فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ورابعا: أن الخطاب عام موجه إلى المشركين بصفة خاصة، الذين يحاجهم القرآن، ويتهددهم بالنار، ويعرض لهم في مقابلها الجنة، وما يلقى المؤمنون فيها.. {أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}.
أي لا أسالكم أجرا على هذا الخير الذي تنالونه من هذه الدعوة التي أدعوكم إليها، والتي إن استجبتم لها بلغتم منازل الرضوان، ونزلتم حيث ينزل عباد اللّه المكرمون في جنات النعيم.. وذلك كله في غير مقابل منّى، إلا أن ترعوا ما بيني وبينكم من قرابة، هي التي جعلتني أبدأ بكم، وأوثركم على غيركم، وهذا من شأنه أن يحملكم على رعاية هذه القرابة، فلا تكونوا أنتم أول كافر بي، ثم لا تكونوا أنتم أول من يسعى بالضر والأذى إلىّ.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً}.
هو دعوة إلى المشركين الذين يقفون هذا الموقف العدائي من النبي، أن يأخذوا جانب الخير الذي يدعوهم إليه، وأن يتقبلوا منه هذه المودة التي يؤثرهم بها.. فمن استجاب منهم لهذه الدعوة، وآثر الإحسان على السوء، والإيمان على الكفر، فإنه سيلقى جزاء إحسانه إحسانا مضاعفا من اللّه.
وفى قوله تعالى: {يَقْتَرِفْ} وفى استعمال هذا الفعل في مقام الإحسان، على أنه يستعمل غالبا في مجال الشرّ والمساءة {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ} (113: الأنعام) في هذا إشارة إلى أن اليد التي تعمل السوء، تستطيع أن تفعل الإحسان، وأن الإنسان الذي يسلك طريق الشر، هو نفسه يمكن أن يسلك طريق الخير.. وإذن فإنه لا حجاز بين المشركين وبين الإيمان، وأنهم إذا كانوا يلبسون رداء الشرك الآن، فإنهم قادرون على أن ينزعوا هذا الثوب، وأن يتزبّوا بزىّ الإيمان.. في لحظة واحدة.
وهذا ما يشير إليه التعقيب على هذا بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} فهذه مغفرة اللّه الواسعة، مبسوطة لمن يجيئون إليه، تائبين من ضلالهم، متبرئين من شركهم، حيث تشملهم الرحمة والمغفرة.. وحيث يشكر اللّه لهم ما صنعوا بأنفسهم من إحسان.. {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} وإنه ليس أخسر صفقة، ولا أضلّ سبيلا، ممن يرى- وهو المذنب الغارق في الذنوب- يد المغفرة مبسوطة له، ويد الإحسان ممدودة إليه، ثم يحمد حيث هو، متلطخا بآثامه، غارقا في ضلاله. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}.
للإضراب الانتقالي وهو انتقال من الكلام على تفرق أهل الشرائع السالفة في شرائعهم مَن انقرض منهم ومن بقي كأهل الكتابين إلى الكلام على ما يشابه ذلك من الاختلاف على أصل الديانة، وتلك مخالفة المشركين للشرائع كلّها وتلقّيهم دين الإشراك من أئمة الكفر وقادة الضلال.
ومعنى الاستفهام الذي تقضيه {أم} التي للإضراب هو هنا للتقريع والتهكّم، فالتقريع راجع إلى أنهم شرعوا من الدّين ما لم يأذن به الله والتهكم راجع إلى من شرعوا لهم الشرك، فسئلوا عمن شرع لهم دين الشرك: أهم شركاء آخرون اعتقدوهم شركاءَ لله في الإلهية وفي شرع الأديان كما شرع الله للناس الأديان؟ وهذا تهكّم بهم لأن هذا النوع من الشركاء لم يدّعِه أهل الشرك من العرب.
وهذا المعنى هو الذي يساعد تنكير {شركاء} ووصْفَه بجملة {شرعوا لهم من الدين}.
ويجوز أن يكون المسئول عن الذي شرع لهم هو الأصنام التي يعبدونها، وهو الذي درج عليه المفسرون، فيكون {لهم} في موضع الحال من {شركاء}.
والمقصود: فضح فظاعة شركهم بعروه عن الانتساب إلى الله، أي إن لم يكن مشروعاً من الإله الحقّ فهو مشروع من الآلهة الباطلة وهي الشركاء.
وظاهر أن تلك الآلهة لا تصلح لتشريع دين لأنها لا تعقل ولا تتكلم، فتعين أن دين الشرك دين لا مستند له.
وقريب من هذا قوله تعالى: {وكذلك زَيَّن لِكَثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} [الأنعام: 137].
وقيل المراد بالشركاء: أئمة دين الشرك أطلق عليهم اسم الشركاء مجازاً بعلاقة السببية.
وضميرَا {لهم} عائدان إلى {الذين لا يؤمنون بها} [الشورى: 18] أو إلى {الذين يحاجون في الله} [الشورى: 16].
والتعريف في {الدين} للجنس، أي شرعوا لهم من جنس الدّين ما، أي ديناً لم يأذن به الله، أي لم يأذن بِشرعه، أي لم يرسل به رسولاً منه ولا أوحى به بواسطة ملائكته.
{الله وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل لَقُضِىَ}،
هو كقوله فيما تقدم {ولولا كلمة سبقت من ربّك إلى أجل مسمى لقُضي بينهم} [الشورى: 14].
وكلمة الفصل هي: ما قدّره الله وأرادهُ من إمهالهم.
والفصل: الفاصل، أي الذي لا تردد فيه.
{بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ}.
عطف على جملة {ولولا كلمة الفصل} والمقصود تحقيق إمهالهم إلى أجل مسمى لا يفلتهم من المؤاخذة بما ظَلموا.
والمراد بالظالمين المشركون {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13].
والعذاب الأليم: عذاب الآخرة لجميعهم، وعذاب الدّنيا بالسيف والذلّ للذين أُخّروا إلى إبَّان حلوله مثل قتلهم يوم بدر.
وَتَوْكيد الخبر بحرف التوكيد لأن هذا الخبر موجه إليهم لأنهم يسمعون هذا الكلام ويعلمون أنهم المقصودون به.
{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ}.
جملة {ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا} بيان لِجملة {وإن الظالمين لهم عذاب أليم} [الشورى: 21]، بُيِّن حال هذا العذاب ببيان حال أصحابه حينَ تَوقُّعِ حلوله، وكفى بذلك منبئاً عن هوله.
والخطاب ب {تَرى} لغير معيّن فيعم كل من تُمكن منه الرؤية يومئذٍ كقوله: {وترى الظالمين لمّا رأوا العذاب يقولون هل إلى مردَ من سبيل وتراهم يُعرضون عليها خاشعين من الذلّ} [الشورى: 44، 45].
والمقصود استحضار صورة حال الظالمين يوم القيامة في ذهن المخاطب.
والإشفاق: توقع الشيء المضرّ وهو ضد التمَنّي.
و(ما كسبوا) هو أعمالهم السيئة.
والمراد: جزاؤها بقرينة المقام.
وجملة {وهو واقع بهم} في موضع الحال، أي مشفقين إشفاقاً يقارب اليأس وهو أشد الإشفاق حين يعلمون أن المشفَق منه لا يُنجي منه حَذَر، لأن الإشفاق إذا حصل قبل اقتراب المشفَق منه قد يحاول المشفِق وسائلَ التخلص منه، فأما إذا وقع العذاب فقد حال دون التخلص حائله.
والمعنى: مشفقين من عقاب أعمالهم في حال نزول العقاب بهم.
وليس المعنى: أنهم مشفقون في الدّنيا من أعمالهم السيئة لأنهم لا يدينون بذلك، فما بُني على ذلك الاحتمال من التفسير ليس بَيِّناً.
والباء في قوله {واقع بهم} للاستعلاء، كقول غاوي السُّلَمي:
أَرَبٌّ يبول الثُعْلُبَانُ بِرأسه

وهذا الاستعمال قريب من معنى الإلصاق المجازي.
وضمير {وهو واقع} عائد على {ما كسبوا} باعتبار تقدير مضاف، أي جزاء ما كسبوا، أي في حال أن الجزاء واقع عليهم.
وجملة {والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات} حال من الظّالمين، والواو واو الحال، أي ترى الظالمين في إشفاق في حال أن الذين آمنوا يطمئنون في روضات الجنات، وفي هذه الحال دلالة على أن الذين آمنوا قد استقرّوا في الروضات من قبل عرض الظالمين على الحساب وإشفاقهم من تبعاته.
وهذا من تضاد شأني الفريقين في الآخرة على عكسه بما كانوا عليه في الدّنيا المتقدم في قوله: {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها} [الشورى: 18]، أي فاليوم انقلب إشفاق المؤمنين اطمئناناً واطمئنان المشركين إشفاقاً، وشتّان بين الاطمئنانين والإشفاقين، وبهذه المضادة في الحالتين وأسبابهما صحّ اعتبار كينونة الذين آمنوا في الجنة حالاً من {الظالمين}.
والروضات: جمع روضة، وهي اسم لمجموع ماء وشجرٍ حافَ به وخضرةٌ حوله.
وجملة {لهم ما يشاءون عند ربهم} خبر ثان عن {الذين آمنوا}، و{عند} ظرف متعلق بالكون الذي تعلق به الجَار والمجرور في {لهم ما يشاءون}.
والعندية تشريف لمعنى الاختصاص الذي أفادته اللام في قوله: {لهم} وعناية بما يُعطَوْنَه من رغبة.
والمعنى: ما يشاءونه حق لهم محفوظ عند ربهم.
ولا ينبغي جعل {عند} متعلقاً بفعل {يشاءون} لأن {عند} حينئذٍ تكون ظرفاً لمشيئتهم، أي مشيئةٍ منهم متوجهةٍ إلى ربّهم، فتؤول المشيئة إلى معنى الطلب أن يعطيهم ما يطلبون فيفوت قصد التشريف والعناية.
ولك أن تجعل عند ربّهم خبراً ثالثاً عن الذين آمنوا، أي هم عند ربّهم، أي في ضيافته وقِراه، كما قال تعالى: {إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر} [القمر: 54، 55]، ويكون ترتيب الأخبار الثلاثة جارياً على نمط الارتقاء من الحَسن إلى الأحسن بأن: أخبر عنهم بأنهم نزلوا في أحسن منزل، ثم أحضر لهم ما يشتهون، ثم ارتقي إلى ما هو أعظم وهو كونهم عند ربهم على حد قوله تعالى: {ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72].
ومن لطائف هذا الوجه أنه جاء على الترتيب المعهود في الحصول في الخارج فإن الضيف أو الوافد ينزل أول قدومه في منزل إكرام ثم يحضر إليه القرى ثم يخالطه رب المنزل ويقترب منه.
وجملة {ذلك هو الفضل الكبير} تذييل.
والإشارةُ إلى مضمون قوله: {في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم} بتأويل: ذلك المذكورُ.
وجيء باسم إشارة البعيد استعارة لكون المشار إليه بعيد المكانة بُعد ارتفاع مجازي وهو الشرف.
و{الفضل} يجوز أن يكون مصدراً بمعنى الشرف والتفوق على الغير فيكون في معنى: فَضْلُهم، ويجوز أن يكون اسماً لما يُتفضل به من عطاء فيكون في معنى: ذلك فضْلُنا عليهم، وفي هذا الأخير دلالة على أن ثواب الأعمال فضل من الله لأن طاعة العباد واجبة عليهم فإذا أدّوها فقد فعلوا ما لا يسعهم إلا فعله فلو لم يثابوا على ذلك لم يكن عدم إثابتهم ظُلماً.
وضمير الفَصْل يفيد قصراً ادعائياً للمبالغة في أعظمية الفضل، و{الفضل} يصلح لأن يعتبر كالمضاف إلى المفعول، أي فضل الله عليهم، وأن يعتبر كالمضاف إلى الفاعل فضلهم، أي شرفهم وبركتهم فيؤول معنى القصر إلى أن الفضل الذي حصل للذين آمنوا وعملوا الصالحات أكبر فضل.
{ذَلِكَ الذى يُبَشِّرُ الله عِبَادَهُ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات قُل لاَّ أَسْئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المودة فِي القربى}.
اسم الإشارة مؤكد لنظيره الذي قبله، أي ذلك المذكور الذي هو فضل يحصل لهم في الجنّة هو أيضاً بشرى لهم من الحياة الدنيا.
والعائد من الصلة إلى الموصول محذوف تقديره: الذي يبشر الله به عباده.
وحذفه هنا لتنزيله منزلة الضمير المنصوب باعتبار حذف الجار على طريقة حذفه في نحو قوله: {واختار موسى قومه} [الأعراف: 155] بتقدير: من قومه، فلما عومل معاملة المنصوب حذف كما يحذف الضمير المنصوب.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر ويعقوب وخلف {يبشر} بضم التحتية وفتح الموحدة وتشديد الشين المكسورة، وهو من بشّره، إذا أخبره بحادثٍ يسره.
وقرأه ابن كثير وأبو عمر وحمزة والكسائي {يَبْشُر} بفتح التحتية وسكون الموحدة وضم الشين مخففة، يقال: بشرت الرجل بتخفيف الشين أبشرُهُ من باب نصر إذا غبطه بحادث يَسرّه.
وجَمعُ العباد المضافُ إلى اسم الجلالة أو ضميرِه غَلَب إطلاقه في القرآن في معرض التقريب وترفيع الشّأن، ولذلك يكون موقع {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} هنا موقع عطف البيان على نحو قوله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} [يونس: 62، 63] إذ وقع {الذين آمنوا} موقع عطف البيان من أولياء الله.
{الصالحات قُل لاَّ أَسْئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المودة فِي}.
استئناف ابتدائي بمناسبة ذكر ما أعد للمشركين من عذاب وما أعد للمؤمنين من خير، وضمير جماعة المخاطبين مراد به المشركون لا محالة وليس في الكلام السابق ما يتوهم منه أن يكون {قل لا أسألكم} جواباً عنه، فتعين أن جملة {قل لا أسألكم عليه أجراً} كلام مستأنف استئنافاً ابتدائياً.
ويظهر مما رواه الواحدي في أسباب النزول عن قتادة: أن المشركين اجتمعوا في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض: أترون محمداً يَسأل على ما يتعاطاه أجراً.
فنزلت هذه الآية، يعنون: إن كان ذلك جمعنا له مالاً كما قالوه له غير مرة، أنها لا اتصال لها بما قبلها وأنها لما عرض سبب نزولها نزلت في أثناء نزول الآيات التي قبلها والتي بعدها فتكون جملة ابتدائية.
وكان موقعها هنا لمناسبة ما سبق من ذكر حجاج المشركين وعنادهم فإن مناسبتها لما معها من الآيات موجودة إذ هي من جملة ما واجه به القرآن محاجّة المشركين، ونفَى به أوهامهم، واستفتح بصائرهم إلى النظر في علامات صدق الرسول؛ فهي جملة ابتدائية وقعت معترضة بين جملة {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} وجملة {ومن يقترف حسنة}.
وابتدئت ب {قل} إما لأنها جواب عن كلام صدر منهم، وإمّا لأنها مما يهتم بإبلاغه إليهم كما أن نظائرها افتتحت بمثل ذلك مثل قوله تعالى: {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم} [سبأ: 47] وقوله: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} [ص: 86] وقوله: {قل لا أسألكم عليه أجراً} [الأنعام: 90].
وضمير {عليه} عائد إلى القرآن المفهوم من المقام.
والأجر: الجزاء الذي يعطاه أحد على عمل يعمله، وتقدم عند قوله تعالى: {إن الله عنده أجر عظيم} في سورة براءة (22).
والمودّة: المحبة والمعاملة الحسنة المشبهة معاملة المتحابين، وتقدمت عند قوله {مودّة بينكم في الحياة الدنيا} في سورة العنكبوت (25).
والكلام على تقدير مضاف أي معاملة المودة، أي المجاملة بقرينة أن المحبة لا تُسأل لأنها انبعاث وانفعال نفساني.
وفي للظرفية المجازية لأنه مجرورها وهو {القربى} لا يصلح لأن يكون مظروفاً فيه.
ومعنى الظرفية المجازية هنا: التعليل، وهو معنى كثير العروض لحرف {في} كقوله: {وجاهدوا في الله} [الحج: 78].
و{القربى}: اسم مصدر كالرُجعى والبُشرى، وهي قَرابة النسب، قال تعالى: {وآتتِ ذا القُربى حقّه} [الإسراء: 26]، وقال زهير:
وظُلمُ ذوي القربى أشدّ مضاضَةً

البيت، وتقدم عند قوله تعالى: {ولذي القربى} في سورة الأنفال (41).
ومعنى الآية على ما يقتضيه نظمها: لا أسألكم على القرآن جزاء إلا أن تَوَدُّوني، أي أن تعاملوني معاملة الوِدِّ، أي غير معاملة العداوةِ، لأجل القرابة التي بيننا في النسب القرشي.
وفي صحيح البخاري وجامع الترمذي سئل ابن عباس عن هذه الآية بحضرة سعيد بن جبير فابتدر سعيد فقال: قُربى آل محمد، فقال ابنُ عباس: عَجِلْتَ لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلاّ أنْ تَصِلُوا ما بيني وبينكم من القرابة.