فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال: حملتم الأمر على أشده.
قالوا: فما تقول؟ قال: لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان.
وعن عمر رضي الله عنه: لم يروغوا روغان الثعالب أي لم ينافقوا.
وعن عثمان رضي الله عنه: أخلصوا العمل.
وعن علي رضي الله عنه: أدوا الفرائض.
وعن الفضيل: زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية.
وقيل: حقيقة الاستقامة القرار بعد الإقرار لا الفرار بعد الإقرار {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملئكة} عند الموت {أن} بمعنى أي أو مخففة من الثقيلة وأصله بأنه {لاَ تَخَافُواْ} والهاء ضمير الشأن أي لا تخافوا ما تقدمون عليه {وَلاَ تَحْزَنُواْ} على ما خلفتهم فالخوف غم يلحق الإنسان لتوقع المكروه، والحزن غم يلحق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضار والمعنى أن الله كتب لكم الأمن من كل غم فلن تذوقوه {وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} في الدنيا، وقال محمد بن علي الترمذي: تتنزل عليهم ملائكة الرحمن عند مفارقة الأرواح الأبدان أن لا تخافوا سلب الإيمان، ولا تحزنوا على ما كان من العصيان، وأبشروا بدخول الجنان التي كنتم توعدون في سالف الزمان {نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ في الحياة الدنيا وَفِى الآخرة} كما أن الشياطين قرناء العصاة وإخوانهم فكذلك الملائكة أولياء المتقين وأحباؤهم في الدارين {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ} من النعيم {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} تتمنون {نُزُلًا} هو رزق نزيل وهو الضيف وانتصابه على الحال من الهاء المحذوفة أو من ما {مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} نعت له.
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى الله} إلى عبادته هو رسول الله دعا إلى التوحيد {وَعَمِلَ صالحا} خالصًا {وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ المسلمين} تفاخرًا بالإسلام ومعتقدًا له، أو أصحابه عليه السلام، أو المؤذنون، أو جميع الهداة والدعاة إلى الله.
{وَلاَ تَسْتَوِى الحسنة وَلاَ السيئة ادفع بالتى هي أَحْسَنُ} يعني أن الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها إذا اعترضتك حسنتان فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك كما لو أساء إليك رجل إساءة، فالحسنة أن تعفو عنه، والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته إليك مثل أن يذمك فتمدحه أو يقتل ولدك فتفتدي ولده من يد عدوه {فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ} فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاق مثل الولي الحميم مصافاة لك.
ثم قال: {وَمَا يُلَقَّاهَآ} أي وما يلقي هذه الخصلة التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان {إِلاَّ الذين صَبَرُواْ} إلا أهل الصبر {وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} إلا رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير.
وإنما لم يقل فادفع بالتي هي أحسن لأنه على تقدير قائل قال: فكيف أصنع؟ فقيل: {ادفع بالتى هي أَحْسَنُ} وقيل: لا مزيدة للتأكيد والمعنى: لا تستوي الحسنة والسيئة، وكان القياس على هذا التفسير أن يقال: ادفع بالتي هي حسنة، ولكن وضع {التى هي أَحْسَنُ} موضع {الحسنة} ليكون أبلغ في الدفع بالحسنة، لأن من دفع بالحسنى هان عليه الدفع بما دونها، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: بالتي هي أحسن: الصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة وفسر الحظ بالثواب، وعن الحسن: والله ما عظم حظ دون الجنة، وقيل: نزلت في أبي سفيان بن حرب وكان عدوًا مؤذيًا للنبي صلى الله عليه وسلم فصار وليًا مصافيًا {وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ} النزغ شبه النخس والشيطان ينزغ الإنسان كأنه ينخسه يبعثه على ما لا ينبغي، وجعل النزغ نازغًا كما قيل جد جده، أو أريد وإما ينزغنك نازغ وصفًا للشيطان بالمصدر أو لتسويله، والمعنى وإن صرفك الشيطان عما وصيت به من الدفع بالتي هي أحسن {فاستعذ بالله} من شره وامض على حلمك ولا تطعه {إِنَّهُ هُوَ السميع} لاستعاذتك {العليم} بنزغ الشيطان.
{وَمِنْ ءاياته} الدالة على وحدانيته {الليل والنهار} في تعاقبهما على حد معلوم وتناوبهما على قدر مقسوم {والشمس والقمر} في اختصاصهما بسير مقدور ونور مقرر {لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ} فإنهما مخلوقان وإن كثرت منافعهما {واسجدوا لِلَّهِ الذي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} الضمير في {خَلَقَهُنَّ} للآيات أو الليل والنهار والشمس والقمر، لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى أو الإناث، تقول: الأقلام بريتها وبريتهن، ولعل ناسًا منهم كانوا يسجدون للشمس والقمر كالصابئين في عبادتهم الكواكب ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لها السجود لله تعالى، فنهوا عن هذه الواسطة وأمروا أن يقصدوا بسجودهم وجه الله خالصًا إن كانوا إياه يعبدون وكانوا موحدين غير مشركين، فإن من عبد مع الله غيره لا يكون عابدًا لله.
{فَإِنِ استكبروا فالذين عِندَ رَبِّكَ} أي الملائكة {يُسَبِّحُونَ لَهُ بالليل والنهار وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ} لا يملون.
والمعنى فإن استكبروا ولم يمتثلوا ما أمروا به وأبوا إلا الواسطة وأمروا أن يقصدوا بسجودهم وجه الله خالصًا، فدعهم وشأنهم فإن الله تعالى لا يعدم عابد أو ساجد بالإخلاص وله العباد المقربون الذين ينزهونه بالليل والنهار عن الأنداد.
و{عِندَ رَبّكَ} عبارة عن الزلفى والمكانة والكرامة.
وموضع السجدة عندنا {لاَ يَسْئَمُونَ} وعند الشافعي رحمه الله عند {تَعْبُدُونَ} والأول أحوط.
{وَمِنْ ءاياته أَنَّكَ تَرَى الأرض خاشعة} يابسة مغبرة والخشوع التذلل فاستعير لحال الأرض إذا كانت قحطة لا نبات فيها {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء} المطر {اهتزت} تحركت بالنبات {وَرَبَتْ} انتفخت {إِنَّ الذي أحياها لَمُحْىِ الموتى إِنَّهُ على كُلِّ شيء قَدِيرٌ} فيكون قادرًا على البعث ضرورة {إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ في ءاياتنا} يميلون عن الحق في أدلتنا بالطعن، يقال: ألحد الحافر ولحد إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق فاستعير لحال الأرض إذا كانت ملحودة، فاستعير للانحراف في تأويل آيات القرآن عن جهة الصحة والاستقامة.
{يُلْتحِدُونَ} حمزة {لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} وعيد لهم على التحريف {أَفَمَن يلقى في النار خَيْرٌ أم مَّن يَأْتِى ءَامِنًا يَوْمَ القيامة} هذا تمثيل للكافر والمؤمن {اعملوا مَا شِئْتُمْ} هذا نهاية في التهديد ومبالغة في الوعيد {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيجازيكم عليه {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر} بالقرآن لأنهم لكفرهم به طعنوا فيه وحرفوا تأويله {لَمَّا جَاءَهُمْ} حين جاءهم.
وخبر {إن} محذوف أي يعذبون أو هالكون أو {أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} وما بينهما اعتراض {وَإِنَّهُ لكتاب عَزِيزٌ} أي منيع محمي بحماية الله {لاَّ يَأْتِيهِ الباطل} التبديل أو التناقض {مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} أي بوجه من الوجوه {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} مستحق للحمد.
{مَّا يُقَالُ لَكَ} ما يقول لك كفار قومك {إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} إلا مثل ما قال للرسل كفار قومهم من الكلمات المؤذية والمطاعن في الكتب المنزلة {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ} ورحمة لأنبيائه {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} لأعدائهم، ويجوز أن يكون ما يقول لك الله إلا مثل ما قال للرسل من قبلك، والمقول هو قوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ}.
{وَلَوْ جعلناه} أي الذكر {قُرْءَانًا أَعْجَمِيًَّا} أي بلغة العجم كانوا لتعنتهم يقولون: هلا نزل القرآن بلغة العجم فقيل في جوابهم: لو كان كما يقترحون {لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ ءاياته} أي بينت بلسان العرب حتى نفهمها تعنتًا {ءَأَعْجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ} بهمزتين كوفي غير حفص، والهمزة للإنكار يعني لأنكروا وقالوا: أقرآن أعجمي ورسول عربي أو مرسل إليه عربي.
الباقون بهمزة واحدة ممدودة مستفهمة.
والأعجمي الذي لا يفصح ولا يفهم كلامه سواء كان من العجم أو العرب، والعجمي منسوب إلى أمة العجم فصيحًا كان أو غير فصيح، والمعنى أن آيات الله على أي طريقة جاءتهم وجدوا فيها متعنتًا لأنهم غير طالبين للحق وإنما يتبعون أهواءهم، وفيه إشارة إلى أنه لو أنزله بلسان العجم لكان قرآنًا فيكون دليلًا لأبي حنيفة رضي الله عنه في جواز الصلاة إذا قرأ بالفارسية.
{قُلْ هُوَ} أي القرآن {لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى} إرشاد إلى الحق {وَشِفَاءٌ} لما في الصدور من الشك إذ الشك مرض {والذين لاَ يُؤْمِنُونَ في ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ} في موضع الجر لكونه معطوفًا على {الذين آمَنْوا} أي هو للذين آمنوا هدى وشفاء، وهو للذين لا يؤمنون في آذانهم وقر أي صمم إلا أن فيه عطفًا على عاملين وهو جائز عند الأخفش، أو الرفع وتقديره والذين لا يؤمنون هو في آذانهم وقر على حذف المبتدأ أو في آذانهم منه وقر {وَهُوَ} أي القرآن {عَلَيْهِمْ عَمًى} ظلمة وشبهة {أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} يعني أنهم لعدم قبولهم وانتفاعهم كأنهم ينادون إلى الإيمان بالقرآن من حيث لا يسمعون لبعد المسافة.
وقيل: ينادون في القيامة من مكان بعيد بأقبح الأسماء.
{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى الكتاب فاختلف فِيهِ} فقال بعضهم: هو حق.
وقال بعضهم: هو باطل كما اختلف قومك في كتابك {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} بتأخير العذاب {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لأهلكهم إهلاك استئصال.
وقيل: الكلمة السابقة هي العدة بالقيامة وأن الخصومات تفصل في ذلك اليوم ولولا ذلك لقضي بينهم في الدنيا {وإِنَّهُمْ} وإن الكفار {لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} موقع في الريبة {مَّنْ عَمِلَ صالحا فَلِنَفْسِهِ} فنفسه نفع {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} فنفسه ضر {وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} فيعذب غير المسيء.
{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة} أي علم قيامها يرد إليه أي يجب على المسؤول أن يقول الله يعلم ذلك {وَمَا تَخْرُجُ مِن ثمرات} مدني وشامي وحفص وغيرهم بغير ألف {مِّنْ أَكْمَامِهَا} أوعيتها قبل أن تنشق جمع كم {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى} حملها {وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} أي ما يحدث شيء من خروج ثمرة ولا حمل حامل ولا وضع واضع إلا وهو عالم به، يعلم عدد أيام الحمل وساعاته وأحواله من الخداج والتمام والذكورة والأنوثة والحسن والقبح وغير ذلك {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِى} أضافهم إلى نفسه على زعمهم وبيانه في قوله: {أَيْنَ شُرَكَائِىَ الذين زَعَمْتُمْ} وفيه تهكم وتقريع {قَالُواْ ءَاذَنَّاكَ} أعلمناك وقيل أخبرناك وهو الأظهر إذ الله تعالى كان عالمًا بذلك وإعلام العالم محال، أما الإخبار للعالم بالشيء فيتحقق بما علم به إلا أن يكون المعنى إنك علمت من قلوبنا الآن إنا لنشهد تلك الشهادة الباطلة، لأنه إذا علمه من نفوسهم فكأنه أعلموه.
{مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} أي ما منا أحد اليوم يشهد بأن لك شريكًا وما منا إلا من هو موحد لك، أو مامنا من أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم لا يبصرونها في ساعة التوبيخ.
وقيل: هو كلام الشركاء أي ما منا من شهيد يشهد بما أضافوا إلينا من الشركة {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ} يعبدون {مِن قَبْلُ} في الدنيا {وَظَنُّواْ} وأيقنوا {مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ} مهرب.
{لاَّ يَسْئَمُ} لا يمل {الإنسانث} الكافر بدليل قوله: {وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} {مِن دُعَاءِ الخير} من طلب السعة في المال والنعمة والتقدير من دعائه الخير فحذف الفاعل وأضيف إلى المفعول {وَإِن مَّسَّهُ الشر} الفقر {فَيَئُوسٌ} من الخير {قَنُوطٌ} من الرحمة بولغ فيه من طريقين: من طريق بناء فعول، ومن طريق التكرير.
والقنوط أن يظهر عليه أثر اليأس فيتضاءل وينكسر أي يقطع الرجاء من فضل الله وروحه وهذا صفة الكافر بدليل قوله تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87] {وَلَئِنْ أذقناه رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِى} وإذا فرجنا عنه بصحة بعد مرض أو سعة بعد ضيق قال هذا لي أي هذا حقي وصل إليّ لأني استوجبته بما عندي من خير وفضل وأعمال بر، أو هذا لي لا يزول عني {وَمَا أظُنُّ الساعة قَائِمَةً} أي ما أظنها تكون قائمة {وَلَئِن رُّجِعْتُ إلى رَبِّى} كما يقول المسلمون {إِنَّ لِى عِندَهُ} عند الله {للحسنى} أي الجنة أو الحالة الحسنى من الكرامة والنعمة قائسًا أمر الآخرة على أمر الدنيا {فَلَنُنَبِّئَنَّ الذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ} فلنخبرنهم بحقيقة ما علموا من الأعمال الموجبة للعذاب {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} شديد لا يفتر عنهم.
{وَإِذَا أنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ} هذا ضرب آخر من طغيان الإنسان إذا أصابه الله بنعمة أبطرته النعمة فنسي المنعم وأعرض عن شكره {وَنَئَا بِجَانِبِهِ} وتباعد عن ذكرالله ودعائه أو ذهب بنفسه وتكبر وتعظم، وتحقيقه أن يوضع جانبه موضع نفسه لأن مكان الشيء وجهته ينزل منزلة نفسه ومنه قول الكتاب كتبت إلى جهته وإلى جانبه العزيز يريدون نفسه وذاته فكأنه قال: ونأى بنفسه {وَإِذَا مَسَّهُ الشر} الضر والفقر {فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ} كثير أي أقبل على دوام الدعاء وأخذ في الابتهال والتضرع.
وقد استعير العرض لكثرة الدعاء ودوامه وهو من صفة الأجرام كما استعير الغلظ لشدة العذاب، ولا منافاة بين قوله: {فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} وبين قوله: {فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} لأن الأول في قوم والثاني في قوم، أو قنوط في البر وذو دعاء عريض في البحر، أو قنوط بالقلب ذو دعاء عريض باللسان، أو قنوط من الصنم ذو دعاء لله تعالى.
{قُلْ أَرَءَيْتُمْ} أخبروني {إِن كَانَ} القرآن {مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} ثم جحدتم أنه من عند الله {مَنْ أَضَلُّ} منكم إلا أنه وضع قوله: {مِمَّنْ هُوَ في شِقَاقٍ بَعِيدٍ} موضع منكم بيانًا لحالهم وصفتهم {سَنُرِيهِمْ ءاياتنا في الآفاق} من فتح البلاد شرقًا وغربًا {وَفِى أَنفُسِهِمْ} فتح مكة {حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق} أي القرآن أو الإسلام {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ} موضع {بِرَبّكَ} الرفع على أنه فاعل والمفعول محذوف وقوله: {أَنَّهُ على كُلّ شيء شَهِيدٌ} بدل منه تقديره أولم يكفهم أن ربك على كل شيء شهيد أي أولم تكفهم شهادة ربك على كل شيء، ومعناه أن هذا الموعود من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدونه فيتبينون عند ذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب الذي هو على كل شيء شهيد.
{أَلاَ إِنَّهُمْ في مِرْيَةٍ} شك {مِّن لّقَاءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شيء مُّحِيطُ} عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها وظواهرها وبواطنها فلا تخفى عليه خافية فيجازيهم على كفرهم ومريتهم في لقاء ربهم. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَقَيَّضْنَا} وقدرنا.
{لَهُمْ} للكفرة.
{قُرَنَاءَ} أخدانا من الشياطين يستولون عليهم استيلاء القبض على البيض وهو القشر. وقيل أصل القيض البدل ومنه المقايضة لمعاوضة.
{فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أمر الدنيا واتباع الشهوات.
{وَمَا خَلْفَهُمْ} مِنْ أمر الآخرة وإنكاره.
{وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول} أي كلمة العذاب.
{فِى أُمَمٍ} في جملة أمم كقول الشاعر:
إِنْ تَكُ عَنْ أَحْسَنِ الصَّنِيعَةِ مَأ ** فُوكًا فِفِي آخَرِينَ قَدْ أُفِكُوا

وهو حال من الضمير المجرور.
{وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مّنَ الجن والإنس} وقد عملوا مثل أعمالهم.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين} تعليل لاستحقاقهم العذاب، والضمير {لَهُمْ} ولل {أُمَمٌ}.