فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قد قدمنا الآيات الموضحة له في أول سورة البقرة، في الكلام على قوله تعالى: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، وفي سورة بني إسرائيل، في الكلام على قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] الآية.
قوله تعالى: {مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] وفي سورة النمل في الكلام على قوله تعالى: {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [النمل: 40].
قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}.
ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من كونه ليس بظلام للعبيد، ذكره في مواضع أخر، كقوله تعالى في سورة آل عمران {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ الذين قالوا إِنَّ الله عَهِدَ إِلَيْنَا} [آل عمران: 182183] الآية.
وقوله في الأنفال {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} [الأنفال: 5152] الآية.
وقوله في الحج: {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله} [الحج: 1011] الآية.
وقوله في سورة ق: {مَا يُبَدَّلُ القول لَدَيَّ وَمَا أنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [ق: 29].
وفي هذه الآيات سؤال معروف، وهو أن لفظة ظلام فيها صيغة مبالغة.
ومعلوم أن نفي المبالغة، لا يستلزم نفي الفعل من أصله.
فقولك مثلًا: زيد ليس بقتال للرجال لا ينفي إلا مبالغته في قتلهم، فلا ينافي أنه ربما قتل بعض الرجال.
ومعلوم أن المراد بنفي المبالغة، في الآيات المذكورة هو نفي الظلم من أصله.
والجواب عن هذا الإشكال من أربعة أوجه:
الأول: أن نفي صيغة المبالغة في الآيات المذكورة، قد بينت آيات كثيرة، أن المراد به نفي الظلم من أصله.
ونفي صيغة المبالغة، إذا دلت منفصلة على أن يراد به نفي أصل الفعل، فلا إشكال لقيام الدليل على المراد.
والآيات الدالة على ذلك كثيرة معروفة، كقوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40] الآية.
وقوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئًا ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44].
وقوله تعالى: {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] وقوله تعالى: {وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47] الآية. إلى غير ذلك من الآيات كما قدمنا إيضاحه في سورة الكهف والأنبياء.
الوجه الثاني: أن الله جل وعلا نفي ظلمه للعبيد، والعبيد في غاية الكثرة.
والظلم المنفي عنهم تستلزم كثرتهم كثرته، فناسب ذلك الإتيان بصيغة المبالغة للدلالة على كثرة المنفي التابعة لكثرة العبيد، المنفي عنهم الظلم، إذ لو وقع على كل عبد ظلم ولو قليلًا، كان مجموع ذلك الظلم في غاية الكثرة، كما ترى.
وبذلك تعلم اتجاه التعبير بصيغة المبالغة، وأن المراد بذلك نفي أصل الظلم، عن كل عبد من أولئك العبيد، الذين هم في غاية الكثرة، سبحانه وتعالى عن أن يظلم أحدًا شيئًا، كما بينته الآيات القرآنية المذكورة.
وفي الحديث: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي» الحديث.
الوجه الثالث: أن المسوغ لصيغة المبالغة، أن عذابه تعالى بالغ من العظم والشدة، أنه لولا استحقاق المعذبين لذلك العذاب بكفرهم، ومعاصيهم لكان معذبهم به ظلامًا بليغ الظلم متفاقمه، سبحانه وتعالى في ذلك علوًا كبيرًا.
وهذا الوجه والذي قبله أشار لهما الزمخشري في سورة الأنفال.
الوجه الرابع: ما ذكره بعض علماء العربية وبعض المفسرين، من أن المراد بالنفي في قوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد} [فصلت: 46] نفي نسبة الظلم إليه، لأن صيغة فعال مرادًا بها النسبة فتغني عن ياء النسب كما أشار له في الخلاصة بقوله:
ومع فاعل وفعَّال فِعلْ ** في نَسَب أغنى عَنِ اليَا فقبِلْ

ومعنى البيت المذكور، أن الصيغ الثلاثة المذكورة فيه التي هي فاعل كظالم وفعَّال كظالم، وفعِل كفرح، كل منها قد تستعمل مرادًا بها النسبة، فيستغنى بها عن ياء النسب، ومثاله في فاعل قول الحطيئة فيه هجوه الزبر قان بن بدر التميمي:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فالمراد بقوله الطاعم الكاسي النسبة، أي ذو طعام وكسوة، وقول الآخر وهو من شواهد سيبويه:
وغررتني وزعمت أنك ** لابن في الصيف تامر

أي ذو لبن وذو تمر، وقول نابغة ذبيان:
كليني لهم يا أميمة ناصب ** وليل أقاسيه بطيء الكواكبي

فقوله: ناصب أي ذو نصب، ومثاله في فعال قول امرئ القيس:
وليس بذي رمح فيطعنني به ** وليس بذي سيف وليس بنبال

فقوله: وليس بنبال أي ليس بذي نبل، ويدل عليه قوله قبله:
وليس بذي رمح وليس بذي سيف.
وقال الأشموني بعد الاستشهاد بالبيت المذكور: قال المصنف يعني ابن مالك: وعلى هذا حمل المحققون قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] أي بذي ظلم. اهـ.
وما عزاه لابن مالك جزم به غير واحد من النحويين والمفسرين، ومثاله في فعل قول الراجز وهو من شواهد سيبويه:
لست بليلى ولكني نهر ** لا أدلج الليل ولكن أبتكر

فقوله نهر بمعنى نهاري، وقد قدمنا إيضاحه معنى الظلم بشواهده العربية، في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة}.
تقدم الكلام على نحوه في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ} [الأعراف: 187] وفي الأنعام عند قوله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 59].
قوله تعالى: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ}.
قد قدمنا الكلام عليه في سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى: {الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8] الآية.
قوله تعالى: {وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ}.
الظن هنا بمعنى اليقين، لأن الكفار يوم القيامة إذا عاينوا العذاب، وشاهدوا الحقائق، علموا في ذلك الوقت أنهم ليس لهم من محيص، أي ليس لهم مفر ولا ملجأ.
والظاهر أن المحيص مصدر ميمي، من حاص يحيص بمعنى حاد وعدل وهرب.
وما ذكرنا من أن الظن في هذه الآية الكريمة بمعنى اليقين والعلم، هو التحقيق إن شاء الله، لأن يوم القيامة تنكشف فيه الحقائق، فيحصل للكفار العلم بها لا يخالجهم في ذلك شك، كما قال تعالى عنهم، إنهم يقولون يوم القيامة {رَبَّنَا أبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارجعنا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12]. وقال تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} [مريم: 38]. وقال تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} [ق: 22]. وقال تعالى: {وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ على رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هذا بالحق قَالُواْ بلى وَرَبِّنَا} [الأنعام: 30] وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة النمل في الكلام على قوله تعالى: {بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ فِي الآخرة} [النمل: 66] الآية.
ومعلوم أن الظن يطلق في لغة العرب، التي نزل بها القرآن على معنيين:
أحدهما: الشك كقوله: {إِنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئًا} [يونس: 36]، وقوله تعالى عن الكفار: {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32].
والثاني: هو إطلاق الظن مرادًا به العلم واليقين، ومنه قوله تعالى هنا: {وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} [فصلت: 48] أي أيقنوا، أنهم ليس لهم يوم القيامة محيص، أي لا مفر ولا مهرب لهم من عذاب ربهم، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {وَرَأَى المجرمون النار فظنوا أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا} [الكهف: 53] أي أيقنوا ذلك وعلموه، وقوله تعالى: {الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 46] وقوله تعالى: {قَالَ الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ الله كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله} [البقرة: 249] وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 1920]، فالظن في الآيات المذكورة كلها بمعنى اليقين.
ونظير ذلك من كلام العرب قول دريد بن الصمة:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ** سراتهم في الفارسي المسرد

وقول عميرة بن طارق:
بأن تفتروا قومي وأقعد فيكم ** وأجعل مني الظن غيبًا مرجما

والظن في البيتين المذكورين بمعنى اليقين، والفعل القلبي في الآية المذكورة التي هي قوله: {وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} [فصلت: 48] معلق عن العمل في المفعولين بسبب النفي بلفظة ما في قوله: {مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} كما أشار له في الخلاصة بقوله:
والتزم التعليق قبل نفي ما

قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَمَا أظُنُّ الساعة قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِّعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى: {وَمَا أظُنُّ الساعة قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنْقَلَبًا} [الكهف: 36]. [الكهف: 36].
{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)} قد قدمنا الآيات الموضحة له، وبعض الأحاديث الصحيحة، الموافقة لها في سورة يونس في الكلام على قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ} [يونس: 12].
قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ} الآية.
قد قدمنا الكلام عليه في سورة المؤمن في الكلام على قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ} [غافر: 13] الآية.
قوله تعالى: {أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ} المرية: الشك.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من شك الكفار في البعث والجزاء، قد قدمنا الآيات الموضحة له، ولما يترتب عليه من الخلود في النار، في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيرًا} [الفرقان: 11]. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وما تخرج من ثمرة من أكمامها} قال: حين تطلع.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {آذناك} أعلمناك.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: {لا يسأم الإِنسان} قال: لا يمل.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {ولئن أذقناه رحمة منا} الآية. قال: عافية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {سنريهم آياتنا في الآفاق} قال: كانوا يسافرون فيرون آثار عاد وثمود يقولون والله لقد صدق محمد صلى الله عليه وسلم: {وما أراهم في أنفسهم} قال: الأمراض. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} لمَّا استعجلوا وقالوا: متى تقوم هذه القيامةُ التي يَتوعَّدنا بها؟ قال الله تعالى: إنَّ علمَ القيامة ينفرد به الحقُّ فلا يعلم غيره، فكما لا يعلم أحدٌ ما الذي يخرج من الاشجار من الثمار، وما الذي تنطوي عليه أرحامُ النساءِ من أولادها ذكورًا وإناثًا، وما هم عليه من أوصاف الخِلْقة، ويحصل من الحيوانات من نتاجها- فلا يعلم هذه الأشياء إلا الله- فكذلك لا يعلم أحدٌ متى تقوم القيامة.
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَاءِى}: يتبرؤون من شركائهم، ولكن في وقت لا تنفعهم كثرةُ نَدَمِهم وبكائهم.
{لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)} لا يَمَلُّ الإنسانُ من إرادة النفع والسلامة، وإنْ مَسَّه الشرُّ فيئوسٌ لا يرجو زوالَه لِعَدَمِ علمه بربه، وانسداد الطريق على قلبه في الرجوع إليه.
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} لئن كَشَفْنا عنه البلاَءَ، وأوجبنا له الرجاء لادَّعاه استحقاقًا أو اتفاقًا، وما اعتقد أن ذلك مِنَّا فضلٌ وإيجاب.
ويقول: لو كان حشرٌ ونشرٌ لكان لي من الله لطفٌ وخير، وغدًا يعلم الأمر، وأنه بخلاف ما تَوَهَّمَ وذلك عندما نذيقه ما يستوجبه من عذاب.
{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)} هو لا يميز بين البلاء والعطاء؛ فكثيرٌ مما يتوهمه عطاءً هو مكرٌ واستدراجٌ.. وهو يستديمه. وكثيرٌ مما فضلٌ وصَرْفٌ وعطاءٌ يظنه من البلاء فيعافُه ويكرهه.
ويقال إذا أنعمنا عليه صاحَبَه بالبَطَر، وإذا أبليناه قابَلَه بالضجر.
ويقال إذا أنعمنا عليه أُعُجِبَ بنفسه، وتكبَّر مختالًا في زَهْوِه، لا يشكر ربَّه، ولا يدرك فضلَه، ويتباعد عن بِساط طاعته.
والمستغني عنَّا يهيم على وجهه، وإذا مسَّه الشرُّ فذو دعاءٍ كثيرٍ، وتضرُّعٍ عريض، وابتهالٍ شديد، واستكشافٍ دائم.
ثم إذا كشفنا عنه ذلك فله إلى عُتُوِّه ونُبُوِّه عَوْدٌ، ولسوء طريقته في الجحود إعادة.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52)} {سَنُرِيهِمْ}: السن للأستقبال؛ اي سيُظهر لهم من الآيات، ومن الأحداث التي تجري في أحوال العالمَ، وما سيحِلُّ بهم من اختلاف الأمور ما يتبيَّن لهم من خلاله أنَّ هذا الدَّين حقٌّ، وأنَّ هذا الكتابَ حقٌّ، وأن محمدًا- صلى الله عليه وسلم- حقٌّ، وأن المُجْرِيَ لهذه الآياتِ والأحداثِ والأمورِ والمنشىءَ له هو الحقُّ- سبحانه.
ومن تلك الآيات ما كان من قَهْرِ الكفار، وعُلُوِّ الإسلام، وتلاشي أعداء الدين.
ويقال من تلك الآيات في الأفاق اختلافُ أحكام الأعين مع اتفاق جواهرها في التجانس.. وهذه آيات حدوثِ العالَم، واقتضاء المُحدَثِ لصفاته.
{وَفِى أَنفُسِهِمْ}: من أمارات الحدوثِ واختلافِ الأوصاف ما يمكنهم إدراكه.
ويقال: {فِى الأَفَاقِ} للعلماء، {وَفِى أَنفُسِهِمْ} لأهل المعرفة مما يجدونه من العقاب إذا أَلَمُّوا بذَنْبِ، ومن الثواب إذا أخلصوا في طاعة.
وكذلك ما يحصل لهم من اختلاف الأحوال من قبضٍ وبسط، وجمع وفَرْقٍ، وحجبٍ وجذبٍ وما يجدونه بالضرورة في معاملاتهم ومنازلاتهم.
{أَوَلَمْ يَكْفِ بِربِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شيء شهِيدٌ}: هو الكافي، ولكنهم- أي الكفار- في مِرْيةٍ من لقاء ربهم في القيامة. والإشارة فيه: أن العوامَّ لَفي شكٍ من تجويز ما يُكَاشَفُ به أهلُ الحضورِ من تعريفات السرِّ.
{أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شيء مُّحِيطُ}: عالِمٌ لا يَخْفَى عليه شيءٌ. اهـ.