فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَمِنْ ءاياته أَنَّكَ تَرَى} يا من تصح منه الرؤية، {الأرض خاشعة} يابسة متطامنة مستعار من الخشوع بمعنى التذلل {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء} أي المطر {اهتزت وَرَبَتْ} أي تحركت بالنبات وانتفخت لأن النبت إذا دنا أن يظهر ارتفعت له الأرض وانتفخت ثم تصدعت عن النبات، ويجوز أن يكون في الكلام استعارة تمثيلية شبه حال جدوبة الأرض وخلوها عن النبات ثم إحياء الله تعالى إياها بالمطر وانقلابها من الجدوبة إلى الخصب وإنبات كل زوج بهيج بحال شخص كئيب كاسف البال رث الهيئة لا يؤبه به ثم إذا أصابه شيء من متاع الدنيا وزينتها تكلف بأنواع الزينة والزخارف فيختال في مشيه زهوًا فيهتز بالإعطاف خيلاء وكبرًا فحذف المشبه واستعمل الخشوع والاهتزاز دلالة على مكانه ورجح اعتبار التمثيل.
وقرئ {ربأت} أي زادت، وقال الزجاج: معنى ربت عظمت وربأت بالهمز ارتفعت ومنه الربيئة وهي طليعة على الموضع المرتفع {وَرَبَتْ إِنَّ الذي أحياها} بما ذكر بعد موتها {يُحْيِىَ الموتى} بالبعث {أَنَّهُ على كُلّ شَىْء} من الأشياء التي من جملتها الإحياء {قَدِيرٌ} مبالغة في القدرة.
{إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ في ءاياتنا} ينحرفون في تأويل آيات القرآن عن جهة الصحة والاستقامة فيحملونها على المحامل الباطلة، وهو مراد ابن عباس بقوله: يضعون الكلام في غير موضعه، وأصله من ألحد إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق ويقال لحد.
وقرئ {يُلْحِدُونَ} باللغتين، وقال قتادة: هنا الإلحاد التكذيب، وق لمجاهد: المكاء والصفير واللغو فالمعنى يميلون عما ينبغي ويليق في شأن آياتنا فيكذبون القرآن أو فيلغون ويصفرون عند قراته، وجوز أن يراد بالآيات ما يشمل جميع الكتب المنزلة وبالإلحاد ما يشمل تغيير اللفظ وتبديله لكن ذلك بالنسبة إلى غير القرآن لأنه لم يقع فيه كما وقع في غيره من الكتب على ما هو الشائع.
وعن أبي مالك تفسير الآيات بالأدلة فالإلحاد في شأنها الطعن في دلالتها والإعراض عنها، وهذا أوفق بقوله تعالى: {وَمِنْ ءاياته الليل والنهار والشمس والقمر} [فصلت: 37] {وَمِنْ ءاياته أَنَّكَ تَرَى الأرض خاشعة} [فصلت: 39] الخ، وما تقدم أوفق بقوله سبحانه: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان والغوا فِيهِ} [فصلت: 26] وبما بعد، والآية على تفسير مجاهد أوفق وأوفق.
والمراد بقوله تعالى: {لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} مجازاتهم على الإلحاد فالآية وعيد لهم وتهديد، وقوله تعالى: {أَفَمَن يلقى في النار خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِى ءامِنًا يَوْمَ القيامة} تنبيه على كيفية الجزاء، وكان الظاهر أن يقابل الإلقاء في النار بدخول الجنة لكنه عدل عنه إلى ما في النظم الجليل اعتناء بشأن المؤمنين لأن الأمن من العذاب أعم وأهم ولذا عبر في الأول بالإلقاء الدال على القسر والقهر وفيه بالإتيان الدال على أنه بالاختيار والرضا مع الأمن ودخول الجنة لا ينفي أن يبدل حالهم من بعد خوفهم أمنًا، وجوز أن تكون الآية من الاحتبارك بتقدير من يأتي خائفًا ويلقى في النار ومن يأتي آمنًا ويدخل الجنة فحذف من الأول مقابل الثاني ومن الثاني مقابل الأول وفيه بعد.
والآية كما قال ابن بحر عامة في كل كافر ومؤمن.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {أَفَمَن يلقى في النار} أبو جهل {مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا} أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وأخرج عبد الرزاق وغيره عن بشير بن تميم من يلقى في النار أبو جهل ومن يأتي آمنا عمار والآية نزلت فيهما، وقال مقاتل: نزلت في أبي جهل وعثمان بن عفان، وقيل: فيه وفي عمر، وقيل: فيه وفي حمزة، وقال الكلبي: فيه وفي الرسول صلى الله عليه وسلم: {اعملوا مَا شِئْتُمْ} تهديد شديد للكفرة الملحدين الذين يلقون في النار وليس المقصود حقيقة الأمر {إِنَّهُ بِمَا تَعْلَمُونَ بَصِيرٌ} فيجازيكم بحسب أعمالكم.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر} وهو القرآن {لَمَّا جَاءهُمْ} من غير أن يمضي عليهم زمان يتأملون فيه ويتفكرون {وَإِنَّهُ لكتاب عَزِيزٌ} لا يوجد نظيره أو منيع لا تتأتى معارضته، وأصل العز حالة مانعة للإنسان عن أن يغلب، وإطلاقه على عدم النظير مجاز مشهور وكذا كونه منيعًا، وقيل: غالب للكتب لنسخه إياها.
وعن ابن عباس أي كريم على الله تعالى؛ والجملة حالية مفيدة لغاية شناعة الكفر به، وقوله تعالى: {لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} صفة أخرى لكتاب، وما بين يديه وما خلفه كناية عن جميع الجهات كالصباح والمساء كناية عن الزمان كله أي لا يتطرق إليه الباطل من جميع جهاته، وفيه تمثيل لتشبيهه بشخص حمى من جميع جهاته فلا يمكن أعداءه الوصول إليه لأنه في حصن حصين من حماية الحق المبين، وجوز أن يكون المعنى لا يأتيه الباطل من جهة ما أخبر به من الأخبار الماضية والأمور الآتية.
وقيل: الباطل بمعنى المبطل كوارس بمعنى مورس أو هو مصدر كالعافية بمعنى مبطل أيضًا؛ وقوله تعالى: {تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} أي محمود على ما أسدي من النعم التي منها تنزيل الكتاب، وحمده سبحانه: بلسان الحال متحقق من كل منعم عليه وبلسان القال متحقق ممن وفق لذلك خبر مبتدأ محذوف أو صفة أخرى لكتاب مفيدة لفخامته الإضافية كما أن الصفتين السابقتين مفيدتان لفخامته الذاتية.
وقوله تعالى: {لاَّ يَأْتِيهِ} إلخ اعتراض عند من لا يجوز تقديم غير الصريح من الصفات على الصريح كل ذلك لتأكيد بطلان الكفر بالقرآن، واختلفوا في خبر {إن} أمذكور هو أو محذوف فقيل: مذكور وهو قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44] وهو قول أبي عمرو بن العلاء في حكاية جرت بينه وبين بلال بن أبي بردة سئل بلال في مجلسه عن هذا فقال: لم أجد لها نفاذًا فقال له أبو عمرو: إنه منك لقريب {أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} وذهب إليه الحوفي وهو في مكان بعيد، وذهب أبو حيان إلى أنه قوله تعالى: {لاَّ يَأْتِيهِ الباطل} بحذف العائد أي الكافرون وحاله أنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل منهم أي متى راموا أبطالًا له لم يصلوا إليه أو يجعل أل في الباطل عوضًا من الضمير به على قول الكوفيين أي لا يأتيه باطلهم أو قوله سبحانه: {مَّا يُقَالُ لَكَ} [فصلت: 43] إلخ والعائد أيضًا محذوف أي ما يقال لك في شأنهم أو فيهم إلا ما قد قيل للرسل من قبلك أي أوحى إليك في شأن هؤلاء المكذبين لك ولما جئت به مثل ما أوحي إلى من قبلك من الرسل وهو أنهم عاقبتهم سيئة في الدنيا بالهلاك وفي الآخرة بالعذاب الدائم ثم قال: وغاية ما في هذين التوجيهين حذف الضمير العائد وهو موجود نحو السمن منوان بدرهم والبركر بدرهم أي منه.
ونقل عن بعض نحاة الكوفة أن الخبر في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لكتاب عَزِيزٌ} [فصلت: 41] وتعقبه بأنه لا يتعقل، وقيل: هو محذوف وخبر {إن} يحذف لفهم المعنى، وسأل عيسى بن عمر عمرو بن عبيد عن ذلك فقال عمرو: معناه في التفسير أن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به وأنه لكتاب عزيز فقال عيسى: أجدت يا أبا عثمان.
وقال قوم: تقديره معاندون أو هالكون، وقال الكسائي؛ قد سد مسده ما تقدم من الكلام قبل وهو قوله تعالى: {أَفَمَن يلقى} [فصلت: 40] وكأنه يريد أنه محذوف دل عليه ما قبله فيمكن أن يقدر يخلدون في النار، ويقدر الخبر على ما استحسنه ابن عطية بعد {حَمِيدٌ} وفي الكشاف أن قوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر} [فصلت: 41] بدل من قوله تعالى: {إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ في ءاياتنا} [فصلت: 40] قال في البحر: ولم يتعرض بصريح الكلام إلى خبر {إن} أمذكور هو أو محذوف لكنه قد يدعى أنه أشار إلى ذلك فإن المحكوم به على المبدل منه هو المحكوم به على البدل فيكون التقديران الذين يلحدون في آياتنا أن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم لا يخفون علينا.
وفي الكشف فائدة هذا الإبدال التنبيه على أنه ما يحملهم على الإلحاد إلا مجرد الكفر، وفيه إمداد التحذير من وجوه ما ذكر من التنبيه؛ ووضع الذكر موضع الضمير الراجع إلى الآيات زيادة تحسير لهم، وما في {لَّمًّا} من معنى مفاجأتهم بالكفر أول ما جاء، وما فيه من التعظيم لشأن الآيات والتمهيد للحديث عن كمال الكتاب الدال على سوء مغبة الملحد فيه، ثم الأشبه أن يحمل كلام الكشاف على أن الخبر محذوف لدلالة السابق عليه ولزيادة التهويل لذهاب الوهم كل مذهب وتكون الجملة بدلًا عن الجملة لأن البدل بتكرير العالم إنما جوز في المجرور لشدة الاتصال انتهى فتأمل والله تعالى الموفق. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} عطف على جملة {ومِن آياته الليل والنهار} [فصلت: 37]، وهذا استدلال بهذا الصنع العظيم على أنه تعالى منفرد بفعله فهو دليل إلهيته دون غيره لأن من يفعل ما لا يفعله غيره هو الإِله الحق وإذا كان كذلك لم يجز أن يتعدد لكون من لا يفعل مثل فعله ناقص القدرة، والنقص ينافي الإِلهية كما قال: {أفمن يخلق كمن لا يخلق} [النحل: 17].
والخطاب في قوله: {أَنَّكَ} لغير معيّن ليصلح لكل سامع.
والخشوع: التذلل، وهو مستعار لحال الأرض إذا كانت مقحطة لا نبات عليها لأن حالها في تلك الخصاصة كحال المتذلّل، وهذا من تشبيه المحسوس بالمعقول باعتبار ما يتخيله الناس من مشابهة اختلاف حالي القحولة والخصب بحالي التذلل والازدهاء.
والاهتزاز حقيقته: مطاوعة هزّهُ، إذا حرَّكه بعد سكونه فتحرّك.
وهو هنا مستعار لربّو وجه الأرض بالنبات، شبّه حال إنباتها وارتفاعها بالماء والنبات بعد أن كانت منخفضة خامدة بالاهتزاز.
ويؤخذ من مجموع ذلك أن هذا التركيب تمثيل، شُبه حال قحولة الأرض ثم إنزال الماء عليها وانقلابها من الجدوبة إلى الخِصب والإنباتتِ البهيج بحال شخص كان كاسف البال رثّ اللباس فأصابه شيء من الغنى فلبس الزينة واختال في مشيته زُهُوًّا، ولذا يقال: هَز عطفيه، إذا اختال في مشيته.
وفي قوله: {خاشعة} و{اهْتَزَّتْ} مكنية بأن شبهت بشخص كان ذليلًا ثم صار مهتزًّا لعطْفيْه ورمز إلى المشبه بهما بذكر رديفيهما.
فهذا من أحسن التمثيل وهو الذي يقبل تفريق أجزائه في أجزاء التشبيه.
وعطف {وَرَبَتْ} على {اهْتَزَّتْ} لأن المقصود من الاهتزاز هو ظهور النبات عليها وتحركه.
والمقصود بالربوّ: انتفاخُها بالماء واعتلاؤها.
وقرأ أبو جعفر {وربأت} بهمزة بعد الموحدة من ربَأ بالهمز، إذا ارتفع.
{وَرَبَتْ إِنَّ الذي أحياها لَمُحْىِ الموتى إِنَّهُ على كُلِّ شَىْءٍ} إدماج لإِثبات البعث في أثناء الاستدلال على تفرده تعالى بالخلق والتدبير، ووقوعه على عادة القرآن في التفنن وانتهاز فرص الهدى إلى الحق.
والجملة استئناف ابتدائي والمناسبة مشابهة الإِحياءين، وحرف التوكيد لمراعاة إنكار المخاطبين إحياء الموتى.
وتعريف المسند إليه بالموصولية لما في الموصول من تعليل الخبر، وشُبه إمداد الأرض بماء المطر الذي هو سبب انبثاق البزور التي في باطنها التي تصير نباتًا بإحياء الميت، فأطلق على ذلك {أحْيَاهَا} على طريق الاستعارة التبعية، ثم ارتُقي من ذلك إلى جَعل ذلك الذي سمي إحياء لأنه شبيه الإحياء دليلًا على إمكان إحياء الموتى بطريقة قياس الشبه، وهو المسمى في المنطق قياس التمثيل، وهو يفيد تقريب المقيس بالمقيس عليه.
وليس الاستدلال بالشبه والتمثيل بحجة قطعية، بل هو إقناعي ولكنه هنا يصيرُ حجة لأن المقيس عليه وإن كان أضعف من المقيس إذ المشبه لا يبلغ قوة المشبه به، فالمشبه به حيث كان لا يَقدر على فعله إلا الخالق الذي اتصف بالقدرة التامة لذاته فقد تساوى فيه قويُّه وضعيفه، وهم كانوا يحيلون إحياء الأموات استنادًا للاستبعاد العادي، فلما نُظِّر إحياء الأموات بإحياء الأرض المشبه تم الدليل الإقناعي المناسب لشبهتهم الإِقناعية.
وقد أشار إلى هذا تذييله بقوله: {إنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)} استئناف ابتدائي قصد به تهديد الذين أهملوا الاستدلال بآيات الله على توحيده.
وقوله: {لا يخفون علينا} مراد به الكناية عن الوعيد تذكيرًا لهم بإحاطة علم الله بكل كائن، وهو متصل المعنى بقوله آنفًا: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم} [فصلت: 22] الآية.
والإِلحاد حقيقته: الميل عن الاستقامة، والآيات تشمل الدلائل الكونية المتقدمة في قوله: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} [فصلت: 9] وقوله: {ومن آياته الليل والنهار} [فصلت: 37] الخ.
وتشمل الآيات القولية المتقدمة في قوله: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه} [فصلت: 26].
فالإِلحاد في الآيات مستعار للعدول والانصراف عن دلالة الآيات الكونية على ما دلت عليه.
والإلحاد في الآيات القولية مستعار للعدول عن سَماعها وللطعن في صحتها وصرف الناس عن سماعها.
وحرف {في} مِن قوله: {فِي ءاياتنا} للظرفية المجازية لإِفادة تمكن إلحادهم حتى كأنه مظروف في آيات الله حيثما كانت أو كلما سمعوها.
ومعنى نفي خفائهم: نفي خفاء إلحادهم لا خفاء ذواتهم إذ لا غرض في العلم بذواتهم.
{عَلَيْنَا أفَمَن يلقى في النار خَيْرٌ أَم مَّن يأتى ءَامِنًا يَوْمَ}.
تفريع على الوعيد في قوله: {لا يَخْفُونَ عَلَيْنَا} لبيان أن الوعيد بنار جهنم تعريض بالمشركين بأنهم صائرون إلى النار، وبالمؤمنين بأنهم آمنون من ذلك.
والاستفهام تقريع مستعمل في التنبيه على تفاوت المرتبتين.
وكنّي بقوله: {يَأتِي ءَامِنًا} أن ذلك الفريق مصيره الجنة إذ لا غاية للأمن إلا أنه في نعيم.
وهذه كناية تعريضية بالذين يُلحدون في آيات الله.
وفي الآية محسن الاحتباك، إذ حذف مقابل: من يُلقَى في النار وهو: من يدخل الجنة، وحذف مقابل: {مَن يأتي ءامنًا} وهو: من يأتي خائفًا، وهم أهل النار.
{القيامة اعملوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ} الجملة تذييل لجملة {إنَّ الذين يُلْحِدون في ءاياتنا} الخ، كما دل عليه قوله عقبه: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم} [فصلت: 41] الآية، أي لا يخفى علينا إلحادهم ولا غيره من سيِّىء أعمالهم.
وإنما خص الإِلحاد بالذكر ابتداء لأنه أشنع أعمالهم ومصدر أسوائها.
والأمر في قوله: {اعْمَلُوا ما شِئْتُم} مستعمل في التهديد، أو في الإِغراء المكنّى به عن التهديد.
وجملة: {إنَّه بِمَا تعمَلونُ بَصِيرٌ} وعيد بالعقاب على أعمالهم على وجه الكناية.
وتوكيده ب إنَّ لتحقيق معنييه الكنائي والصريح، وهو تحقيق إحاطة علم الله بأعمالهم لأنهم كانوا شاكين في ذلك كما تقدم في قصة الثلاثة الذين نزل فيهم قوله تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم} [فصلت: 22] الآية.