فصل: بصيرة في وسع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.بصيرة في وسع:

وَسِعَهُ الشيء بالكسر يَسَعُه سَعَةً وسِعَة كدَعَة وزِنَةٍ. وقرأَ زَيْدُ بن علىّ: {وَلَمْ يُؤْتَ سِعَةً} بالكسر.
والواسِعُ من صِفات الله تعالى الذي وَسِع رِزْقُه جميع خَلْقِه، ووَسِعَت رحمتُه كلَّ شىءِ. وقال ابن الأَنبارىّ: هو الكثيرُ العطاءِ، والَّذى يَسَعُ لما يُسْأَل. ويقال: معناه: المُحيط بكلّ شئ من قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}. ويقال: إِنَّه لَيَسْعُنَى ما وَسِعَكَ. ويُقال: ما أَسَعُ ذلك، أَى ما أُطِيقُه. وفى النَّوادر: الَّلهُمَّ سَعْ عَلَيْه، أَى وَسّع عليه. ويقال: لِيَسَعْكَ بَيْتُك، معناه: القَرارُ فيه.
وهذا الوعاءُ يَسَعه عِشْرون كَيْلًا على مِثال: أَنا أَسَعُ هذا الأَمرَ.
وهذا الأَمرُ يَسَعُنْى. قال أَبو زُبَيْد حَرْمَلَة بن المُنْذِرالطَّائىّ:
حَمّالُ أَثْقالِ أَهْلِ الوُدِّ آونَةً ** أُعْطِيهُمُ الجَهْدَ منِّى بَلْهَ ما أَسَعُ

ويقال أَيضًا: هذا يَسَعُ عِشْرِين كَيْلًا، معناه: يَسَعُ لِعشرين، أَى يتَّسِع لذلك. ومِثْلُه: هذا الخُفُّ يَسَعُ رِجْلِى، أَى يتَّسع لَها وعليها. وتقول: هذا يَسَعُه عشرون كَيْلًا، أَى يَسَعُ فيه عِشْرِين كَيْلًا، ويقال: وَسِعَتْ رحمةُ اللهِ كلّ شئ ولكلّ شئ وعلى كلِّ شىءٍ. وفى حديث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنكم لن تَسَعُوا النَّاسَ بأَمْوالِكم فَلْيَسَعْهم منكم بَسْطُ وَجْه وحُسْنُ خُلُق».
والوُسْعُ والوَسْعُ بالحركات الثلاث: السَّعَةُ والجدَةُ والطَّاقَةُ. وقرأَ ابن أَبِى عَيْلة: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وَسْعَها} بالفتح، وقرأ عِكْرِمَةُ: {وسِْعَها} بالكسر. والهاءُ في السَّعَةِ عِوَضٌ عن الواو. وشئ وَسِيعٌ، أَى واسِعٌ.
ويَسَع: اسمٌ من أَسماءِ العَجَم، وقد أُدْخِل عليه الأَلفُ واللاَّم، وهما لا يَدْخلان على نظائره، نحو يَعْمُرَ ويَزيدَ ويَشْكُرَ. وقرأَ حَمزة والكسائىّ وخَلَف.
واللَّيْسَع بِلامَيْن، وقرأَ الباقون {والْيَسَع} بلامٍ واحدة.
وأَوسع الرّجلُ صارَ ذا سَعَة وغِنىً، قال الله تعالى: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أَى أَغنياءُ قادِرون. وأَوْسَعَ الله عليك، أَى أَغْناك. وأَوْسعْتُ المكانَ: وجدتُه واسِعًا، يقال: أَوْسَعْتَ فابْنِ والتَّوّسِيعُ: خلاف التَّضْيْيق وتَوَسَّعُوا في المَجْلس أَى تَفَسَّحوا. واسْتَوْسَعَ: اتَّسع. وقولُ النابغة:
تَسَعُ البلادُ إِذا أَتَيْتُكُ زائرًا ** وإِذا هَجَرْتُك ضاقَ عَنِّى مَقْعَدِى

أَى تتَوَسَّع لى البِلادُ.
واعلم أَنَّ السَّعَة تكونُ في الأَمكِنَة وفى الحال، وفى الفعل، كالقُدْرة والجُودِ ونحو ذلك، ففى المكان نحو قوله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً}، وفى الحال: نحو {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ}.
قال أَبو القاسم: الوُسْعُ من القُدْرَة: ما يَفْضُل عن قَدْرِ المكلَّف، قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} تنبيهًا أَنَّه يكلِّف عبدَه دون ما تَنُوءُ به قُدْرَته. وقيل: معناه: يُكلِّفه ما يُثْمِرُ له السَّعَة، أَى جَنَّة عرضُها السماوات والأَرض.
وقوله تعالى: {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} وقوله: {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، {وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} عبارة عن سَعَةِ عِلْمه وقُدْرته وأَفضْاله ورَحْمَته، كقوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (248):

قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان أغلبهم واقفًا مع المشاهدات غير ثابت القدم في الإيمان بالغيب قال: {وقال لهم نبيهم} مثبتًا لأمر طالوت {إن آية} أي علامة {ملكه} قال الحرالي: وقل ما احتاج أحد في إيمانه إلى آية خارقة إلا كان إيمانه إن آمن غلبة يخرج عنه بأيسر فتنة، ومن كان إيمانه باستبصار ثبت عليه ولم يحتج إلى آية، فإن كانت الآية كانت له نعمة ولم تكن عليه فتنة {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلاّ أن كذب بها الأولون وما نرسل بالآيات إلاّ تخويفًا} [الإسراء: 59] فإن الآيات طليعة المؤاخذة والاقتناع بالاعتبار طليعة القبول والثبات- انتهى.
{أن يأتيكم} أي من غير آت به ترونه {التابوت} قال الحرالي: ويعز قدره- انتهى.
وهو والله سبحانه وتعالى أعلم الصندوق الذي وضع فيه اللوحان اللذان كتب فيهما العشر الآيات التي نسبتها من التوراة نسبة فاتحة الكتاب من القرآن وهو يسمى تابوت الشهادة كما تقدم ذكره في وصف قبة الزمان فيما مضى أول قصة بني إسرائيل وكانوا إذا حاربوا حمله جماعة منهم موظفون لحمله ويتقدمون به أمام الجيش فيكون ذلك سبب نصرهم وكان العمالقة أصحاب جالوت لما ظهروا عليهم أخذوه في جملة ما أخذوا من نفائسهم وكأن عهدهم به كأن قد طال فذكّرهم بماثره ترغيبًا فيه وحملًا على الانقياد لطالوت فقال: {فيه سكينة} أي شيء يوجب السكون والثبات في مواطن الخوف.
وقال الحرالي: معناه ثبات في القلوب يكون له في عالم الملكوت صورة بحسب حال المثبت، ويقال: كانت سكينة بني إسرائيل صورة هرّ من ياقوت ولؤلؤ وزبرجد ملفق منه أعضاء تلك الصورة تخرج منه ريح هفّافة تكون علم النصر لهم- انتهى.
وزاده مدحًا بقوله: {من ربّكم} أي الذي طال إحسانه إليكم وتربيته باللطف لكم.
وقال الحرالي وغيره: إنه كان في التابوت صورة يأتي منها عند النصر ريح تسمع.
قال الحرالي: كما كانت الصبا تهب لهذه الأمة بالنصر، قال صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا» فكانت سكينتها كلية آفاقها وتابوتها كلية سمائها حتى لا تحتاج إلى محمل يحملها ولا عدة تعدها لأنها أمة أمية تولى الله لها إقامة علمها وأعمالها- انتهى. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن ظاهر الآية المتقدمة يدل على أن أولئك الأقوام كانوا مقرين بنبوة النبي الذي كان فيهم لأن قوله تعالى حكاية عنهم {إِذْ قَالُواْ لِنَبِىّ لَّهُمُ ابعث لَنَا مَلِكًا} كالظاهر في أنهم كانوا معترفين بنبوة ذلك النبي، ومقرين بأنه مبعوث من عند الله تعالى، ثم إن ذلك النبي لما قال: {إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} كان هذا دليلًا قاطعًا في كون طالوت ملكًا، ثم إنه تعالى لكمال رحمته بالخلق، ضم إلى ذلك الدليل دليلًا آخر يدل على كون ذلك النبي صادقًا في ذلك الكلام، ويدل أيضًا على أن طالوت نصبه الله تعالى للملك وإكثار الدلائل من الله تعالى جائز، ولذلك أنه كثرت معجزات موسى عليه السلام، ومحمد عليه الصلاة والسلام، فلهذا قال تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت} أي إتيانُ التابوت، والتابوت كان من شأنه فيما ذكر أنه أنزله الله على آدم عليه السلام، فكان عنده إلى أن وصل إلى يعقوب عليه السلام، فكان في بني إسرائيل يَغلبون به من قاتلهم حتى عَصَوْا فَغُلبوا على التابوت غلبهم عليه العمالقة: جالوت وأصحابه في قول السدي، وسلبوا التابوت منهم.
قلت: وهذا أدل دليل على أن العصيان سبب الخذلان، وهذا بَيِّن.
قال النحاس: والآية في التابوت على ما رُوي أنه كان يسمع فيه أنِينٌ، فإذا سمعوا ذلك ساروا لحربهم، وإذا هَدأَ الأنين لم يسيروا ولم يسِر التابوت.
وقيل: كانوا يضعونه في مأزق الحرب فلا تزال تَغلِب حتى عصوا فغُلبوا وأُخِذ منهم التابوت وذلّ أمرهم؛ فلما رأُوا آية الاصْطِلام وذهاب الذكر، أنِف بعضهم وتكلموا في أمرهم حتى اجتمع ملؤهم أن قالوا لنبيّ الوقت: ابعث لنا ملكًا؛ فلما قال لهم: ملككم طالوت راجعوه فيه كما أخبر الله عنهم؛ فلما قطعهم بالحجة سألوه البيِّنة على ذلك، في قول الطبريّ.
فلما سألوا نبيهم البينة على ما قال، دعا ربه فنزل بالقوم الذين أخذوا التابوت داءٌ بسببه، على خلاف في ذلك.
قيل: وضعوه في كنيسة لهم فيها أصنام فكانت الأصنام تصبح منكوسة.
وقيل: وضعوه في بيت أصنامهم تحت الصنم الكبير فأصبحوا وهو فوق الصنم، فأخذوه وشدّوه إلى رجليه فأصبحوا وقد قُطعت يدا الصنم ورجلاه وألقيت تحت التابوت؛ فأخذوه وجعلوه في قرية قوم فأصاب أُولئك القوم أوجاع في أعناقهم.
وقيل: جعلوه في مَخْرأة قوم فكانوا يُصيبهم الباسُور؛ فلما عظم بلاؤهم كيفما كان، قالوا: ما هذا إلا لهذا التابوت! فلنردّه إلى بني إسرائيل فوضعوه على عجلة بين ثورين وأرسلوهما في الأرض نحو بلاد بني إسرائيل، وبعث الله ملائكة تسوق البقرتين حتى دخلتا على بني إسرائيل، وهم في أمر طالوت فأيقنوا بالنصر؛ وهذا هو حمل الملائكة للتابوت في هذه الرواية. اهـ.

.قال الطبري:

وهذا الخبر من الله تعالى ذكره عن نبيه الذي أخبر عنه به، دليل على أن الملأ من بني إسرائيل الذين قيل لهم هذا القول، لم يقروا ببعثة الله طالوت عليهم ملكا إذ أخبرهم نبيهم بذلك، وعرفهم فضيلته التي فضله الله بها، ولكنهم سألوه الدلالة على صدق ما قال لهم من ذلك وأخبرهم به. فتأويل الكلام، إذ كان الأمر على ما وصفنا: {والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم}، فقالوا له: ما آية ذلكإن كنت من الصادقين؟ {قال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} وهذه القصة وإن كانت خبرا من الله تعالى ذكره عن الملإ من بني إسرائيل ونبيهم، وما كان من ابتدائهم نبيهم بما ابتدءوا به من مسألته أن يسأل الله لهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيله، ونبأً عما كان منهم من تكذيبهم نبيهم بعد علمهم بنبوته، ثم إخلافهم الموعد الذي وعدوا الله ووعدوا رسوله، من الجهاد في سبيل الله، بالتخلف عنه حين استنهضوا لحرب من استنهضوا لحربه، وفتح الله على القليل من الفئة، مع تخذيل الكثير منهم عن ملكهم وقعودهم عن الجهاد معه فإنه تأديب لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذراريهم وأبنائهم يهود قريظة والنضير، وأنهم لن يعدوا في تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم فيما أمرهم به ونهاهم عنه مع علمهم بصدقه، ومعرفتهم بحقيقة نبوته، بعد ما كانوا يستنصرون الله به على أعدائهم قبل رسالته، وقبل بعثة الله إياه إليهم وإلى غيرهم أن يكونوا كأسلافهم وأوائلهم الذين كذبوا نبيهم شمويل بن بالي، مع علمهم بصدقه، ومعرفتهم بحقية نبوته، وامتناعهم من الجهاد مع طالوت لما ابتعثه الله ملكا عليهم، بعد مسألتهم نبيهم ابتعاث ملك يقاتلون معه عدوهم ويجاهدون معه في سبيل ربهم، ابتداء منهم بذلك نبيهم، وبعد مراجعة نبيهم شمويل إياهم في ذلك وحض لأهل الإيمان بالله وبرسوله من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيله، وتحذير منه لهم أن يكونوا في التخلف عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم عند لقائه العدو، ومناهضته أهل الكفر بالله وبه، على مثل الذي كان عليه الملأ من بني إسرائيل في تخلفهم عن ملكهم طالوت إذ زحف لحرب عدو الله جالوت، وإيثارهم الدعة والخفض على مباشرة حر الجهاد والقتال في سبيل الله وشحذ منه لهم على الإقدام على مناجزة أهل الكفر به الحرب، وترك تهيب قتالهم أن قل عددهم وكثر عدد أعدائهم واشتدت شوكتهم بقوله: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة البقرة: 249]، وإعلام منه تعالى ذكره عباده المؤمنين به أن بيده النصر والظفر والخير والشر. اهـ.