فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

السكينة: هي الطمأنينة ولما كانت حاصلة بإتيان التابوت، جعل التابوت ظرفًا لها، وهذا من المجاز الحسن، وهو تشبيه المعاني بالأجرام، وجاء في حديث عمران بن حصين أنه كان يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوطة، فغشيته سحابة، فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له فقال: «تلك السكينة تنزلت للقرآن».
وفي حديث أسيد بن حضير، بينما هو ليلة يقرأ في مربده الحديث، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك الملائكة كانت تسمع لذلك، ولو قرأت لأصبحت تراها الناس ما تستتر منهم» فأخبر صلى الله عليه وسلم عن نزول السكينة مرة، ومرة عن نزول الملائكة، ودل حديث أسيد على أن نزول السكينة في حديث عمران هو على مضاف، أي: تلك أصحاب السكينة، وهم الملائكة المخبر عنهم في حديث أسيد، وجعلوا ذوي السكينة لأن إيمانهم في غاية الطمأنينة، وطواعيتهم دائمة لا يعصون الله ما أمرهم، وقد جاء في الصحيح: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلاَّ نزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده».
فنزول السكينة عليهم كناية عن التباسهم بطمأنينة الإيمان، واستقرار ذلك في قلوبهم، لأن من تلا كتاب الله وتدارسه يحصل له بالتدبر في معانيه.
والتفكر في أساليبه، ما يطمئن إليه قلبه، وتستقر له نفسه، وكأنه كان قبل التلاوة له والدراسة خاليًا من ذلك، فحين تلا نزل ذلك عليه.
وقد قال بهذا المعنى بعض المفسرين، قال قتادة السكينة هنا الوقار.
وقال عطاء: ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها، وقال نحوه الزجاج.
وقال الزمخشري: التابوت صندوق التوراة، كان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون، والسكينة: السكون والطمأنينة، وذكر عن عليّ أن السكينة لها وجه كوجه الإنسان، وهي ريح هفافة، وقيل: السكينة صورة من زبرجد أو ياقوت، لها رأس كرأس الهر، وذنب كذنبه، وجناحان، فتئن فيزف التابوت نحو العدو، وهم يمضون معه، فإذا استقر ثبتت وسكنوا، ونزل النصر.
وقيل: بالسكينة بشارات من كتب الله المنزلة على موسى وهارون ومن بعدهما من الأنبياء، فإن الله ينصر طالوت وجنوده، ويقال: جعل تعالى سكينة بني إسرائيل في التابوت الذي فيه رضاض الألواح، والعصا، وآثار أصحاب نبوتهم، وجعل تعالى سكينة هذه الأمة في قلوبهم، وفرق بين مقر تداولته الأيدي، قد فر مرة، وغلب عليه مرة، وبين مقر بين أصبعين من أصابع الرحمن. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما كان الكليم وأخوه عليهما الصلاة والسلام أعظم أنبيائه قال: {وبقية} قال الحرالي: فضلة جملة ذهب جلها {مما ترك} من الترك وهو أن لا يعرض للأمر حسًا أو معنى {آل موسى وهارون} أي وهي لوحا العهد.
قال الحرالي: وفي إشعار تثنية ذكر الآل ما يعلم باختصاص موسى عليه الصلاة والسلام بوصف دون هارون عليه السلام بما كان فيه من الشدة في أمر الله وباختصاص هارون عليه الصلاة والسلام بما كان فيه من اللين والاحتمال حيث لم يكن آل موسى وهارون، لأن الآل حقيقة من يبدو فيه وصف من هو آله.
وقال: الآل أصل معناه السراب الذي تبدو فيه الأشياء البعيدة كأنه مرآة تجلو الأشياء فآل الرجل من إذا حضروا فكأنه لم يغب- انتهى.
ثم صرح بما أفهمه إسناد الإتيان إليه فقال: {تحمله} من الحمل وهو ما استقل به الناقل {الملائكة} وما هذا بأغرب من قصة سفينة رضي الله تعالى عنه قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه رضي الله تعالى عنهم فثقل عليهم متاعهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابسط كساءك، فبسطته فجعلوا فيه متاعهم فحملوه علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احمل فإنما أنت سفينة! قال: فلو حملت من يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل عليّ» وأما مقاتلة الملائكة صلوات الله وسلامه عليهم في غزوة بدر فأمر شهير، كان الصحابي يكون قاصدًا الكافر ليقاتله فإذا رأسه قد سقط من قبل أن يصل إليه، ولما كان هذا أمرًا باهرًا قال منبهًا على عظمته: {إن في ذلك} أي الأمر العظيم الشأن {لآية} أي باهرة {لكم إن كنتم مؤمنين} فإن المواعظ لا تنفع غيرهم.
قال الحرالي: ولما ضعف قبولهم عن النظر والاستبصار صار حالهم في صورة الضعف الذي يقال فيه: إن كان كذا، فكان في إشعاره خللهم وفتنتهم إلا قليلًا- انتهى. اهـ.

.قال أبو حيان:

والبقية؛ قيل: رضاض الألواح التي تكسرت حين ألقاها موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، قاله عكرمة.
وقيل: عصا موسى قاله وهب وقيل: عصا موسى وهارون وثيابهما ولوحان من التوراة المنّ، قاله أبو صالح.
وقيل: العلم والتوراة قاله مجاهد، وعطاء وقيل: رضاض الألواح وطست من ذهب وعصا موسى وعمامته، قاله مقاتل وقيل: قفيز من منّ ورضاض الألواح حكاه سفيان الثوري.
وقيل: العصا والنعلان، حكاه الثوري أيضًا، وقيل: الجهاد في سبيل الله، وبذلك أمروا، قاله الضحاك.
وقيل: التوراة ورضاض الألواح قاله السدّي.
وقيل: لوحان من التوراة، وثياب موسى وهارون وعصواهما، وكلمة الله: لا إله إلا الله الحكيم الكريم، وسبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين، وقيل: عصا موسى وأمور من التوراة، قاله الربيع.
ويحتمل أن يكون مجموع ما ذكر في التابوت، فأخبر كل قائل عن بعض ما فيه، وانحصر بهذه الأقوال ما في التابوت من البقية. اهـ.

.قال الطبري:

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن التابوت الذي جعله آية لصدق قول نبيه صلى الله عليه الذي قال لأمته: {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} أن فيه سكينة منه، وبقية مما تركه آل موسى وآل هارون. وجائز أن يكون تلك البقية: العصا، وكسر الألواح، والتوراة، أو بعضها، والنعلين، والثياب، والجهاد في سبيل الله وجائز أن يكون بعض ذلك، وذلك أمر لا يدرك علمه من جهة الاستخراج ولا اللغة، ولا يدرك علم ذلك إلا بخبر يوجب عنه العلم. ولا خبر عند أهل الإسلام في ذلك للصفة التي وصفنا. وإذ كان كذلك، فغير جائز فيه تصويب قول وتضعيف آخر غيره، إذ كان جائزا فيه ما قلنا من القول. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله: {آل موسى وآل هارون} ففيه قولان الأول: قال بعض المفسرين يحتمل أن يكون المراد من آل موسى وآل هارون هو موسى وهارون أنفسهما، والدليل عليه قوله عليه الصلاة والسلام لأبي موسى الأشعري: «لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود» وأراد به داود نفسه، لأنه لم يكن لأحد من آل داود من الصوت الحسن مثل ما كان لداود عليه السلام.
والقول الثاني: قال القفال رحمه الله: إنما أضيف ذلك إلى آل موسى وآل هارون، لأن ذلك التابوت قد تداولته القرون بعدهما إلى وقت طالوت، وما في التابوت أشياء توارثها العلماء من أتباع موسى وهارون، فيكون الآل هم الأتباع، قال تعالى: {ادخلوا آل فرعون أشد العذاب} [غافر: 46]. اهـ.

.قال أبو حيان:

و: {آل موسى وآل هارون} هم من الأنبياء، إليهما من قرابة أو شريعة، والذي يظهر أن آل موسى وآل هارون هم الأنبياء الذين كانوا بعدهما، فإنهم كانوا يتوارثون ذلك إلى أن فقد. ونذكر كيفية فقده إن شاء الله.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يراد مما تركه موسى وهارون، والآل مقحم لتفخيم شأنهما. انتهى.
وقال غيره: آل هنا زائدة، والتقدير: مما ترك موسى وهارون، ومنه اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى آل أبي أوفى، يريد نفسه، ولقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود، أي: من مزامير داود ومنه قول جميل:
بثينة من آل النساء وإنما ** يكنّ لأدنى لا وصال لغائب

أي: من النساء. انتهى.
ودعوى الإقحام والزيادة في الأسماء لا يذهب إليه نحوي محقق، وقول الزمخشري: والآل مقحم لتفخيم شأنهما إن عنى بالإقحام ما يدل عليه أول كلامه في قوله: ويجوز أن يراد مما تركه موسى وهارون، فلا أدري كيف يفيد زيادة آل تفخيم شأن موسى وهارون؟ وإن عنى بالآل الشخص، فإنه يطلق على شخص الرجل آله، فكأنه قيل: مما ترك موسى وهارون أنفسهما، فنسب تلك الأشياء العظيمة التي تضمنها التابوت إلى أنها من بقايا موسى وهارون شخصيهما، أي أنفسهما لا من بقايا غيرهما، فجرى آل هنا مجرى التوكيد الذي يراد به: أن المتروك من ذلك الخير هو منسوب لذات موسى وهارون، فيكون في التنصيص عليهما ذاتهما تفخيم لشأنهما، وكان ذلك مقحمًا لأنه لو قيل: مما ترك موسى وهارون لاكتفى، وكان ظاهر ذلك أنهما أنفسهما، تركا ذلك وورث عنهما. اهـ.
وقال أبو حيان:
قرأ مجاهد: يحمله، بالياء من أسفل، والضمير يعود على التابوت، وهذه الجملة حال من التابوت، أي حاملًا له الملائكة، ويحتمل الاستئناف، كأنه قيل: ومن يأتي به وقد فقد؟ فقال: {تحمله الملائكة} استعظامًا لشأن هذه الآية العظيمة، وهو أن الذي يباشر إتيانه إليكم الملائكة الذين يكونون معدين للأمور العظام، ولهم القوّة والتمكين والاطلاع بأقدار الله لهم على ذلك، ألا ترى إلى تلقيهم الكتب الإلهية وتنزيلهم بها على من أوحي إليهم، وقلبهم مدائن العصاة، وقبض الأرواح، وإزجاء السحاب، وحمل العرش، وغير ذلك من الأمور الخارقة، والمعنى: تحمله الملائكة إليكم.
قال ابن عباس: جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض، وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت.
قال وهب: قالوا لنبيهم: انعت وقتًا تأتينا به! فقال: الصبح، فلم يناموا ليلتهم حتى سمعوا حفيف الملائكة بين السماء والأرض.
وقال قتادة: كان التابوت في التيه خلفه موسى عند يوشع، فبقي هناك ولم يعلم به بنو إسرائيل، فحملته الملائكة حتى وضعته في دار طالوت، فأقروا بملكه.
قال ابن زيد: غير راضين، وقيل: سبى التابوت أهل الأردن، قرية من قرى بفلسطين، وجعلوه في بيت صنم لهم تحت الصنم، فأصبح الصنم تحت التابوت، فسمروا قدمي الصنم على التابوت، فأصبح وقد قطعت يداه ورجلاه ملقى تحت التابوت، وأصنامهم منكسة، فوضعوه في ناحية من مدينتهم فأخذ أهلها وجع في أعناقهم وهلك أكثرهم، فدفنوه بالصحراء في متبَّرزٍ لهم، فكان من تبرز هناك أخذه الناسور والقولنج، فتحيروا، وقالت امرأة من أولاد الأنبياء من بني إسرائيل: ما تزالوان ترون ما تكرهون ما دام هذا التابوت فيكم! فاخرجوه عنكم! فحملوا التابوت على عجلة، وعلقوا بها ثورين أو بقرتين، وضربوا جنوبهما، فوكل الله أربعة من الملائكة يسوقونهما، فما مرّ التابوت بشيء من الأرض إلاَّ كان مقدّسًا، إلى أرض بني إسرائيل، وضع التابوت في أرض فيها حصاد بني إسرائيل، ورجعا إلى أرضهما، فلم يرع بني إسرائيل إلاَّ التابوت، فكبروا وحمدوا الله على تمليك طالوت، فذلك قوله: {تحمله الملائكة}.
وقال ابن عباس: إن التابوت والعصا في بحيرة طبرية يخرجان قبل يوم القيامة، وقيل يوم القيامة، وقيل: عند نزول عيسى على نبينا وعليه السلام. اهـ.