فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في الذوق:
ذاقَه ذَوْقًا وذَوَقًا وَمَذَاقًا: اختبر طعمه.
وأصله فيما يقلّ تناوله دون ما يكثر؛ فإِن ما يكثر من ذلك يقال له الأَكل.
واختير في القرآن لفظ الذَّوق للعذاب لأَنَّ ذلك وإِن كان في التعارف للقليل فهو مستصلَح للكثير، فخصَّه بالذِّكْر لِيُعلم الأَمرين.
وكثر استعماله في العذاب، وقد جاءَ في الرّحمة نحو: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا}.
ويعبَّر به عن الاختبار، يقال: أَذقته كذا فذاق، ويقال: فلان ذاق كذا وأَنا أَكلته، أي خَبَرته أَكثر ممّا خبره.
وقوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} فاستعمال الذَّوق مع اللِّباس من أَجْل أَنه أُريد به التجربة والاختبار، أي جعلها بحيث تمارس الجوع، وقيل: إِنَّ ذلك على تقدير كلامين كأَنَّه قيل أَذاقها الجوعَ والخوف وأَلبسها لباسهما.
وقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً} استُعمل في الرَّحمة الإِذاقة وفى مقابلتها الإِصابة في قوله: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} تنبيهًا على أَنَّ الإِنسان بأَدنى ما يعطَى من النعمة يبطَر ويأشَر.
وقال بعض مشايخنا: الذَّوق: مباشرة الحاسّة الظَّاهرة أَو الباطنة، ولا يختصّ ذلك بحاسة الفم في لغة القرآن، بل ولا في لغة العرب، قال: {وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ}، وقال تعالى: {هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ}، وقال: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}.
فتأَمَّلْ كيف جمع الذَّوق واللِّباس حتىََّ يدلَّ على مباشرة الذوق وإِحاطته وشموله، فأَفاد الإِخبارُ عن إِذاقته أَنَّه واقع مباشر غير منتظر؛ فإنَّ الخوف قد يُتوقَّع ولا يباشر، وأَفاد الإِخبارُ عن لباسه أَنَّه محيطٌ شامل كاللِّباس للبدن.
وفى الصحيح عن النَّبى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ذاقَ طعم الإِمان مَن رَضِىَ باللهِ ربًّا وبالإِسلام دينًا وبمحمّد رسولًا» فأَخبر أَنَّ للإِيمان طعمًا، وأَنَّ القلب يذوقه كما يذوق الفم طعمَ الطَّعام والشَّراب.
وقد عبّر النَّبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن إِدراك حقيقة الإِيمان والإِحسان وحصوله للقلب ومباشرته له بالذَّوق تارة، وبالطعامِ والشراب تارةً، وبوِجدان الحلاوة تارة، كما قال: «ذاق طعم الإِيمان» الحديث، وقال: «ثلاث مَن كُنَّ فيه وجد حلاوة الإِيمان».
والذَّوق عند العارفين: منزل من منازل السّاليكن أَثبتُ وأَرسخ من منزلة الوَجْد عندهم.
وسيأتى الكلام فيه في فنِّ علم التصوّف إِن شاءَ الله. اهـ.

.تفسير الآيات (51- 54):

قوله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين جهل الإنسان في حالات مخصوصة باليأس عند مس الشر، والأمن عند ذوق النعمة بعد الضر، بين حاله عند النعمة مطلقًا ودعاءه عند الشر وإن كان قانطًا تكريرًا لتقلب أحواله وتناقص أقواله وأفعاله تصريفًا لذلك على وجوه شتى ليكون داعيًا له إلى عدم الأنفة من الرجوع عن الكفر إلى الإيمان، ومسقطًا عنه خوف الشبه بذلك والنسبة إلى الخفة وعدم الثبات، فقال معبرًا بأداة التحقيق دلالة على غلبة نعمه تعالى في الدنيا لنقمه، ودلالة على حالة الإنسان عند مس النعمة من جهة يتوقعها بعد بيان حاله عند مسها بغتة من غير توقع تأكيدًا لبيان جهله حيث جعل ظرف النعمة ظرفًا للإعراض من غير خوف من نزعها على قرب عهده بالضر: {وإذا أنعمنا} مما لنا من العظمة والإحسان {على الإنسان} أي الواقف مع نفسه نعمة تليق بعظمتنا فمسه الخير ولم يعبر في هذا الجانب بما عبر به في الذي بعده إيذانًا بأن المعرض مسيء لمجرد الإعراض لا المبالغة فيه فقال: {أعرض} أي انحرف عن سواء القصد إلينا عنا في جميع مدة النعمة- بما أفهمه الظرف، فلم يقيد تلك النعمة بالشكر بعد ما رأى من حلالنا، قاطعًا بأن تلك النعمة خير محض ظاهرًا وباطنًا فهو يستديمها، وربما كانت بلاء استدراجًا وامتحانًا {وناء} أي أبعد إبعادًا شديدًا بحيث جعل بيننا وبينه حجابًا عظيمًا حال كونه مال {بجانبه} أي بشقه كناية عن تكبره وبأوه وإعجابه بنفسه وزهوة وتصويرًا له بمن كلمته فازور عنك والتوى، وأبعد في ضلاله وغوى.
ولما تقدم حال الإنسان عند مس الشر بغتة، بين حاله عند مسه وهو يتوقعه، فقال معبرًا في جانب الشر بأداة التحقيق على غير عادة القرآن في الأغلب، ليدل على أنه لزيادة جهله على الحد يلزم الكبر وإن كان يتوقع الشر ولا يزال حاله حال الآمن إلى أن يخالطه وحينئذ تنحل عراه وتضمحل قوله: {وإذا مسه الشر} أي هذا النوع قليله وكثيره لانتقامنا منه، فالآية من الاحتباك: ذكر الإنعام أولًا دليلًا الانتقام ثانيًا وذكر الشر ثانيًا دليل الخير أولًا، وسره تعليم الأدب بنسبة الإنعام دون الشر إليه وإن كان الكل منه.
ولما كان تعظيم العرض دالًا على عظمة الطول، قال معبرًا بما يدل على الملازمة والدوام: {فذو دعاء} أي في كشفه، وربما كان نعمة باطنة وهو لا يشعر ولا يدعو إلا عند المس، وقد كان ينبغي له أن يشرع في الدعاء عند التوقع بل قبله تعرفًا إلى الله تعالى في الرخاء ليعرفه في الشدة وهو خلق شريف لا يعرفه إلا أفراد خصهم الله بلطفه، فدل تركه على عدم شره لما مضى وخفة عقله لما يأتي ومفاجأته للزوم الدعاء عند المس على عدم صبره وتلاشي جلده وقله حيائه {عريض} أي مديد العرض جدًا، وأما طوله فلا تسأل عنه، وهذا كناية عن النهاية في الكثرة.
ولما ذكر سبحانه من أحوالهم المندرجة في أحوال هذا النوع كله ما هو مكشوف بشاهد الوجود من أنه لا ثبات لهم لاسيما عند الشدائد إعلامًا بالعراقة في الجهل والعجز، دل على الأمرين معا بما لا يمكن عاقلًا دفعه من أنهم لا يجوزون الممكن فيعدون له ما يمتعه على تقدير وقوعه، فأمره- صلى الله عليه وسلم- أن يذكر ذلك إيذانًا بالإعراض عنهم دليلًا على تناهي الغضب: {قل أرأيتم} أي أخبروني {إن كان} أي هذا القرآن الذي نصبتم لمغالبته حتى بالإعراض عن السماع باللغو حال قراءته من الصفير والتصفيق وغير ذلك، وليس ذلك منكم صادرًا عن حجة قاطعة في أمره أتم معها على يقين بل هو عن خفة وعدم تأمل منكم أنه {من عند الله} الذي له الإحاطة بجميع صفات الجلال والجمال فهو لا يغالب.
ولما كان الكفر به على هذا التقدير في غاية البعد، وكان مقصود السورة دائرًا على العلم، نبه على ذلك بأداة التراخي مع الدلالة على أن ذلك ما كان منهم إلا بعد تأمل طويل، فكانوا معاندين حتى نزلوا بالصفير والتصفيق من أعلى رتب الكلام إلى أصوات الحيوانات العجم فقال: {ثم كفرتم به} أي بعد إمعان النظر فيه والتحقق لأنه حق، فكنتم بذلك في شقاق هو في غاية البعد من الملائمة لمن لم يزل يستعطفكم بجميل أفعاله، ويردكم بجليل أقواله وآمن به غيركم لأنه من عند الله {من أضل} منكم- هكذا كان الأصل ولكنه قال: {ممن هو في شقاق} أي لأولياء الله {بعيد} تنبيهًا على أنهم صاروا كذلك، وأن من صار كذلك فقد عرض نفسه لسطوات الله وتعالى التي من واقعته هلك لا محالة، ومن أهدى ممن هو في إسلام قريب وهو الذي آمن لأنه سالم الله الذي من سالمه سالمه كل شيء، فنجا من كل خطر- فالآية من الاحتباك: ذكر الكفر أولًا دليلًا على الإيمان ثانيًا، والضلال ثانيًا دليلًا على الهدى أولًا، وسره أن ذكر المضار أصدع للقلب فهو أنفع في الوعظ.
ولما كان هذا محزنًا للشفوق عليهم لإفهامه لشدة بعدهم عن الرجوع، قال منبهًا على أنه إذا أراد سبحانه قرب ذلك منهم غاية القرب لافتًا القول إلى مظهر العظمة إيذانًا بسهولة ذلك عليه: {سنريهم} أي عن قرب بوعد لا خلف فيه {آياتنا} أي على ما لها من العظمة {في الآفاق} أي النواحي، جمع أفق كعنق وأعناق، أبدلت الهمزة الثانية ألفًا لسكونها بعد مثلها، أي وما ظهر من نواحي الفلك أو مهب الرياح، وذلك بما يفتح الله من البلاد بغلب أهلها بوقائع كل واحد منها علم من أعلام النبوة، وشاهد عظيم كاف في صحة الرسالة، تصديقًا لوعده سبحانه وما أهلك من أهلها لنصر أنبيائه ورسله وبما فيها من عجائب الصنع وغرائب الآثار والوضع باختلاف الأحكام مع اتفاق جواهرها في التجانس- وغير ذلك من الآيات بالبصر اللاتي يشرحها بآيات السمع.
ولما كان الإيمان بالغيب هو المعتبر، وكل ما كان أقرب إليه كان أقرب إلى الكمال، وكانت آيات الآفاق أقرب إلى ذلك، بدأ بها، ثم قال: {وفي أنفسهم} أي من فتح مكة وما أصابهم من سني الجوع وقصة أبي بصير ونحو ذلك وتفصل لهم مع ذلك ما في الآدمي نفسه من بدائع الآيات وعجائب الخلق وغرائب الصنعة وما فيه من أمارات الحدوث واختلاف الأوصاف وغير ذلك من الشواهد المطابقة لما تضربه من الأمثال والدلائل المعقولة عند اعتبار الأقوال والأفعال، وبما في بلاد العرب من الآيات المرئية من نفي بعد إسراعهم إليه وإطباقهم عليه وإثبات التوحيد عند جميعهم بعد إبعادهم عنه وقتالهم الداعي إليه، وقد بين سبحانه في هذه من آيات الآفاق في آية {أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} وما شاكلها، وفي الأنفس في آيات {فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود والذي من بعدهم} ونحوها، وآيات {لا يسئم الإنسان من دعاء الخير} إلى آخرها الدالة على أن الإنسان مبني أمره على الجهل والعجز، فأكثر ما يتصوره ليس كما تصوره، فعليه أن يتأمل كتاب ربه ويتدبره- والله أعلم، قال الرازي في اللوامع: الاستدلال بالأفعال على فاعلها واضح وطريق لائح، والأفعال على قسمين أحدهما الآفاق وهو جملة العالم، والثاني النفوس، فإن من عرف نفسه عرف ربه أي من عرف روحه وكونها جوهرًا متصرفًا في البدن تصرف التدبير وعلم صفاتها من أنها باقية بغير البدن لا يحتاج في قوامها إلى البدن بل البدن محتاج إليها وأنها محل المعرفة فمن عرف أمثال هذه المعارف عرف ربه وصفاته من وحدانيته وعلمه وقدرته وإرادته وتصرفه في جملة العالم يعني وأن وجوده تعالى مباين وجود غيره.
ولما كان التقدير: ولا نزال نواتر ذلك شيئًا في أثر شيء، عطف عليه قوله: {حتى يتبين لهم} غاية البيان بنفسه من غير إعمال فكر {أنه} أي القرآن {الحق} الكامل في الحقية الذي تطابقه الوقائع وتصادقه الأحوال العارضة والصنائع، فيجتعوا عليه ويُقبلوا بكل قلوبهم إليه، فلا يأباه في جزيرة العرب إنسان، ولا يختلف فيه منهم اثنان، ثم ينبثون في أرجاء الأرض بطولها والعرض فيظهر بهم على سائر الأديان، ويبيد على أيديهم أهل الكفران، في سائر البلدان، ويزول كل طغيان، فيكون ظهورهم في هذا الوقت وضعف المؤمنين بعد أن كان سببًا لازديادهم من الكفر عظة لهم ولكل من يأتي بعدهم يوجب الثبات في محال الزلزال علمًا بأن الله أجرى عادته أن يكون للباطل ريح تخفق ثم تسكن، ودولة تظهر ثم تضمحل، وصولة تجول ثم تحول.
ولما كان هذا القول منبهًا على أن في الآفاق والأنفس من الآيات المرئية التي يقرأها أولو الأبصار بالبصائر، ويتأملها بأعين السرائر، أمرًا لا يحيط به الوصف، فكان حاديًا على تجريد الأفكار للنظر والاعتبار، والوقوف على بعض ما في ذلك من لطائف الأسرار، كان كأنه قيل: ألم يروا بعقولهم ما في ذلك من الأدلة على أن القرآن من عند الله فيكفيهم عن شهادة شيء خارج عن أنفسهم، عطف عليه قوله: {أو لم يكف} وأكد بإدخال الجار، وحقق الفاعل فقال مؤكدًا بالباء ومحققًا أنه الفاعل صارفًا القول إلى وصف الإحسان إيذانًا بالرفق بهم بردِّهم إليه دون ارتكابهم ما يوجب نكالهم وإهلاكهم واستئصالهم: {بربك} أي المحسن إليك بهذا البيان المعجز للإنس والجان شهادة بأنه من عنده {أنّه} أي أو لم يكف شهادة ربك لأنه {على كل شيء شهيد} لا يغيب عنه شيء من الأشياء، لا هذا القرآن ولا غيره، وقد شهد لك فيه بإعجازه لجميع الخلق بكل ما تضمنته آياته، ونطقت به كلماته، ففيه أعظم بشارة بتمام أمر الدين وظهوره على المعتدين، وذلك لأن كل أحد يجد في نفسه أنه إذا أراد ثبوت حق ينكره من هو عليه لصاحب الحق من الشهود ما يتحقق قولهم فيه ووصوله بهم إليه أنه يكون مطمئنًا لا ينزعج بالجحد علمًا منه بأن حقه لابد أن يظهر ويخزي معانده ويقهر، وفي هذا تأديب لكل من كان على حق ولا يجد من يساعده على ظهوره فإن الله شاهده فلابد أن يظهر أمره فتوكل على الله إنك على الحق المبين.
ولما لم يبق بعد هذا لمتعنت مقال، ولا شبهة أصلًا لضال، كان موضع المناداة على من استمر على عناده بقوله مؤكدًا لادعائهم إنهم على جلية من أمرهم، {ألا إنهم} أي الكفرة {في مرية} أي جحد وجدال وشك وضلال عن العبث {من لقاء} وصرف القول إلى إضافة وصف الإحسان إليهم إشارة إلى أنه لابد من كمال تربيتهم بالبعث لأنه أحكم الحاكمين فقال: {ربهم} أي المحسن إليهم بأن خلقهم ورزقهم للحساب والجزاء بالثواب والعقاب كما هو شأن كل حكيم فيمن تحت أمره.
ولما كانوا مظهرين الشك في القدرة على البعث، قرره إيمانهم معترفون به من قدرته على كل شيء من البعث وغيره فقال: {ألا إنه} أي هذا المحسن إليهم {بكل شيء} أي من الأشياء جملها وتفاصيلها كلياتها وجزئياتها أصولها وفروعها غيبتها وشهادتها ملكها وملكوتها {محيط} قدرة وعلمًا من كثير الأشياء وقليلها كليها وجزئيها، فعما قليل يجمعهم على الحق ويبدلهم بالمرية إذعانًا وبالشك يقينًا وبرهانًا، فرحمته عامة لجميع أهل الوجود وخاصة لمن منَّ عليه الإيمان الموصل إلى راحة الأمان، فكيف يتصور في عقل أن يترك البعث ليوم الفصل الذي هو مدار الحكمة، ومحط إظهار النعمة والنقمة، وقد علم بذلك انطباق آخرها المادح للكتاب المقرر للبعث والحساب على أولها المفصل للقرآن المفيض لقسمي الرحمة: العامة والخاصة لأهل الأكوان، على ما اقتضاه العدل والإحسان، بالبشارة لأهل الإيمان، والنذارة لأهل الطغيان- والله الهادي وعليه التكلان. اهـ.