فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم شبه حال القرآن بحال الكتب المتقدمة في أنها اختلف فيها كما اختلف فيه إلا أنه خص كتاب موسى بالذكر لكثرة أحكامه وعجيب قصته. والكلمة السابقة هي العدة بالقيامة وتأخر العذاب والقضاء بين المصدقين والمكذبين إلى وقتئذ. ثم ذكر أن جزاء كل أحد يختص به سواء كان له أو عليه وأن الله لا يظلم أحدًا ثم كان لسائل أن يسأل: متى القيامة التي يتعلق بها الجزاء فقال: {إليه} لا إلى غيره {يرد علم الساعة} أي إذا سأل عنها. قيل: لا يعلمها إلا هو. ثم عمم بعد هذا التخصيص وذكر مثالين يعرف منهما أن علم جميع الحوادث المستقبلة في أوقاتها المعينة ليس إلا له سبحانه. والكم بكسر الكاف وعاء الثمرة. ثم ذكر من أحوال القيامة طرفًا آخر فقال: {ويوم يناديهم أين شركائي} وهو نداء تهكم أو توبيخ كما مر مرارًا {قالوا آذناك} قال ابن عباس: أي أسمعناك من أذن بالكسر أذنًا بالفتح إذا استمع. وقال الكلبي: أعملناك قال الإمام فخر الدين الرازي: هو بعيد لأن أهل القيامة يعلمون أنه تعالى يعلم الأشياء علمًا واجبًا، فالإعلام في حقه محال. قلت: لو أريد أظهرنا معلومك أين الاستبعاد؟ والمعنى ظهر وحصل في الواقع من جهة قولنا ما كان ثابتًا في علمك القديم أنا سنقوله كقوله: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا} [آل عمران: 142] أي لم يحصل بعد معلومه في الواقع وقد مر.
وقولهم {آذناك} ماض في معنى المستقبل على عادة القرآن أو إنشاء للإيذان أو إخبار عما قيل لهم قبل ذلك فإنه يمكن أن يعاد عليهم هذا الاستفهام مرات لمزيد التوبيخ. ومعنى {ما منا من شهيد} ليس منا من يشهد اليوم بأنهم شركاؤك لأنا عرفنا عيانًا أنه لا شريك لك. أو هو كلام الشركاء أحياها الله وأنطقها فتبرأ مما أضيف إليها من الشركة. ومعنى الضلال على هذا التفسير عدم النفع، ويجوز أن يراد ما منا من أحد يشاهدهم لأنهم غابوا عنا. ومعنى {يدعون} يعبدون. والظن بمعنى اليقين، والمحيص المهرب.
وحين بين أن الكفار تبرؤا في الآخرة من شركائهم بعد أن كانوا مصرين في الدنيا على عبادتهم، بين أن الكافر تبدله في حالاته كلي أو أكثري. ففي حالة الإقبال لا يسأم من طلب الجاه والمال، في حالة الإدبار يصير في غاية اليأس والانكسار، وإن عاودته النعمة بعد يأسه فلابد أن يقول هذا إنما وجدته باستحقاق لي وهذا لا يزول عني ويبقى علي وعلى عقبي وأنكر البعث، وعلى فرض وجوده زعم بل جزم أن له عند الله الحالة الحسنى قائسًا أمر الآخرة على أمر الدنيا، ونظير الآية ما سبق في سورة الكهف {ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرًا منها منقلبًا} [الآية: 36] فلا جرم خيب الله أمله وعكس ما تصوره بقوله: {فلننبئن} وحين حكى قول الكافر أخبر عن أفعاله بقوله: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه} أي تعظم وتجبر.
وقد سلف في {سبحان}.
واستعير العرض لكثرة الدعاء ودوامه، وقد يستعار الطول لكثرة الدعاء ودوامه أيضًا وإن لم يكن الشيء ذا جزم كما استعير الغلظ لشدة العذاب. فإن قيل: كيف قال أولًا {فيؤس قنوط} ثم قال: {فذو دعاء عريض}؟ قلنا: أراد أنه يؤس بالقلب دعاء باللسان، أو قنوط من الصنم دعاء الله، أو الأول في قوم والثاني في آخرين.
ولما ذكر مرات في السورة مبالغة الكفار في العداوة والنفرة من اتباع الرسول والقرآن أرشدهم إلى طريق أحوط مما فيه فقال: {قل أرأيتم} الآية. وتقريره أنكم كما سمعتم القرآن أعرضتم عنه ثم كفرتم به حتى قلتم {قلوبنا في أكنة} [فصلت: 5] {لا تسمعوا لهذا القرآن} ومن المعلوم أن هذا ليس ببديهي فقبل الدليل يحتمل أن يكون صحيحًا وحينئذ يلزم أن يكون بعدم قبوله العقاب الأبدي.
وقوله: {ممن هو في شقاق بعيد} من وضع الظاهر مقام المضمر وهو منكم بيانًا لبعد شوطهم في الشقاق والخلاف قاله في الكشاف. وأقول: جواب الشرط بالحقيقة محذوف وهو قوله مثلًا فمن أضل منكم. وإنما قال في الأحقاف {وكفرتم} [الآية: 10] بالواو لأن معناه في السورة كان عاقبة أمركم بعد الإمهال للنظر الكفر فحسن دخول ثم مع أنها تفيد التراخي في الرتبة، وهناك عطف عليه قوله: {وشهد شاهد} فلم يحسن إلا الواو. ثم بين أن الإسلام يعلو ولا يعلى وأن الغلبة والنصرة تكون لذويه فقال: {سنريهم آياتنا في الآفاق} وهي الفتوح الواقعة على أيدي الخلفاء الراشدين والتي ستقع على أيدي أنصار دينه إلى يوم القيامة.
{وفي أنفسهم} وهي فتح مكة وسائر الفتوح التي وجدت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم: {حتى يتبين لهم أنه} أي محمدًا أو القرآن أو الدين {الحق} ووجه التبين أن هذا إخبار عن الغيب فإذا وقع مطابقًا دل على صدق المخبر بل إعجازه. وواحد الآفاق أفق وهو الناحية من نواحي الأرض والسماء. وعند المحققين الآيات الآفاقية هي الخارجة عن حقيقة الإنسان وبدنه كالأفلاك والكواكب والظلم والأنوار والعناصر والمواليد سواه. ولا ريب أن العجائب المودعة في هذه الأشياء مما لا نهاية لها، وإنما يوقف عليها حينًا بعد حين. وقد أكثر الله تعالى من تقدير تلك الدلائل في القرآن، بعضها في السور المكيات وكثير منها في المدنيات، والآيات النفسية هي التي أودعها في تركيب الإنسان وفي ربط روحه العلوي ببدنه السفلي كقوله: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} [الذاريات: 21] وفي قوله: {سنريهم} دلالة على أن رؤية الأدلة إنما تكون بإراءة الله. قال جار الله: معنى قوله: {أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} هو أن هذه الآيات الموعودة تكفيهم دلالة على أن القرآن منزل من عالم الغيب المطلع على كل شيء.
وقال حكماء الإسلام: أراد بقوله: {أو لم يكف} توبيخ من ليس له رتبة الاستدلال بنفس الوجود على واجب الوجود، فإن هذا هو طريقة الصديقين، وأما غيرهم فإنهم يستدلون بالممكن على الواجب فيفتقرون إلى النظر في الآفاق. قال أهل المعرفة: النظر في الآفاق لأجل العوام والأنفس للخواص وقوله: {أو لم يكف} لخواص الخواص. وقيل: أولم يكف الإنسان من الزاجر والرادع عن المعاصي كون الله شهيدًا عليهم. وقيل: أراد أنه لا يخلف ما وعد لاطلاعه على الأشياء كلها. ثم ختم السورة بتوبيخ الشاكين في أمر البعث وبالنعي عليهم وأوعدهم بأنه عالم بكل شيء فيجازي كلًا على حسب ما يستحقه والله أعلم. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

ولما ذكر وعيدهم في الدنيا والآخرة أتبعه سبب كفرهم الذي هو سبب الوعيد فقال تعالى: {وقيضنا} قال مقاتل: هيأنا وقال الزجاج: سببنا {لهم} أي: للكفرة وأصل التقييض: التيسير والتهيئة يقال: قيضته للدواء هيأته له ويسرته، وهذان ثوبان قيضان أي: كل منهما مكافئ للآخر في الثمن وقوله تعالى: {قرناء} أي: نظراء من الشياطين حتى أضلوهم، جمع قرين قال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا فهو له قرين} {فزينوا لهم} أي: من القبائح {ما بين أيديهم} أي: من أمر الدنيا حتى آثروها على الآخرة {وما خلفهم} أي: من أمر الآخرة فدعوهم إلى التكذيب وإنكار البعث، وقال الزجاج: زينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الآخرة أنه لا بعث ولا جنة ولا نار، وما خلفهم من أمر الدنيا بأن الدنيا قديمة ولا صانع إلا الطبائع والأفلاك، قال القشيري: إذا أراد الله بعبده سوءًا قيض له إخوان سوء وقرناء سوء يحملونه على المخالفات ويدعونه إليها، ومن ذلك الشيطان، وشر منه النفس وبئس القرين، تدعو اليوم إلى ما فيه الهلاك وتشهد غدًا عليه، وإذا أراد الله بعبده خيرًا قيض الله له قرناء خير يعينونه على الطاعة ويحملونه عليها ويدعونه إليها.
وروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أراد الله بعبد شرًا قيض له قبل موته شيطانًا فلا يرى حسنًا إلا قبحه عنده ولا قبيحًا إلا حسنه عنده».
وعن عائشة: إذا أراد الله بالوالي خيرًا قيض له وزير صدق إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه، وإن أراد غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله تعالى».
تنبيه:
في الآية دلالة على أنه تعالى يريد الكفر من الكافرين لأنه تعالى قيض لهم قرناء سوء فزينوا لهم الباطل، وهذا يدل على أنه تعالى أراد منهم الكفر ولكن لا يرضاه كما قال تعالى: {ولا يرضى لعباده الكفر} (الزمر: 7) {وحق} أي: وجب وثبت {عليهم القول} أي: كلمة العذاب، وقرأ أبو عمرو في الوصل بكسر الهاء والميم، وحمزة والكسائي بضم الهاء والميم، والباقون بكسر الهاء وضم الميم وقوله تعالى: {في أمم} محله نصب على الحال من الضمير في عليهم أي: حق عليهم القول كائنين في جملة أمم كثيرة، وفي بمعنى مع {قد خلت} أي: لم تتعظ أمة منهم بالأخرى {من قبلهم} أي: في الزمان {من الجن والأنس} قد عملوا مثل أعمالهم، وقوله تعالى: {إنهم} أي: جميع المذكورين منهم وممن قبلهم {كانوا خاسرين} تعليل لاستحقاقهم العذاب وقوله تعالى: {وقال الذين كفروا} أصله وقالوا أي: المعرضون، ولكنه قال ذلك تنبيهًا على الوصف الذي أوجب إعراضهم {لا تسمعوا} أي: شيئًا من مطلق السماع {لهذا القرآن} وعينوه بالإشارة احترازًا عن غيره من الكتب القديمة كالتوراة، قال القشيري: لأنه مقلب القلوب وكل من استمع له صبا إليه {والغوا} أي: اهزؤوا {فيه} أي: اجعلوه ظرفًا للغو بأن تكثروا من الخرافات والهذيانات واللغط واللغو والتصدية أي: التصفير والتصفيق وغيرها، وقال ابن عباس: كان بعضهم يعني قريشًا يعلم بعضًا إذا رأيتم محمدًا يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر، واللغو: هو من باب لغي بالكسر يلغى بالفتح إذا تكلم بما لا فائدة فيه {لعلكم تغلبون} أي: ليكون حالكم حال من يرجى له أن يغلب ويظفر بمراده في أن لا يميل إليه أحد وسكت ونسي ما كان يقول، وهذا يدل على أنهم عارفون بأن من يسمعه مال إليه وأقبل بكليته عليه وقد فضحوا أنفسهم بهذا فضيحة لا مثل لها.
{فلنذيقن الذين كفروا} أظهر في موضع الإضمار إذ أصله فلنذيقنهم، لكنه أظهر تعميمًا وتعليقًا بالوصف {عذابًا شديدًا} في الدنيا بالحرمان وما يتبعه من فنون الهوان، وفي الآخرة بالنيران {ولنجزينهم} أي: بأعمالهم {أسوأ} أي: سوء العمل {الذي كانوا يعملون} أي: مواظبين عليه.
{ذلك} أي: الجزاء الأسوأ العظيم جدًا {جزاء أعداء الله} أي: الملك الأعظم، ثم بينه بقوله تعالى: {النار} وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو في الوصل بإبدال الهمزة الثانية المفتوحة واوًا خالصة، والباقون بتحقيقهما، وأما الابتداء بالثانية فالجميع بالتحقيق، ثم فصّل بعض ما في النار بقوله تعالى: {لهم فيها} أي: النار {دار الخلد} أي: فإنها دار إقامة، قال الزمخشري: فإن قلت ما معنى قوله: {لهم فيها دار الخلد} قال: قلت: إن النار في نفسها دار الخلد كقوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (الأحزاب: 21) أي: الرسول هو نفس الأسوة.
وقال البيضاوي: هو كقولك في هذه الدار دار سرور يعني بالدار عينها على أن المقصود هو الصفة قال ابن عادل: في هذا نظر إذ الظاهر وهو معنى صحيح منقول أن في النار دارًا تسمى دار الخلد والنار محيطة بها وهذا أولى، وقوله تعالى: {جزاءً} منصوب بالمصدر الذي قبله وهو {جزاء أعداء الله} والمصدر ينصب بمثله كقوله تعالى: {فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورًا} (الإسراء: 63) {بما كانوا بآياتنا} أي: على ما لنا من العظمة {يجحدون} أي: يلغون في القراءة وسماه جحدًا لأنهم لما علموا أن القرآن بالغ إلى حد الإعجاز خافوا من أنه لو سمعه الناس لآمنوا فاستخرجوا تلك الطريقة الفاسدة، وذلك يدل على أنهم علموا كونه معجزًا وأنهم جحدوا حسدًا.
ولما بين تعالى أن الذي حملهم على الكفر الموجب للعذاب الشديد مجالسة قرناء السوء بين ما يقولون في النار بقوله تعالى: {وقال الذين كفروا} أي: غطوا أنوار عقولهم داعين بما لا يسمع لهم فهو زيادة في عقوبتهم وحكايته لها وعظ وتحذير {ربنا} أي: يا أيها الذي لم يقطع قط إحسانه عنا {أرنا} الصنفين {اللذين أضلانا} أي: عن المنهج الموصل إلى محل الرضوان {من الجن والإنس} لأن الشيطان على ضربين جني وإنسي، قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن} (الأنعام: 112) وقال تعالى: {الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس}.
وقيل: هما إبليس وقابيل بن آدم الذي قتل أخاه، لأن الكفر سنه إبليس، والقتل بغير حق سنه قابيل، فهما سنا المعصية، وقرأ ابن كثير والسوسي، وابن عامر وشعبة بسكون الراء من أرنا، واختلس الدوري كسر الراء، وكسرها الباقون، وشدد ابن كثير النون من اللذين {نجعلهما تحت أقدامنا} في النار إذلالًا لهما كما جعلانا تحت أمرهما {ليكونا من الأسفلين} قال مقاتل: أسفل منافي النار، وقال الزجاج: ليكونا في الدرك الأسفل من النار أي: من أهل الدرك الأسفل وممن هودوننا كما جعلانا كذلك في الدنيا في حقيقة الحال باتباعنا لهما، وقال بعض الحكماء: المراد باللذين أضلانا: الشهوة والغضب، والمراد بجعلهما تحت أقدامهم: كونهما مسخرين للنفس مطيعين لها وأن لا يكونا مستوليين عليها ظاهرين عليها.
ولما ذكر تعالى الوعيد أردفه بذكر الوعد كما هو الغالب فقال تعالى: {إن الذين قالوا} أي: قولًا حقيقيًا مذعنين به بالجنان وناطقين باللسان تصديقًا لداعي الله تعالى في الدنيا {ربنا} أي: المحسن إلينا {الله} أي: المختص بالجلال والإكرام وحده لا شريك له، وثم في قوله تعالى: {ثم استقاموا} لتراخي الرتبة في الفضيلة فإن الثبات على التوحيد ومصححاته إلى الممات أمر في علو رتبته لا يرام إلا بتوفيق ذي الجلال والإكرام.
سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الاستقامة فقال: أن لا تشرك بالله شيئًا، وقال عمر رضي الله عنه، الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب. وقال عثمان رضي الله عنه: أخلصوا العمل لله، وقال علي رضي الله عنه: أدوا الفرائض، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: استقاموا على أمر الله تعالى بطاعته واجتنبوا معصيته، وقال مجاهد وعكرمة: استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله، وقال قتادة: كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال: اللهم ربنا ارزقنا الاستقامة، وقال سفيان بن عبد الله الثقفي: قلت: يا رسول الله أخبرني بأمر أعتصم به قال: «قل ربي الله ثم استقم فقلت: ما أخوف ما تخاف علي، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه فقال: هذا». قال أبو حيان: قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.
{تتنزل عليهم الملائكة} قال ابن عباس: عند الموت وقال قتادة: إذا قاموا من قبورهم، وقال وكيع بن الجراح: البشرى: تكون في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث وهي {ألا تخافوا} قال مجاهد: لا تخافوا مما تقدمون عليه من أمر الآخرة {ولا تحزنوا} على ما خلفتم من أهل وولد فإنا نخلفكم في ذلك كله، وقال عطاء بن أبي رباح: لا تخافوا من ذنوبكم ولا تحزنوا فإني أغفرها لكم، والخوف غم يلحق لتوقع المكروه، والحزن يلحق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضار، والمعنى أن الله تعالى كتب لكم الأمن من كل غم فلن تذوقوه أبدًا.
تنبيه:
يجوز في أن: أن تكون المخففة أو الفسرة أو الناصبة، ولا ناهية على الوجهين الأولين، ونافية على الثالث {وأبشروا} أي: املؤوا صدوركم سرورًا يظهر أثره على بشرتكم بتهلل الوجه ويعم سائر الجسد {بالجنة التي كنتم} أي: كونًا عظيمًا على ألسنة الرسل عليهم السلام {توعدون} أي: يتجدد لكم ذلك كل حين بالكتب والرسل.