فصل: مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

{وَاسْتَقِمْ} عليها أنت وأمنك، وأدم الدعوة إليها {كَما أُمِرْتَ} من قبلنا {وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءهُمْ} الباطلة المختلفة وآراءهم الفاسدة {وَقُلْ آمَنْتُ بِما أنزل الله مِنْ كِتابٍ} أي بجميع الكتب المنزلة من عند اللّه، لأن النكرة إذا أطلقت عمت، فتشمل كل كتاب أنزله اللّه من لدن آدم إلى زمنه، وقدمنا ما يتعلق في بحث الاستقامة على الدين في الآيتين 112/ 119 من سورة هود المارة بصورة مفصلة فراجعهما.
واعلم أن في هذه الآية تعريضا بالكافرين وبعض أهل الكتاب الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض من الكتب السالفة والآيات القرآنية، ولهذا قال تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} فيما أمرني فيه ربي من الأحكام المنزلة عليّ من لدنه فلا أخص بعضا دون بعض، وأبلغ شريعته جميع خلقه الذين أراهم بنفسي، وبالواسطة لمن لم أرهم، وأعدل بينكم في الخصومات إذا تحاكمتم لدي، فلا أجور ولا أحيف على أحد، ولا أخاصم أحدا إلا بالحق ولأجل الحق، لأن الذي أدعوكم إليه هو {اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ} ورب الخلق أجمع فكما لا يختص به واحد دون آخر لا يرضى أن يتميز أحد على أحد بدون الحق، فهذه خطتي التي أمرت بها يا قوم، فإن لم تقبلوا فتكون {لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ} لا تسألون عما أعمل ولا نسأل مما تعملون.
وهذه الجملة على حد قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} الآية الأخيرة من سورة الكافرون في ج 1، وعلي حد قوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} الآية 24 من سورة سبأ المارة، وإذ ظهر الحق الصريح فأقول لكم {لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ} ولا خصومة ولا محاججة وجاءت هنا الحجة بمعنى الاحتجاج وهي الأصل {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا} فيجازي كلا على عمله {وَإليه الْمَصِيرُ} 15 في الخصومات والمحاججات، ولا وجه لقول من قال بنسخ هذه الآية بآية السيف من المفسرين إذ ليس فيها ما يدل على المتاركة وإقرار الكفار على ما هم عليه من الكفر وإنما هي من باب التعريض راجع الآية 25 من سورة سبأ المارة تجد مثل هذا.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ} ويخاصمون في دينه {مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ} بعد استجابة الناس لدينه ودخولهم فيه فهولاء {حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ} باطلة زائلة مهجورة غير مقبولة {عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ} 16 في الآخرة، وهذه الآية عامة في كل من هذا شأنه من الناس أجمع، وما قيل إنها نزلت في كفار بدر بعد أن استجاب اللّه تعالى دعاء حضرة الرسول بظفره عليهم قول لا دليل لقائله عليه، لأن هذه الآية مكية بالاتفاق وواقعة بدر بعد الهجرة وهو لم يهاجر بعد وكذلك القول بحمل الاستجابة على استجابة أهل الكتاب لا يتجه لأن أهل الكتاب لم يباحثهم حضرة الرسول إلا في المدينة ولم يجب دعوته أحد منهم إلا فيها، لذلك فحمل الاستجابة على من أجابه لدين الحق وهو في مكة من أهل مكة، والمحاججون هم روساء الكفر أولى وأنسب في المقام.
قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ} مفصلا فيه الدلائل والأحكام ليجري عليه الناس {وَالْمِيزانَ} آلة العدل، لأن المراد به واللّه أعلم نفس العدل والإنصاف والتسوية بين الناس، أنزله أيضا وأمر خلقه فيه ليتحلوا به فيستقيم أمرهم ويعدلوا فيما بينهم.
راجع رسالة القسطاس المستقيم للإمام الغزالي رحمه اللّه تجد أن المراد بالميزان ما ذكرته، لأنه يقول في قوله تعالى: {وَالسماء رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ} الآية7 من سورة الرحمن في ج 3، إن هذا الميزان الذي قابله اللّه بالسماء لا يتصور أنه الذي يزن به الناس الخس والبصل مثلا، بل إنما هو العدل الذي به قوام الدنيا والآخرة إلخ، ما جاء فيها.
{وَما يُدْرِيكَ} يا سيد الرسل {لَعَلَّ السَّاعَةَ قريبٌ} 17 حدوثها ولعلّها مظلّة عليك ولا تراها، فعليك أن تأمر الناس باتباع الكتاب وإجراء العدل بينهم قبل أن يفاجئهم الأجل وقبل حلول يوم وزن العمل الذي يظهر فيه الرابح في هذه الدنيا من الخاصر.
واعلم انما {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها} استعجال إنكار واستهزاء فيقولون لك لما تخوفهم بها متى هي، ليتها تأتي الآن حتى يظهر لنا الذي نحن عليه حق أم أنت وأصحابك.
وذلك لجهلهم بها وبعظمة اللّه {وَالَّذِينَ آمَنُوا} بها وصدقوا بوجودها {مُشْفِقُونَ} خائفون وجلون {مِنْها} لعلمهم بحقيقتها وحقيقة ما فيها من الأهوال {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} الكائن لا محالة فانتبهوا أيها؟؟؟
{أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ} يجادلون {فِي السَّاعَةِ} ويخاصمون بوجودها جهلا ويشكون بحقيقتها {لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} 18 عن الصواب، لأن البعث بعد الموت أقرب الغائبات بالمحسوسات، لأنه يعلم من إحياء الأرض بعد موتها وغيره من الأدلة العقلية فضلا عن السمعية {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ} كثير الإحسان إليهم جليل النعم عليهم بالغ البرّ بهم {يَرْزُقُ مَنْ يَشاء} من كل نام بحسبه وبقدر ما يكفيه {وَهُوَ الْقَوِيُّ} باهر القوة على كل شيء {الْعَزِيزُ} 19 الغالب على كل شيء المنيع الذي لا يدافع ولا يرافع {مَنْ كانَ} منكم أيها الناس {يُرِيدُ} بأعماله وكسبه {حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} من واحد إلى عشرة إلى سبعمئة إلى ما لا نهاية واللّه كثير الخير جليل العطاء واسع الفضل {وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا} مؤثرا لها على الآخرة فإنا أيضا {نُؤْتِهِ مِنْها}.
ما قدرناه وقسمناه له فيها أزلا لا نعطيه غيره {وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} 20 أبدا لأن همته كانت مقصورة على الدنيا، ومن كان كذلك فإنه يؤتى حظه المقدر له من كل ما فيها كاملا ويكافأ على أعماله الحسنة كالصدقة والصلة وقول المعروف وإماطة الأذى وغيرها من عافية ورزق وجاه وولد وغيره، فيأتي في الآخرة محروما من ثوابها، لأنه لم يقصد بها وجه اللّه، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكاء} من الأوثان {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} من الشرك فيه وإنكار البعث والكتب والرسل والجنة والنار.
والاستفهام هنا إنكاري أي ليس لهم شرع ولا شارع على حد قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا} الآية 43 من سورة الأنبياء الآتية، قال تعالى مهددا لهؤلاء الفجرة {وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ} السابقة منا بتأخير العذاب {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بإنزاله وفرغ من عذابهم وجدالهم وإنكارهم {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ} أنفسهم بالكفر أمثال هؤلاء {لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} 21 في الآخرة غير عذاب الدنيا ويوم القيامة بأكرم الرسل {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا} خائفين أشد الخوف من وبال أعمالهم الدنيوية {وَهُوَ} أي العذاب المترتب عليهم جزاء أعمالهم {واقِعٌ بِهِمْ} لا محالة لأنه محتم عليهم أزلا {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ} يكونون في أطيب بقاعها جزاء لأعمالهم الحسنة {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ} فيها من كل ما لذّ وطاب وخطر بالبال {عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ} الجزاء الحسن {هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} 22 الذي لا أكبر منه لأنه من الإله الكبير، وهذه الآيات المدنيات في هذه السورة.
قال تعالى: {ذلِكَ} النعيم العظيم {الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ به عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} بأن قرنوا أعمالهم الطيبة بفعل ما هو صالح لأن الإيمان بلا عمل كالصوم بلا صلاة والحج بلا زكاة {قُلْ} يا حبيبي لمن تبلغهم أحكامي {لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} أي التبليغ {أَجْرًا} جعلا ما ليكون مدار للتهمة والظن بي، ولا أطلب منكم شيئا عما أبلغه لكم من كلام ربي ولا لموعظة ما لإرشادكم {إِلَّا} شيئا واحدا {الْمَوَدَّةَ فِي الْقربى} لا غيرها أريد منكم أبدا، قال ابن عباس لم تكن بطن من قريش إلا وله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، لهذا قال لا أريد منكم لقاء نصحي وإرشادي للأخذ بكلام ربي إلا أن تحفظوا قرابتي وتصلوا رحمي وتكرموهم، لأن هذه الآية نزلت في الأنصار حينما قالوا له تمنّ علينا يا رسول اللّه، قال لا أريد شيئا إلا المودة في القربى.
قال أبو بكر رضي اللّه عنه وأرضاه فيما يرويه البخاري عن ابن عمر ارقبوا محمدا في أهل بيته.
وروى مسلم عن زيد بن أرقم أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال إني تارك فيكم ثقلين أولها كتاب اللّه فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به وأهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم في أهل بيتي، كررها صلى الله عليه وسلم تأكيدا في حبهم وإكرامهم والصحيح أن أهل بيته نساؤه ومن حرمت عليهم الصدقة بعده، وآل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس رضوان اللّه عليهم.
وهذا الطلب لا يسمى أجرا بالنسبة لقريش في الحقيقة، لأن قرابته قرابتهم، فتكون مودتهم لازمة بل يكون فيه الأجر بالنسبة للأنصار المخاطبين في هذه الآية.
أخرج الترمذي عن ابن عباس قال قال صلى الله عليه وسلم أحبّوا اللّه لما يغذوكم به، وأحبوني لحب اللّه، وأحبوا أهل بيتي لحبّي.
وعلى كل لا يقال إنه لا يجوز طلب الأجر على تبليغ الرسالة، لأن ذلك ممنوع إذا كان أجرا ماديا كالدراهم وغيرها، أما الكفّ عن أذية أهله وإرادة مودتهم فلا يسمى أجرا بالمعنى المتعارف، وعليه فإن طلب المودة في القربى ليس بأجر، فيرجع الحاصل على لا أجر البتة، ولهذا فلا ينتقد عليه إلا كما ينتقد على القول فيهم.
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ** بهن فلول من قراع الكتائب

لأن هذا ليس بعيب يلام عليه، بل يمدح فيه، ولأن المودة بين المسلمين واجبة، فهي في أهل البيت أوجب، ولهذا كان الاستثناء متصلا.
أما من جعل الاستثناء منقطعا فقد ركن إلى تقدير فعل {تَوَدُّونَ} وعمد على الوقف على كلمة أجرا أي إلا أن تودوا أقاربي أو تقدير أذكركم المودة في القربى، والأول أولى كما ترى لما في الأخير من لزوم وتقدير ما الأمر في غنى عنه ولا حاجة فيه.
هذا ولا معنى لقول من قال إن هذه الآية منسوخة بآية {قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} الآية 47 من سورة سبأ المارة، وهي آية مقدمة في النزول على هذه الآية لفظا ورتبة ومن المعلوم أن المقدم لا ينسخ المؤخر، راجع بحث النسخ في المقدمة، وهذا من جملة المرامي التي من أجلها أقدمت على هذا التفسير المبارك ورتبته بحسب النزول ليعلم القارئ خطأ القائلين بنسخ أمثال هذه الآية متى ما عرف أنها متقدمة، لأن العلماء رحمهم اللّه أكثروا من أقوالهم بالنسخ ومنهم من تغالى فيه حتى خالف الأصول التي وضعت لمعرفة الناسخ والمنسوخ كهذه الآية وآيات الإخبار والوعد والوعيد وغيرها، سامحهم اللّه.
وليعلم أن مودته صلى الله عليه وسلم وأقاربه وكفّ الأذى عنهم من فرائض الدين، فقد روي أنه لما نزلت هذه الآية قيل يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال «علي وفاطمة وابناهما».
وقد أجمع السلف والخلف الصالحون على مودتهم، فلا يصح القول بوجه من الوجوه بنسخ هذه الآية أبدا، وعفا اللّه عن هؤلاء الذين لا هم لهم إلا أن يقولوا هذا ناسخ وهذا منسوخ ولو لا الراسخون في العم الواضعون أصول علم الناسخ والمنسوخ والوافقون لأمثالهم على ما يتقولون به من النسخ بالمرصاد لتوسعوا بأكثر من هذا.
وأخرج بن جرير عن أبي الديلم قال لما جيء بعلي بن الحسين رضي اللّه عنهما أسيرا، أقيم على درج دمشق، فقام رجل من أهل الشام فقال الحمد للّه الذي قتلكم واستأصلكم، فقال له علي: أقرأت القرآن؟ قال نعم، قال أقرأت آل حم؟ قال نعم، قال أما قرأت {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقربى}؟ قال فإنكم لأنتم هم؟ قال نعم، قال فأطرق أي ندما على ما قال وأسفا.
فانظروا أيها الناس كيف قاتل من قاتل من أهل الشام أناسا لا يعرفونهم ولا يقدرون مكانتهم.
راجع الآية 137 من الأعراف في ج 1، وقال علي كرم اللّه وجهه قال اللّه فينا في آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا مؤمن. يعني هذه الآية.
وقال الكميت:
وجدنا لكم في آل حم آية ** تأولها منا تقي ومعرب

وقال عمر الهيتي:
بأية آية يأتي يزيد ** غداة صحائف الأعمال تتلى

وقام رسول رب العرش يتلو- وقد صمت جميع الخلائق- قل لا وقال الآخر:
أترجو أمة قتلت حسينا ** شفاعة جدّه يوم الحساب

وأخرج ابن حبان عن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا أدخله اللّه تعالى النار»، وأخرج أحمد والترمذي وصححه النسائي عن المطلب بن ربيعة قال دخل العباس على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال إنا لنخرج فترى قريشا تتحدث، فإذا رأونا سكتوا، فغضب صلى الله عليه وسلم ودر عرق بين جبينه، ثم قال «واللّه لا يدخل قلب امرئ إيمان حتى يحبكم للّه تعالى ولقرابتي».
وما أحسن ما قيل:
داريت أهلك في هواك وهم عدا ** ولأجل عين ألف عين تكرم

وقد سئل ابن الجوزي في جامع دمشق هل يوجد لهذا المثل في القرآن ما يشير إليه، قال نعم قال تعالى: {وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الآية 33 من سورة الأنفال في ج3 ولهذا أكثر الناس من الثناء عليهم إرضاء لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم وطاعة لربه، حتى أنهم أفرطوا بذلك، ومنهم من يمدحهم رياء، قال علي رضي اللّه عنه لرجل أفرط في الثناء عليه وكان يتهمه في مودته: أنا دون ما نقول وفوق ما في نفسك رضي اللّه عنه ما أعظمه وأحلمه.
قالوا كان الشيخ محي الدين العربي يكره الشريف عونا ويندد به، فرأى في النوم السيدة فاطمة رضي اللّه عنها وهي معرضة عنه، فقال لها لما ذا يا سيدتي؟ فقالت لكراهتك عونا، فقال أما تعلمين ما يفعل من المظالم؟ فقالت له أما تعلم أنه منا أهل البيت؟ فانتبه مرعوبا لشدة غيظها عليه، فذهب إليه، فلما رآه عرف الغضب في وجهه لما كان يسمعه من ذمه، فقال على رسلك يا ابن بنت رسول اللّه واللّه ما جاء بي إليك وأنت تعلم ما أنا عليه من كراهتك إلّا اني رأيت كذا وكذا، ولهذا جئتك معتذرا، فلما سمع منه الرؤيا تهلل وجهه، وقال اشهد يا محي الدين اني أشهد اللّه بأني تبت إليه من كل ما كنت أفعل ولا أعود إليه وحسن حاله بعد ذلك.
رحم اللّه الجميع رحمة واسعة فهؤلاء أهل البيت أيها الناس، حبهم ايمان وبغضهم كفر. اهـ. ملخصا من الفتوحات المكية، وكلما كانت جهة القرابة أقوى كان طلب المودة أشد، وقد تساهل الناس في هذا الزمن في حبهم حتى انهم لم يلتفتوا إليهم، وأفرط آخرون فجعلوا حبهم رفضا وسلكوا محببهم في سلك الروافض وهم فرقة من إخواننا الشيعة لا الشيعة أنفسهم الذين يفضلون عليا فضله اللّه على غيره من الأصحاب رضوان اللّه عليهم أجمعين لقرابته من رسول اللّه ومصاهرته له ولقوله «إن عليا مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي».
ولأن نسبه بسببه، ولميزات أخرى كثيرة سنأتي عليها في غير هذا الموضع إن شاء اللّه.
وآخرون قالوا بحبه وادعوا فيه ما هو براء منه، وهو من التفريط بمكان، أما أنا فأقول ما قاله الشافعي رحمه اللّه:
ان كان رفضا حب آل محمد ** فليشهد الثقلان أني رافضي