فصل: (سورة فصلت: الآيات 53- 54):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة فصلت: الآيات 53- 54]:

{سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)}.
{سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} يعنى ما يسر اللّه عز وجل لرسوله صلى اللّه عليه وسلم وللخلفاء من بعده ونصار دينه في آفاق الدنيا وبلاد المشرق والمغرب عموما وفي باحة العرب خصوصا: من الفتوح التي لم يتيسر أمثالها لأحد من خلفاء الأرض قبلهم، ومن الإظهار على الجبابرة والأكاسرة، وتغليب قليلهم على كثيرهم، وتسليط ضعافهم على أقويائهم، وإجرائه على أيديهم أمورا خارجة من المعهود خارقة للعادات، ونشر دعوة الإسلام في أقطار المعمورة، وبسط دولته في أقاصيها، والاستقراء يطلعك في التواريخ والكتب المدوّنة في مشاهد أهله وأيامهم: على عجائب لا ترى وقعة من وقائعهم إلا علما من أعلام اللّه وآية من آياته، يقوى معها اليقين، ويزداد بها الإيمان، ويتبين أن دين الإسلام هو دين الحق الذي لا يحيد عنه إلا مكابر حسه مغالط نفسه، وما الثبات والاستقامة إلا صفة الحق والصدق، كما أن الاضطراب والتزلزل صفة الفرية والزور، وأن للباطل ريحا تخفق ثم تسكن، ودولة تظهر ثم تضمحل بِرَبِّكَ في موضع الرفع على أنه فاعل كفى. وأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ بدل منه، تقديره. أو لم يكفهم أن ربك على كل شيء شهيد. ومعناه: أن هذا الموعود من إظهار آيات اللّه في الآفاق وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدونه، فيتبينون عند ذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب الذي هو على كل شيء شهيد، أي: مطلع مهيمن يستوي عنده غيبه وشهادته، فيكفيهم ذلك دليلا على أنه حق وأنه من عنده، ولو لم يكن كذلك لما قوى هذه القوة ولما نصر حاملوه هذه النصرة. وقرئ: {في مرية} بالضم وهي الشك مُحِيطٌ عالم يجمل الأشياء وتفاصيلها وظواهرها وبواطنها، فلا تخفى عليه خافية منهم، وهو مجازيهم على كفرهم ومريتهم في لقاء ربهم.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من قرأ سورة السجدة أعطاه اللّه بكل حرف عشر حسنات». اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وقيَّضْنا لهم قُرنَاءَ} أي: سبَّبنا لهم قرناء من الشياطين {فزيَّنوا لهم ما بين أيديهم وما خَلْفَهم} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ما بين أيديهم: من أمر الآخرة أنه لا جنَّة ولا نار ولا بعث ولا حساب، وما خَلْفَهم: من أمر الدنيا، فزيَّنوا لهم اللذّات وجمع الأموال وترك الإنفاق في الخير.
والثاني: ما بين أيديهم: من أمر الدنيا، وما خلفهم: من أمر الآخرة، على عكس الأول.
والثالث: ما بين أيديهم: ما فعلوه، وما خلفهم: ما عزموا على فعله.
وباقي الآية قد تقدم تفسيره [الإسراء: 16] [الأعراف: 38].
قوله تعالى: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن} أي: لا تسمعوه {والْغَوْا فيه} أي: عارِضوه باللَّغو، وهو الكلام الخالي عن فائدة.
وكان الكفَّار يوصي بعضُهم بعضًا: إذا سمعتم القرآن من محمد وأصحابه فارفعوا أصواتكم حتى تُلبِّسوا عليهم قولهم.
وقال مجاهد: والغَوْا فيه بالمكاء والصفير والتخليط من القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {لعلَّكم تَغْلِبون} فيسكُتون.
قوله تعالى: {ذلكَ جزاءُ أعداءِ الله} يعني العذاب المذكور.
وقوله: {النارُ} بدل من الجزاء {لهم فيها دارُ الخُلْد} أي: دار الإقامة.
قال الزجاج: النار هي الدّار، ولكنه كما تقول: لك في هذه الدّار دار السُّرور، وأنت تعني الدّار بعينها، قال الشاعر:
أخور رغائبَ يُعطيها ويسألها ** يأبى الظُّلامَةَ منه النَّوْفَلُ الزُّفَرُ

قوله تعالى: {وقال الذين كفروا} لمّا دخلوا النار {ربَّنا أَرِنا اللَّذَينِ أضلاَّنا} وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {أَرْنا} بسكون الراء.
قال المفسرون: يعنون إبليس وقابيل، لأنهما سنّا المعصية، {نجعلْهما تحتَ أقدامنا ليكونا من الأسفلين} أي: في الدَّرْك الأسفل، وهو أشدُّ عذابًا من غيره.
ثم ذكر المؤمنين فقال: {إِنَّ الذين قالوا ربُّنا اللهُ} أي: وحَّدوه {ثم استقاموا} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: استقاموا على التوحيد، قاله أبو بكر الصِّدِّيق، ومجاهد.
والثاني: على طاعة الله وأداء فرائضه، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة.
والثالث: على الإِخلاص والعمل إِلى الموت، قاله أبو العالية، والسدي، وروى عطاء عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصِّدِّيق، وذلك أن المشركين قالوا: ربُّنا الله، والملائكة بناتُه، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، فلم يستقيموا، وقالت اليهود: ربُّنا الله، وعزيرٌ ابنُه، ومحمد ليس بنبيّ، فلم يستقيموا، وقالت النصارى: ربُّنا الله، والمسيح ابنه، ومحمد ليس بنبيّ، فلم يستقيموا، وقال أبو بكر: ربنا الله وحده، ومحمدٌ عبدُه ورسولُه، فاستقام.
قوله تعالى: {تتنزَّل عليهم الملائكةُ ألاّ تَخافوا} أي: بأن لا تخافوا.
وفي وقت نزولها عليهم قولان:
أحدهما: عند الموت، قاله ابن عباس، ومجاهد؛ فعلى هذا في معنى {لا تخافوا} قولان:
أحدهما: لا تخافوا الموت، ولا تحزنوا على أولادكم، قاله مجاهد.
والثاني: لا تخافوا ما أمَامكم، ولا تحزنوا على ما خَلْفكم، قاله عكرمة، والسدي.
والقول الثاني: تتنزَّل عليهم إذا قاموا من القبور، قاله قتادة؛ فيكون معنى لا تخافوا: أنهم يبشِّرونهم بزوال الخوف والحزن يوم القيامة.
قوله تعالى: {نحن أولياؤكم} قال المفسرون: هذا قول الملائكة لهم، والمعنى: نحن الذين كنّا نتوّلاكم في الدُّنيا، لأن الملائكة تتولَّى المؤمنين وتحبُّهم لِما ترى من أعمالهم المرفوعة إلى السماء، {وفي الآخرة} أي: ونحن معكم في الآخرة لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة.
وقال السدي: هم الحَفظة على ابن آدم، فلذلك قالوا: {نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة}؛ وقيل: هم الملائكة الذين يأتون لقبض الأرواح.
قوله تعالى: {ولكم فيها} أي: في الجنة.
{نُزُلًا} قال الزجاج: معناه: أبشروا بالجنة تنزلونها نُزُلًا.
وقال الأخفش: لكم فيها ما تشتهي أنفسُكم أنزلناه نُزُلًا.
قوله تعالى: {ومَن أحسنُ قولًا ممَّن دعا إِلى الله} فيمن أُريد بهذا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم المؤذِّنون.
روى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نزلت في المؤذنين»، وهذا قول عائشة، ومجاهد، وعكرمة.
والثاني: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله، قاله ابن عباس، والسدي، وابن زيد.
والثالث: أنه المؤمن أجابَ اللهَ إلى ما دعاه، ودعا الناسَ إلى ذلك {وعمل صالحًا} في إجابته، قاله الحسن.
وفي قوله: {وعَمِل صالحًا} ثلاثة أقوال:
أحدها: صلّى ركعتين بعد الأذان، وهو قول عائشة، ومجاهد.
وروى إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم: {ومن أحسنُ قولًا ممَّن دعا إلى الله} قال: الأذان {وعمل صالحًا} قال: الصلاة بين الأذان والإِقامة.
والثاني: أدَّى الفرائض وقام لله بالحقوق، قاله عطاء.
والثالث: صام وصلَّى، قاله عكرمة.
قوله تعالى: {ولا تَستوي الحسنةُ ولا السَّيَّئةُ} قال الزجاج: {لا} زائدة مؤكِّدة؛ والمعنى: ولا تستوي الحسنة والسَّيِّئة.
وللمفسرين فيهما ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الحسنة: الإِيمان، والسَّيِّئة: الشِّرك، قاله ابن عباس.
والثاني: الحِلْم والفُحْش، قاله الضحاك.
والثالث: النُّفور والصَّبر، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {ادفَعْ بالَّتي هي أحسنُ} وذلك كدفع الغضب بالصبر، والإِساءة بالعفو، فإذا فعلتَ ذلك صار الذي بينك وبينه عداوة كالصَّديق القريب، وقال عطاء: هو السَّلام على من تعاديه إذا لَقِيتَه.
قال المفسرون: وهذه الآية منسوخة بآية السيف.
قوله تعالى: {وما يُلَقَّاها} أي: ما يُعْطاها.
قال الزجاج: ما يُلَقَّى هذه الفَعْلَة: وهي دفع السَّيَّئة بالحسنة {إلاّ الذين صبروا} على كظم الغيظ {وما يُلَقَّاها إلاّ ذو حَظٍّ عظيمٍ} من الخير.
وقال السدي: إلاّ ذو جَدٍّ.
وقال قتادة: الحظُّ العظيم: الجنة؛ فالمعنى: ما يُلَقَّاها إلاّ مَنْ وجبت له الجنة.
قوله تعالى: {وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطانِ نَزْغٌ} قد فسَّرناه في [الأعراف: 200].
قوله تعالى: {فإن استَكْبَروا} أي: تكبَّروا عن التوحيد والعبادة {فالذين عند ربِّكَ} يعني الملائكة {يسبِّحون} أي: يصلُّون.
و{يَسأمون} بمعنى يَمَلُّون.
وفي موضع السجدة قولان:
أحدهما: أنه عند قوله: {يَسأمون}، قاله ابن عباس، ومسروق، وقتادة، واختاره القاضي أبو يعلى، لأنه تمام الكلام.
والثاني: أنه عند قوله: {إن كنتم إيَّاه تعبُدون}، روي عن أصحاب عبد الله، والحسن، وأبي عبد الرحمن.
قوله تعالى: {ومن آياته أنَّكَ تَرى الأرضَ خاشعةً} قال قتادة: غبراء متهشّمة قال الأزهري: إذا يَبِست الأرضُ ولم تُمْطَر، قيل: خَشَعَتْ.
قوله تعالى: {اهتزَّت} أي: تحرَّكَتْ بالنَّبات {وَرَبتْ} أي: عَلَتْ، لأن النبت إذا أراد أن يَظْهَر ارتفعت له الأرضُ؛ وقد سبق بيان هذا [الحج: 5].
قوله تعالى: {إِنَّ الذين يُلْحِدونَ في آياتنا} قال مقاتل: نزلت في أبي جهل.
وقد شرحنا معنى الإِلحاد في [النحل: 103]؛ وفي المراد به هاهنا خمسة أقوال:
أحدها: أنه وَضْع الكلام على غير موضعه، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: أنه المُكاء والصفير عند تلاوة القرآن، قاله مجاهد.
والثالث: أنه التكذيب بالآيات، قاله قتادة.
والرابع: أنه المُعانَدة، قاله السدي.
والخامس: أنه المَيْل عن الإِيمان بالآيات، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {لا يَخْفَوْنَ علينا} هذا وعيد بالجزاء {أفمن يُلْقَى في النار خير أم مَنْ يأتي آمِنًا يومَ القيامة} وهذا عامّ، غير أن المفسرين ذكَروا فيمن أُريدَ به سبعةَ أقوال:
أحدها: أنه أبو جهل وأبو بكر الصِّدِّيق، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: أبو جهل وعمّار بن ياسر، قاله عكرمة.
والثالث: أبو جهل ورسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن السائب، ومقاتل.
والرابع: أبو جهل وعثمان بن عفّان، حكاه الثعلبي.
والخامس: أبوجهل وحمزة، حكاه الواحدي.
والسادس: أبو جهل وعمر بن الخطاب.
والسابع: الكافر والمؤمن، حكاهما الماوردي.
قوله تعالى: {اعْمَلوا ما شئتم} قال الزجاج: لفظه لفظ الأمر، ومعناه الوعيد والتهديد.
قوله تعالى: {إنَّ الذين كَفَروا بالذِّكْر} يعني القرآن؛ ثم أخذ في وصف الذِّكر؛ وتَرَكَ جواب {إِنَّ}، وفي جوابها هاهنا قولان:
أحدهما: أنه {أولئك ينادَوْنَ من مكان بعيد}، ذكره الفراء.
والثاني: أنه متروك، وفي تقديره قولان: أحدهما: إن الذين كفروا بالذِّكْر لمّا جاءهم كفروا به.
والثاني: إن الذين كفروا يجازَون بكفرهم.
قوله تعالى: {وإنَّه لَكِتابٌ عزيزٌ} فيه أربعة أقوال:
أحدها: مَنيعٌ من الشيطان لا يجد إِليه سبيلًا، قاله السدي.
والثاني: كريمُ على الله، قاله ابن السائب.
والثالث: مَنيعٌ من الباطل، قاله مقاتل.
والرابع: يمتنع على الناس أن يقولوا مِثْلَه، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {لا يأتيه الباطل} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: التكذيب، قاله سعيد بن جبير.
والثاني: الشيطان.
والثالث: التبديل، رويا عن مجاهد.
قال قتادة: لا يستطيع إبليس أن ينقص منه حقًا، ولا يَزيد فيه باطلًا، وقال مجاهد: لا يدخل فيه ماليس منه.
وفي قوله: {مِنْ بينِ يَدَيْه ولا مِنْ خَلْفه} ثلاثة أقوال.
أحدها: بين يَدَي تنزيله، وبعد نزوله.
والثاني: أنه ليس قَبْلَه كتاب يُبْطِله، ولا يأتي بعده كتاب يُبْطِله.
والثالث: لا يأتيه الباطل في إخباره عمّا تقدَّم، ولا في إخباره عمّا تأخر.
قوله تعالى: {ما يُقالُ لكَ إلاّ ما قد قِيل للرُّسُل مِِنْ قَبْلِكَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه قد قيل فيمن ًارْسِلَ قَبْلَكَ: ساحر وكاهن ومجنون.
وكُذِّبوا كما كًذِّبتَ، هذا قول الحسن، وقتادة، والجمهور.
والثاني: ما تُخْبَر إلاّ بما ًاخْبِر الأنبياءُ قَبْلَك من أن الله غفور، وأنه ذو عقاب، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {ولو جَعَلْناه} يعني الكتاب الذي أُنزلَ عليه {قرآنًا أعجميًّا} أي: بغير لغة العرب {لقالوا لولا فُصِّلت آياتُه} أي: هلاّ بيِّنت آياتُه بالعربية حتى نفهمه؟! {أأعجميٌ وعربيٌ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {آعجمي} بهمزة ممدودة، وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {أأعجمي} بهمزتين، والمعنى: أكِتابٌ أعجميٌّ ونبيٌّ عربي؟! وهذا استفهام إنكار؛ أي: لو كان كذلك لكان أشدَّ لتكذيبهم.