فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال مجاهد، وقتادة: كنّ آخر شوّال من يوم الأربعاء إلى يوم الأربعاء، وذلك سبع ليال، وثمانية أيام حسومًا.
وقيل: نحسات باردات.
وقيل: متتابعات.
وقيل: شداد.
وقيل: ذوات غبار.
قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو: {نحسات} بإسكان الحاء على أنه جمع نحس، وقرأ الباقون بكسرها، واختار أبو حاتم القراءة الأولى لقوله: {فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرّ} [القمر: 19] واختار أبو عبيدة القراءة الثانية.
{لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخزى في الحياة الدنيا} أي: لكي نذيقهم، والخزي هو: الذل، والهوان بسبب ذلك الاستكبار {وَلَعَذَابُ الأخرة أخزى} أي: أشدّ إهانة، وذلًا، ووصف العذاب بذلك، وهو في الحقيقة وصف للمعذبين، لأنهم الذين صاروا متصفين بالخزي {وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ} أي: لا يمنعون من العذاب النازل بهم، ولا يدفعه عنهم دافع.
ثم ذكر حال الطائفة الأخرى، فقال: {وَأَمَّا ثَمُودُ فهديناهم} أي: بينا لهم سبيل النجاة، ودللناهم على طريق الحقّ بإرسال الرسل إليهم، ونصب الدلالات لهم من مخلوقات الله، فإنها توجب على كل عاقل أن يؤمن بالله، ويصدّق رسله.
قال الفراء: معنى الآية: دللناهم على مذهب الخير بإرسال الرسل.
قرأ الجمهور: {وأما ثمود} بالرفع، ومنع الصرف.
وقرأ الأعمش، وابن وثاب بالرفع، والصرف، وقرأ ابن عباس، وابن أبي إسحاق، وعاصم في رواية بالنصب، والصرف وقرأ الحسن، وابن هرمز، وعاصم في رواية بالنصب، والمنع، فأما الرفع، فعلى الابتداء والجملة بعده الخبر، وأما النصب فعلى الاشتغال، وأما الصرف فعلى تفسير الاسم بالأب، أو الحي، وأما المنع فعلى تأويله بالقبيلة {فاستحبوا العمى عَلَى الهدى} أي: اختاروا الكفر على الإيمان، وقال أبو العالية: اختاروا العمى على البيان، وقال السدّي: اختاروا المعصية على الطاعة {فَأَخَذَتْهُمْ صاعقة العذاب الهون} قد تقدّم أن الصاعقة اسم للشيء المهلك لأيّ شيء كان، والهون الهوان والإهانة، فكأنه قال: أصابهم مهلك العذاب ذي الهوان أو الإهانة، ويقال عذاب هون، أي: مهين كقوله: {مَا لَبِثُواْ في العذاب المهين} [سبأ: 14]، والباء في {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} للسببية، أي: بسبب الذي كانوا يكسبونه، أو بسبب كسبهم {وَنَجَّيْنَا الذين ءامَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ}، وهم: صالح ومن معه من المؤمنين، فإن الله نجاهم من ذلك العذاب، ثم لما ذكر سبحانه ما عاقبهم به في الدنيا ذكر ما عاقبهم به في الآخرة، فقال: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء الله إِلَى النار}، وفي وصفهم بكونهم أعداء الله مبالغة في ذمهم، والعامل في الظرف محذوف دلّ عليه ما بعده تقديره: يساق الناس يوم يحشر، أو باذكر، أي: اذكر يوم يحشرهم.
قرأ الجمهور: {يحشر} بتحتية مضمومة، ورفع أعداء على النيابة، وقرأ نافع: {نحشر} بالنون، ونصب أعداء، ومعنى حشرهم إلى النار: سوقهم إليها، أو إلى موقف الحساب، لأنه يتبين عنده فريق الجنة، وفريق النار {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي: يحبس أوّلهم على آخرهم؛ ليتلاحقوا ويجتمعوا، كذا قال قتادة، والسدّي، وغيرهما، وقد سبق تحقيق معناه في سورة النمل مستوفى.
{حتى إِذَا مَا جَاءوهَا} أي: جاءوا النار التي حشروا إليها، أو موقف الحساب، و{ما} مزيدة للتوكيد {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وأبصارهم وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} في الدنيا من المعاصي.
قال مقاتل: تنطق جوارحهم بما كتمت الألسن من عملهم بالشرك، والمراد بالجلود هي: جلودهم المعروفة في قول أكثر المفسرين.
وقال السدّي، وعبيد الله بن أبي جعفر، والفراء: أراد بالجلود الفروج، والأوّل أولى {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا} وجه تخصيص الثلاثة بالشهادة دون غيرها ما ذكره الرازي أن الحواس الخمس وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، وآلة المس هي الجلد، فالله سبحانه ذكر هنا ثلاثة أنواع من الحواس، وهي: السمع، والبصر، واللمس، وأهمل ذكر نوعين، وهما: الذوق، والشم، فالذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه، لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان مماسة لجرم الطعام، وكذلك الشم لا يتأتى حتى تصير جلدة الحنك مماسة لجرم المشموم، فكانا داخلين في جنس اللمس، وإذا عرفت من كلامه هذا وجه تخصيص الثلاثة بالذكر عرفت منه وجه تخصيص الجلود بالسؤال، لأنها قد اشتملت على ثلاث حواس، فكان تأتي المعصية من جهتها أكثر وأما على قول من فسر الجلود بالفروج، فوجه تخصيصها بالسؤال ظاهر، لأنه ما يشهد به الفرج من الزنا أعظم قبحًا، وأجلب للخزي والعقوبة، وقد قدّمنا وجه إفراد السمع، وجمع الأبصار {قَالُواْ أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شَىْء} أي: أنطق كلّ شيء مما ينطق من مخلوقاته، فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح.
وقيل: المعنى: ما نطقنا باختيارنا، بل أنطقنا الله، والأوّل أولى {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} قيل: هذا من تمام كلام الجلود.
وقيل: مستأنف من كلام الله، والمعنى: أن من قدر على خلقكم، وإنشائكم ابتداء قدر على إعادتكم، ورجعكم إليه.
{وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أبصاركم وَلاَ جُلُودُكُمْ} هذا تقريع لهم، وتوبيخ من جهة الله سبحانه، أو من كلام الجلود، أي: ما كنتم تستخفون عند الأعمال القبيحة حذرًا من شهادة الجوارح عليكم، ولما كان الإنسان لا يقدر على أن يستخفي من جوارحه عند مباشرة المعصية كان معنى الاستخفاء هنا: ترك المعصية.
وقيل: معنى الاستتار: الاتقاء، أي: ما كنتم تتقون في الدنيا أن تشهد عليكم جوارحكم في الآخرة، فتتركوا المعاصي خوفًا من هذه الشهادة و{أن} في قوله: {أَن تَشْهَدَ} في محل نصب على العلة، أي: لأجل أن تشهد، أو مخافة أن تشهد.
وقيل: منصوبة بنزع الخافض، وهو: الباء أو عن أو من.
وقيل: إن الاستتار مضمن معنى الظنّ، أي: وما كنتم تظنون أن تشهد، وهو: بعيد {ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مّمَّا تَعْلَمُونَ} من المعاصي، فاجترأتم على فعلها.
قيل: كان الكفار يقولون: إن الله لا يعلم ما في أنفسنا، ولكن يعلم ما نظهر دون ما نسرّ.
قال قتادة: الظنّ هنا بمعنى: العلم وقيل: أريد بالظنّ معنى مجازي يعمّ معناه الحقيقي، وما هو فوقه من العلم، والإشارة بقوله: {ذلكم} إلى ما ذكر من ظنهم، وهو: مبتدأ وخبره: {ظَنُّكُمُ الذي ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ}، وقوله: {أَرْدَاكُمْ} خبر آخر للمبتدأ.
وقيل: إن أرداكم في محل نصب على الحال المقدّرة.
وقيل: إن ظنكم بدل من ذلكم، والذي ظننتم خبره، وأرداكم خبر آخر، أو حال، وقيل: إن ظنكم خبر أوّل، والموصول وصلته خبر ثان، وأرداكم خبر ثالث، والمعنى: أن ظنكم بأن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون أهلككم، وطرحكم في النار {فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ الخاسرين} أي: الكاملين في الخسران.
ثم أخبر عن حالهم، فقال: {فَإِن يَصْبِرُواْ فالنار مَثْوًى لَّهُمْ} أي: فإن يصبروا على النار، فالنار مثواهم، أي: محل استقرارهم، وإقامتهم لا خروج لهم منها.
وقيل: المعنى: فإن يصبروا في الدنيا على أعمال أهل النار، فالنار مثوى لهم {وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مّنَ المعتبين} يقال: أعتبني فلان، أي: أرضاني بعد إسخاطه إياي، واستعتبته طلبت منه أن يرضى، والمعنى: أنهم إن يسألوا أن يرجع بهم إلى ما يحبون لم يرجع، لأنهم لا يستحقون ذلك.
قال الخليل: تقول: استعبته، فأعتبني، أي: استرضيته، فأرضاني، ومعنى الآية: إن يطلبوا الرضى لم يقع الرضى عنهم، بل لابد لهم من النار.
قرأ الجمهور: {يستعتبوا} بفتح التحتية، وكسر التاء الفوقية الثانية مبنيًّا للفاعل.
وقرءوا: {من المعتبين} بفتح الفوقية اسم مفعول، وقرأ الحسن، وعبيد بن عمير، وأبو العالية: {يستعتبوا} مبنيًّا للمفعول {فما هم من المعتبين} اسم فاعل، أي: إنهم إن أقالهم الله، وردّهم إلى الدنيا لم يعملوا بطاعته كما في قوله سبحانه: {وَلَوْ رُدُّواْ لعادوا لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [الأنعام: 28].
وقد أخرج الطبراني عن ابن عباس في قوله: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} قال: يحبس أوّلهم على آخرهم.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: يدفعون.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن ابن مسعود قال: كنت مستترًا بأستار الكعبة، فجاء ثلاثة نفر: قرشي وثقفيان، أو ثقفيّ وقرشيان، كثير لحم بطونهم قليل فقه قلوبهم، فتكلموا بكلام لم أسمعه، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هذا؟ فقال الآخران: إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه، وإنا إذا لم نرفعه لم يسمعه، فقال الآخران: إن سمع منه شيئًا سمعه كله؛ قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} إلى قوله: {مّنَ الخاسرين}.
وأخرج عبد الرزاق، وأحمد، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن معاوية بن حيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحشرون ها هنا، وأومأ بيده إلى الشام، مشاة وركبانًا، وعلى وجوهكم، وتعرضون على الله، وعلى أفواهكم الفدام، وأوّل ما يعرب عن أحدكم، فخذه وكتفه» وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أبصاركم وَلاَ جُلُودُكُمْ}.
وأخرج أحمد، وأبو داود الطيالسي، وعبد بن حميد، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، وابن مردويه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يموتنّ أحدكم إلاّ وهو يحسن الظن بالله تعالى، فإن قومًا قد أرداهم سوء ظنهم بالله، فقال الله: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الذي ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ الخاسرين}». اهـ.

.قال القاسمي:

سورة فصلت:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
{حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال أبو السعود: إن جعل: {حم} اسمًا للسورة، فهو إما خبر مبتدأ محذوف، وهو الأظهر، أو مبتدأ خبره: {تَنزِيلٌ} وهو على الأول خبر بعد خبر. وخبر لمبتدأ محذوف، إن جعل مسرودًا على نمط التعديد.
وقوله تعالى: {مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} متعلق به، مؤكد لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية، بالفخامة الإضافية. أو خبر آخر. أو: {تَنزِيلٌ} مبتدأ لتخصصه بالصفة، خبره: {كِتَاْبٌ فُصِّلَتْ}.
{كِتَابٌ} وهو على الوجوه الأول بدل منه، أو خبر آخر، أو خبر لمحذوف. ونسبة التنزيل إلى الرحمن الرحيم، للإيذان بأنه مدار للمصالح الدينية والدنيوية، واقع بمقتضى الرحمة الربانية، حسبما ينبىء عنه قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، {فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} أي: بُيِّنت بالاشتمال على جميع المطالب الدينية، مع الدلائل العقلية: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} أي: بلسان عربي يتيسر فيه من جميع الفوائد ما لا يتيسر في غيره. وانتصاب: {قُرْآنًا} على المدح، أو الحالية من: {كِتَابٌ} لتخصصه بالصفة، أو من: {آيَاتُهُ}: {لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي: مقداره ومعانيه، أو لأهل العلم، والنظر.
{بَشِيرًا} أي: للعاملين به، الناظرين فيه، والمستخرجين منه، بالنعيم المقيم: {وَنَذِيرًا} أي: للمعرضين عنه بخلود الأبد في نار جهنم: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} أي: أكثر هؤلاء القوم، الذين أنزل هذا القرآن بشيرًا ونذيرًا لهم، فلم يتدبروه: {فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} أي: لا يصنعون له، عتوًّا واستكبارًا.
{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} أي: أغطية متكاثفة، لا يصل إليها شيء مما تدعونا إليه، من التوحيد وتصديق ما في هذا القرآن من الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد: {وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} أي: صمم، لا نسمع ذلك، استثقالًا له وكراهية: {وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} أي: فلا تواصل ولا تلاقي على ما ندعي إليه: {فَاعْمَلْ} أي: على ما تدعو إليه، وانصب له: {إِنَّنَا عَامِلُونَ} أي: على ما ألفينا عليه آباءنا.
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ} أي: بالتوحيد، وإخلاص العبادة، من غير انحراف إلى الباطل، والسبل المتفرقة: {وَاسْتَغْفِرُوهُ} أي: بالتوبة من الشرك: {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} أي: لا يزكون أنفسهم. بطاعة الله، أو لا ينفقون من أموالهم زكاتها. وهذا ما رجحه ابن جرير، ذهابًا إلى أن ذلك هو الأشر من معنى الزكاة. لاسيما مع ضميمة الإيتاء.
وفيه إشارة إلى أن من أخص صفات الكفار هو منع الزكاة، ليحذر المؤمنون من ارتكابه. وعن قتادة: إن الزكاة قنطرة الإسلام. فمن قطعها نجا، ومن تخلف عنها هلك. قال ابن جرير: وقد كان أهل الردة بعد نبي الله، قالوا: أما الصلاة فنصلي. وأما الزكاة، فو الله! لا تُغصَب أموالنا. قال فقال أبو بكر: والله! لا أفرق بين شيء جمع الله بينه. والله! لو منعوني عقالًا مما فرض الله ورسوله، لقاتلناهم عليه: {وَهُم بِالْآخِرَةِ} أي: بإحيائهم بعد مماتهم للمجازاة: {هُمْ كَافِرُونَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي: عليهم، أو غير منقوص، أو غير منقطع، أو غير محسوب.
{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} أي: في مقدارهما. وعلمهم بصلة الموصول، أما لما تلقوه خلفًا عن سلف، فاستفاض بينهم. أو لما سمعوه من الكتب السافلة، كالتوراة، فأذعنت بذلك نفوسهم، حتى صار معهودًا لها: {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا} أي: أكفاء: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]: {ذَلِكَ} أي: الذي خلق الأرض في يومين: {رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} أي: جبالًا ثوابت: {مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} أي: أكثر خيرها: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ} أي: مستوية بالامتزاج والاعتدال، للطالبين للأقوات والمعايش؛ أي: قدرها لهم، أو لمن سأل عن مبلغ الأجل الذي خلق الله فيه الأرض، وجعل فيها الرواسي والبركة، وتقدير الأقوات. فحدّه، كما أخبر تعالى، وأنه أربعة أيام.
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} أي: قصد إلى إيجادهما. وثم، للتفاوت بين الخلقين في الإحكام وعدمه، واختلافهما في الجهة والجوهر، لا للتراخي في الزمان؛ إذ لازمان هناك. قاله القاشاني.
وقال ابن جرير: أي: ثم ارتفع إلى السماء، أي: بلا تكليف ولا تمثيل: {وَهِيَ دُخَانٌ} قال القاشاني: أي: جوهر لطيف بخلاف الجواهر الكثيفة الثقيلة الأرضية. وقال القاضي: دخان أمر ظلماني، ولعله أراد به مادتها، أو الأجزاء المصغرة التي ركبت منها، وأصله للرازي حيث قال: لما خلق تعالى الأجزاء التي لا تتجزأ، فقبل أن خلق فيها كيفية الضوء، كانت مظلمة عديمة النور، ثم لما ركبها وجعلها سماوات، وكواكب، وشمسًا، وقمرًا، وأحدث صفة الضوء فيها، فحينئذ صارت مستنيرة. فثبت أن تلك الأجزاء، حين قصد الله تعالى أن يخلق منها السماوات، والشمس، والقمر، كانت مظلمة. فصح تسميتها بالدخان؛ لأنه لا معنى للدخان إلا أجزاء متفرقة، غير متواصلة، عديمة النور. ثم قال: فهذا ما خطر بالبال في تفسير الدخان. والله أعلم بحقيقة الحال. انتهى.