته إلى التقصير، فإذا سجل ذلك عليه قبل وجود دواعيه كان على حذر من وقوعه في المستقبل، كما يقول من يوصي غيره: افعل كذا وكذا وما أظنك تفعل. اهـ.

.قال الزمخشري:

والمعنى: هل قاربتم أن لا تقاتلوا؟ يعني هل الأمر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون؟ أراد أن يقول: عسيتم أن لا تقاتلوا، بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال، فأدخل هل مستفهمًا عما هو متوقع عنده ومظنون. وأراد بالاستفهام التقرير، وتثبيت أنّ المتوقع كائن، وأنه صائب في توقعه، كقوله تعالى: {هَلْ أتى عَلَى الإنسان} [الإنسان: 1] معناه التقرير. وقرئ: {عسيتم} بكسر السين وهي ضعيفة. اهـ.

.قال الفخر:

خبر {هَلْ عَسَيْتُمْ} وهو قوله: {أَن لا تقاتلوا} والشرط فاصل بينهما، والمعنى هل قاربتم أن تقاتلوا بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال فأدخل {هَلُ} مستفهمًا عما هو متوقع عنده ومظنون، وأراد بالاستفهام التقرير، وثبت أن المتوقع كائن له، وأنه صائب في توقعه كقوله تعالى: {هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مّنَ الدهر} معناه التقرير. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما كان مضمون هذا الاستفهام: إني أخشى عليكم القعود عن القتال أعلمنا الله عن جوابهم بقوله: {قالوا} أي لموسى في المخالفة ولما أرشد العطف على غير مذكور أن التقدير: ما يوجب لنا القعود وإنا لا نخاف ذلك على أنفسنا بل نحن جازمون بأنا نقاتل أشد القتال! عطف عليهم قولهم: {وما} أي وأي شيء {لنا} في {ألا نقاتل} ولما كانت النفس فيما لله أجد وإليه أنهض قالوا: {في سبيل الله} أي الذي لا كفوء له إلهابًا وتهييجًا {وقد} أي والحال أنا قد {أخرجنا} أعم من أن يكون مع لإخراج إبعاد أو لا، وبناه للمجهول لأن موجب الإحفاظ والإخراج نفس الإخراج لا نسبة إلى حد بعينه {من ديارنا} التي هي لأبداننا كأبداننا لأرواحنا.
ولما كان في {أخرجنا} معنى أبعدنا عطف عليه {وأبنائنا} فخلطوا بذلك ما لله بما لغيره وهو أغنى الشركاء لا يقبل إلا خالصًا.
قال الحرالي: فأنبأ سبحانه وتعالى أنهم أسندوا ذلك إلى غضب الأنفس على الإخراج وإنما يقاتل في سبيل الله من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا- انتهى.
ولما كان إخلاف الوعد مع قرب العهد أشنع قال: {فلما} بالفاء المؤذنة بالتعقيب {كتب عليهم} أي خاصة {القتال} أي الذي سألوه كما كتب عليكم بعد أن كنتم تمنونه إذ كنتم بمكة كما سيبين إن شاء الله تعالى في النساء عند قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم} [النساء: 77]، {تولوا} فبادروا الإدبار بعد شدة ذلك الإقبال {إلا قليلًا منهم} أي فقاتلوا والله عليم بهم {والله} أي الذي له الإحاطة بكل كمال {عليم} بالمتولين، هكذا كان الأصل ولكنه قال: {بالظالمين} معلمًا بأنهم سألوا البلاء وكان من حقهم سؤال العافية، ثم لما أجيبوا إلى ما سألوا أعرضوا عنه فكفوا حيث ينبغي المضاء ومضوا حيث كان ينبغي الكف فعصوا الله الذي أوجبه عليهم، فجمعوا بين عار الإخلاف وفضيحة العصيان وخزي النكوص عن الأقران وقباحة الخذلان للإخوان. اهـ.

.قال الفخر:

إنه تعالى ذكر أن القوم قالوا: {وَمَا لَنَا أَن لا نقاتل في سَبِيلِ الله} وهذا يدل على ضمان قوي خصوصًا واتبعوا ذلك بعلة قوية توجب التشدد في ذلك، وهو قولهم: {وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن ديارنا وَأَبْنَائِنَا} لأن من بلغ منه العدو هذا المبلغ فالظاهر من أمره الاجتهاد في قمع عدوه ومقاتلته.
فإن قيل: المشهور أنه يقال: مالك تفعل كذا؟ ولا يقال: مالك أن تفعل كذا؟ قال تعالى: {مَالَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] وقال: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بالله} [الحديد: 8].
والجواب من وجهين: الأول: وهو قول المبرد: أن {مَا} في هذه الآية جحد لا استفهام كأنه قال: ما لنا نترك القتال، وعلى هذا الطريق يزول السؤال.
الوجه الثاني: أن نسلم أن {مَا} هاهنا بمعنى الاستفهام، ثم على هذا القول وجوه:
الأول: قال الأخفش: أن هاهنا زائدة، والمعنى: ما لنا لا نقاتل وهذا ضعيف، لأن القول بثبوت الزيادة في كلام الله خلاف الأصل.
الثاني: قال الفراء: الكلام هاهنا محمول على المعنى، لأن قولك: مالك لا تقاتل معناه ما يمنعك أن تقاتل؟ فلما ذهب إلى معنى المنع حسن إدخال أن فيه قال تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ} [ص: 75] وقال: {مالك أَن لا تَكُونَ مَعَ الساجدين} [الحجر: 32].
الثالث: قال الكسائي: معنى {وَمَا لَنَا أَن لا نقاتل} أي شيء لنا في ترك القتال؟ ثم سقطت كلمة {فِى} ورجح أبو علي الفارسي، قول الكسائي على قول الفراء، قال: وذلك لأن على قول الفراء لابد من إضمار حرف الجر، والتقدير: ما يمنعنا من أن نقاتل، إذا كان لابد من إضمار حرف الجر على القولين، ثم على قول الكسائي يبقى اللفظ مع هذا الإضمار على ظاهره، وعلى قول الفراء لا يبقى، فكان قول الكسائي لا محالة أولى وأقوى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله} جاءت واو العطف في حكاية قولهم؛ إذ كان في كلامهم ما يفيد إرادة أن يكون جوابهم عن كلامه معطوفًا على قولهم: {ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله} ما يؤدَّى مثله بواو العطف فأرادوا تأكيد رغبتهم، في تعيين ملك يدبر أمور القتال، بأنهم ينكرون كل خاطر يخطر في نفوسهم من التثبيط عن القتال، فجعلوا كلام نبيئهم بمنزلة كلام معترض في أثناء كلامهم الذي كملوه، فما يحصل به جوابهم عن شك نبيهم في ثباتهم، فكان نظم كلامهم على طريقة قوله تعالى حكاية عن الرسل: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [آل عمران: 122]، {وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا} [إبراهيم: 12].
وما اسم استفهام بمعنى أي شيء واللام للاختصاص والاستفهام إنكاري وتعجبي من قول نبيهم: {هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا} لأن شأن المتعجب منه أن يسأل عن سببه.
واسم الاستفهام في موضع الابتداء، و{لنا} خبره، ومعناه ما حصل لنا أو ما استقرَّ لنا، فاللام في قوله: {لنا} لام الاختصاص وأن حرف مصدر واستقبال، و{نقاتل} منصوب بأن، ولما كان حرف المصدر يقتضي أن يكون الفعل بعده في تأويل المصدر، فالمصدر المنسبك من أن وفعلها إما أن يجعل مجرورًا بحرف جر مقدر قبل أن مناسب لتعلق لا نقاتل بالخبر ما لنا في ألا نقاتل أي انتفاء قتالنا أو ما لنا لأَلا نقاتل أي لأجل انتفاء قتالنا، فيكون معنى الكلام إنكارهم أن يثبت لهم سبب يحملهم على تركهم القتال، أو سبب لأجل تركهم القتال، أي لا يكون لهم ذلك.
وإما أن يجعل المصدر المنسبك بدلًا من ضمير {لنا} بَدَل اشتمال، والتقدير: ما لنا لِتَرْكِنا القتال.
ومثل هذا النظم يجيء بأشكال خمسة: مثل {مالك لا تأمنا على يوسف} [يوسف: 11] {ومالي لا أعبد الذي فطرني} [يس: 22] {ما لكم كيف تحكمون} [النساء: 88] فمالك والتلدد حول نجد {فما لكم في المنافقين فئتين} [الصافات: 154]، والأكثر أن يكون ما بعد الاستفهام في موضع حال، ولكن الإعراب يختلف ومآل المعنى متحد.
وما مبتدأ ولنا خبره، والمعنى: أي شيء كان لنا.
وجملة: {ألا نُقَاتل} حال وهي قيد للاستفهام الإنكاري، أي لا يثبت لنا شيء في حالة تركنا القتال.
وهذا كنظائره في قولك: مالي لا أفعل أو مالي أفعل، فإن مصدرية مجرورة بحرف جر محذوف يقدر بفي أو لام الجر، متعلق بما تعلقَ به {لنا}.
وجملة: {وقد أخرجنا} حال معللة لوجه الإنكار، أي إنهم في هذه الحال أبعد الناس عن ترك القتال؛ لأن أسباب حب الحياة تضعف في حالة الضر والكدر بالإخراج من الديار والأبناء.
وعطف الأبناء على الديار لأن الإخراج يطلق على إبعاد الشيء من حيزه، وعلى إبعاده من بين ما يصاحبه، ولا حاجة إلى دعوى جعل الواو عاطفة عاملًا محذوفًا تقديره وأبعدنا عن أبنائنا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وقد أُخرجنا من ديارنا} يعنون: أُخرج بعضنا، وهم الذين سبوا منهم وقهروا، فظاهره العموم، ومعناه الخصوص. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ} أي فرِض عليهم {القتال تَوَلَّوْاْ} أخبر تعالى أنه لما فَرض عليهم القتال ورَأُوا الحقيقة ورجعت أفكارهم إلى مباشرة الحرب وأن نفوسهم ربما قد تذهب {تَوَلَّوْا} أي اضطربت نياتُهم وفَتَرت عزائمهم، وهذا شأن الأُمم المتنعِّمَة المائلة إلى الدَّعَة تتمنّى الحرب أوقات الأنفة فإذا حَضرتِ الحرب كَعَّت وانقادت لِطبعها.
وعن هذا المعنى نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تتمنوا لِقاء العدوّ وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا» رواه الأئمة.
ثم أخبر الله تعالى عن قليل منهم أنهم ثَبَتُوا على النية الأُولى واستمرّت عزيمتهم على القتال في سبيل الله تعالى. اهـ.