فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ حمزة والكسائي وحفص وخلف بالتاء على الخطاب، وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه.
الباقون بالياء على الخبر، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لأنه بين خبرين: الأوّل {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} والثاني {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.
{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)}.
{الَّذِينَ} في موضع نصب؛ أي ويستجيب الله الذين آمنوا، أي يقبل عبادة من أخلص له بقلبه وأطاع ببدنه.
وقيل: يعطيهم مسألتهم إذا دَعَوْه.
وقيل: ويجيب دعاء المؤمنين بعضهم لبعض؛ يقال: أجاب واستجاب بمعنًى، وقد مضى في (البقرة).
وقال ابن عباس: {وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} يشفّعهم في إخوانهم.
{وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ} قال: يشفّعهم في إخوان إخوانهم.
وقال المُبَرّد: معنى {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا} وليستدع الذين آمنوا الإجابة؛ هكذا حقيقة معنى استفعل.
ف {الَّذِينَ} في موضع رفع.
{والكافرون لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَمْ يَقولونَ}.
بل أيقولون {افترى} محمد عليه الصلاة والسلام {عَلَى الله كَذِبًا} بدعوى النبوة أو القرآن، والهمزة للإنكار التوبيخي وبل للإضراب من غير إبطال وهو إضراب أطم من الأول فأطم فإن إثبات ما هم عليه من الشرع وإن كان شرًا وشركًا أقرب من جعل الحق الأبلج المعتضد بالبرهان النير من أوسطهم فضلًا ودعة وعقلًا افتراء ثم افتراء على الله عز وجل فكأنه قيل: أيتما لكون التفوه بنسبة مثله عليه الصلاة والسلام إلى الافتراء ثم إلى الافتراء على الله عز وجل الذي هو أعظم الفرى وأفحشها ولا تحترق ألسنتهم.
وفي ذلك أتم دلالة على بعده صلى الله عليه وسلم من الافتراء كيف وقد أردف بقوله تعالى: {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ} فإن هذا الأسلوب مؤداه استبعاد الافتراء من مثله عليه الصلاة والسلام وأنه في البعد مثل الشرك بالله سبحانه والدخول في جملة المختوم على قلوبهم فكأنه قيل: فإن يشأ الله سبحانه يجعلك من المختوم على قلوبهم حتى تفتري عليه الكذب فإنه لا يجترئ على افتراء الكذب على الله تعالى إلا من كان في مثل حالهم وهو في معنى فإن يشأ يجعلك منهم لأنهم هم المفترون الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله تعالى، وما أحسن هذا التعريض بأنهم المفترون وأنهم في نفس هذه المقالة عن افترائهم مفترون، ونظير الآية فيما ذكر قول أمين نسب إلى الخيانة: لعل الله تعالى خذلني لعل الله تعالى أعمى قلبي وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب وإنما يريد استبعاد أن يخون مثله والتنبيه على أنه ركب من تخوينه أمر عظيم، فالكلام تعليل لإنكار قولهم، وأتى بإن مع أن عدم مشيئته تعالى مقطوع به قيل إرخاء للعنان، وقيل: إشعار بعظمته تعالى وأنه سبحانه غني عن العالمين، ثم ذيل بقوله تعالى: {وَيَمْحُ الله الباطل وَيُحِقُّ الحق بكلماته} تأكيدًا للمفهوم من السابق من أنه ليس من الافتراء في شيء أي كيف يكون افتراء ومن عادته تعالى محو الباطل ومحقه وإثبات الحق بوحيه أو بقضائه وما أتى به عليه الصلاة والسلام يزداد كل يوم قوة ودحوا فلو كان مفتريًا كما يزعمون لكشف الله تعالى افتراءه ومحقه وقذف بالحق على باطله فدمغه. والفعل المضارع للاستمرار.
والكلام ابتدائي فيمح مرفوع لا مجزوم بالعطف على {يَخْتِمْ} وأسقطت الواو في الرسم في أغلب المصاحف تبعًا لإسقاطها في اللفظ لالتقاء الساكنين كما في {سَنَدْعُ الزبانية} [العلق: 18] {وَيَدْعُ الإنسان بالشر} [الإسراء: 11] وكان القياس إثباتها رسمًا لكن رسم المصحف لا يلزم جريه على القياس، ويؤيد الاستئناف دون العطف على {يَخْتِمْ} إعادة الاسم الجليل ورفع {يُحِقَّ} وهذا ما ذكره جار الله في الجملتين وبيان ارتباطهما بما قبلهما، وقد دقق النظر في ذلك وأتى بما استحسنه النظار حتى قال العلامة الطيبي: لو لم يكن في كتابه إلا هذا لكفاه مزية وفضلًا، وجوز هو أيضًا في قوله تعالى: {وَيَمْحُ} الخ أن يكون عدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر أي يمحو الله تعالى باطلهم وما بهتوك به ويثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن وبقضائه الذي لا مرد له، وحينئذٍ يكون اعتراضًا يؤكد ما سبق له الكلام من كونهم مبطلين في هذه النسبة إلى من هو أصدق الناس لهجة بأصدق حديث من أصدق متكلم، وقال في إرشاد العقل السليم في الجملة الأولى: إنها استشهاد على بطلان ما قالوه ببيان أنه عليه الصلاة والسلام لو افترى على الله تعالى كذبًا لمنعه من ذلك قطعًا، وتحقيقه أن دعوى كون القرآن افتراء عليه تعالى قول منهم إنه سبحانه لا يشاء صدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم بل يشاء عدم صدوره عنه ومن ضرورياته منعه عنه قطعًا فكأنه قيل: لو كان افتراء عليه تعالى لشاء عدم صدوره عنك وإن يشأ ذلك يختم على قلبك بحيث لم يخطر ببالك معنى من معانيه ولم تنطق بحرف من حروفه وحيث لم يكن الأمر كذلك بل تواتر الوحي حينًا فحينًا تبين أنه من عند الله عز وجل، وذكر في الجملة الثانية ما ذكره جار الله من الوجهين، ولا يخفى عليك ما يرد على كلامه من المنع مع أن فيه جعل مفعول المشيئة غير ما يدل عليه الجواب وهو ذلك المشار به إلى عدم الصدور، والمتبادر كون المفعول الختم على ما هو المعروف في نظائر هذا التركيب أي فإن يشأ الله تعالى الختم على قلبك يختم، وإيهام كون القرآن ناشئا منه صلى الله عليه وسلم لا منزلًا عليه عليه الصلاة والسلام، وقال السمرقندي: المعنى إن يشأ يختم على قلبك كما فعل بهم فهو تسلية له عليه الصلاة والسلام وتذكير لإحسانه إليه وإكرامه له صلى الله عليه وسلم ليشكر ربه سبحانه ويترحم على من ختم على قلبه فاستحق غضب ربه ولولا ذلك ما اجترأ على نسبته لما ذكر، فالتفريع بالنظر إلى المعنى المكنى عنه، وحاصله أنهم اجترؤا على هذا لأنهم مطبوعون على الضلال انتهى، وفيه شمة مما ذكره الزمخشري.
وعن قتادة. وجماعة يختم على قلبك ينسك القرآن، والمراد على ما قال ابن عطية الرد على مقالة الكفار وبيان بطلانها كأنه قيل: وكيف يصح أن تكون مفتريًا وأنت من الله تعالى بمرأى ومسمع وهو سبحانه قادر ولو شاء لختم على قلبك فلا تعقل ولا تنطق ولا يستمر افتراؤك، وفيه أن اللفظ ضيق عن أداء هذا المعنى، وذكر القشيري أن المعنى فإن يشأ الله تعالى يختم على قلوب الكفار وعلى ألسنتهم ويعاجلهم بالعذاب، وعدل عن الغيبة إلى الخطاب ومن الجمع إلى الإفراد، وحاصله يختم على قلبك أيها القائل إنه عليه الصلاة والسلام افترى على الله تعالى كذبًا، وفيه من البعد ما فيه مع أن الكفار مختوم على قلوبهم، وقال مجاهد، ومقاتل: المعنى فإن يشأ يربط على قلبك بالصبر على أذاهم حتى لا يشق عليك قولهم إنك مفتر، ولا مانع عليه من عطف {يمح} على جواب الشرط بل هو الظاهر فيكون سقوط الواو للجازم، و{أَن يُحِقَّ} حينئذٍ مستأنف أي وإن يشأ يمح باطلهم عاجلًا لكنه سبحانه لم يفعل لحكمة أو مطلقًا وقد فعل جل وعلا بالآخرة وأظهر دينه، وقيل: لا مانع من العطف على بعض الأقوال السابقة أيضًا أي إن يشأ يمح افتراءك لو افتريت وهو كما ترى، وكذا جوز كون الجملة حالية وإن أحوج ذلك إلى تقدير المبتدأ وفيه تكلف مستغنى عنه؛ وربما يقال: إن جملة {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ} من تتمة قولهم مفرعًا على {افترى} كأنه قيل: افترى على الله كذبًا فإن يشأ الله يختم على قلبه بسبب افترائه فلا يعقل شيئًا أو كأنه قيل: افتريت على الله فإن يشأ يختم على قلبك جزاء ذلك إلا أن نكتة اختيار الغيبة في إحدى الجملتين والخطاب في الأخرى غير ظاهرة، وكونها الإشارة إلى أن من افترى يحق أن يواجه بالجزاء ليس مما يهش له السامع فيما أرى، ولعل الأولى أن يكون {فَإِن يَشَإِ} الخ مفرعًا على كلامهم خارجًا مخرج التهكم بهم، ولا بأس حينئذٍ بعطف يمح على جواب الشرط ويراد بالباطل ما هو باطل بزعمهم كأنه قيل: أم يقولون افترى على الله فإذن إن يشأ الله يختم على قلبك ويمح ما يزعمون أنه باطل، وهذا كما تقول لمن أخبرك أن زيدًا افترى عليك وأنت تعلم أنه لم يفتر وإنما أدى عنك ما أمرته به فإذن نؤدبه وننتقم منه ونمحو افتراءه تقصد بذلك التهكم بالقائل فتأمل، فهذه الآية كما قال الخفاجي من أصعب ما مر في كلامه تعالى العظيم وفقنا الله تعالى وإياكم لفهم معانيه والوقوف على سره وخافيه {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} فيعلم سبحانه ما في صدرك وصدورهم فيجري جل وعلا الأمر على حسب ذلك.
{وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} بالتجاوز عما تابوا عنه والقبول يعدى بعن لتضمنه معنى الإبانة وبمن لتضمنه معنى الأخذ كما في قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نفقاتهم} [التوبة: 54] أي تؤخذ، وقيل: القبول مضمن هنا معنى التجاوز والكلام على تقدير مضاف أي يقبل التوبة متجاوزًا عن ذنوب عباده وهو تكلف.
والتوبة أن يرجع عن القبيح والإخلال بالواجب في الحال ويندم على ما مضى ويعزم على تركه في المستقبل وزادوا التفصي منه بأي وجه أمكن إن كان الذنب لعبد فيه حق وذلك بالرد إليه أو إلى وكيله أو الاستحلال منه إن كان حيًا وبالرد إلى ورثته إن كان ميتًا ووجدوا ثم القاضي لو كان أمينًا وهو كالاكسير ومن رأى الإكسير؟ فإن لم يقدر على شيء من ذلك يتصدق عنه وإلا يدع له ويستغفر.
وفي (الكشف) التفصي داخل في الرجوع إذ لا يصح الرجوع عنه وهو ملتبس به بعد، واختير أن حقيقتها الرجوع وإنما الندم والعزم ليكون الرجوع إقلاعًا ويتحقق أنه التوبة التي ندبنا إليها وهو موافق لما في الإحياء من أنها اسم لتلك الحالة بالحقيقة والباقي شروط التحقق؛ ويشترط أيضًا أن يكون الباعث على الرجوع مع الندم والعزم دينيًا فلو رجع لمانع آخر من ضعف بدن أو غرم لذلك لم يكن من التوبة في شيء، وأشار الزمخشري إلى ذلك بكون الرجوع لأن المرجوع عنه قبيح وإخلال بالواجب وخرج عنه ما لو رجع طلبًا للثناء أو رياء أو سمعه لأن قبح القبيح معناه كونه مقتضيًا للعقاب آجلًا وللذم عاجلًا فلو رجع لما سبق لم يكن رجوعًا لذلك.
وروى جابر أن أعرابيًّا دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك وكبر فلما فرغ من صلاته قال له علي كرم الله وجهه: إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين وتوبتك تحتاج إلى التوبة فقال يا أمير المؤمنين: ما التوبة؟ قال: اسم يقع على ستة معان على الماضي من الذنوب الندامة ولتضيع الفرائض الإعادة ورد المظالم وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية والبكاء بدل كل ضحك ضحكته، وهذا يحتمل أن تكون التوبة مجموع هذه الأمور فالمراد أكمل أفرادها، ويحتمل أنها اسم لكل واحد منها والأول أظهر.
واختلف في التوبة عن بعض المعاصي مع الإصرار على البعض هل هي صحيحة أم لا والذي عليه الأصحاب أنها صحيحة لظواهر الآيات والأحاديث وصدق التعريف عليها، وأكثر المعتزلة على أنها غير صحيحة قال أبو هاشم منهم: لو تاب عن القبيح لكونه قبيحًا وجب أن يتوب عن كل القبائح وإن تاب عنه لا لمجرد قبحه بل لغرض آخر لم تصح توبته.
وتعقب بأنه يجوز أن يكون الباعث شدة القبح أو أمرًا دينيًا آخر وأيضًا يجري نظير هذا في فعل الحسن بل يقال: لو فعل الحسن لكونه حسنًا وجب عليه أن يفعل كل حسن وإن فعله لغرض آخر لم يقبل وفيه بحث.
واستدل المعتزلة بالآية على أنه يجب عليه تعالى قبول التوبة واستدل أهل السنة بها على عدم الوجوب لمكان التمدح ولا تمدح بالواجب، وفيه أيضًا بحث والأنفع في هذا المقام أدلة نفي الوجوب مطلقًا عليه عز وجل.
{وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات} صغائرها وكبائرها لمن يشاء من غير اشتراط شيء كالتوبة للكبائر واجتنابها للصغائر.
وقال الطيبي: المعنى من شأنه تعال شأنه قبول التوبة عن عباده إذا تابوا والعفو عن سيئاتهم بمحض رحمته أو بشفاعة شافع، وقال المعتزلة: أي يعفو عن الكبائر إذا تيب عنها وعن الصغائر إذا اجتنبت الكبائر فالعفو عن السيئات عليه أعم من قبول التوبة لشموله الصغائر إذا اجتنبت الكبائر وهو تعميم بعد تخصيص، والظاهر مع أهل السنة إذ لا دلالة في (النظم الجليل) على تخصيص السيئات نعم المراد بها غير الشرك بالإجماع.
{وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} بتاء الخطاب عند حفص والأخوين وعلقمة وعبد الله وبياء الغيبة عند الجمهور وعلى الأول ففيه التفات وما موصولة والعائد محذوف أي يعلم الذي تفعلونه كائنًا ما كان من خير وشر فيجازى بالثواب والعقاب أو يتجاوز سبحانه بالعفو حسبما تقتضيه مشيئته جل وعلا المبنية على الحكم والمصالح.
وقيل: يعلم ذلك فيجازى التائب ويتجاوز عن غيره إذا شاء سبحانه والأول أظهر.
وفي (الكشاف) يعلم سبحانه ذلك فيثيب على الحسنات ويعاقب على السيئات.
وفي (الكشف) بعد نقله هو أي قوله تعالى: {وَيَعْلَمَ} الخ تذييل للكلام السابق يؤكد ما ذكره من القبول والعفو لأنه تعالى إذا علم العملين والعاملين جازى كلًا بما فعل فأولى أن يجازي هؤلاء المحسنين بأفعالهم، ثم فيه لطف وحث على لزوم الحذر منه تعالى والإخلاص له سبحانه في إمحاض التوبة، ونحن أيضًا لا ننكر أنه تذييل فيه تأكيد كما لا يخفى.
{وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} عطف على {يَقْبَلُ التوبة} [الشورى: 25] فالفاعل ضميره تعالى و{الذين} مفعول بدون تقدير شيء بناء على أن {يَسْتَجِيبُ} يتعدى بنفسه كما يتعدى باللام نحو شكرته وشكرت له أو بتقدير اللام على أنه من باب الحذف والإيصال والأصل يستجيب للذين آمنوا بناء على أنه يتعدى للداعي باللام وللدعاء بنفسه ونحو هذا قوله:
وداع دعايا من يجيب إلى الندى ** فلم يستجبه عند ذاك مجيب

وأجاب واستجاب بمعنى أي ويجيب الله تعالى الذين آمنوا إذا دعوا وحاصله يجيب دعاءهم، وجوز بعضهم أن يكون الكلام بتقدير هذا المضاف قيل: وهو أولى من القول بإيصال الفعل بحذف الصلة لأن حذف المضاف إذا لم يلبس منقاس وذاك مسموع، ويجوز أن يكون المراد يثيبهم على طاعتهم فإن الطاعة لكونها طلب ما يترتب عليها من الثواب شابهت الدعاء وشابهت الإثابة عليها الإجابة، ومن هذا يسمى الثناء دعاء لأنه يترتب عليه ما يترتب عليه، وسئل سفيان عن قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: «أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» فقال: هذا كقوله تعالى: في الحديث القدسي: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين» ألا ترى قول أمية بن الصلت لابن جدعان حين أتاه يبغي نائله:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ** ثناؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوم ** كفاه عن تعرضك الثناء

وجعلوا من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدعاء الحمد لله» على معنى أن الحمد يدل على الدعاء والسؤال بطريق الكناية والتعريض، وقيل: هو على إطلاق الدعاء على الحمد لشبهه به في طلب ما يترتب عليه، وجوز أن يراد بالإجابة معناها الحقيقي والإثابة بناء على القول بصحة الجمع بين الحقيقة والمجاز أي يجيب دعاءهم ويثيبهم على الطاعة {وَيَزِيدُهُمْ} على ما سألوا واستحقوا {مِن فَضْلِهِ} الواسع جل شأنه، وقيل: إن فاعل {وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ} واستظهره أبو حيان، والجملة عطف على مجموع قوله تعالى: {هُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة} [الشورى: 25] الخ أي ينقادون لله تعالى ويجيبونه سبحانه إذا دعاهم، وهو المروى عن ابن جبير، وعن إبراهيم بن أدهم أنه قيل له: ما لنا ندعوا فلا نجاب؟ فقال: لأنه سبحانه دعاكم فلم تجيبوه ثم قرأ {والله يَدْعُو إلى دَارِ السلام} [يونس: 25] {وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ} وهذا يؤكد هذا الوجه لأنه قدس سره ذكر أن الله تعالى دعاكم بقوله عز وجل: {والله يَدْعُو إلى دَارِ السلام} وذكر أن المؤمن من استجاب دعوة ربه تعالى بقوله: {وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ} فمن لا يجيب دعاءه تعالى لا يجيب تعالى أيضًا دعاءه، وكون الفاعل ضميره تعالى قد روى ما يقتضيه عن ابن عباس.