فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال قوم: الآية منسوخة وإنما نزلت بمكة؛ وكان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، وأمرهم الله بمودّة نبيه صلى الله عليه وسلم وصِلة رحِمه، فلما هاجر آوته الأنصار ونصروه، وأراد الله أن يلحقه بإخوانه من الأنبياء حيث قالوا: {وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين} [الشعراء: 109]، فأنزل الله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله} [سبأ: 47] فنسخت بهذه الآية وبقوله: {قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ المتكلفين} [ص: 86]، وقولِه: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} [المؤمنون: 72]، وقولِه: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} [الطور: 40]؛ قاله الضحاك والحسين بن الفضل.
ورواه جُوَيبر عن الضحاك عن ابن عباس.
قال الثَّعْلبيّ: وليس بالقويّ، وكفى قُبْحاً بقول من يقول: إن التقرّب إلى الله بطاعته ومودّة نبيه صلى الله عليه وسلم وأهل بيته منسوخ؛ وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من مات على حُب آل محمد مات شهيداً ومن مات على حُب آل محمد جعل الله زوّار قبره الملائكة والرحمة ومن مات على بُغْض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس اليوم من رحمة الله ومن مات على بغض آل محمد لم يَرَح رائحة الجنة ومن مات على بغض آل بيتي فلا نصيب له في شفاعتي».
قلت: وذكر هذا الخبر الزَّمَخْشِريّ في تفسيره بأطول من هذا فقال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات على حُب آل محمد مات شهيداً ألاَ ومن مات على حُب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ألاَ ومن مات على حُب آل محمد بشّره ملك الموت بالجنة ثم مُنْكر ونكير ألا ومن مات على حُب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ألا ومن مات على حب آل محمد فُتح له في قبره بابان إلى الجنة ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ألا ومن مات على حُبّ آل محمد مات على السنة والجماعة ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه أيس من رحمة الله ألاَ ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً ألاَ ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة».
قال النحاس: ومذهب عِكرمة ليست بمنسوخة؛ قال: كانوا يصِلون أرحامهم فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قطعوه فقال: «قل لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تَوَدُّوني وتحفظوني لقرابتي ولا تكذبوني».
قلت: وهذا هو معنى قول ابن عباس في البخارِيّ والشعبِيّ عنه بعينه؛ وعليه لا نسخ.
قال النحاس: وقول الحسن حسن، ويدل على صحته الحديث المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدّثنا أحمد بن محمد الأزدي قال أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي قال أخبرنا أسد بن موسى قال حدثنا قَزَعة وهو ابن سويد البصري قال حدّثنا عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا أسألكم على ما أنبئكم به من البيّنات والهُدَى أجراً إلا أن توادُّوا الله عز وجل وأن تتقرّبوا إليه بطاعته» فهذا المبيّن عن الله عز وجل قد قال هذا، وكذا قالت الأنبياء صلى الله عليهم قبله: {إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله}.
الثانية واختلفوا في سبب نزولها؛ فقال ابن عباس: لما قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق لا يسعها ما في يديه؛ فقالت الأنصار: إن هذا الرجل هداكم الله به وهو ابن أخيكم، وتنوبه نوائب وحقوق لا يسعها ما في يديه فنجمع له؛ ففعلوا، ثم أتوه به فنزلت.
وقال الحسن: نزلت حين تفاخرت الأنصار والمهاجرون، فقالت الأنصار نحن فعلنا، وفَخَرت المهاجرون بقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى مِقْسم عن ابن عباس قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فخطب فقال للأنصار: «ألم تكونوا أذلاء فأعزكم الله بي ألم تكونوا ضُلاّلاً فهداكم الله بي ألم تكونوا خائفين فأمّنكم الله بي ألا تردّون عليّ»؟ فقالوا: بِمَ نجيبك؟ قال: «تقولون ألم يطردك قومُك فآويناك. ألم يكذبك قومك فصدّقناك...» فعدّد عليهم.
قال فجثوا على ركبهم فقالوا: أنفسنا وأموالنا لك؛ فنزلت: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المودة فِي القربى} وقال قتادة: قال المشركون لعلّ محمداً فيما يتعاطاه يطلب أجراً؛ فنزلت هذه الآية؛ ليحثّهم على مودّته ومودّة أقربائه.
قال الثعلبي: وهذا أشبه بالآية، لأن السورة مكية.
قوله تعالى: {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} أي يكتسب.
وأصل القرف الكسب، يقال: فلان يَقْرِف لعياله، أي يكسب.
والاقتراف الاكتساب، وهو مأخوذ من قولهم رجل قرفة، إذا كان محتالاً.
وقد مضى في الأنعام القول فيه.
وقال ابن عباس: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} قال المودّة لآِل محمد صلى الله عليه وسلم.
{نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} أي نضاعف له الحسنة بعشرٍ فصاعداً.
{إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ} قال قتادة: {غَفُورٌ} للذنوب، {شَكُورٌ} للحسنات.
وقال السّدي: {غَفُورٌ} لذنوب آل محمد عليه السلام، {شَكُورٌ} لحسناتهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء} في الكفر وهم الشياطين {شَرَعُواْ لَهُمْ} أي لهؤلاء الكفرة المعاصرين لك بالتسويل والتزيين {مّنَ الدين مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله} كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا.
و{أَمْ} منقطعة فيها معنى بل الإضرابية والهمزة التي للتقرير والتقريع والإضراب عما سبق من قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مّنَ الدين} [الشورى: 13] الخ فالعطف عليه وما اعترض به بين الآيتين من تتمة الأولى، وتأخير الإضراب ليدل على أنهم في شرع يخالف ما شرعه الله تعالى من كل وجه فالشرك في مقابلة إقامة الدين والاستقامة عليه وإنكار البعث في مقابلة قوله تعالى: {والذين ءامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحق} [الشورى: 18] والعمل للدنيا لقوله سبحانه: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة} [الشورى: 20] وهذا أظهر من جعل الإضراب عما تقدم من قوله تعالى: {كَبُرَ عَلَى المشركين} [الشورى: 13] كما لا يخفى، وقيل: شركاؤهم أصنامهم، وإضافتها إليهم لأنهم الذين جعلوها شركاء لله سبحانه، وإسناد الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم كقوله تعالى: {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا} [إبراهيم: 36] وجوز أن يكون الاستفهام المقدر على هذا للإنكار أي ليس لهم شرع ولا شارع كما في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ ألِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا} [الأنبياء: 43] وأياً ما كان فضمير {شَرَعُواْ} للشركاء وضمير {لَهُمْ} للكفار.
وجوز على تفسير الشركاء بالأصنام أن يكون الأول للكفار والثاني للشركاء أي شرع الكفار لأصنامهم ورسموا من المعتقدات والأحكام ما لم يأذن به الله تعالى كاعتقاد أنهم آلهة وأن عبادتهم تقربهم إلى الله سبحانه، وكجعل البحيرة والسائبة والوصيلة وغير ذلك، وهو كما ترى {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل} أي القضاء والحكم السابق منه تعالى بتأخير العذاب إلى يوم القيامة أو إلى آخر أعمالهم {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي بين الكافرين والمؤمنين في الدنيا أو حين افترقوا بالعقاب والثواب، وجوز أن يكون المعنى لولا ما وعدهم الله تعالى به من الفصل في الآخرة لقضى بينهم فالفصل بمعنى البيان كما في قوله تعالى: {هذا يَوْمُ الفصل جمعناكم والأولين} [المرسلات: 38] وقيل: ضمير بينهم للكفار وشركائهم بأي معنى كان {وَإِنَّ الظالمين} وهم المحدث عنهم أو الأعم منهم ويدخلون دخولاً أولياً {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة.
وفي البحر أي في الدنيا بالقتل والأسر والنهب وفي الآخرة بالنار.
وقرأ الأعرج ومسلم بن جندب {وَأَنْ} بفتح الهمزة عطفاً على {كَلِمَةُ الفصل} أي لولا القضاء السابق بتأخير العذاب وتقدير أن الظالمين لهم عذاب أليم في الآخرة أو لولا العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة وتقدير أن الظالمين لهم الخ لقضي بينهم، والعطف على التقديرين تتميم للإيضاح لا تفسيري محض {تَرَى الظالمين} جملة مستأنفة لبيان ما قبل، والخطاب لكل أحد يصلح له للقصد إلى المبالغة في سوء حالهم أي ترى يا من يصح منه الرؤيا الظالمين يوم القيامة.
{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ}.
{مُشْفِقِينَ} خائفين الخوف الشديد {مِمَّا كَسَبُواْ} في الدنيا من السيئات، والكلام قيل على تقدير مضاف.
و {مِنْ} صلة الإشفاق أي مشفقين من وبال ما كسبوا {وَهُوَ} أي الوبال {وَاقِعٌ بِهِمْ} أي حاصل لهم لاحق بهم، واختار بعضهم أن لا تقدير ومن تعليلية لأنه أدخل في الوعيد، والجملة اعتراض للإشارة إلى أن إشفاقهم لا ينفعهم، وإيثار {وَاقِعٍ} على يقع مع أن المعنى على الاستقبال لأن الخوف إنما يكون من المتوقع بخلاف الحزن للدلالة على تحققه وأنه لابد منه، وجوز أن تكون حالاً من ضمير {مُشْفِقِينَ} وظاهر ما سمعت أنه حال مقدرة.
{والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِي روضات الجنات} أي مستقرون في أطيب بقاعها وأنزهها.
وقال الراغب: هي محاسنها وملاذها، وأصل الروضة مستنقع الماء والخضرة واللغة الكثيرة في واوها جمعاً التسكين كما في المنزل ولغة هذيل بن مدركة فتحها فيقولون روضات إجراء للمعتل مجرى الصحيح نحو جفنات ولم يقر أحد فيما علمنا بلغتهم {لَهُمْ مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبّهِمْ} أي ما يشتهونه من فنون المستلذات حاصل لهم عند ربهم فالظرف متعلق بمتعلق الجار والمجرور الواقع خبراً لما أوبه واختاره جار الله ونفى أن يكون متعلقاً بيشاءون مع أنه الظاهر نحواً، وبين صاحب الكشف ذلك بأنه كلام في معرض المبالغة في وصف ما يكون أهل الجنة فيه من النعيم الدائم فأفيد أنهم في أنزه موضع من الجنة وأطيب مقعد منها بقوله تعالى: {فِي روضات الجنات} لأن روضة الجنة أنزه موضع منها لاسيما والإضافة في هذا المقام تنبىء عن تميزها بالشرف والطيب، والتعقيب بقوله تعالى: {لَهُمْ مَّا} أيضاً ثم أفيد أن لهم ما يشتهون من ربهم ولا خفاء أنك إذا قلت: لي عند فلان ما شئت كان أبلغ في حصول كل مطالبك منه مما إذا قلت: لي ما شئت عند فلان بالنسبة إلى الطالب والمطلوب منه.
أما الأول: فلأنه يفيد أن جميع ما تشاؤه موجود مبذول لك منه، والثاني يفيد إن ما شئت عنده مبذول لا جميع ما تشاؤه، وأما الثاني: فلأنك وصفته بأنه يبذل جميع المرادات، وفي الثاني وصفته بأن ما شئت عنده مبذول لك إما منه وإما من غيره ثم في الأول مبالغة في تحقيق ذلك وثبوته كما تقول: لي عندك وقبلك كذا، فالله تعالى شأنه أخبر بأن ذلك حق لهم ثابت مقضي في ذمة فضله سبحانه ولا كذلك في الثاني، ثم قال: ولعل الأوجه أن يجعل {كُفْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ} خبراً آخر أي الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في روضات الجنات لهم فيها ما يشاءون، وإنما أخر توخياً لسلوك طريق المبالغة في الترقي من الأدنى إلى الأعلى ومراعاة لترتيب الوجود أيضاً فإن الوافد والضيف ينزل في أنزه موضع ثم يحضر بين يديه الذي يشتهيه؛ وملاك ذلك كله أن يختصه رب المنزل بالقرب والكرامة، وأن جعله حالاً من فاعل يشاءون أو من المجرور في {لَهُمْ} أفاد هذا المعنى أيضاً لكنه يقصر عما آثرناه لأنه قد أتى به إتيان الفضلة وهو مقصود بذاته عمدة، ولعمري أن ما آثره حسن معنى إلا أبعد لفظاً مما آثره جار الله، ولا يخفى عليك ما هو الأنسب بالتنزيل.
وفي الخبر عن أبي ظبية قال: إن السرب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول: ما أمطركم؟ فما يدعو داع من القوم إلا أمطرته حتى أن القائل منهم ليقول: أمطرينا كواعب أترابا ف {ذلك} إشارة إلى ما ذكر من حال المؤمنين، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه {هُوَ الفضل الكبير} الذي لا يقدر قدره ولا تبلغ غايته ويصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا.
{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.
{ذلك} الفضل الكبير أو الثواب المفهوم من السياق هو {الذي يُبَشّرُ الله عِبَادَهُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} أي يبشر به فحذف الجار ثم العائد إلى الموصول كما هو عادتهم في التدريج في الحذف، ولا مانع كما قال الشهاب من حذفهما دفعة، وجوز كون ذلك إشارة إلى التبشير المفهوم من {يُبَشّرُ} بعد والإشارة قد تكون لما يفهم بعد كما قرروه في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] ونحوه، والعائد إلى الموصول ضمير منصوب بيبشر على أنه مفعول مطلق له لأنه ضمير المصدر أي ذلك التبشير يبشره الله عباده؛ وزعم أبو حيان أنه لا يظهر جعل الإشارة إلى التبشير لعدم تقدم لفظ البشرى ولا ما يدل عليها وهو ناشئ عن الغفلة عما سمعت فلا حاجة في الجواب عنه أن كون ما تقدم تبشيراً للمؤمنين كاف في صحة ذلك، ثم قال: ومن النحويين من جعل الذي مصدرية حكاه ابن مالك عن يونس وتأول عليه هذه الآية أي ذلك تبشير الله تعالى عباده، وليس بشيء لأنه إثبات للاشتراك بين مختلفين الحد بغير دليل وقد ثبتت اسمية الذي فلا يعدل عن ذلك بشيء لا يقوم به دليل ولا شبهة.
وقرأ عبد الله بن يعمر، وابن أبي إسحق والجحدري والأعمش وطلحة في رواية والكسائي وحمزة {يُبَشّرُ} ثلاثياً ومجاهد وحميد بن قيس بضم الياء وتخفيف الشين من أبشر وهو معدي بالهمزة من بشر اللازم المكسور الين وإما بشر بفتحها فمتعد وبشر بالتشديد للتكثير لا للتعدية لأن المعدي إلى واحد وهو مخفف لا يعدي بالتضعيف إليه فالتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية {قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} أي على ما أتعاطاه لكم من التبليغ والبشارة وغيرهما {أَجْراً} أي نفعاً ما، ويختص في العرف بالمال {إِلاَّ المودة} أي إلا مودتكم أياي {فِي القربى} أي لقرابتي منكم ففي للسببية مثلها في «إن امرأة دخلت النار في هرة» فهي بمعنى اللام لتقارب السبب والعلة، وإلى هذا المعنى ذهب مجاهد وقتادة وجماعة والخطاب إما لقريش على ما قيل: إنهم جمعوا له مالاً وأرادوا أن يرشوه على أن يمسك عن سب آلهتهم فلم يفعل ونزلت، وله عليه الصلاة والسلام في جميعهم قرابة.
أخرج أحمد والشيخان والترمذي وغيرهم عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى: {إِلاَّ المودة فِي القربى} فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس: عجلت أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة أو للأنصار بنا على ما قيل: إنهم أتوه بمال ليستعين به على ما ينوبه فنزلت فرده، وله عليه الصلاة والسلام قرابة منهم لأنهم أخواله فإن أم عبد المطلب وهي سلمى بنت زيد النجارية منهم وكذا أخوال آمنة أمه عليه الصلاة والسلام كانوا على ما في بعض التواريخ من الأنصار أيضاً أو لجميع العرب لقرابته عليه الصلاة والسلام منهم جميعاً في الجملة كيف لا وهم إما عدنانيون وقريش منهم وإما قحطانيون والأنصار منهم، وقرابته عليه الصلاة والسلام من كل قد علمت وذلك يستلزم قرابته من جميع العرب، وقضاعة من قحطان لا قسم برأسه على ما عليه معظم النسابين، والمعنى أن لم تعرفوا حقي لنبوتي وكوني رحمة عامة ونعمة تامة فلا أقل من مودتي لأجل حق القرابة وصلة الرحم التي تعتنون بحفظها ورعايتها.
وحاصله لا أطلب منكم إلا مودتي ورعاية حقوقي لقرابتي منكم وذلك أمر لازم عليكم، وروى نحو هذا في الصحيحين عن ابن عباس بل جاء ذلك عنه رضي الله تعالى عنه في روايات كثيرة وظاهرها أن الخطاب لقريش منها ما أخرجه سعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن الشعبي قال: أكثر الناس علينا في هذه الآية {قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ} الخ فكتبنا إلى ابن عباس نسأله فكتب رضي الله تعالى عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وسط النسب في قريش ليس بطن من بطونهم إلا وقد ولدوه قال الله تعالى: {قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} على ما أدعوكم عليه {إِلاَّ المودة فِي القربى} تودوني لقرابني منكم وتحفظوني بها.
ومنها ما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة من جميع قريش فلما كذبوه وأبوا أن يتابعوه قال: يا قوم إذا أبيتم أن تتابعوني فاحفظوا قرابتي فيكم ولا يكون غيركم من العرب أولى بحفظي ونصرتي منكم، والظاهر من هذه الأخبار أن الآية مكية والقول بأنها في الأنصار يقتضي كونها مدنية، والاستثناء متصل بناء على ما سمعت من تعميم الأجر.
وقيل: لا حاجة إلى التعميم.
وكون المودة المذكورة من أفراد الأجر إدعاء كاف لاتصال الاستثناء، وقيل: هو منقطع إما بناء على أن المودة له عليه الصلاة والسلام ليست أجراً أصلاً بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم أو لأنها لازمة لهم ليمدحوا بصلة الرحم فنفعها عائد عليهم والانقطاع اقطع لتوهم المنافاة بين هذه الآية والآيات المتضمنة لنفي سؤال الأجر مطلقاً؛ وذهب جماعة إلى أن المعنى لا أطلب منكم أجراً إلا محبتكم أهل بيتي وقرابتي.