فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واعلم أن وجه استدلال أصحابنا ما ذكرناه، وهو أن من فعل فعلًا وعلم قطعًا أن ذلك الفعل يفضي إلى أثر، فاعل ذلك الفعل يكون مريدًا لذلك الأثر، فههنا الله تعالى قيض أولئك القرناء لهم وعلم أنه متى قيض أولئك القرناء لهم فإنهم يقعون في ذلك الكفر والضلال، وما ذكره الجبائي لا يدفع ذلك، قوله ولو أراد الله منهم المعاصي لكانوا بفعلها مطيعين لله، قلنا لو كان من فعل ما أراده غيره مطيعًا له لوجب أن يكون الله مطيعًا لعباده إذا فعل ما أرادوه معلوم أنه باطل، وأيضًا فهذا إلزام لفظي لأنه يقال إن أردت بالطاعة أنه فعل ما أراد فهذا إلزام للشيء على نفسه، وأن أردت غيره فلابد، من بيانه حتى ينظر فيه أنه هل يصح أم لا.
المسألة الثانية:
اختلفوا في المراد بقوله: {فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} وذكر الزجاج فيه وجهين: الأول: زينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الآخرة أنه لا بعث ولا جنّة ولا نار وما خلفهم من أمر الدنيا، فزينوا أن الدنيا قديمة، وأنه لا فاعل ولا صانع إلا الطبائع والأفلاك الثاني: زينوا لهم أعمالهم التي يعملونها ويشاهدونها وما خلفهم وما يزعمون أنهم يعملونه، وعبّر ابن زيد عنه، فقال زينوا لهم ما مضى من أعمالهم الخبيثة وما بقي من أعمالهم الخسيسة.
ثم قال تعالى: {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مّنَ الجن والإنس إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين} فقوله في أمم في محل النصب على الحال من الضمير في عليهم، والتقدير حق عليهم القول حال كونهم كائنين في جملة {أُمَمٍ} من المتقدمين {إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين} واحتج أصحابنا أيضًا بأنه تعالى أخبر بأن هؤلاء {حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} فلو لم يكونوا كفارًا لانقلب هذا القول الحق باطلًا وهذا العلم جهلًا، وهذا الخبر الصدق كذبًا، وكل ذلك محال ومستلزم المحال محال، فثبت أن صدور الإيمان عنهم، وعدم صدور الكفر عنهم محال.
واعلم أن الكلام في أول السورة ابتدىء من قوله: {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} إلى قوله: {فاعمل إِنَّنَا عاملون} [فصلت: 5] فأجاب الله تعالى عن تلك الشبهة بوجوه من الأجوبة، واتصل الكلام بعضه بالبعض إلى هذا الموضع، ثم إنه حكى عنهم شبهة أخرى فقال: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}، قال صاحب الكشاف قرئ {والغوا فِيهِ} بفتح الغين وضمها يقال لغى يلغي ويلغو واللغو الساقط من الكلام الذي لا طائل تحته.
واعلم أن القوم علموا أن القرآن كلام كامل في المعنى، وفي اللفظ وأن كل من سمعه وقف على جزالة ألفاظه، وأحاط عقله بمعانيه، وقضى عقله بأنه كلام حق واجب القبول، فدبروا تدبيرًا في منع الناس عن استماعه، فقال بعضهم لبعض {لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان} إذا قرئ وتشاغلوا عند قراءته برفع الأصوات بالخرافات والأشعار الفاسدة والكلمات الباطلة، حتى تخلطوا على القارىء وتشوشوا عليه وتغلبوا على قراءته، كانت قريش يوصي بذلك بعضهم بعضًا، والمراد افعلوا عند تلاوة القرآن ما يكون لغوًا وباطلًا، لتخرجوا قراءة القرآن عن أن تصير مفهومة للناس، فبهذا الطريق تغلبون محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهذا جهل منهم لأنهم في الحال أقروا بأنهم مشتغلون بالغو والباطل من العمل والله تعالى ينصر محمدًا بفضله، ولما ذكر الله تعالى ذلك هددهم بالعذاب الشديد فقال: {فَلَنُذِيقَنَّ الذين كَفَرُواْ عَذَابًا شَدِيدًا} لأن لفظ الذوق إنما يذكر في القدر القليل الذي يؤتى به لأجل التجربة، ثم إنه تعالى ذكر أن ذلك الذوق عذاب الشديد، فإذا كان القليل منه عذابًا شديدًا فكيف يكون حال الكثير منه، ثم قال: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} واختلفوا فيه فقال الأكثرون المراد جزاء سوء أعمالهم، وقال الحسن بل المراد أنه لا يجازيهم على محاسن أعمالهم، لأنهم أحبطوها بالكفر فضاعت تلك الأعمال الحسنة عنهم، ولم يبق معهم إلا الأعمال القبيحة الباطلة، فلا جرم لم يتحصلوا إلا على جزاء السيئات.
ثم قال تعالى: {ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء الله النار} والمعنى أنه تعالى لما قال في الآية المتقدمة {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بين أن ذلك الأسوأ الذي جعل جزاء أعداء الله هو النار.
ثم قال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ} أي لهم في جملة النار دار السيئات معينة وهي دار العذاب المخلد لهم {جَزَاءً بما كانوا بآياتنا يجحدون} أي جزاء بما كانوا يلغون في القراءة، وإنما سماه جحودًا لأنهم لما علموا أن القرآن بالغ إلى حد الاعجاز خافوا من أنه لو سمعه الناس لآمنوا به فاستخرجوا تلك الطريقة الفاسدة، وذلك يدل على أنهم علموا كونه معجزًا إلا أنهم جحدوا للحسد.
واعلم أنه تعالى لما بيّن أن الذي حملهم على الكفر الموجب للعقاب الشديد مجالسة قرناء السوء بين أن الكفار عند الوقوع في العذاب الشديد يقولون {رَبَّنَا أَرِنَا الذين أضلانا مِنَ الجن والإنس} والسبب في ذكر هذين القسمين أن الشيطان على ضربين جني وإنسي، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوًّا شياطين الإنس والجن} [الإنعام: 112] وقال: {الذى يُوَسْوِسُ في صُدُورِ الناس مِنَ الجنة والناس} [الناس: 5- 6] وقيل هما إبليس وقابيل لأن الكفر سنة إبليس، والقتل بغير حق سنة قابيل.
وقرئ {أَرِنَا} بسكون الراء لثقل الكسرة كما قالوا في فخذ فخذ، وقيل معناه أعطنا الذين أضلانا وحكوا عن الخليل أنك إذا قلت أرني ثوبك بالكسر، فالمعنى بصرنيه وإذا قلته بالسكون فهو استعطاء معناه أعطني ثوبك.
ثم قال تعالى: {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} قال مقاتل يكونان أسفل منا في النار {لِيَكُونَا مِنَ الأسفلين} قال الزجاج: ليكونا في الدرك الأسفل من النار، وكان بعض تلامذتي ممن يميل إلى الحكمة يقول المراد باللذين يضلان الشهوة والغضب، وإليهما الإشارة في قصة الملائكة بقوله: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدماء} [البقرة: 30] ثم قال والمراد بقوله: {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} يعني يا ربنا أعنا حتى نجعل الشهوة والغضب تحت أقدام جوهر النفس القدسية، والمراد بكونهما تحت أقدامه كونهما مسخرين للنفس القدسية مطيعين لها، وأن لا يكونا مسؤولين عليها قاهرين لها. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} ثم وصف عز وجل حالهم في الدنيا وما أصابهم به حين أعرضوا، فختم عليهم فقال: {وقيضنا لهم قرناء} أي يسرنا لهم {قرناء} سوء من الشياطين وغواة الإنس.
وقوله: {فزينوا لهم ما بين أيديهم} أي علموهم وقرروا في نفوسهم معتقدات سوء في الأمور التي تقدمتهم من أمر الرسل والنبوات، ومدح عبادة الأصنام واتباع فعل الآباء إلى غير ذلك مما يقال إنه بين أيديهم، وذلك كل ما تقدمهم في الزمان واتصل إليهم أثره أو خبره، وكذلك أعطوهم معتقدات سوء فيما خلفهم وهو كل ما يأتي بعدهم من القيامة والبعث ونحو ذلك مما يقال فيه إنه خلف الإنسان، فزينوا لهم في هذين كل ما يرديهم ويفضي بهم إلى عذاب جهنم.
وقوله: {وحق عليهم القول} أي سبق القضاء الحتم، وأمر الله بتعذيبهم في جملة أمم معذبين كفار {من الجن والإنس} وقالت فرقة: {في} بمعنى: مع، أي مع أمم، والمعنى يتأدى بالحرفين، ولا نحتاج أن نجعل حرفًا بمعنى حرف إذ قد أبى ذلك رؤساء البصريين.
قوله عز وجل: {لا تسمعوا لهذا القرآن}.
حكاية لما فعله بعض قريش كأبي جهل، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن في المسجد الحرام ويصغي إليه الناس من مؤمن وكافر، فخشي الكفار استمالة القلوب بذلك، فقالوا: متى قرأ محمد فلنلغط نحن بالمكاء والصفير والصياح وإنشاد الشعر والإرجاز حتى يخفى صوته ولا يقع الاستماع منه، وهذا الفعل منهم هو اللغو.
وقال أبو العالية أرادوا: قعوا فيه وعيبوه. واللغو في اللغة: سقط القول الذي لا معنى له، وهو من الخساسة والبطول في حكم لا معنى له.
وقرأ جمهور الناس: {والغَوا} بفتح الغين وجزم الواو. وقرأ بكر بن حبيب السهمي: {الغُوا} بضم الغين وسكون الواو، ورويت عن عيسى وابن أبي إسحاق بخلاف عنهما وهما لغتان، يقال لغا يلغو، ويقال لغى يلغي، ويقال أيضًا لغى يلغى، أصله يفعِل بكسر العين، فرده حرف الحلق إلى الفتح، فالقراءة الأولى من يلغى، والقراءة الثانية من يلغو، قاله الأخفش.
وقوله: {لعلكم تغلبون} أي تطمسون أمر محمد عليه السلام وتميتون ذكره وتصرفون القلوب عنه، فهذه الغاية التي تمنوها.
{فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27)}.
وقوله تعالى: {فلنذيقن} الفاء دخلت على لام القسم، وهي آية وعيد لقريش. والعذاب الشديد: هو عذاب الدنيا في بدر وغيرها. والجزاء بأسوأ أعمالهم: هو عذاب الآخرة.
وقوله تعالى: {ذلك} إشارة إلى الجزاء المتقدم.. و: {جزاء أعداء الله} خبر الابتداء. و: {النار} بدل من قوله: {جزاء أعداء} ويجوز أن يكون: {ذلك} خبر ابتداء تقديره: الأمر ذلك، ويكون قوله: {جزاء أعداء} ابتداء، و: {النار} خبره.
وقوله: {لهم فيها دار الخلد} أي موضع البقاء ومسكن العذاب الدائم، فالظرفية في قوله: {فيها} متمكنة على هذا التأويل، ويحتمل أن يكون المعنى: هب لهم دار الخلد، ففي قوله: {فيها} معنى التجريد كما قال الشاعر:
وفي الله إن لم ينصفوا حكم عدل

وفي قراءة عبد الله بن مسعود: {ذلك جزاء أعداء الله النار دار الخلد}، وسقط {لهم فيها} وجحودهم بآيات الله مطرد في علاماته المنصوبة لملقه وفي آيات كتابه المنزلة على نبيه.
ثم ذكر عز وجل مقالة كفار يوم القيامة إذا دخلوا النار فإنهم يرون عظيم ما حل بهم وسوء منقلبهم فتجول أفكارهم فيمن كان سبب غوايتهم وبادي ضلالتهم فيعظم غيظهم وحنقهم عليه ويودون أن يحصل في أشد عذاب فحينئذ يقولون {ربنا أرنا اللذين أضلانا}، وظاهر اللفظ يقتضي أن الذي في قولهم: {اللذين} إنما هو للجنس، أي {أرنا} كل مغوٍ ومضل {من الجن والإنس}، وهذا قول جماعة من المفسرين. وقال علي بن أبي طالب وقتادة. وطلبوا ولد آدم الذي سن القتل والمعصية من البشر وإبليس الأبالسة من الجن.
قال القاضي أبو محمد: وتأمل هل يصح هذا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لأن ولد آدم مؤمن عاص، وهؤلاء إنما طلبوا المضلين بالكفر المؤدي إلى الخلود، وإنما القوي أنهم طلبوا النوعين، وقد أصلح بعضهم هذا القول بأن قال: يطلب ولد آدم كل عاص دخل النار من أهل الكبائر، ويطلب إبليس كل كافر، ولفظ الآية يزحم هذا التأويل، لأنه يقتضي أن الكفرة إنما طلبوا اللذين أضلا.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: {أرِنا} بكسر الراء، وهي رؤية عين، ولذلك فهو فعل يتعدى إلى مفعولين. وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم: {أرْنا} بسكون الراء، فقال هشام بن عمار: هو خطأ. وقال أبو علي: هي مخففة من: {أرنا} كما قالوا: ضحك وفخذ. وقرأ أبو عمرو: بإشمام الراء الكسر، ورويت عن أهل مكة.
وقوله: {نجعلهما تحت أقدامنا} يريدون في أسفل طبقة من النار، وهي أشد عذابًا. وهي درك المنافقين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} قال النقاش: أي هيأنا لهم شياطين.
وقيل: سلطنا عليهم قرناء يزيِّنون عندهم المعاصي، وهؤلاء القرناء من الجن والشياطين ومن الإنس أيضًا؛ أي سبَّبْنا لهم قرناء؛ يقال: قيَّض الله فلانًا لفلان أي جاءه به وأتاحه له، ومنه قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ}.
القشيري: ويقال قيّض الله لي رزقًا أي أتاحه كما كنت أطلبه، والتقييض الإبدال ومنه المقايضة، قايضت الرجل مقايضة أي عاوضته بمتاع، وهما قيِّضان كما تقول بيّعان.
{فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أمر الدنيا فحسّنوه لهم حتى آثروه على الآخرة {وَمَا خَلْفَهُمْ} حسنّوا لهم ما بعد مماتهم ودعوهم إلى التكذيب بأمور الآخرة؛ عن مجاهد.
وقيل: المعنى {قَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} في النار {فَزيَّنُوا لَهُمْ} أعمالهم في الدنيا؛ والمعنى قدّرنا عليهم أن ذلك سيكون وحكمنا به عليهم.
وقيل: المعنى أحوجناهم إلى الأقران؛ أي أحوجنا الفقير إلى الغني لينال منه، والغني إلى الفقير ليستعين به فزيَّن بعضهم لبعض المعاصي.
وليس قوله: {وَمَا خَلْفَهُمْ} عطفًا على {مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} بل المعنى وأنسوهم ما خلفهم ففيه هذا الإضمار.
قال ابن عباس: {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} تكذيبهم بأمور الآخرة {وَمَا خَلْفَهُمْ} التسويف والترغيب في الدنيا.
الزجاج: {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} ما عملوه {وَمَا خَلْفَهُمْ} ما عزموا على أن يعملوه.
وقد تقدم قول مجاهد.
وقيل: المعنى لهم مثل ما تقدّم من المعاصي {وما خلفهم} ما يعمل بعدهم.
{وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول في أُمَمٍ} أي وجب عليهم من العذاب ما وجب على الأمم الذين من قبلهم الذين كفروا ككفرهم.
وقيل: {في} بمعنى مع؛ فالمعنى هم داخلون مع الأمم الكافرة قبلهم فيما دخلوا فيه.
وقيل: {فِي أُمَمٍ} في جملة أمم، ومثله قول الشاعر:
إِنْ تَكُ عَنْ أَحْسَنِ الصَّنِيعَةِ مَأْ ** فُوكًا فَفِي آخَرِين قد أَفكوا

يريد فأنت في جملة آخرين لست في ذلك بأوحد.
ومحل {فِي أُمَمٍ} النصب على الحال من الضمير في {عَلَيْهِمْ} أي حق عليهم القول كائنين في جملة أمم.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ} أعمالهم في الدنيا وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
قوله تعالى: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ} لما أخبر تعالى عن كفر قوم هود وصالح وغيرهم أخبر عن مشركي قريش وأنهم كذبوا القرآن فقالوا: {لاَ تَسْمَعُوا}.
وقيل: معنى {لاَ تَسْمَعُوا} لا تطيعوا؛ يقال: سمعت لك أي أطعتك.
{وَالْغَوْا فِيهِ} قال ابن عباس: قال أبو جهل إذا قرأ محمد فصيحوا في وجهه حتى لا يدري ما يقول.
وقيل: إنهم فعلوا ذلك لما أعجزهم القرآن.
وقال مجاهد: المعنى {وَالْغَوْا فِيهِ} بالمُكاء والتَّصفيق والتخليط في المنطق حتى يصير لَغْوًا.
وقال الضحاك: أكثِروا الكلام ليختلط عليه ما يقول.
وقال أبو العالية وابن عباس أيضًا: قِعُوا فيه وعيِّبوه {لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} محمدًا على قراءته فلا يظهر ولا يستميل القلوب.
وقرأ عيسى بن عمر والجحدري وابن أبي إسحاق وأبو حَيْوة وبكر بن حبيب السهمي {وَالْغُوا} بضم الغين وهي لغة من لغا يلغو.