فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الحرميان وأبو عمرو والنخعي وعيسى والأعرج {نَّحِسَاتٍ} بسكون الحاء فاحتمل أن يكون مصدرًا وصف به مبالغة، واحتمل أن يكون صفة مخففًا من فعل كصعب.
وفي البحر تتبعت ما ذكره التصريفيون مما جاء صفة من فعل اللازم فلم يذكروا فيه فعلًا بسكون العين وإنما ذكروا فعلًا بالكسر كفرح وأفعل كأحور وفعلان كشبعان وفاعلًا كسالم، وهو صفة {أَيَّامٍ} وجمع بالألف والتاء لأنه صفة لما لا يعقل، والمراد بها مشائيم عليهم لما أنهم عذبوا فيها، فاليوم الواحد يوصف بالنحس والسعد بالنسبة إلى شخصية فيقال له سعد بالنسبة إلى من ينعم فيه، ويقال له نحس بالنسبة إلى من يعذب، وليس هذا مما يزعمه الناس من خصوصيات الأوقات، لكن ذكر الكرماني في مناسكه عن ابن عباس أنه قال: الأيام كلها لله تعالى لكنه سبحانه خلق بعضها نحوسًا وبعضها سعودًا، وتفسير {نَّحِسَاتٍ} بمشائيم مروى عن مجاهد. وقتادة. والسدي. وقال الضحاك: أي شديدة البرد حتى كأن البرد عذاب لهم، وأنشد الأصمعي في النحس بمعنى البرد:
كأن سلافه مزجت بنحس

وقيل: نحسات ذوات غبار، وإليه ذهب الجبائي ومنه قول الراجز:
قد اغتدى قبل طلوع الشمس ** للصيد في يوم قليل النحس

يريد قليل الغبار، وكانت هذه الأيام من آخر شباط وتسمى أيام العجوز، وكانت فيما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء، وروى ما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء، وقال السدي: أولها غداة يوم الأحد، وقال الربيع بن أنس: يوم الجمعة {لّنُذِيقَهُمْ عَذْبٌ الخزى في الحياة الدنيا} أضيف العذاب إلى الخزي وهو الذل على قصد وصفه به لقوله تعالى: {وَلَعَذَابُ الآخرة أخزى} وهو في الأرض صفة المعذب وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة، فإنه يدل على أن ذل الكافر زاد حتى اتصف به عذابه كما قرر في قولهم: شعر شاعر، وهذا في مقابلة استكبارهم وتعظمهم.
وقرئ {لتذيقهم} بالتاء على أن الفاعل ضمير الريح أو الأيام النحسات {أخزى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ} بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه.
{وَأَمَّا ثَمُودُ فهديناهم} قال ابن عباس وقتادة والسدي: أي بينا لهم، وأرادوا بذلك على ما قيل بيان طريقي الضلالة والرشد كما في قوله تعالى: {وهديناه النجدين} [البلد: 10] وهو أنسب بقوله تعالى: {فاستحبوا العمى عَلَى الهدى} أي فاختاروا الضلالة على الهدى فالظاهر في أنه بين لهم الطريقان فاختاروا أحدهما، وصرح ابن زيد بذلك فقد حكي عنه أنه قال: أي اعلمناهم الهدى من الضلال، وفسر غير واحد الهداية هنا بالدلالة أي فدللناهم على الحق بنصب الحجج وإرسال الرسل فاختاروا الضلال ولم يفسروها بالدلالة الموصلة لإباء ظاهر {فاستحبوا} إلخ عنه.
واستدل المعتزلة بهذه الآية على أن الإيمان باختيار العبد على الاستقلال بناءً على أن قوله تعالى: {هديناهم} دل على نصب الأدلة وإزاحة العلة، وقوله تعالى: {استحبوا العمى} إلخ دل على أنهم بأنفسهم آثروا العمى.
والجواب كما في الكشف أن في لفظ الاستحباب ما يشعر بأن قدرة الله تعالى هي المؤثرة وأن لقدرة العبد مدخلًا ما فإن المحبة ليست اختيارية بالاتفاق وإيثار العمى حبًا وهو الاستحباب من الاختيارية، فانظر إلى هذه الدقيقة تر العجب العجاب، وإلى نحوه أشار الإمام الداعي إلى الله تعالى قدس سره، ومعنى كون المحبة ليست اختيارية أنها بعد حصول ما تتوقف عليه من أمور اختيارية تكون بجذب الطبيعة من غير اختيار للشخص في ميل قلبه وارتباط هواه بمن يحبه، فهي نفسها غير اختيارية لكنها باعتبار مقدماتها اختيارية، ولذلك كلفنا بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي طوق الحمامة لابن سعيد أن المحبة ميل روحاني طبيعي، وإليه يشير قوله عز وجل: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189] أي يميل فجعل علة ميلها كونها منها، وهو المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: «الأرواح جنود مجندة» وتكون المحبة لأمور أخر كالحسن والإحسان والكمال، ولها آثار يطلق عليها محبة كالطاعة والتعظيم، وهذه هي التي يكلف بها لأنها اختيارية فاعرفه.
وقرأ ابن وثاب والأعمش وبكر بن حبيب {وَأَمَّا ثَمُودُ} بالرفع مصروفًا.
وقد قرأ الأعمش وابن وثاب بصرفه في جميع القرآن إلا في قوله تعالى: {وآتينا ثمود الناقة} [الإسراء: 59] لأنه في المصحف بغير ألف.
وقرأ ابن أبي إسحاق وابن هرمز بخلاف عنه والمفضل، قال ابن عطية: والأعمش وعاصم.
وروي عن ابن عباس {ثمودا} بالنصب والتنوين، وروى المفضل عن عاصم الوجهين والمنع عن الصرف للعلمية والتأنيث على إرادة القبيلة، ومن صرفه جعله اسم رجل، والنصب على جعله من باب الإضمار على شريطة التفسير، ويقدر الفعل الناصب بعده لأن أما لا يليها في الغالب إلا اسم.
وقرئ بضم الثاء على أنه جمع ثمد وهو قلة الماء فكأنهم سموا بذلك لأنهم كانوا يسكنون في الرمال بين حضرموت وصنعاء وكانوا قليلي الماء {الهدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعقة العذاب الهون} أي الذي وهو صفة للعذاب أو بدل منه، ووصفه به مصدرًا للمبالغة وكذا إضافة صاعقة إلى العذاب فيفيد ذلك أن عذابهم عين الهون وأن له صاعقة، والمراد بالصاعقة النار الخارجة من السحاب كما هو المعروف، وسبب حدوثها العادي مشهور في كتب الفلسفة القديمة وقد تكلم في ذلك أهل الفلسفة الجديدة المتداولة اليوم في بلاد الروم وما قرب منها فقالوا في كيفية انفجار الصاعقة: من المعلوم أن انطلاق الكهربائية التي في السحاب وهي قوة مخصوصة في الأجسام نحو قوة الكهرباء التي بها تجذب التبنة ونحوها إليها إنما يحصل باتحاد كهربائية الأجسام مع بعضها فإذا قرب السحاب من الأجسام الأرضية طلبت الكهربائية السحابية أن تتحد بالكهربائية الأرضية فتتبجس بينهما شرارة كهربائية فتصعق الأجسام الأرضية، وتتفاوت قوة الصاعقة باختلاف الاستحالة البخارية فليست في جميع البلاد والفصول واحدة، وأوضحوا ذلك بكلام طويل من أراده فليرجع إليه في كتبهم، وقيل: المراد بالصاعقة هنا الصيحة كما ورد في آيات أخر، ولا مانع من الجمع بينهما.
وقرأ ابن مقسم {الهوان} بفتح الهاء وألف بعد الواو {بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من اختيار الضلالة على الهدى، وهذا تصريح بما تشعر به الفاء.
{وَنَجَّيْنَا} من تلك الصاعقة {الذين ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} بسبب إيمانهم واستمرارهم على التقوى، والمراد بها تقوى الله عز وجل، وقيل: تقوى الصاعقة والمتقى عذاب الله تعالى متق لله سبحانه وليس بذاك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)} بعد أن قَرَعتهم الحجة التي لا تترك للشك مسربًا إلى النفوس بعدها في أَن الله منفرد بالإِلهية لأنه منفرد بإيجاد العوالم كلها.
وكان ثبوت الوحدانية من شأنه أن يزيل الريبة في أن القرآن منزَّل من عند الله لأنهم ما كفروا به إلا لأجل إعلانه بنفي الشريك عن الله تعالى، فلما استبان ذلك كان الشأن أن يفيئوا إلى تصديق الرسول والإِيماننِ بالقرآن، وأن يقلعوا عن إعراضهم المحكي عنهم بقوله في أول السورة {فأعرض أكْثَرُهُم فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ وَثَمُودَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرسل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ} [فصلت: 4] الخ، فلذلك جعل استمرارهم على الإِعراض بعد تلك الحجج أمرًا مفروضًا كما يُفْرَض المُحال، فجيء في جانبه بحرف إنْ الذي الأصل فيه أن يقع في الموقع الذي لا جزم فيه بحصول الشرط كقوله تعالى: {أفنضرب عنكم الذكر صفحًا إن كنتم قومًا مسرفين} [الزخرف: 5] في قراءة من قرأ بكسر همزة إنْ.
فمعنى {فَإنْ أعْرَضُوا} إن استمروا على إعراضهم بعد ما هديتهم بالدلائل البينة وكابروا فيها، فالفعل مستعمل في معنى الاستمرار كقوله: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا باللَّه ورسوله} [النساء: 136].
والإِنذار: التخويف، وهو هنا تخويف بتوقع عقاب مثل عقاب الذين شابهوهم في الإِعراض خشيةَ أن يحلّ بهم ما حل بأولئك، بناء على أن المعروف أن تجري أفعال الله على سَنن واحد، وليس هو وعيدًا لأن قريشًا لم تصبهم صاعقة مثلُ صاعقة عاد وثمود، وإن كانوا قد ساوَوْهما في التكذيب والإِعراض عن الرسل وفي التعللات التي تعللوا بها من قولهم: {لو شاء الله لأنزل ملائكة} [المؤمنون: 24] وأمهل الله قريشًا حتى آمن كثير منهم واستأصل كفارهم بعذاب خاص.
وحقيقة الصاعقة: نار تخرج مع البرق تُحرق ما تصيبه، وتقدم ذكرها في قوله تعالى: {يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق} في سورة البقرة (19).
وتطلق على الحادثة المبيرة السريعة الإهلاككِ، ولما أضيفت صاعقة هنا إلى عادٍ وثمود، وعادٌ لم تهلكهم الصاعقة وإنما أهلكهم الريح وثمودُ أهلكوا بالصاعقة فقد استُعمل الصاعقة هنا في حقيقته ومجازه، أو هو من عموم المجاوز والمقتضي لذلك على الاعتبارين قصدَ الإِيجاز، وليقع الإِجمَال ثم التفصيل بعد بقوله: {فأمَّا عَادٌ} [فصلت: 15] إلى قوله: {بما كانوا يكسبون} [فصلت: 17].
و{إذ} ظرف للماضي، والمعنى مثل صاعقتهم حين جاءتهم الرسل إلى آخر الآيات.
روى ابن إسحاق في سيرته أن عتبةَ بن ربيعة كلم النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من خلاففِ قومه فتلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم: {حم تَنزِيلٌ مِنَ الرحمنن الرَّحِيم} حتى بلغ {فَقُلْ أنذَرْتُكُمْ صاعقة} [فصلت: 1 13] الآية، فأمسَكَ عتبةُ على فم النبي وقال له: ناشدتُك الله والرحم.
وضمير {جاءتهم} عائد إلى عاد وثمود باعتبار عدد كل قبيلة منهما.
وجَمْع الرسل هنا من باب إطلاق صيغة الجمع على الاثنين مثل قوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4]، والقرينة واضحة وهو استعمالٌ غير عزيز، وإنما جاءهم رسولان هود وصالح.
وقوله: {مِن بَيْننِ أيْدِيهم ومِن خَلْفِهِم} تمثيل لحرص رسول كل منهم على هداهم بحيث لا يترك وسيلة يَتوسل بها إلى إبلاغهم الدين إلا توسل بها.
فمُثِّل ذلك بالمجيء إلى كل منهم تارة من أمامه وتارة من خلفه لا يترك له جهة، كما يفعل الحريص على تحصيل أمرٍ أَن يتطلبه ويعيد تطلبه ويستوعب مظانّ وجوده أو مظانّ سماعه، وهذا التمثيل نظير الذي في قوله تعالى حكاية عن الشيطان: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} [الأعراف: 17].
وإنما اقتصر في هذه الآية على جهتين ولم تُستوعب الجهات الأربع كما مُثل حال الشيطان في وسوسته لأن المقصود هنا تمثيل الحرص فقط وقد حصل، والمقصود في الحكاية عن الشيطان تمثيل الحرص مع التلهف تحذيرًا منه وإثارة لبُغضه في نفوس الناس.
و{أَلاَّ تعبدوا إلا الله} تفسير لِجملة {جَاءَتهُمُ الرُّسُلُ} لتضمن المجيء معنى الإبلاغ بقرينة كون فاعل المجيء متصفًا بأنهم رسُل، فتكون أَنْ تفسيرية ل {جاءتهم} بهذا التأويل كقول الشاعر:
إِنْ تحمِلا حاجة لي خفٌ مَحْمَلُها ** تَسْتَوْجبَا مِنةً عندي بها ويَدا

أَنْ تَقرَآننِ على أسماءَ ويحكما ** مني السَّلام وأن لا تُشعرا أحدا

إذ فسر الحاجة بأن يقرأ السلام على أسماء لأنه أراد بالحاجة الرسالة، وهذا جري على رأي الزمخشري والمحققين من عدم اشتراط تقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه بل الاكتفاء بتقدم ما أريد به معنى القول ولو لم يكن جملة خلافًا لما أطال به صاحب مغني اللبيب من أبحاث لا يرضاها الأريب، أو لما يتضمنه عنوان {الرسل} من إبلاغ رسالة.
{الله قَالُواْ لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لاََنزَلَ ملائكة فَإِنَّا بِمَا أرْسِلْتُمْ بِهِ} حكاية جواب عاد وثمود لرسولَيْهم فقد كان جوابًا متماثلًا لأنه ناشىء عن تفكير متماثل وهو أن تفكير الأذهان القاصرة من شأنه أن يبنَى على تصورات وهمية وأقيسة تخييلية وسفسطائية، فإنهم يتصورون صفات الله تعالى وَأفعاله على غير كنهها ويقيسونها على أحوال المخلوقات، ولذلك يتماثل في هذا حالُ أهل الجهالة كما قال تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون} [الذاريات: 52، 53]، أي بل هم متماثلون في الطغيان، أي الكفر الشديد فتملي عليهم أوهامهم قضايا متماثلة.
ولكون جوابهم جَرَى في سياق المحاورة أتتْ حكاية قولهم غير معطوفة بأسلوب المقاولة، كما تقدم قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: 30] فإن قول الرسل لهم: لا تعبدوا إلا الله قد حكي بفعل فيه دلالة على القول، وهو فعل {جاءتهم} كما تقدم آنفًا.
فقولهم: {لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنْزَلَ مَلائِكَةً} يتضمن إبطال رسالة البشر عن الله تعالى.
ومفعول {شاء} محذوف دل عليه السياق، أي لو شاء ربنا أن يرسل إلينا لأنزل ملائكة من السماء مرسَلين إلينا، وهذا حذف خاص هو غير حذف مفعول فعل المشيئة الشائع في الكلام لأن ذلك فيما إذا كان المحذوف مدلولًا عليه بجواب {لوْ} كقوله تعالى: {فلو شاء لهداكم أجمعين} [الأنعام: 149]، ونكتته الإِبهام ثم البيان، وأما الحذف في الآية فهو للاعتماد على قرينة السياق والإيجاز وهو حذف عزيز لمفعول فعل المشيئة، ونظيره قول المعري:
وإنْ شئتَ فازعُم أَنَّ مَن فوقَ ظهرها ** عَبيدُكَ واستَشْهِدْ إلهَكَ يَشْهَدِ

وتضمن كلامهم قياسًا استثنائيًا تركيبه: لو شاء ربنا أن يرسل رسولًا لأرسل ملائكة ينزلهم من السماء لكنه لم ينزل إلينا ملائكة فهو لم يشأ أن يرسل إلينا رسولًا.
وهذا إيماء إلى تكذيبهم الرسل ولهذا فرعوا عليه قولهم: {فَإنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بهِ كافرون} أي جاحدون رسالتكم وهو أيضًا كناية عن التكذيب.
{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} بعد أن حُكي عن عاد وثمود ما اشترك فيه الأمتان من الكابرة والإصرار على الكفر فصّل هنا بعض ما اختصت به كل أمة منهما من صورة الكفر، وذكر من ذلك ما له مناسبة لما حلّ بكل أمة منهما من العذاب.
والفاء تفريع على جملة {قَالُوا لَو شَاءَ رَبُّنَا لأَنْزَلَ مَلائكَةً} [فصلت: 14] المقتضية أنهم رفضوا دعوَة رسوليهم ولم يقبلوا إرشادهما واستدلالهما.
و{أَمَّا} حرف شرط وتفصيل، وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى: {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم} في سورة البقرة (26).
والمعنى: فأما عاد فمنعهم من قبول الهدى استكبارهم.
والاستكبار: المبالغة في الكبر، أي التعاظم واحتقار الناس، فالسين والتاء فيه للمبالغة مثل: استجاب، والتعريف في {الأرْض} للعهد، أي أرضهم المعهودة.
وإنما ذُكر من مساويهم الاستكبار لأن تكبرهم هو الذين صرفهم عن اتباع رسولهم وعن توقع عقاب الله.