فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {فإن أعرضوا} يعني هؤلاء المشركين عن الإيمان بعد هذا البيان {فقل أنذرتكم} أي خوفتكم {صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} أي هلاكًا مثل هلاكهم والصاعقة المهلكة من كل شيء {إذ جاءتهم الرسل} يعني إلى عاد وثمود {من بين أيديهم} يعني الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم {ومن خلفهم} يعني ومن بعد الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم وهم الرسل الذين أرسلوا إليهم وهما هود وصالح وإنما خص هاتين القبيلتين لأن قريشًا كانوا يمرون على بلادهم {أن لا} أي بأن لا {تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة} يعني لو شاء ربنا دعوة الخلق لأنزل ملائكة بدل هؤلاء الرسل {فإنا بما أرسلتم به كافرون} روى البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد الله قال: قال الملأ من قريش وأبو جهل قد التبس علينا أمر محمد فلو التمستم رجلًا عالمًا بالشعر والكهانة والسحر فأتاه فكلمه ثم أتينا ببيان من أمره، فقال عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علمًا وما يخفى عليّ إن كان كذلك، فأتاه فلما خرج إليه قال: يا محمد أنت خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد الله فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا فإن كان ما بك للرياسة عقدنا لك ألويتنا فكنت رئيسًا ما بقيت وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختارهن من أي بنات قريش وإن كان بك المال جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم فلما فرغ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته} إلى قوله تعالى: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش واحتبس عنهم فقال أبو جهل يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته فانطلقوا بنا إليه فانطلقوا إليه فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك طعامه فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب عتبة وأقسم لا يكلم محمدًا أبدًا وقال: والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالًا ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، وقرأ السورة إلى قوله تعالى: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب وقال محمد بن كعب القرظي: حدثت أن عتبة بن ربيعة كان سيدًا حليمًا قال يومًا وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده في المسجد يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل منا بعضها فنعطيه ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون قالوا بلى يا أبا الوليد فقم إليه وكلمه فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة والمكانة في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت جماعتهم وسفهت أحلامهم وعيبت آلهتهم وكفرت من مضى من آبائهم فاستمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها فقال صلى الله عليه وسلم «قل يا أبا الوليد» فقال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون من أكثرنا مالًا وإن كنت تريد شرفًا سودناك علينا وإن كان هذا الذي بك رئيًا تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب أو لعل هذا شعر جاش به صدرك فنعذرك فإنكم لعمري بني عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه أحد حتى إذا فرغ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاستمع مني، قال: فافعل، فقال: {بسم الله الرحمن الرحيم} قوله: {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة} وذلك أن هودًا هددهم بالعذاب فقالوا نحن نقدر على دفع العذاب عنا بفضل قوتنا وكانوا ذوي أجسام طوال قال الله تعالى ردًا عليهم {أولم يروا} أي أو لم يعلموا {أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا} أي عاصفًا شديد الصوت وقيل هي الريح الباردة فقيل إن الريح ثمانية، فأربع منها عذاب وهي الريح الصرصر والعاصف والقاصف والعقيم وأربع منها رحمة وهي الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات قيل أرسل عليهم من الريح على قدر خرق الخاتم فأهلكوا جميعًا {في أيام نحسات} أي نكدات مشؤومات ذات نحس وقيل ذات غبار وتراب ثائر لا يكاد يبصر فيه وقيل أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين ودأبت عليهم الريح من غير مطر {لنذيقهم عذاب الخزي} أي عذاب الذل والهوان وذلك مقابل لقوله: {فاستكبروا في الأرض بغير الحق} {في الحياة الدنيا} أي ذلك الذي نزل بهم من الخزي والهوان في الحياة الدنيا {ولعذاب الآخرة أخزى} أي أشد إهانة {وهم لا ينصرون} أي لا يمنعون من العذاب.
{وأما ثمود فهديناهم} قال ابن عباس بينا لهم سبيل الهدى وقيل دللناهم على الخير والشر {فاستحبوا العمى على الهدى} أي اختاروا الكفر على الإيمان {فأخذتهم صاعقة العذاب الهون} أي ذي الهوان {بما كانوا يكسبون} أي من الشرك.
{ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} أي يتقون الشرك والأعمال الخبيثة وهم صالح ومن آمن معه من قومه.
قوله تعالى: {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون} أي يساقون ويدفعون وقيل يحبس أولهم حتى يلحق آخرهم {حتى إذا ما جاؤوها} يعني النار {شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم} أي بشراتهم وقيل فروجهم {بما كانوا يعملون} معناه أن الجوارح تنطق بما كتمت الألسن من عملهم م عن أنس رضي الله تعالى عنه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: «هل تدرون مم أضحك قلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم، قال فيقول بلى فيقول فإني لا أجيز اليوم على نفسي إلا شاهدًا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا وبالكرام الكاتبين عليك شهودًا قال فيختم على فيه ويقال لأعضائه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدًا لكنَّ وسحقًا فعنكن كنت أناضل» {وقالوا} يعني الكفار الذين يجرون إلى النار {لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} معناه أن القادر الذي خلقكم أول مرة في الدنيا وأنطقكم ثم أعادكم بعد الموت قادر على إنطاق الأعضاء والجوارح وهو قوله تعالى: {وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون} وقيل تم الكلام عند قوله: {الذي أنطق كل شيء} ثم ابتدأ بقوله: {وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون} وقيل إنه ليس من جواب الجلود {وما كنتم تستترون} أي تستخفون وقيل معناه تظنون {أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} والمعنى أنكم لا تقدرون على الاستخفاء من جوارحكم ولا تظنون أنها تشهد عليكم {ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون} قال ابن عباس: كان الكفار يقولون إن الله لا يعلم ما في أنفسنا ولكنه يعلم ما يظهر ق.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فقال أحدهم أترون أن الله تعالى يسمع ما نقول قال الآخر يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إن أخفينا وقال الآخر إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا فأنزل الله تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون} قيل الثقفي هو عبد ياليل وختناه القرشيان ربيعة وصفوان بن أمية.
قوله تعالى: {وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم} أي ظنكم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون {أرداكم} أي أهلككم قال ابن عباس طرحكم في النار {فأصبحتم من الخاسرين} ثم أخبر عن حالهم بقوله بقوله تعالى: {فإن يصبروا فالنار مثوى لهم} أي مسكن {وإن يستعتبوا} أي يسترضوا ويطلبوا العتبى والمعتب هو الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل {فما هم من المعتبين} أي المرضيين. اهـ.

.قال ابن جزي:

{فُصِّلَتْ} أي بينت وقيل قطعت إلى سورة وآيات {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} منصوب بفعل مضمر على التخصيص أو حال أو مصدر {لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} معناه يعلمون الأشياء ويعقلون الدلائل إذا نظروا فيها، وذلك هو العلم الذي يوجب التكليف وقيل: معناه يعلمون الحق والإيمان والأول عام وهذا خاص، والأول أولى لقوله: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} لأن الإعراض ليس من صفة المؤمنين، وقيل: يعلمون لسان العرب فيفهمون القرآن إذ هو بلغتهم، وقوله: {لِّقَوْمٍ} يتعلق بتنزيل أو فصلت والأحسن أن يكون صفة لكتاب {فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} أي لا يقبلون ولا يطيعون، وعبّر عن ذلك بعدم السماع على وجه المبالغة.
{في أَكِنَّةٍ} جمع كنان وهو الغطاء، {وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} عبارة عن بعدهم عن الإسلام {فاعمل إِنَّنَا عَامِلُونَ} قيل: معناه اعمل على دينك، وإننا عاملون على ديننا فهي متاركة، وقيل: اعمل في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك، فهو تهديد.
{الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ بالآخرة} هي زكاة المال، وإنما خصها بالذكر لصعوبتها على الناس، ولأنها من أركان الإسلام، وقيل: يعني بالزكاة التوحيد، وهذا بعيد. وإنما حمله على ذلك لأن الآيات مكية. لم تفرض الزكاة إلا بالمدينة، والجواب أن المراد النفقة في طاعة الله مطلقًا، وقد كانت مأمورًا بها بمكة.
{أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي غير مقطوع من قولك، مننت الحبل إذا قطعته وقيل: غير منقوص وقيل: غير محصور، وقيل: لا يمن عليهم به لأن المن يكدر الإحسان.
{أَندَادًا} أي أمثالًا وأشباهًا من الأصنام وغيرها.
{رَوَاسِيَ} يعني الجبال {وَبَارَكَ فِيهَا} أكثر خيرها {وَقَدَّرَ فِيهَا أقْوَاتَهَا} أي أرزاق أهلها ومعاشهم وقيل: يعني أقوات الأرض من المعادن وغيرها من الأشياء التي بها قوام الأرض، والأول أظهر {في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} يريد أن الأربعة كملت باليومين الأولين، فخلق الأرض في يومين وجعل فيها ما ذكر في يومين، فتلك أربعة أيام وخلق السموات في يومين فتلك ستة أيام حسبما ذكر في مواضع كثيرة، ولو كانت هذه الأربعة الأيام زيادة على اليومين المذكورين قبلها لكانت الجملة ثماينة أيام، بخلاف ما ذكر في المواضع الكثيرة {سَوَاءً} بالنصب مصدر تقديره: استوت استواء قاله الزمخشري، وقال ابن عطية انتصب على الحال للسائلين قيل: معناه لمن سأل عن أمرها، وقيل: معناه للطالبين لها، ويعني بالطلب على هذا حاجة الخلق إليها، وحرف الجر يتعلق بمحذوف على القول الأول تقديره: يبين ذلك لمن سأل عنه ويتعلق بقدّر على القول الثاني.
{ثُمَّ استوى إِلَى السماء} أي قصد إليها، ويقتضي هذا الترتيب: أن الأرض خلقت قبل اسماء، فإن قيل: كيف الجمع بين ذلك وبين قوله: {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النزاعات: 30] فالجواب لأنها خلقت قبل السماء ثم دحيت بعد ذلك {وَهِيَ دُخَانٌ} روي أنه كان العرش على الماء، فأخرج إليه من الماء دخان فارتفع فوق الماء فأيبس الماء فصار أرضًا، ثم خلق السموات من الدخان المرتفع {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} هذه عبارة عن لزوم طاعتها، كما يقول الملك لمن تحت يده: افعل كذا شئت أو أبيت، أي: لابد لك من فعله، وقيل: تقديره ائتيا طوعًا وإلا أتيتما كرهًا، ومعنى هذا الإتيان تصويرهما على الكيفية التي أرادها الله، وقوله لهما {أَتَيْنَا} مجاز، وهو عبارة عن تكوينه لهما وكذلك قولهما: أتينا طائعين عبارة عن أنهما لم يمتنعا عليه حين أراد تكوينهما، وقيل: بل ذلك حقيقة وأنطق الله الأرض والسماء بقولهما: {أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} وإنما جمع طائعين جمع العقلاء لوصفهما بأوصاف العقلاء {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات} أي صنعهنّ والضمير للسموات السبع، وانتصابها على التمييز تفسيرًا للضمير، وأعاد عليها ضمير الجماعة المؤنثة لأنها لا تعقل، فهو كقولك: الجذوع انكسرت، وجمعهما جمع المفكر العاقل في قوله: {طَآئِعِينَ}، لأنه وصفهما بالطوع، وهو فعل العقلاء فعاملهما معاملتهم فهو كقوله في [سورة يوسف: 4]: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} وأعاد ضمير التثنية في قوله: {قَالَتَا أتَيْنَا} لأنه جعل الأرض فرقة والسماء أخرى {وأوحى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} أي أوحى إلى سكانها من الملائكة، وإليها نفسها ما شاء من الأمور، التي بها قوامها وصلاحها، وأضاف الأمر إليها لأنه فيها {وَزَيَّنَّا السماء الدنيا بِمَصَابِيحَ} يعني الشمس والقمر والنجوم، وهي زينة للسماء الدنيا سواء كانت فيها أو فيما فوقها من السموات {وَحِفْظًا} تقديره: وحفظناها حفظًا ويجوز أن يكون مفعولًا من أجله، على المعنى كأنه قال: وخلقنا المصابيح زينة وحفظًا.
{فَإِنْ أَعْرَضُواْ} الضمير لقريش {صَاعِقَةً} يعني واقعة واحدة شديدة، وهي مستعارة من صاعقة النار، وقرئ {صعقة} بإسكان العين وهي الواقعة من قولك صعق الرجل {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرسل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} معنى ما بين الأيدي المتقدم، ومعنى ما خلف المتأخر، فمعنى الآية: أن الرسل جاؤوهم في الزمان المتقدم، واتصلت نذارتهم إلى زمان عاد وثمود، حتى قامت عليهم الحجة بذلك من بين أيديهم، ثم جاءتهم رسل آخرون عند اكتمال أعمارهم، فذلك من خلفهم، قال ابن عطية وقال الزمخشري: معناه أتوهم من كل جانب، فهو عبارة عن اجتهادهم في التبليغ إليهم، وقيل: أخبروهم بما أصاب مَنْ قبلهم، فذلك ما بين أيديهم، وأنذرهم ما يجري عليهم في الزمان المستقبل وفي الآخرة فذلك {إِوَمِنْ خَلْفِهِمْ} {أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله} أنْ حرف عبارة وتفسير أو مصدرية على تقدير بأن لا تعبدوا إلا الله {فَإِنَّا بِمَا أرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} ليس فيه اعتراف الكفار بالرسالة، وإنما معناه بما أرسلتم على قولكم ودعواكم، وفيه تهكم.
{رِيحًا صَرْصَرًا} قيل: إنه من الصرّ وهو شدة البرد فمعناه باردة وقيل: إنه من قولك: صرصر إذا صوت فمعناه لها صوت هائل في أيام نحسات معناه من النحس وهو ضد السعد وقيل شديدة البرد وقيل: متتابعة والأول أرجح، وروي أنها كانت آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء وقرئ {نحسات} بإسكان الحاء وكسرها فأما الكسر فهو جمع نحس وهو صفة وأما الإسكان فتخفيف من الكسر على وزن فعل أو وصف بالمصدر.
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُ} أي بينا لهم فهو بمعنى البيان، لا بمعنى الإرشاد.
{فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي يدفعون بعنف {وَجُلُودُهُم} يعني الجلود المعروفة، وقيل: هو كناية عن الفروج والأول أظهر {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ} الآيات يحتمل أن تكون من كلام الجلود، أو من كلام الله تعالى أو الملائكة، وفي معناه وجهان: أحدهما لم تقدروا أن تستتروا من سمعكم وأبصاركم وجلودكم، لأنها ملازمة لكم، فلم يمكنكم احتراس من ذلك فشهدت عليكم، والآخر لم تتحفظوا من شهادة سمعكم وأبصاركم وجلودكم، لأنكم لم تبالوا بشهادتها، ولم تظنوا أنها تشهد عليكم، وإنما استترتم لأنكم ظننتم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون، وهذا أرجح لاتّساق ما بعده معه، ولما جاء في الحديث الصحيح عن ابن مسعود: أنه قال اجتمع ثلاثة نفر قرشيان وثقفي، قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم، فتحدثوا بحديث فقال أحدهم: أترى الله يسمع ما قلنا: قال الآخر نه يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إذا أخفينا فقال الآخر: إن كان يسمع منا شيئًا فإنه يسمعه كله فنزلت الآية {أَرْدَاكُمْ} أي أهلككم؛ من الردى بمعنى الهلاك {وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ المعتبين} هو من العتب بمعنى الرضا أي: إن طلبوا العتبى ليس فيهم من يعطاها. اهـ.