فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما بين إهانتهم بالوزع، بين غاياتها فقال: {حتى إذا} وأكد الكلام لإنكارهم مضمونه بزيادة النافي ليكون اجتماعه مع الإثبات نفيًا للضد فيفيد غاية القوة بمضمون الخبر في تحقيقه وثباته واتصاله بالشهادة على الفور فقال: {ما جاؤوها} أي النار التي كانوا بها يكذبون {شهد عليهم} حين التكوير فيها مركومين بعضهم على بعض.
ولما كان في مقام الترهيب، وكان التفصيل أهول قال: {سمعهم} أفرده لتقارب الناس فيه {وأبصارهم} جمع لعظم التفاوت فيها {وجلودهم بما} وأثبت الكون بيانًا لأنهم كانوا مطبوعين على ما أوجب لهم النار من الأوزار فقال: {كانوا يعملون} أي يجددون عمله مستمرين عليه، فكأن هذه الأعضاء تقول في ذلك الحين إقامة للحجة البالغة: أيها الأكوان والحاضرون من الإنس والملائكة والجان، اعلموا أن صاحبي كان يعمل بي كذا وكذا مع الإصرار، فاستحق بذلك النار، وغضب الجبار- ثم يقذف به.
ولما أخبر بهذا الذي يفتت الحجارة لو علقت ساعة ما، أخبر أنه لم يفدهم الرجوع عن طبعهم الجافي وبلادتهم الكثيفة، فقال عاطفًا على ما تقديره: فلم تفدهم هذه الشهادة خجلًا من الله ولا خضوعًا في أنفسهم ولا رجوعًا عن الجدال والعناد كما لم يفدهم ذلك مجرد علم الله فيهم: {وقالوا لجلودهم} ودخل فيها ما صرح به من منافعها بها لفقد ما يدعو إلى التفصيل.
ولما فعلت فعل العقلاء خاطبوها مخاطبتهم فقالوا: {لم شهدتم علينا}.
ولما كان هذا محل عجب منهم، وكان متضمنًا لجهلهم بظنهم أنه كان لها قدرة على السكوت، وكان سؤالهم عن العلة ليس على حقيقته وإنما المراد به اللوم، أجيب من تشوف إلى الجواب بقوله معبرًا لنطقها بصيغة ما يعقل: {قالوا} معتذرين: {أنطقنا} قهرًا {الله} الذي له مجامع العز على وجه لم نقدر على التخلف عنه.
ولما كان حال الكفار دائمًا دائرًا بين غباوة وعناد، أقاموا لهم على ذلك دليلين شهوديين فقالوا: {الذي أنطق كل شيء} أي فعلًا أو قوة أو حالًا ومقالًا.
ولما كانت الأشياء كلها متساوية الأقدام في الإنطاق والإخراس وغيرهما من كل ما يمكن بالنسبة إلى قدرته سبحانه، نبهوهم على ذلك بقولهم: {وهو خلقكم أول مرة} والعلم القطعي حاصل عندكم بأنكم كنتم عدمًا ثم نطفًا لا تقبل النطق في مجاري العادات بوجه، ثم طوركم في أدوار الأطوار كذلك إلى أن أوصلكم إلى حيز الإدراك، فقسركم على النطق بحيث لو أردتم سلبه عن أنفسكم ما قدرتم.
ولما كان الخلق شيئًا واحدًا فعبر عنه بالماضي وكان الرجوع تارة بالحس وتارة بالمعنى وكان الذي بالمعنى كثير التعدد بكثرة التجدد قال: {وإليه} أي إلى غيره {ترجعون} أي في كل حين بقسركم بأيسر أمر على كل ما يريد من أول ما خلقتم إلى ما لا نهاية له، فلو كان لكم نوع علم لكفاكم ذلك واعظًا في الدنيا تعلمون به أنكم في غاية العجز، وأن له العظمة والكبر والقدرة والقهر، روى مسلم في صحيحه عن أنس رضى الله عنه قال: كنا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «هل تدرون ممّ أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، اقل: فيقول: فإني لا أجيز إلا شاهدًا مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم شهيدًا وبالكرام الكاتبين شهودًا، قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعدًا لكن وسحقًا فعنكن كنا أناضل».
ولما اعتذروا بما إخبارهم به في هذه الدنيا وعظ وتنبيه، وفي الآخرة توبيخ وتنديم، قالوا مكررين للوعظ محذرين من جميع الكون: {وما كنتم} أي بما هو لكم كالجبلة {تستترون} أي تتكفلون الستر عند المعاصي وأنتم تتوهمون، وهو مراد قتادة بقوله؛ تظنون.
{أن يشهد عليكم} بتلك المعاصي.
ولما كان المقصود الإبلاغ في الزجر، أعاد التفصيل فقال: {سمعكم} وأكد بتكرير النافي فقال: {ولا أبصاركم} جمع وأفرد لما مضى {ولا جلودكم ولكن} إنما كان استتاركم لأنكم {ظننتم} بسبب إنكاركم البعث جهلًا منكم {أن الله} الذي له جميع الكمال {لا يعلم} أي في وقت من الأوقات {كثيرًا مما تعملون} أي تجددون عمله مستمرين عليه، وهو ما كنتم تعدونه خفيًا فهذا هو الذي جرأكم على ما فعلتم، فإن كان هذا ظنكم فهو كفر، وإلا كان عملكم عمل من يظنه فهو قريب من الكفر والمؤمن حقًا من علم أن الله مطلع على سره وجهره، فلم يزل مراقبًا خائفًا هائبًا، روى الشيخان في صحيحيهما واللفظ للبخاري في كتاب التوحيد عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فأنه يسمع إذا أخفينا، فأنزل الله {وما كنتم}- الآية، قال البغوي؛ قيل: الثقفي عبد ياليل وختناه، والقرشيان: ربيعة وصفوان بن أمية.
ولما كان ذكر المعصية وما جرأ عليها يقتضي انتقاصًا يقدح في الإلهية، بين أنه الموجب للغضب فقال: {وذلكم} أي الأمر العظيم في القباحة، ثم بينه بقوله: {ظنكم} أي الفاسد، ووصفه بقوله: {الذي ظننتم بربكم} أي الذي طال إحسانه إليكم من أنه لا يعلم حالكم، ثم أخبر عنه بقوله: {أردناكم} أي تسبب عنه خاصة أنه أهلككم.
وأما معاصي الجوارح مع التوحيد والتنزيه فأمرها أسهل، والحاصل أن كل ظن كان غير مأذون فيه من الشارع فهو يردي صاحبه.
ولما كان الصباح محل رجاء الأفراح، فكان شر الأتراح ما كان فيه، قال: {فأصبحتم} أي بسبب أن ما أعطيتموه من النعم لتستنقذوا به أنفسكم من الهلاك كان سبب هلاككم {من الخاسرين} أي العريقين في الخسارة، المحكوم بخسارتهم في جميع ذلك اليوم، وصوره بأقبح صورة وهو الصباح، فالمعنى أنه إذا صار حالكم حال من أصبح كذلك لم يكن للربح وقت يتدارك فيه بخلاف ما لو وجد ذلك عن المساء فإنه كان ينتظر الصباح للسعي في الربح، ويوم القيامة لا يوم بعده يسعى فيه للربح، فينبغي للمؤمن أن يكون حال خلوته أشد ما يكون هيبة لله.
ولما كان ذلك، تسبب عنه قوله لافتًا القول عن خطابهم إيذانًا بشدة الغضب وإشارة ألى أنهم لما وصلوا إلى ما ذكر من الحال أعيا عليهم المقال، فلم يقدروا على نطق بلسان، ولا إشارة برأس ولا بنان: {فإن يصبروا} أي على ما جوزوا به فليس صبرهم بنافعهم، وهو معنى قوله: {فالنار مثوى} أي منزلًا {لهم وإن يستعتبوا} أي يطلبوا الرضى بزوال العتب وهو المؤاخذة بالذنب {فما هم من المعتبين} أي المرضيين الذين العتب عليهم ليعفي عنهم ويترك عذابهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)} واعلم أنه تعالى لما بيّن كيفية عقوبة أولئك الكفار في الدنيا أردفه بكيفية عقوبتهم في الآخرة، ليحصل منه تمام الاعتبار في الزجر والتحذير، وقرأ نافع {نَحْشُرُ} بالنون {أَعْدَاء} بالنصب أضاف الحشر إلى نفسه، والتقدير يحشر الله عزّ وجلّ أعداءه الكفار من الأولين والآخرين وحجته أنه معطوف على قوله: {وَنَجَّيْنَا} [فصلت: 18] فيحسن أن يكون على وفقه في اللفظ، ويقويه قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ المتقين} [مريم: 85] {وحشرناهم} [الكهف: 47] وأما الباقون فقرؤا على فعل ما لم يسم فاعله لأن قصة ثمود قد تمت وقوله: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ} ابتداء كلام آخر، وأيضًا الحاشرون لهم هم المأمورون بقوله: {احشروا} [الصافات: 22] وهم الملائكة، وأيضًا أن هذه القراءة موافقة لقوله: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} [فصلت: 19] وأيضًا فتقدير القراءة الأولى أن الله تعالى قال: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ أَعْدَاء الله إِلَى النار} فكان الأولى على هذا التقدير أن يقال ويوم نحشر أعداءنا إلى النار.
واعلم أنه تعالى لما ذكر أن أعداء الله يحشرون إلى النار قال: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي يحبس أولهم على آخرهم، أي يوقف سوابقهم حتى يصل إليهم تواليهم، والمقصود بيان أنهم إذا اجتمعوا سألوا عن أعمالهم.
ثم قال: {حتى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وأبصارهم وَجُلُودُهُم} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
التقدير حتى إذا جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم، وعلى هذا التقدير فكلمة {مَا} صلة، وقيل فيها فائدة زائدة وهي تأكيد أن عند مجيئهم لابد وأن تحصل هذه الشهادة كقوله: {أثم إذا ما وقع آمنتم به} [يونس: 51] أي لابد لوقت وقوعه من أن يكون وقت إيمانهم به.
المسألة الثانية:
روي أن العبد يقول يوم القيامة: يا رب العزة ألست قد وعدتني أن لا تظلمني، فيقول الله تعالى فإن لك ذلك، فيقول العبد إني لا أقبل على نفسي شاهدًا إلا من نفسي، فيختم الله على فيه وينطق أعضاءه بالأعمال التي صدرت منه، فذلك قوله: {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وأبصارهم وَجُلُودُهُم} واختلف الناس في كيفية الشهادة وفيه ثلاثة أقوال أحدها: أنه تعالى يخلق الفهم والقدرة والنطق فيها فتشهد كما يشهد الرجل على ما يعرفه والثاني: أنه تعالى يخلق في تلك الأعضاء الأصوات والحروف الدالة على تلك المعاني كما خلق الكلام في الشجرة والثالث: أن يظهر تلك الأعضاء أحوالًا تدل على صدور تلك الأعمال من ذلك الإنسان، وتلك الأمارات تسمى شهادات، كما يقال يشهد هذا العالم بتغيرات أحواله على حدوثه، واعلم أن هذه المسألة صعبة على المعتزلة أما القول الأول: فهو صعب على مذهبهم لأن البنية عندهم شرط لحصول العقل والقدرة فاللسان مع كونه لسانًا يمتنع أن يكون محلًا للعلم والعقل، فإن غير الله تعالى تلك البنية والصورة خرج عن كونه لسانًا وجلدًا، وظاهر الآية يدل على إضافة تلك الشهادة إلى السمع والبصر والجلود، فإن قلنا إن الله تعالى ما غير بنية هذه الأعضاء فحينئذ يمتنع عليها كونها ناطقة فاهمة، وأما القول الثاني: وهو أن يقال إن الله تعالى خلق هذه الأصوات والحروف في هذه الأعضاء، وهذا أيضًا باطل على أصول المعتزلة لأن مذهبهم أن المتكلم هو الذي فعل الكلام، لا ما كان موصوفًا بالكلام، فإنهم يقولون إن الله تعالى خلق الكلام في الشجرة وكان المتكلم بذلك الكلام هو الله تعالى لا الشجرة، فههنا لو قلنا إن الله خلق الأصوات والحروف في تلك الأعضاء لزم أن يكون الشاهد هو الله تعالى لا تلك، ولزم أن يكون المتكلم بذلك الكلام هو الله لا تلك الأعضاء، وظاهر القرآن يدل على أن تلك الشهادة شهادة صدرت من تلك الأعضاء لا من الله تعالى لأنه تعالى قال: {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وأبصارهم وَجُلُودُهُم} وأيضًا أنهم قالوا لتلك الأعضاء {لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا} فقالت الأعضاء {أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شَيْء} وكل هذه الآيات دالة على أن المتكلم بتلك الكلمات هي تلك الأعضاء، وأن تلك الكلمات ليست كلام الله تعالى، فهذا توجيه الإشكال على هذين القولين، وأما القول الثالث: وهو تفسير هذه الشهادة بظهور أمارات مخصوصة على هذه الأعضاء دالة على صدور تلك الأعمال منهم، فهذا عدول عن الحقيقة إلى المجاز والأصل عدمه، فهذا منتهى الكلام في هذا البحث، أما على مذهب أصحابنا فهذا الإشكال غير لازم، لأن عندنا البنية ليست شرطًا للحياة ولا للعلم ولا للقدرة، فالله تعالى قادر على خلق العقل والقدرة والنطق في كل جزء من أجزاء هذه الأعضاء، وعلى هذا التقدير فالإشكال زائل وهذه الآية يحسن التمسك بها في بيان أن البنية ليست شرطًا للحياة ولا لشيء من الصفات المشروطة بالحياة، والله أعلم.
المسألة الثالثة:
ما رأيت للمفسرين في تخصيص هذه الأعضاء الثلاثة بالذكر سببًا وفائدة، وأقول لا شك أن الحواس خمسة السمع والبصر والشم والذوق واللمس، ولا شك أن آلة اللمس هي الجلد، فالله تعالى ذكر هاهنا من الحواس وهي السمع والبصر واللمس، وأهمل ذكر نوعين وهما الذوق والشم، لأن الذوق دالخل في اللمس من بعض الوجوه، لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان والحنك مماسة لجرم الطعام، فكان هذا داخلًا فيه فبقي حس الشم وهو حس ضعيف في الإنسان، وليس لله فيه تكليف ولا أمر ولا نهي، إذا عرفت هذا فنقول نقل عن ابن عباس أنه قال المراد من شهادة الجلود شهادة الفروج قال وهذا من باب الكنايات كما قال: {ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّا} [البقرة: 235] وأراد النكاح وقال: {أَوْ جَاء مّنْكُمْ مّن الغائط} [النساء: 43] والمراد قضاء الحاجة وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أول ما يتكلم من الآدمي فخذه وكفه» وعلى هذا التقدير فتكون هذه الآية وعيدًا شديدًا في الإتيان بالزنا، لأن مقدمة الزنا إنما تحصل بالكف، ونهاية الأمر فيها إنما تحصل بالفخذ.
ثم حكى الله تعالى أنهم يقولون لتلك الأعضاء {لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شيء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ومعناه أن القادر على خلقكم وإنطاقكم في المرة الأولى حالما كنتم في الدنيا ثم على خلقكم وإنطاقكم في المرة الثانية وهي حال القيامة والبعث كيف يستبعد منه إنطاق الجوارح والأعضاء؟
ثم قال تعالى: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أبصاركم وَلاَ جُلُودُكُمْ} والمعنى إثبات أنهم كانوا يستترون عند الإقدام على الأعمال القبيحة، إلا أن استتارهم ما كان لأجل خوفهم من أن يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم وذلك لأنهم كانوا منكرين للبعث والقيامة، ولكن ذلك الاستتار لأجل أنهم كانوا يظنون أن الله لا يعلم الأعمال التي يقدمون عليها على سبيل الخفية والاستتار.
عن ابن مسعود قال: كنت مستترًا بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر على ثقفيان وقرشي فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما تقولون؟ فقال الرجلان إذا سمعنا أصواتنا سمع وإلا لم يسمع.
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ}.
ثم قال تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الذي ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ الخاسرين} وهذا نص صريح في أن من ظن بالله تعالى أنه يخرج شيء من المعلومات عن علمه فإنه يكون من الهالكين الخاسرين، قال أهل التحقيق الظن قسمان ظن حسن بالله تعالى وظن فاسد، أما الظن الحسن فهو أن يظن به الرحمة والفضل، قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله عزّ وجلّ: «أنا عند ظن عبدي بي» وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله» والظن القبيح فاسد وهو أن يظن بالله أنه يعزب عن علمه بعض هذه الأحوال، وقال قتادة: الظن نوعان ظن منج وظن مرد، فالمنج قوله: {إِنّي ظَنَنتُ أَنّي ملاق حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 20] وقوله: {الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبّهِمْ} [البقرة: 46]، وأما الظن المردي فهو قوله: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الذي ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ} قال صاحب الكشاف {وذلكم} رفع بالابتداء {وظنكم} و{أَرْدَاكُمْ} خبران ويجوز أن يكون ظنكم بدلًا من ذلاكم وأرداكم الخبر.
ثم قال: {فَإِن يَصْبِرُواْ فالنار مَثْوًى لَّهُمْ} يعني إن أمسكوا عن الاستغاثة لفرج ينتظرونه لم يجدوا ذلك وتكون النار مثوى لهم أي مقامًا لهم {وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مّنَ المعتبين} أي لم يعطوا العتبى ولم يجابوا إليها، ونظيره قوله تعالى: {أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} [إبراهيم: 21] وقرئ وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين أي أن يسألوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون أي لا سبيل لهم إلى ذلك. اهـ.