فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي رواية لمحمد بن كعب أنه قال: إني سمعت قرآنًا والله ما سمعت بمثله قط ما هو شعر ولا سحر ولا كهانة يا معشر قريش أطيعوني، خلوا بينكم وبين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه والله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظفر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وأنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا لوليد بلسانه قال: هذا رأي لكم فاصنعوا ما بدا لكم.
ولما جمعهم الله فيما اجتمعوا فيه حتى كأنهم تواصوا به، فصّلهم وفصّل ما اختلفوا فيه فقال مسببًا عما مضى من مقالاتهم: {فأما عاد} أي: قوم هود عليه السلام {فاستكبروا} أي: طلبوا الكبر وأوجدوه {في الأرض} أي: كلها التي كانوا فيها بالفعل وغيرها بالقوة أو في الكل بالفعل لكونهم ملكوها كلها، ثم بين كبرهم أنه {بغير الحق} أي: الذي لم يطابق الواقع، ثم ذكر تعالى سبب الاستكبار بقوله تعالى: {وقالوا من أشد منا قوة} وذلك أن هودًا عليه السلام هددهم بالعذاب، فقالوا: نحن نقدر على دفع العذاب بفضل قوتنا، وكانوا ذوي أجسام طوال طول الطويل منهم أربعمائة ذراع كما سيأتي في سورة الفجر، قال الله تعالى ردًا عليهم: {أولم يروا} أي: يعلموا علمًا هو كالمشاهدة {أن الله} أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا {الذي خلقهم} ولم يكونوا شيئًا {هو أشد منهم قوة} ومن علم أن غيره أقوى منه وكان عاقلًا انقاد له فيما ينفعه ولا يضره، وقوله تعالى: {وكانوا بآياتنا يجحدون} أي: يعرفون أنها حق وينكرونها، عطف على فاستكبروا.
{فأرسلنا} أي: بسبب ذلك على مالنا من العظمة {عليهم ريحًا} أي: عظيمة {صرصرًا} أي: شديد البرد والصوت والعصوف حتى كانت تجهد البدن ببردها فتكون كأنها تصره أي: تجمعه في موضع واحد فتمنعه التصرف بقوتها وتقطع القلب بصوتها فتقهر شجاعته وتمحق بشدة بردها كل ما مرت عليه، وقوله تعالى: {في أيام نحسات} أي: مشؤومات جمع نحسة، وقرأ ابن عامر والكوفيون بكسر الحاء من نحس، نحسًا نقيض سعد سعدًا فهو نحس والباقون بسكونها فهو إما مخفف نحس أو صفة على فعل أو وصف بمصدر قال الضحاك: أمسك الله تعالى عنهم المطر ثلاث سنين وكانت الريح عليهم من غير مطر، روي أن الأيام كانت آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء قال البيضاوي: وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء.
وعن عبد الله بن عباس أنه قال: الرياح ثمان: أربع منها عذاب: وهي العاصفة والصرصر والعقيم والقاصف، وأربع منها رحمة: وهي المبشرات والناشرات والمرسلات والذاريات، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى ما أرسل على عاد من الريح إلا قدر خاتمي، وفعلنا ذلك بهم {لنذيقهم عذاب الخزي} أي: الذل والهوان {في الحياة الدنيا} كما استكبروا في الأرض بغير الحق فيذبلوا عند من تعظموا عليه في الدار التي اغتروا بها فتعظموا فيها، فإن ذلك أدل على القدرة عند من تقيد بالوهم {ولعذاب الآخرة} أي: الذي أعد للمتكبرين في الآخرة بغير الحق {أخزى} أي: أشد إهانة، وهو في الأصل صفة المعذب، وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة {وهم لا ينصرون} أي: لا يوجد ولا يتجدد لهم نصر أبدًا بوجه من الوجوه.
ولما أنهى تعالى أمر صاعقة عاد، شرع في بيان صاعقة ثمود فقال تعالى: {وأما ثمود} وهم قوم صالح عليه السلام {فهديناهم} أي: بينا لهم طريق الهدى من أنا قادرون على البعث وعلى كل شيء فلا شريك لنا، وكان بيان ذلك بالناقة غاية البيان فأبصروا ذلك بأبصارهم التي هي سبب إبصار بصائرهم غاية الإبصار، فكرهوا ذلك لما يلزمه من تركهم طريق آبائهم وأقبلوا على لزوم طريق آبائهم {فاستحبوا} أي: اختاروا {العمى} أي: الكفر {على الهدى} أي: الإيمان، قال القشيري قيل: إنهم آمنوا وصدقوا ثم ارتدوا وكذبوا فأجراهم مجرى إخوانهم في الاستبدال.
فإن قيل: أليس معنى هديته حصلت فيه الهدى والدليل عليه قولك: هديته فاهتدى، وبمعنى تحصيل البغية وحصولها كما تقول ردعته فارتدع، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجردة؟
أجيب: بأنه لما مكنهم وأزاح عللهم ولم يبق لهم عذرًا ولا علة فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها.
{فأخذتهم صاعقة العذاب} أي: بسبب ذلك أخذ قهر وهوان {الهون} أي: ذي الهوان وهو الذي يهينهم {بما كانوا} أي: دائمًا {يكسبون} أي: من شركهم وتكذيبهم صالحًا عليه السلام.
ولما أنهى الله تعالى الخبر عن الكافرين من الفريقين أتبعه الخبر عن مؤمنيهم بشارة لمن اتبع النبي صلى الله عليه وسلم ونذارة لمن صد عنه فقال تعالى: {ونجينا} أي: تنجية عظيمة بما لنا من القدرة {الذين آمنوا} أي: أوجدوا هذا الوصف من الفريقين {وكانوا} أي: كونًا عظيمًا {يتقون} أي: يتجدد لهم هذا الوصف في كل حركة وسكون فلا يقدمون على شيء بغير دليل، فإن قيل: كيف يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن ينذر قومه مثل صاعقة عاد وثمود مع العلم بأن ذلك لا يقع في أمته، وقد صرح تعالى بذلك فقال عز من قائل: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} (الأنفال: 33) وجاء في الحديث الصحيح «أن الله تعالى رفع عن هذه الأمة هذه الأنواع؟».
أجيب: بأنهم لما عرفوا كونهم مشاركين لعاد وثمود في الكفر عرفوا كونهم مشاركين لعاد وثمود في استحقاق مثل تلك الصاعقة، وأن السبب الموجب للعذاب واحد وربما يكون العذاب النازل من جنس ذلك العذاب وإن كان أقل درجة وهذا القدر يكفي في التخويف.
ولما بين تعالى كيفية عقوبة أولئك الكفار في الدنيا أردفه ببيان كيفية عقوبتهم في الآخرة ليحصل تمام الاعتبار في الزجر والتحذير فقال تعالى: {ويوم} أي: واذكر يوم {يحشر} أي: يجمع بكره بأمر قاهر لا كلفة فيه {أعداء الله} أي: الملك الأعظم {إلى النار} وقرأ نافع بنون مفتوحة وضم الشين ونصب {أعداء} على البناء للفاعل وهو الله تعالى، والباقون بياء الغيبة مضمومة وفتح الشين على البناء للمفعول ورفع أعداء لقيامه مقام الفاعل، وجه الأول أنه معطوف على نجينا فحسن أن يكون على وفقه في اللفظ، ووجه الثاني موافقة قوله تعالى: {فهم} أي: بسبب حشرهم {يوزعون} أي: يساقون ويدفعون إلى النار، وقال قتادة: يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا أي: يوقف سوابقهم حتى تصل إليهم.
ولما بين تعالى إهانتهم بالوزع بين غايتها بقوله تعالى: {حتى إذا ما جاؤوها} أي: النار التي كانوا بها يكذبون، فما زائدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور، كما قال تعالى: {شهد عليهم} وبين الشاهد وعدده بقوله تعالى: {سمعهم} وأفرد السمع لعدم تفاوت الناس فيه {وأبصارهم} وجمعها لعظم تفاوت الناس فيها {وجلودهم بما كانوا يعملون} أي: يجددون عمله مستمرين عليه.
تنبيه:
في كيفية تلك الشهادة ثلاثة أقوال؛ أولها: أن الله تعالى يخلق الفهم والقدرة والنطق فيها فتشهد كما يشهد الرجل على ما يعرفه، ثانيها: أنه تعالى يخلق في تلك الأعضاء الأصوات والحروف الدالة على تلك المعاني، ثالثها: أن يظهر في تلك الأعضاء أحوالًا تدل على صدور تلك الأعمال من ذلك الإنسان وتلك الأمارات تسمى شهادات كما يقال يشهد هذا العالم بتغيرات أحواله على حدوثه.
فإن قيل: ما السبب في تخصيص هذه الأعضاء الثلاثة بالذكر مع أن الحواس خمسة وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس؟
أجيب: بأن الذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان مماسة لجرم الطعام، وكذلك الشم لا يتأتى حتى يصير جلدة الأنف مماسة لجرم المشموم فكانا داخلين في جنس اللمس، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد من شهادة الجلود شهادة الفروج وهو من باب الكنايات كما قال تعالى: {لا تواعدوهن سرًا} (البقرة: 235) وأراد النكاح وقال تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط} (النساء: 43) والمراد قضاء الحاجة وقال صلى الله عليه وسلم «أول ما يتكلم من الآدمي فخذه وكفه» وعلى هذا التقدير تكون الآية وعيدًا شديدًا في إتيان الزنا لأن مقدمة الزنا إنما تحصل بالفخذ، وقال مقاتل: تنطق جوارحهم بما كتمت الأنفس من عملهم وعن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: «هل تدرون مم أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه فيقول يا رب ألم تجرني من الظلم فيقول: بلى قال فيقول فإني لا أجيز اليوم على نفسي إلا شاهدًا مني قال فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا وبالكرام الكاتبين عليك شهودًا قال فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول بعدًا لَكُنَّ وسحقًا فعنكنَّ كنت أناضل».
{وقالوا} أي: الكفار الذين يحشرون إلى النار {لجلودهم} مخاطبين لها مخاطبة العقلاء لما فعلت فعل العقلاء {لم شهدتم علينا} مع أنا كنا نحاجج عنكم {قالوا} مجيبين لهم معتذرين {أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} أراد نطقه على وجه لم يقدر على التخلف عنه فليس بعجب من قدرة الله الذي له مجامع العز {وهو خلقكم أول مرة} والعلم القطعي حاصل عندكم بأنكم كنتم عدمًا ثم نطفًا لا تقبل النطق في مجاري العادات بوجه، ثم طوركم في أدوار الأطوار كذلك إلى أن أوصلكم إلى حيز الإدراك فقسركم على النطق بحيث لو أردتم سلبه عن أنفسكم ما قدرتم {وإليه} لا إلى غيره {ترجعون} فينبئكم بما كنتم تعملون.
تنبيه:
اختلف في قوله تعالى: {وهو خلقكم} الآية فقيل: هو من كلام الجلود وقيل: هو من كلام الله تعالى كالذي بعده وموقعه تقريب ما قبله بأن القادر على إنشائكم ابتداءً وعلى إعادتكم بعد الموت أحياءً قادر على إنطاق جلودكم وأعضائكم.
{وما كنتم تستترون} أي: عند ارتكابكم الفواحش خفية {أن يشهد عليكم سمعكم} وأكد بتكرير النافي فقال: {ولا أبصاركم} جمع وأفرد لما مضى {ولا جلودكم} والمعنى: أنكم تستترون بالحيطان والحجب عند ارتكاب الفواحش وما كان استتاركم ذلك خيفة أن تشهد عليكم جوارحكم لأنكم كنتم غير عالمين بشهادتها عليكم بل كنتم جاحدين بالبعث جهلًا منكم {ولكن} إنما استتاركم لأنكم {ظننتم} بسبب إنكار البعث جهلًا منكم {أن الله} الذي له جميع صفات الكمال {لا يعلم} أي: في وقت من الأوقات {كثيرًا مما تعملون} وهو الخفيات من أعمالكم.
روي عن ابن مسعود قال: كنت مستترًا بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر، ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم، فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما نقول فقال الآخر: يسمع إن جهرنا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا يسمع إذا أخفينا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {وما كنتم تستترون} الآية قيل: الثقفي عبد يا ليل وختناه القرشيان ربيعة وصفوان بن أمية وقوله تعالى: {وذلكم} إشارة إلى ظنهم هذا وهو مبتدأ وقوله تعالى: {ظنكم} بدل منه، وقوله تعالى: {الذي ظننتم بربكم} نعت البدل والخبر {أرداكم} أي: أهلككم، وفي هذا تنبيه على أن من حق المؤمن أن لا يذهب عنه ولا يزول عن ذهنه أن عليه من الله تعالى عينًا كالئة ورقيبًا مهيمنًا حتى يكون في أوقاته وخلواته من ربه أهيب وأحسن احتشامًا وأوفر تحفظًا وتصورًا منه مع الملأ، ولا ينبسط في سره مراقبة من التشبه بهؤلاء الظانين.
ولما كان الصباح محل رجاء للإفراج فكان شر الإتراح ما كان فيه، قال تعالى: {فأصبحتم} أي: بسبب ما أعطيتموه من النعم لتستنقذوا أنفسكم به من الهلاك، كان سبب هلاككم {من الخاسرين} أي: العريقين في الخسارة المحكوم بخسارتهم في جميع ذلك اليوم.
قال المحققون: الظن قسمان أحدهما: حسن، والآخر: فاسد، فالحسن، أن يظن بالله تعالى الرحمة والفضل والإحسان قال صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي». وقال صلى الله عليه وسلم «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله».
والظن الفاسد أن يظن أن الله تعالى يعزب عن علمه بعض هذه الأحوال. وقال قتادة: الظن نوعان: منجي ومردي، فالمنجي: قوله: {إني ظننت أني ملاق حسابيه} (الحاقة: 20) وقوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون} (البقرة: 46) والمردي: هو قوله تعالى: {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرادكم}.
{فإن يصبروا فالنار مثوىً} أي: منزل {لهم} أي: إن أمسكوا عن الاستغاثة لفرج ينتظرونه لم يجدوا ذلك وتكون النار مقامًا لهم {وإن يستعتبوا} أي: يسألوا العتبى وهو، الرجوع لهم إلى ما يحبون جزعًا مما هم فيه {فما هم من المعتبين} أي: المجابين إليها، ونحوه قوله عز وجل: {أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص}. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} لما ذكر سبحانه عادًا، وثمود إجمالًا ذكر ما يختص بكل طائفة من الطائفتين تفصيلًا، فقال: {فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا في الأرض بِغَيْرِ الحق} أي: تكبروا عن الإيمان بالله، وتصديق رسله، واستعلوا على من في الأرض بغير الحق، أي: بغير استحقاق ذلك الذي وقع منهم من التكبر، والتجبر.
ثم ذكر سبحانه بعض ما صدر عنهم من الأقوال الدالة على الاستكبار، فقال: {وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}، وكانوا ذوي أجسام طوال، وقوّة شديدة، فاغترّوا بأجسامهم حين تهدّدهم هود بالعذاب، ومرادهم بهذا القول: أنهم قادرون على دفع ما ينزل بهم من العذاب، فردّ الله عليهم بقوله: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}، والاستفهام للاستنكار عليهم، وللتوبيخ لهم، أي: أو لم يعلموا بأن الله أشد منهم قدرة، فهو قادر على أن ينزل بهم من أنواع عقابه ما شاء بقوله كن، فيكون {وَكَانُواْ بئاياتنا يَجْحَدُونَ} أي: بمعجزات الرسل التي خصهم الله بها، وجعلها دليلًا على نبوّتهم، أو بآياتنا التي أنزلناها على رسلنا، أو بآياتنا التكوينية التي نصبناها لهم، وجعلناها حجة عليهم، أو بجميع ذلك.
ثم ذكر سبحانه ما أنزل عليهم من عذابه، فقال: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} الصرصر: الريح الشديدة الصوت من الصرّة، وهي: الصيحة.
قال أبو عبيدة: معنى صرصر: شديدة عاصفة.
وقال الفراء: هي: الباردة تحرق كما تحرق النار.
وقال عكرمة، وسعيد بن جبير، وقتادة: هي: الباردة، وأنشد قطرب قول الحطيئة:
المطعمون إذا هبت بصرصرة ** والحاملون إذا استودوا عن الناس

أي: إذا سئلوا الدية.
وقال مجاهد: هي: الشديدة السموم، والأولى تفسيرها بالبرد، لأن الصرّ في كلام العرب البرد، ومنه قول الشاعر:
لها غرد كقرون النسا ** ء ركبن في يوم ريح وصر

قال ابن السكيت: صرصر يجوز أن يكون من الصرّ، وهو: البرد، ويجوز أن يكون من صرصر الباب، ومن الصرة وهي: الصيحة، ومنه: {فَأَقْبَلَتِ امرأته في صَرَّةٍ} [الذاريات: 29].
ثم بيّن سبحانه وقت نزول ذلك العذاب عليهم، فقال: {فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} أي: مشئومات ذوات نحوس.