فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: دفع لمريتهم وشكهم في البعث وإعادة ما تفرق واختلط مما يتوهمون عدم إمكان تمييزه أي أنه تعالى عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها مقتدر عليها لا يفوته شيء منها فهو سبحانه يعلم الأجزاء ويقدر على البعث.
هذا وما ذكر في تفسير {سَنُرِيهِمْ ءاياتنا في الافاق وَفِى أَنفُسِهِمْ} [فصلت: 53] في معنى ما روى عن الحسن ومجاهد والسدي وأبي المنهال وجماعة قالوا: إن قوله سبحانه: {سَنُرِيهِمْ} إلخ وعيد للكفار بما يفتحه الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم من الأقطار حول مكة وفي غير ذلك من الأرض كخيبر وأراد بقوله تعالى: {فِى أَنفُسِهِمْ} فتح مكة، وقال الضحاك وقتادة: في الآفاق ما أصاب الأمم المكذبة في أقطار الأرض قديمًا وفي أنفسهم ما كان يوم بدر فإن في ذلك دلالة على نصرة من جاء بالحق وكذب من الأنبياء عليهم السلام فيدل على حقية النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به من القرآن.
وأورد عليه أن {سَنُرِيهِمْ} يأبى كون ما في الآفاق ما أصاب الأمم المكذبة لكونه مرئيًا لهم قبل، وقال عطاء وابن زيد: أن معنى {سَنُرِيهِمْ ءاياتنا في الافاق} أي أقطار السماء والأرض من الشمس والقمر وسائر الكواكب والرياح والجبال الشامخة وغير ذلك وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة، وضعف ذلك الإمام بنحو ما سمعت آنفًا.
وأجيب بأن القوم وإن كانوا قد رأوا تلك الآيات إلا أن العجائب التي أودعها الله تعالى فيها مما لا نهاية لها فهو سبحانه يطلعهم عليهازمانًا قريبًا حالًا فحالًا فإن كل أحد يشاهد بنية الإنسان إلا أن العجائب المودعة في تركيبها لا تحصى وأكثر الناس غافلون عنها فمن حمل على التفكير فيها بالقوارع التنزيلية والتنبيهات الإلهية كلما ازداد تفكرًا ازداد وقوفًا فصح معنى الاستقبال.
واختار ذلك صاحب الكشف تبعًا لغيره وبين وجه مناسبة الآيات لما قبلها عليه، وجعل ضمير {أَنَّهُ الحق} لله عز وجل فقال: إن في قوله تعالى: {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله} [الأحقاف: 10] إشعارًا بأن كونه من عنده سبحانه ينافي الكفر به وأنهم مسلمون ذلك لكن يطعنون في كونه من عنده عز وجل ولذا جعل نحول {أساطير الاولين} في جواب قولهم: {مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ} [النحل: 24] أنه إعراض عن كونه منزلًا وجواب بأنه أساطير لا منزل فاريدان يبين إثبات كونه حقًا من عنده تعالى على سبيل الكناية ليكون أوصل إلى الغرض ويناسب ما بني عليه الكلام من سلوك طريق الانصاف فقيل: {سَنُرِيهِمْ} أي سيرى الله تعالى، والالتفات للدلالة على زيادة الاختصاص وتحقيق ثبوت الإراءة ثم قيل: {حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق} أي أن الله جل جلاله هو الحق من كل وجه ذاتًا وصفة وقولًا وفعلًا وما سواه باطل من كل وجه لا حق إلا هو سبحانه وإذا تبين لهم حقيته عز شأنه من كل وجه يلزم ثبوت القرآن وكونه من عنده تعالى بالضرورة، ثم قيل: أولم يكف بربك أي أو لم يكفك شهوده تعالى على كل شيء فمنه سبحانه تشهد كل شيء لا من آيات الآفاق والأنفس تشهده تعالى فالأول استدلال بالأثر على المؤثر والثاني من المؤثر على الأثر وهذا هو اللمي اليقيني، وفي قوله تعالى: {برك} مضافًا إلى ضميره صلى الله عليه وسلم وإيثاره على أو لم يكف به إشعار بأنه عليه الصلاة والسلام وأتباعه من كل العارفين هم الذين يكفيهم شهوده على كل شيء دليلًا وأن ذلك لهم نفس عنايته تعالى وتربيته من دون مدخل لتعلمهم فيه بخلاف الأول، ثم قيل: {شَهِيدٌ أَلاَ إِنَّهُمْ في مِرْيَةٍ مّن لّقَاء رَبّهِمْ} فلهذا لا يكفيهم أنه تعالى على كل شيء شهيد لأنه لا شهود لهم ليشدوا شهوده تعالى فهو شامل لفريقي الأبرار والكفار، أما الكفار فلأنهم في شك في الأصل، وأما الأبرار فلأنهم في شك من الشهود أي لا علم لهم به إلا إيمانًا متمحضًا عن التقليد.
وإطلاق المرية للتغليب ولا يخفى حسن موقعه، ثم قيل: {أَلاَ إِنَّهُ بِكُلّ شيء مُّحِيطُ} تتميمًا لقوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ} لأن من أحاط بكل شيء علمًا وقدرة لم يتخلف شيء عن شهوده فمن شهده شهد كل شيء فهذا هو الوجه في تعميم الآيات من غير تخصيص لها بالفتوح وهو أنسب من قول الحسن ومجاهد وأجرى على قواعد الصوفية وعلماء الأصول رحمة الله تعالى عليهم أجمعين انتهى، وقد أبعد عليه الرحمة المغزى وتكلف ما تكلف، ونقل العارف الجامي قدس سره في نفحاته عن القاشاني أن قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ} إلخ يدل على وحدة الوجود، وقد رأيت في بعض كتب القوم الاستدلال به على ذلك وجعل ضمير {أَنَّهُ الحق} إلى المرئي وتفيسر {الحق} بالله عز وجل، ومن هذا ونحوه قال الشيخ الأكبر قدس سره: سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها وهذه الوحدة هي التي حارت فيها الأفهام وخرجت لعدم تحقيق أمرها رقاب من ربقة الإسلام، وللشيخ إبراهيم الجوراني قدس سره النوراني عدة رسائل في تحقيق الحق فيها وتشييد مبانيها نسأل الله تعالى أن يمن علينا بصحيح الشهود ويحفظنا بجوده عما علق بأذهان الملاحدة من وحدة الوجود، وقرئ {أَنَّهُ على كُلّ شيء شَهِيدٌ} بكسر همزة أن على إضمار القول، وقرأ السلمي. والحسن {فِى مِرْيَةٍ} بضم الميم وهي لغة فيها كالكسر ونحوها {خفية} [الأنعام: 63] بضم الخاء وكسرها والكسر أشهر لمناسبة الياء. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} هذا وصف وتذكير بضرب آخر من طغيان النفس الإنسانية غير خاص بأهل الشرك بل هو منبث في جميع النّاس على تفاوتتٍ إلاَّ من عصم الله.
وهو توصيف لنَزَق النفْس الإنساني وقلّة ثباته فإذا أصابته السراء طغا وتكبر ونسِي شكر ربّه نسيانًا قليلًا أو كثيرًا وَشُغل بلذاته، وإذا أصابته الضراء لم يصبر وجزِع ولجأ إلى ربّه يُلحّ بسؤال كشف الضراء عنه سريعًا.
وفي ذكر هذا الضرب تعرُّض لفعل الله وتقديره الخَلتين السراء والضراء.
وهو نقد لسُلوك الإنسان في الحالتين وتعجيب من شأنه.
ومحل النقد والتعْجيب من إعراضه ونأيه بجانبه واضح، وأمّا محل الانتقاد والتعجيب من أنّه ذو دُعاء عريض عندما يمسه الشرّ فهو من حيث لم يتذكر الإقبالَ على دعاء ربّه إلا عندما يمَسُّه الشر وكان الشأن أن لا يغفل عن ذلك في حال النعمة فيدعو بدوامها ويشكر ربّه عليها وقبوللِ شكره لأن تلك الحالة أولى بالعناية من حالة مسّ الضر.
وأما ما تقدم من قوله: {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} إلى قوله: {للحسنى} [فصلت: 49، 50] فهو وصف لضرب آخر أشدّ، وهو خاص بأهل الشرك لِما وقع فيه من قوله: {وما أظن الساعة قائمة} [الكهف: 36]، فليس قوله: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه} إلخ تكريرًا مع قوله: {لا يسأم الإنسان} [فصلت: 49] الآية.
فهذا التفنن في وصف أحوال الإنسان مع ربّه هو الذي دعا إلى ما اشتمل عليه قوله: {وإذا أنعمنا} من بعض التكرير لِما ذكر في الضرب المتقدم لزيادة تقريره، وللإشارة إلى اختلاف الحالتين باعتبار الشرك وعدمه مع اتحادهما في مثار الجبلة الإنسانية، وباعتبار ما قدره الله للإنسان.
والإعراض: الانصراف عن شيء، وهو مستعار هنا للغفلة عن شكر المنعم أو التعمد لترك الشكر.
ومتعلق فعل {أعرض} محذوف لدلالة السياق عليه، والتقدير: أعرض عن دعائنا.
والنأي: البعد، وهو هنا مستعار لعدم التفكر في المنعِم عليه، فشبّه عدم اشتغاله بذلك بالبُعد.
والجانب للإنسان: منتهى جسمه من إحدى الجهتين اللَّتين ليستا قُبالَة وجهه وظهرِه، ويسمى الشِقّ، والعِطف بكسر العين.
والباء للتعدية.
والمعنى: أبعد جانبه، كناية عن إبعاد نفسه، أي ولَّى معرضًا غير ملتفت بوجهه إلى الشيء الذي ابتعد هو عنه.
ومعنى {مسه الشر} أصابه شر بسبب عاديّ.
وعدل عن إسناد إصابة الشر إلى الله تعليمًا للأدب مع الله كما قال إبراهيم {الذي خلقني فهو يهدين} [الشعراء: 78] الخ.
ثم قال: {وإذا مَرِضْت فهو يشفين} [الشعراء: 80] فلم يقل: وإذا أمرضني، وفي ذلك سرّ وهو أن النعم والخير مسخّران للإنسان في أصل وضع خلقته فهما الغالبان عليه لأنّهما من مظاهر ناموس بقاء النوع.
وأمّا الشرور والأضرار فإن معظمها ينجرّ إلى الإنسان بسوء تصرفه وبتعرضه إلى ما حذرته منه الشرائع والحكماء الملهمون فقلما يقع فيهما الإنسان إلا بعلمه وجُرأته.
والدعاء: الدعاء لله بكشف الشرّ عنه.
ووصفُه بالعريض استعارة لأن العَرض بفتح العين ضد الطول، والشيء العريض هو المتسع مساحة العَرض، فشبه الدعاء المتكرر الملَحُّ فيه بالثوب أو المكان العريض.
وعُدل عن أن يقال: فداع، إلى {ذو دعاء} لما تشعر به كلمة {ذو} من ملازمة الدعاء له وتملكه منه.
والدّعاء إلى الله من شيم المؤمنين وهم متفاوتون في الإكثار منه والإقلال على تفاوت ملاحظة الحقائق الإلهيّة.
وتَوجه المشركين إلى الله بالدعاء هو أقوال تجري على ألسنتهم توارثوها من عادات سالفة من أزمان تدينهم بالحنيفية قبل أن تدخل عليهم عبادة الأصنام وتتأصل فيهم فإذا دعوا الله غفلوا عن منافاة أقوالهم لعقائد شركهم.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52)} استئناف ابتدائي متصل بقوله: {إن الذين كفروا بالذكر لمَّا جاءهم} إلى قوله: {لفي شك منه مريب} [فصلت: 41، 45].
فهذا انتقال إلى المجادلة في شأن القرآن رجع به إلى الغرض الأصلي من هذه السورة وهو بيان حقّيّة القرآن وصدقه وصدق من جاء به.
وهذا استدعاء ليُعمِلُوا النظر في دلائل صدق القرآن مثل إعجازه وانتساقه وتأييد بعضه بعضًا وكونه مؤيّدًا للكتب قبلَه، وكوننِ تلك الكتب مؤيدة له.
والمعنى: ما أنتم عليه من إنكار صدق القرآن ليس صادرًا عن نظر وتمحيص يحصّل اليقين وإنما جازفتم به قبل النظر فلو تأملتم لاحتمل أن يُنتج لكم التأمل أنه من عند الله وأن لا يكون من عنده، فإذا فُرض الاحتمال الأول فقد أقحمتم أنفسكم في شقاق قويّ.
وهذا من الكلام المنصِف واقتُصر فيه على ذكر الحالة المنطبقة على صفاتهم تعريضًا بأن ذلك هو الطرَف الرّاجح في هذا الإجمال كأنه يقول: كما أنكم قضيتم بأنه ليس من عند الله وليس ذلك معلومًا بالضرورة فكذلك كونه من عند الله فتعالوا فتأملوا في الدّلائل، فهم لمّا أنكروا أن يكون من عند الله وصدوا أنفسهم وعامتهم عن الاستماع إليه والتدبر فيه فقد أعملوا شهوات أنفسهم وأهملوا الأخذ بالحيطة لهم أن يتدبروه حتى يكونوا على بينة من أمرهم في شأنه، وهم إذا تدبروه لا يلبثون أن يعلموا صدقه، فاستدعاهم الله إلى النظر بطريق تجويز أن يكون من عند الله فإنه إذا جاز ذلك وكانوا قد كفروا به دون تأمل كانوا قد قضوا على أنفسهم بالضلال الشديد، وإذا كانوا كذلك فقد حقّت عليهم كلمات الوعيد.
و{إن} الشرطية شأنها أن تدخل على الشرط المشكوك فيه، فالإتيان بها إرخاء للعنان معهم لاستنزال طائر إنكارهم حتى يقبلوا على التأمل في دلائل صدق القرآن.
ويشبه أن يكون المقصود بهذا الخطاب والتشكيك أولًا دَهماءَ المشركين الذين لم ينظروا في دلالة القرآن أو لم يطيلوا النظر ولم يبلغوا به حد الاستدلال.
وأما قادتهم وكبراؤهم وأهل العقول منهم فهم يعلمون أنه من عند الله ولكنّهم غلب عليهم حبّ الرئاسة على أنهم متفاوتون في هذا العلم إلى أن يبلغ بعضهم إلى حدّ قريب من حالة الدّهماء ولكن القرآن ألقى بينهم هذا التشكيك تغليبًا ومراعاةً لاختلاف درجات المعاندين ومجارَاةً لهم ادعاءهم أنّهم لم يهتدوا نظرًا لقولهم {قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي ءاذاننا وقر} [فصلت: 5].
و{ثُمّ} في قوله: {ثم كفرتم} للتراخِي الرتبي لأن الكفر بما هو من عند الله أمره أخطر من كون القرآن من عند الله.
و{مَن} الأولى للاستفهام وهو مستعمل في معنى النفي، أي لا أضل ممن هو في شقاق بعيد إذا تحقق الشرط.
و{مَن} الثانية موصولة ومَا صْدَقُها المخاطبون بقوله: {كفرتم به} فعُدل عن الإضمار إلى طريق الموصول لما تأذن به الصلة من تعليل أنّهم أضلُّ الضالّين بكونهم شديدي الشقاق، وذلك كناية عن كونهم أشد الخلق عقوبة لما هو معلوم من أن الضلال سبب للخسران.
والشقاق: العصيان.
والمراد: عصيان أمر الله لظهور أن القرآن من عنده على هذا الفرض بيننا.
والبعيد: الواسع المسافة، واستعير هنا للشديد في جنسه، ومناسبة هذه الاستعارة للضلال لأن الضلال أصله عدم الاهتداء إلى الطريق، وأن البعد مناسب للشقاق لأن المنشقّ قد فارق المنشقَّ عنه فكان فراقه بعيدًا لا رجاء معه للدنوّ، وتقدم في قوله: {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} في سورة البقرة (176).
وفعل {أرأيتم} معلق عن العمل لوجود الاستفهام بعده، والرؤية علمية.
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} أعقب الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين ما فيه تخويفهم من عواقب الشقاق على تقدير أن يكون القرآن من عند الله وهم قد كفروا به إلى آخر ما قرر آنفًا، بأن وَعَدَ رسوله صلى الله عليه وسلم على سبيل التسلية والبشارة بأن الله سيغمر المشركين بطائفة من آياته ما يتبيّنون به أن القرآن من عند الله حقًا فلا يسعهم إلا الإيمان به، أي أن القرآن حقّ بَيِّنٌ غير محتاج إلى اعترافهم بحقيته، وستظهر دلائل حقّيّته في الآفاق البعيدة عنهم وفي قبيلتهم وأنفسهم فتتظاهر الدلائل على أنّه الحق فلا يجدوا إلى إنكارها سبيلًا، والمراد: أنهم يؤمنون به يومئذٍ مع جميع من يؤمن به.
وفي هذا الوعد للرّسول صلى الله عليه وسلم تعريض بهم إذْ يسمعونه على طريقة: فاسمعي يا جارة.
فموقع هذه الجملة بصريحها وتعريضها من الجملة التي قبلها موقع التعليل لأمر الرّسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم ما أمر به، والتعليل راجع إلى إحالتهم على تشكيكهم في موقفهم للطعن في القرآن.
وقد سكت عما يترتب على ظهور الآيات في الآفاق وفي أنفسهم المبينة أن القرآن حقّ لأن ما قبله من قوله: {أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد} [فصلت: 52] ينبىء عن تقديره، أي لا يسعهم إلا الإيمان بأنه حق فمن كان منهم شاكًّا من قبلُ عن قلة تبصر حصل له العلم بعد ذلك، ومن كان إنّما يكفر عنادًا واحتفاظًا بالسيادة افتضح بهتانه وسفَّهه جيرانه.