فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء} أي: هيأنا قرناء من الشياطين.
وقال الزجاج: سببنا لهم قرناء حتى أضلوهم.
وقيل: سلطنا عليهم قرناء.
وقيل: قدّرنا، والمعاني متقاربة، وأصل التقييض التيسير، والتهيئة، والقرناء جمع قرين، وهم: الشياطين، جعلهم بمنزلة الأخلاء لهم.
وقيل: إن الله قيض لهم قرناء في النار، والأولى أن ذلك في الدنيا لقوله: {فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} فإن المعنى: زينوا لهم ما بين أيديهم من أمور الدنيا وشهواتها، وحملوهم على الوقوع في معاصي الله بانهماكهم فيها، وزينوا لهم ما خلفهم من أمور الآخرة، فقالوا: لا بعث، ولا حساب، ولا جنة، ولا نار.
وقال الزجاج: ما بين أيديهم ما عملوه، وما خلفهم ما عزموا على أن يعملوه.
وروي عن الزجاج أيضًا، أنه قال: ما بين أيديهم من أمر الآخرة أنه لا بعث، ولا جنة، ولا نار، وما خلفهم من أمر الدنيا {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول} أي: وجب، وثبت عليهم العذاب، وهو قوله سبحانه: {لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85] و{فِى أُمَمٍ} في محل نصب على الحال من الضمير في عليهم، والمعنى: كائنين في جملة أمم.
وقيل: في بمعنى مع، أي: مع أمم من الأمم الكافرة التي {قَدْ خَلَتْ} ومضت {مِن قَبْلِهِمْ مّنَ الجن والإنس} على الكفر، وجملة: {إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين} تعليل لاستحقاقهم العذاب.
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان} أي: قال بعضهم لبعض: لا تسمعوه، ولا تنصتوا له.
وقيل: معنى لا تسمعوا: لا تطيعوا، يقال: سمعت لك، أي: أطعتك {والغوا فِيهِ} أي: عارضوه باللغو والباطل، أو ارفعوا أصواتكم ليتشوش القارىء له.
وقال مجاهد: الغوا فيه بالمكاء، والتصدية، والتصفيق، والتخليط في الكلام حتى يصير لغوًا.
وقال الضحاك: أكثروا الكلام؛ ليختلط عليه ما يقول.
وقال أبو العالية: قعوا فيه، وعيبوه.
قرأ الجمهور: {والغوا} بفتح الغين، من لغا إذا تكلم باللغو، وهو: ما لا فائدة فيه، أو من لغى بالفتح يلغى بالفتح أيضًا كما حكاه الأخفش، وقرأ عيسى بن عمر، والجحدري، وابن أبي إسحاق، وأبو حيوة، وبكر بن حبيب السهمي، وقتادة، والسماك، والزعفراني بضم الغين.
وقد تقدّم الكلام في اللغو في سورة البقرة {لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} أي: لكي تغلبوهم، فيسكتوا.
ثم توعدهم سبحانه على ذلك، فقال: {فَلَنُذِيقَنَّ الذين كَفَرُواْ عَذَابًا شَدِيدًا}، وهذا وعيد لجميع الكفار، ويدخل فيهم الذين السياق معهم دخولًا أوّليًا {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي: ولنجزينهم في الآخرة جزاء أقبح أعمالهم التي عملوها في الدنيا.
قال مقاتل: وهو: الشرك.
وقيل: المعنى: أنه يجازيهم بمساوىء أعمالهم لا بمحاسنها كما يقع منهم من صلة الأرحام، وإكرام الضيف، لأن ذلك باطل لا أجر له مع كفرهم، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما تقدّم، وهو: مبتدأ وخبره جزاء أعداء الله، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمر ذلك، وجملة {جَزَاء أَعْدَاء الله النار} مبينة للجملة التي قبلها، والأوّل أولى، وتكون النار عطف بيان للجزاء، أو بدلًا منه، أو خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ والخبر: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ}.
وعلى الثلاثة الوجوه الأولى تكون جملة لهم فيها دار الخلد مستأنفة مقرّرة لما قبلها، ومعنى دار الخلد: دار الإقامة المستمرة التي لا انقطاع لها {جَزَاء أَعْدَاء الله النار لَهُمْ} أي: يجزون جزاء بسبب جحدهم بآيات الله.
قال مقاتل: يعني: القرآن يجحدون أنه من عند الله، وعلى هذا يكون التعبير عن اللغو بالجحود لكونه سببًا له، إقامة للسبب مقام المسبب.
{وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَا أَرِنَا اللذين أضلانا مِنَ الجن والإنس} قالوا: هذا وهم في النار، وذكره بلفظ الماضي تنبيهًا على تحقق وقوعه، والمراد: أنهم طلبوا من الله سبحانه أن يريهم من أضلهم من فريق الجن، والإنس من الشياطين الذين كانوا يسوّلون لهم، ويحملونهم على المعاصي، ومن الرؤساء الذين كانوا يزينون لهم الكفر.
وقيل: المراد إبليس، وقابيل لأنهما سنا المعصية لبني آدم.
قرأ الجمهور: {أرنا} بكسر الراء.
وقرأ ابن محيصن، والسوسي عن أبي عمرو، وابن عامر بسكون الراء، وبها قرأ أبو بكر، والمفضل، وهما لغتان بمعنى واحد.
وقال الخليل: إذا قلت أرني ثوبك بالكسر، فمعناه: بصرنيه، وبالسكون: أعطنيه {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} أي: ندسهما بأقدامنا، لنشتفي منهم.
وقيل: نجعلهم أسفل منا في النار {لِيَكُونَا مِنَ الأسفلين} فيها مكانًا، أو ليكونا من الأذلين المهانين.
وقيل: ليكونوا أشد عذابًا منا.
ثم لما ذكر عقاب الكافرين، وما أعدّه لهم ذكر حال المؤمنين، وما أنعم عليهم به، فقال: {إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله} أي: وحده لا شريك له {ثُمَّ استقاموا} على التوحيد، ولم يلتفتوا إلى إلاه غير الله.
قال جماعة من الصحابة، والتابعين: معنى الاستقامة: إخلاص العمل لله.
وقال قتادة، وابن زيد: ثم استقاموا على طاعة الله.
وقال الحسن: استقاموا على أمر الله، فعملوا بطاعته، واجتنبوا معصيته.
وقال مجاهد، وعكرمة: استقاموا على شهادة أن لا إله إلاّ الله حتى ماتوا.
وقال الثوري: عملوا على وفاق ما قالوا.
وقال الربيع: أعرضوا عما سوى الله.
وقال الفضيل بن عياض: زهدوا في الفانية، ورغبوا في الباقية {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملئكة} من عند الله سبحانه بالبشرى التي يريدونها من جلب نفع، أو دفع ضرر، أو رفع حزن.
قال ابن زيد، ومجاهد: تتنزل عليهم عند الموت.
وقال مقاتل، وقتادة: إذا قاموا من قبورهم للبعث.
وقال وكيع: البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث {ألا تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ} أن هي: المخففة، أو المفسرة، أو الناصبة، و{لا} على الوجهين الأوّلين ناهية، وعلى الثالث نافية، والمعنى: لا تخافوا مما تقدمون عليه من أمور الآخرة، ولا تحزنوا على ما فاتكم من أمور الدنيا من أهل، وولد، ومال.
قال مجاهد: لا تخافوا الموت، ولا تحزنوا على أولادكم، فإن الله خليفتكم عليهم.
وقال عطاء: لا تخافوا ردّ ثوابكم، فإنه مقبول، ولا تحزنوا على ذنوبكم، فإني أغفرها لكم.
والظاهر عدم تخصيص تنزل الملائكة عليهم بوقت معين، وعدم تقييد نفي الخوف، والحزن بحالة مخصوصة كما يشعر به حذف المتعلق في الجميع {وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} بها في الدنيا، فإنكم واصلون إليها مستقرّون بها خالدون في نعيمها.
ثم بشرهم سبحانه بما هو أعظم من ذلك كله، فقال: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ في الحياة الدنيا وَفِى الأخرة} أي: نحن المتولون لحفظكم، ومعونتكم في أمور الدنيا، وأمور الآخرة، ومن كان الله وليه فاز بكلّ مطلب، ونجا من كلّ مخافة.
وقيل: إن هذا من قول الملائكة.
قال مجاهد: يقولون لهم: نحن قرناؤكم الذين كنا معكم في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قالوا: لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة.
وقال السدّي: نحن الحفظة لأعمالكم في الدنيا، وأولياؤكم في الآخرة.
وقيل: إنهم يشفعون لهم في الآخرة، ويتلقونهم بالكرامة {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ} من صنوف اللذات، وأنواع النعم {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} أي: ما تتمنون، افتعال من الدعاء بمعنى: الطلب، وقد تقدّم بيان معنى هذا في قوله: {وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} [يس: 57] مستوفى، والفرق بين الجملتين: أن الأولى باعتبار شهوات أنفسهم، والثانية باعتبار ما يطلبونه أعم من أن يكون مما تشتهيه أنفسهم أولًا.
وقال الرازي: الأقرب عندي أن قوله: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ} إشارة إلى الجنة الروحانية المذكورة في قوله: {دعواهم فِيهَا سبحانك اللهم} [يونس: 10] الآية، وانتصاب {نُزُلًا مّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} على الحال من الموصول، أو من عائده، أو من فاعل تدّعون، أو هو مصدر مؤكد لفعل محذوف، أي: أنزلناه نزلًا، والنزل: ما يعدّ لهم حال نزولهم من الرزق، والضيافة، وقد تقدم تحقيقه في سورة آل عمران.
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مّمَّن دَعَا إِلَى الله} أي: إلى توحيد الله، وطاعته.
قال الحسن: هو المؤمن أجاب الله دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من طاعته {وَعَمِلَ صالحا} في إجابته {وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ المسلمين} لربي.
وقال ابن سيرين، والسدّي، وابن زيد: هو: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي هذا أيضًا عن الحسن.
وقال عكرمة، وقيس بن أبي حازم، ومجاهد: نزلت في المؤذنين.
ويجاب عن هذا بأن الآية مكية، والأذان إنما شرع بالمدينة.
والأولى حمل الآية على العموم كما يقتضيه اللفظ، ويدخل فيها من كان سببًا لنزولها دخولًا أوليًا، فكل من جمع بين دعاء العباد إلى ما شرعه الله، وعمل عملًا صالحًا، وهو: تأدية ما فرضه الله عليه مع اجتناب ما حرمه عليه، وكان من المسلمين دينًا لا من غيرهم، فلا شيء أحسن منه، ولا أوضح من طريقته، ولا أكثر ثوابًا من عمله.
ثم بيّن سبحانه الفرق بين محاسن الأعمال، ومساويها، فقال: {وَلاَ تَسْتَوِى الحسنة وَلاَ السيئة} أي: لا تستوي الحسنة التي يرضى الله بها، ويثيب عليها، ولا السيئة التي يكرهها الله، ويعاقب عليها، ولا وجه لتخصيص الحسنة بنوع من أنواع الطاعات، وتخصيص السيئة بنوع من أنواع المعاصي، فإن اللفظ أوسع من ذلك.
وقيل: الحسنة التوحيد، والسيئة الشرك.
وقيل: الحسنة المداراة، والسيئة الغلظة.
وقيل: الحسنة العفو، والسيئة الانتصار.
وقيل: الحسنة العلم، والسيئة الفحش.
قال الفراء: {لا} في قوله، {ولا السيئة} زائدة {ادفع بالتى هي أَحْسَنُ} أي: ادفع السيئة إذا جاءتك من المسيء بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات، ومنه مقابلة الإساءة بالإحسان، والذنب بالعفو، والغضب بالصبر، والإغضاء عن الهفوات، والاحتمال للمكروهات.
وقال مجاهد، وعطاء: بالتي هي أحسن يعني: بالسلام إذا لقي من يعاديه.
وقيل: بالمصافحة عند التلاقي {فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ} هذه هي الفائدة الحاصلة من الدفع بالتي هي أحسن، والمعنى: أنك إذا فعلت ذلك الدفع صار العدوّ كالصديق، والبعيد عنك كالقريب منك.
وقال مقاتل: نزلت في أبي سفيان بن حرب كان معاديًا للنبي صلى الله عليه وسلم، فصار له وليًا بالمصاهرة التي وقعت بينه وبينه، ثم أسلم، فصار وليًا في الإسلام حميمًا بالصهارة.