فصل: قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعنه أيضًا: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقالت عائشة، وقيس بن أبي حازم، وعكرمة، ومجاهد: نزلت في المؤذنين، وينبغي أن يتأول قولهم على أنهم داخلون في الآية، وإلا فالسورة بكمالها مكية بلا خلاف.
ولم يكن الأذان بمكة، إنما شرع بالمدينة، والدعاء إلى الله يكون بالدعاء إلى الإسلام وبجهاد الكفار وكف الظلمة.
وقال زيد بن علي: دعا إلى الله بالسيف، وهذا، والله أعلم، هو الذي حمله على الخروج بالسيف على بعض الظلمة من ملوك بني أمية.
وكان زيد هذا عالمًا بكتاب الله، وقد وقفت على جملة من تفسيره كتاب الله وإلقائه على بعض النقلة عنه وهو في حبس هشام بن عبد الملك، وفيه من العلم والاستشهاد بكلام العرب حظ وافر، يقال: إنه كان إذا تناظر هو وأخوه محمد الباقر اجتمع الناس بالمحابر يكتبون ما يصدر عنهما من العلم، رحمهما الله ورضي عنهما.
وقال أبو العالية: {وعمل صالحًا}: صلى بين الأذان والإقامة.
وقال عكرمة: صلى وصام.
وقال الكلبي: أدّى الفرائض.
وقال مجاهد: هي عامة في كل من جمع بين هذه الثلاثة أن يكون موحدًا معتقدًا لدين الإسلام، عاملًا بالخير داعيًا إليه، ومآلهم إلى طبقة العالمين العاملين من أهل العدل والتوحيد الدعاة إلى دين الإسلام.
انتهى، ويعني بذلك المعتزلة، يسمون أنفسهم أهل العدل والتوحيد، ويوجد ذلك في أشعارهم، كما قال ابن أبي الحديد المعتزلي، صاحب كتاب الفلك الدائر في الرد على كتاب المثل السائر، قال من كلامه: أنشدنا عنه الإمام الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمه الله تعالى:
لولا ثلاث لم أخف صرعتي ** ليست كما قال فتى العبد

أن أنصر التوحيد والعدل في ** كل مقام باذلًا جهدي

وأن أناجي الله مستمتعًا ** بخلوة أحلى من الشهد

وأن أصول الدهر كبرًا على ** كل لئيم أصعر الخد

لذاك أهوى لا فتاة ولا خمر ** ولا ذي ميعة نهد

{وقال إنني من المسلمين}: ليس المعنى أنه تكلم بهذا، بل جعل الإسلام معتقده.
كما تقول: هذا قول الشافعي، أي مذهبه.
وقرأ ابن أبي عبلة، وإبراهيم بن نوح عن قتيبة الميال: {وقال إني} بنون مشددة واحدة؛ والجمهور: إنني بها وبنون الوقاية.
وقال أبو بكر بن العربي: لم يشترط إلا إن شاء الله، ففيه رد على من يقول: أنا مسلم إن شاء الله.
ولما ذكر تعالى أنه لا أحد أحسن ممن دعا إلى الله، ذكر ما يترتب على ذلك من حسن الأخلاق، وأن الداعي إلى الله قد يجافيه المدعو، فينبغي أن يرفق به ويتلطف في إيصال الخير فيه.
قيل: ونزلت في أبي سفيان بن حرب، وكان عدوًّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار وليًا مصافيًا.
وقال ابن عباس: الحسنة لا إله إلا الله، والسيئة الشرك.
وقال الكلبي: الدعوتان إليهما.
وقال الضحاك: الحلم والفحش.
وعن علي: حب الرسول وآله وبغضهم.
وقيل: الصبر والنفور.
وقيل: المداراة والغلظة.
وقيل: العفو والاقتصاد، وهذه أمثلة للحسنة والسيئة، لا على طريق الحصر.
ولما تفاوتت الحسنة والسيئة، أمر أن يدفع السيئة بالأحسن، وذلك مبالغة، ولم يقل: ادفع بالحسنة السيئة، لأن من هان عليه الدفع بالأحسن هان عليه الدفع بالحسن، أي وإذا فعلت ذلك، {فإذا الذي بينك وبينه عداوة} صار لك كالولي: الصديق الخالص الصداقة، ولا في قوله: {ولا السيئة} زائدة للتوكيد، كهي في قوله: {ولا الظل ولا الحرور} لأن استوى لا يكتفي بمفرد، فإن إحدى الحسنة والسيئة جنس لم تكن زيادتها كزيادتها في الوجه الذي قبل هذا، إذ يصير المعنى: ولا تستوي الحسنات، إذ هي متفاوتات في أنفسها، ولا السيئات لتفاوتها أيضًا.
قال ابن عطية: دخلت كأن للتشبيه، لأن الذي عند عداوة لا يعود وليًا حميمًا، وإنما يحسن ظاهره، فيشبه بذلك الولي الحميم، وعن ابن عباس: {بالتي هي أحسن}: الصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة.
وقال مجاهد، وعطاء: السلام عند اللقاء.
انتهى، أي هو مبدأ الدفع بالأحسن، لأنه محصور فيه.
وعن مجاهد أيضًا: أعرض عن أذاهم.
وقال أبو فراس الحمداني:
يجني عليّ وأجنو صافحًا أبدا ** لا شيء أحسن من جان على جان

{وما يلقاها}: الضمير عائد على الفعلة والسجية التي هي الدفع بالأحسن.
وقرأ طلحة بن مصرف، وابن كثير في رواية: {وما يلاقاها} من الملاقاة.
وقرأ الجمهور: من التلقي، وكأن هذه الخصلة الشريفة غائبة، فما يصادفها ويلقيها الله إلا لمن كان صابرًا على الطاعات، صارفًا عن الشهوات، ذا حظ عظيم من خصال الخير، قاله ابن عباس، فيكون مدحًا؛ أو {ذو حظ عظيم} من ثواب الآخرة، قاله قتادة، فيكون وعدًا.
وقيل: إلا ذو عقل.
وقيل: ذو خلق حسن، وكرر {وما يلقاها} تأكيدًا لهذه الفعلة الجميلة الجليلة.
وقيل: الضمير في يلقاها عائد على الجنة.
وحكى مكي: {وما يلقاها}: أي شهادة أن لا إله إلا الله، وفيه بعد.
ولما أمر تعالى بدفع السيئة بالأحسن، كان قد يعرض للمسلم في بعض الأوقات مقابلة من أساء بالسيئة، فأمره، إن عرض له ذلك، أن يستعيذ بالله، فإن ذلك من نزغ الشيطان، وتقدم تفسير نظير هذه الآية في أواخر الأعراف.
ولما بين تعالى أن أحسن الأعمال والأقوال هو نظير هذه الآية الدعوة إلى الله، أردفه بذكر الدلائل العلوية والسفلية، وعلى قدرته الباهرة وحكمته البالغة وحجته القاطعة، فبدأ بذكر الفلكيات بالليل والنهار، وقدم ذكر الليل، قيل تنبيهًا على أن الظلمة عدم والنور وجود، وناسب ذكر الشمس بعد النهار، لأنها سبب لتنويره ويظهر العالم فيه، ولأنها أبلغ في التنوير من القمر، ولأن القمر فيما يقولون مستفاد نوره من نور الشمس.
ثم نهى تعالى عن السجود لهما، وأمر بالسجود للخالق تعالى.
وكان ناس يعبدون الشمس، كما جاء في قصة بلقيس وقومها.
والضمير في {خلقهن} عائد على الليل والنهار والشمس والقمر.
قال الزمخشري: لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى، أي الإناث، يقال: الأقلام بريتها وبريتهن.
انتهى، يريد ما لا يعقل من الذكر، وكان ينبغي أن يفرق بين جمع القلة من ذلك، فإن الأفصح أن يكون كضمير الواحدة، تقول: الأجذاع انكسرت على الأفصح، والجذوع انكسرن على الأفصح.
والذي تقدّم في الآية ليس بجمع قلة، أعني بلفظ واحد، ولكنه ذكر أربعة متعاطفة، فتنزلت منزلة الجمع المعبر عنها بلفظ واحد.
وقال الزمخشري: ولما قال: {ومن آياته}، كن في معنى الآيات، فقيل: {خلقهن}.
انتهى، يعني أن التقدير والليل والنهار والشمس والقمر آيات من آياته، فعاد الضمير على آيات الجمع المقدر في المجرور.
وقيل: يعود على الآيات المتقدم ذكرها.
وقيل: على الشمس والقمر، والاثنان جمع، وجمع ما لا يعقل يؤنث، ومن حيث يقال شموس وأقمار لاختلافهما بالأيام والليالي، ساغ أن يعود الضمير مجموعًا.
{إن كنتم إياه تعبدون}: أي إن كنتم موحدين غير مشركين، والسجدة عند الشافعي عند قوله: {تعبدون}، وهي رواية مسروق عن عبد الله لذكر لفظ السجدة قبلها، وعند أبي حنيفة عند قوله: {لا يسأمون}، لأنها تمام المعنى، وفي التحرير: كان علي وابن مسعود يسجدان عند {تعبدون}.
وقال ابن وهب والشافعي: عند {يسأمون}، وبه قال أبو حنيفة، وسجد عندها ابن عباس وابن عمر وأبو وائل وبكر بن عبد الله، وكذلك روي عن مسروق والسلمي والنخعي وأبي صالح وابن سيرين.
انتهى ملخصًا.
{فإن استكبروا}: أي تعاظموا على اجتناب ما نهيت من السجود لهذين المحدثين المربوبين، وامتثال ما أمرت به من السجود للخالق لهن؛ فإن الملائكة الذين هم عند الله بالمكانة والرتبة الشريفة ينزهونه عن ما لا يليق بكبريائه، {وهم لا يسأمون}: أي لا يملون ذلك، وهم خير منكم، مع أنه تعالى غني عن عبادتكم وعبادتهم.
ولما ذكر شيئًا من الدلائل العلوية، ذكر شيئًا من الدلائل السفلية فقال: {ومن أياته أنك ترى الأرض خاشعة}: أي غبراء دارسة، كما قال:
ونؤى كجذم الحوض أبلم خاشع

استعير الخشوع لها، وهو التذلل لما ظهر بها من القحط وعدم النبات وسوء العيش عنها، بخلاف أن تكون معشبة وأشجارًا مزهرة ومثمرة، فذلك هو حياتها.
وقال السدّي: خاشعة ميتة يابسة، وتقدّم الكلام على قوله: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} تفسيرًا وقراءة في أوائل سورة الحج.
{إن الذين أحياها لموحي الموتى}: يرد الأرواح إلى الأجساد، {إنه على كل شيء قدير}: لا يعجزه شيء تعلقت به إرادته. اهـ.

.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)} قرأ هذا الحرف عامة القراء غير نافع {يحشر} بضم الياء وفتح الشين مبنيًّا للمفعول {أعداء الله} بالرفع على أنه نائب الفاعل.
وقرأه نافع وحمزة، من السبعة {نحشر أعداء الله} بالنون المفتوحة الدالة على العظمة، وضم الشين مبنيًّا للفاعل، {أعداء الله} بالنصب على أنه مفعول به، أي واذكر {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ الله} أي يجمعون إلى النار.
وما دلت عليه هذه الآية، من أن الله أعداء، وأنهم يحشرون يوم القيامة إلى النار. جاء مذكورًا في آيات أخر.
فبين في بعضها أن له أعداء وأن أعداءه المؤمنين وأن جزاءهم النار كقوله تعالى: {مَن كَانَ عَدُوًّا للَّهِ وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98] وقوله تعالى: {وَمِن رِّبَاطِ الخيل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ} [الممتحنة: 1] الآية.
وقوله تعالى: {فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ} [طه: 39] وقوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ الله النار لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ} [فصلت: 28] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي يرد أولهم إلى آخرهم، ويلحق آخرهم بأولهم، حتى يجتمعوا جميعًا، ثم يدفعون في النار، وهو من قول العرب: وزعت الجيش، إذا حبست أوله على آخره حتى يجتمع.
وأصل الوزع الكف، تقول العرب وزعه، يزعه وزعًا، فهو وازع له، إذا كفه عن الأمر، ومنه قول نابغة ذبيان:
على حين عاتبت المشيب على الصبا ** فقلت ألمًا أصح والشيب وازع

وقول الآخر:
ولن يزع النفس اللجوج عن الهوى ** من الناس إلا وافر العقل كامله

وبما ذكرنا تعلم أن أصل معنى يوزعون. أي يكف أولهم عن التقدم وآخرهم عن التأخر حتى يجتمعوا جميعًا.
وذلك يدل على أنهم يساقون سوقًا عنيفًا، يجمع به أولهم مع آخرهم.
وقد بين تعالى أنهم يساقون إلى النار في حال كونهم عطاشًا في قوله تعالى: {وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مريم: 86]، ولعل الوزع المذكور في الآية يكون في الزمرة الواحدة من زمر أهل النار، لأنهم يساقون إلى النار زمرًا زمرًا كما قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الزمر في الكلام على قوله تعالى: {وَسِيقَ الذين كفروا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا} [الزمر: 71] الآية.
{حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20)} قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة يس في الكلام على قوله تعالى: {اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أيْدِيهِمْ} [يس: 65] الآية، وفي سورة النساء في الكلام على قوله تعالى: {وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثًا} [النساء: 42].
وبينا هناك وجه الجمع بين قوله تعالى: {وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثًا} [النسا: 42] مع قوله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23].
قوله تعالى: {ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الذي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الخاسرين فَإِن يَصْبِرُواْ فالنار مَثْوًى لَّهُمْ}.
قد قدمنا الكلام عليه في سورة ص في الكلام على قوله تعالى: {ذَلِكَ ظَنُّ الذين كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النار} [ص: 27].
قوله تعالى: {وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ المعتبين}.
قد بينا معناه مع شواهده العربية في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [النحل: 84].
قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}.
لعلماء التفسير في تفسير قوله: {وَقَيَّضْنَا} عبارات يرجع بعضها، في المعنى إلى بعض.