فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {من كان يريد حَرْثَ الآخرة} قال ابن قتيبة: أي: عَمَلَ الآخرة، يقال: فلانُ يحرُث الدُّنيا، أي: يعمل لها ويجمع المال؛ فالمعنى: من أراد بعمله الآخرة {نَزِدْ له في حَرْثه} أي: نُضاعِف له الحسنات.
قال المفسرون: من أراد العمل لله بما يُرضيه، أعانه الله على عبادته، ومن أراد الدُّنيا مُؤْثِرا لها على الآخرة لأنه غير مؤمن بالآخرة، يؤته منها، وهو الذي قسم له، {وما له في الآخرة مِنْ نصيبٍ} لأنه كافر بها لم يعمل لها.
فصل:
اتفق العلماء على أن أول هذه الآية إلى {حرثه} مُحْكَم، واختلفوا في باقيها على قولين.
أحدهما: أنه منسوخ بقوله: {عجَّلْنا له فيها ما نشاء لِمَنْ نُريد} [الإسراء: 18]، وهذا قول جماعة منهم مقاتل.
والثاني: أن الآيتين مُحكَمتان متَّفقتان في المعنى، لأنه لم يقل في هذه الآية: نؤته مُراده، فعُلِم أنه إنما يؤتيه الله ما أراد وهذا موافق لقوله: {لِمَنْ نُريد}، ويحقِّق هذا أن لفظ الآيتين لفظ الخبر ومعناهما معنى الخبر، وذلك لا يدخُله النسخ، وهذا مذهب جماعة منهم قتادة.
قوله تعالى: {أَمْ لهم شركاء} يعني كفار مكة؛ والمعنى ألَهُمْ آلهةٌ {شَرَعوا} أي: ابتدعوا {لهم} دِينًا لم يأذن به الله؟! {ولولا كلمة الفصل} وهي: القضاء السابق بأن الجزاء يكون في القيامة {لقُضِيَ بينهم} في الدنيا بنزول العذاب على المكذِّبين.
والظالمون في هذه الآية والتي تليها: يراد بهم المشركون.
والإشفاق: الخوف.
والذي كَسَبوا: هو الكفر والتكذيب، {وهو واقعٌ بهم} يعني جزاؤه.
وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {ذلك} يعني: ما تقدم ذِكْره من الجنّات {الذي يُبَشِّر اللهُ عبادَه} قال أبو سليمان الدمشقي: {ذلك} بمعنى: هذا الذي أخبرتُكم به بشرى يبشِّر اللهُ بها عباده.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {يَبْشَرُ} بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين.
قوله تعالى: {قُلْ لا أسألُكم عليه أجْرًا} في سبب نزول هذه الآية ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المشركين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: أنه لما قَدِم المدينةَ كانت تَنُوبه نوائبُ وليس في يده سَعَةٌ، فقال الأنصار: إن هذا الرجُل قد هداكم اللهٌ به، وليس في يده سَعَةٌ، فاجْمَعوا له من أموالكم مالا يضرُّكم، ففعلوا ثم أتَوْه به، فنزلت هذه الآية، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا.
والثالث: أن المشركين اجتمعوا في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أتُرَون محمدًا يسأل على ما يتعاطاه أجرًا، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة.
والهاء في {عليه} كناية عمّا جاء به من الهُدى.
وفي الاستثناء هاهنا قولان:
أحدهما: أنه من الجنس، فعلى هذا يكون سائلًا أجرًا.
وقد أشار ابن عباس في رواية الضحاك إلى هذا المعنى، ثم قال: نُسخت هذه بقوله: {قُلْ ما سألتُكم مِنْ أجر فهوُ لكم} الآية [سبأ: 47]، وإلى هذا المعنى ذهب مقاتل.
والثاني: أنه استثناء من غير الأول، لأن الأنبياء لا يَسألون على تبليغهم أجرًا؛ وإنما المعنى: لكنِّي أُذكّرُكم المَوَدَّةَ في القربى، وقد روى هذا المعنى جماعة عن ابن عباس، منهم العوفي، وهذا اختيار المحقِّقين، وهو الصحيح، فلا يتوجَّه النسخ أصلًا.
وفي المراد بالقربى خمسة أقوال.
أحدها: أن معنى الكلام: إلاّ أن تَوَدُّوني لقرابتي منكم، قاله ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد في الأكثرين.
قال ابن عباس: ولم يكن بطنٌ من بطون قريش إلاّ ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة.
والثاني: إلاّ أن تَوَدُّوا قرابتي، قاله عليّ بن الحسين، وسعيد بن جبير، والسدي.
ثم في المراد بقرابته قولان: أحدهما: عليّ وفاطمة وولدها، وقد رووه مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنهم الذين تَحْرُم عليهم الصدقة ويُقْسَم فيهم الخُمُس، وهم بنو هاشم وبنو المطَّلِب.
والثالث: أن المعنى إلاّ أن تَوَدَّدوا إلى الله تعالى فيما يقربكم إليه من العمل الصالح، قاله الحسن وقتادة.
والرابع: إلاّ أن تَوَدُّوني، كما تَوَدُّون قرابتكم، قاله ابن زيد.
والخامس: إلاّ أن تَوَدُّوا قرابتكم وتصِلوا أرحامَكم، حكاه الماوردي.
والأول: أصح.
قوله تعالى: {ومَنْ يَقْتَرِفْ} أي: مَنْ يَكْتَسِبْ {حَسَنَةً نَزِدْ له فيها حُسْنًا} أي: نُضاعفْها بالواحدة عشرًا فصاعدًا.
وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري: {يَزِدْ له} له بالياء {إِن الله غفورٌ} للذُّنوب {شَكورٌ} للقليل حتى يضاعفَه.
{أم يقولون} أي: بل يقول كفار مكة {افترى على الله كَذِبًا} حين زعم أن القرآن من عند الله! {فإن يشِأ اللهُ يَخْتِمْ على قلبك} فيه قولان.
أحدهما: يَخْتِم على قلبك فيُنسيك القرآن، قاله قتادة.
والثاني: يَرْبِط على قلبك بالصبر على أذاهم فلا يَشُقّ عليك قولهم: إنك مفترٍ، قاله مقاتل والزجاج.
قوله تعالى: {ويَمْحُ اللهُ الباطلَ} قال الفراء: ليس بمردود على {يَخْتِمْ} فيكونَ جزمًا، وإنما هو مستأنَف، ومثله ممّا حُذفتْ منه الواو {ويَدْعُ الإِنسانُ بالشِّرِّ} [الإسراء: 11] وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير. تقديره: والله يمحو الباطل.
وقال الزجاج: الوقف عليها {ويمحوا} بواو وألف؛ والمعنى: واللهُ يمحو الباطل على كل حالٍ، غير أنها كُتبتْ في المصاحف بغير واو، لأن الواو تسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين، فكُتبتْ على الوصل، ولفظ الواو ثابت؛ والمعنى: ويمحو اللهُ الشِّرك ويُحِقُّ الحق بما أنزله من كتابه على لسان نبيِّه صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {وهو الذي يَقْبَل التَّوبة عن عباده} قد ذكرناه في [براءة: 104].
قوله تعالى: {ويَعْلَمُ ما تَفعلون} أي: من خير وشرّ.
قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بالتاء، وقرأ الباقون: بالياء، على الإِخبار عن المشركين والتهديد لهم.
و{يستجيب} بمعنى يُجيب.
وفيه قولان:
أحدهما: أن الفعل فيه لله، والمعنى: يُجيبهم إذا سألوه؛ وقد روى قتادة عن أبي إبراهيم اللخمي {ويستجيب الذين آمنوا} قال: يُشَفَّعون في إِخوانهم.
{ويَزيدُهم مِنْ فَضْله} قال: يُشَفَّعون في إِخوان إِخوانهم.
والثاني: أنه للمؤمنين؛ فالمعنى: يجيبونه والأول أصح. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {حم عسق}.
سئل الحسين بن الفضل لم قطع حروف حم عسق ولم يقطع حروف {المص} و{المر} و{كهيعص}، فقال: لأنها بين سور أوائلها حم فجرت مجرى نظائرها فكان {حم} مبتدأ و{عسق} خبره لأن {حم عسق} عدت آيتين وعدت أخواتها التي لم تقطع آية واحدة.
وقيل لأن أهل التأويل لم يختلفوا في كهيعص وأخواتها أنها حروف التهجي واختلفوا في حم فأخرجها بعضهم من حيز الحروف وجعلها فعلًا فقال معناها {حم} الأمر أي قضى وبقي {عسق} على أصله.
وقال ابن عباس ح حلمه م مجده ع علمه س سناه ق قدرته أقسم الله بها.
وقيل إن العين من العزيز والسين من قدوس والقاف من قاهر وقيل ح حرب في قريش يعز فيها الذليل ويذل فيها العزيز م ملك يتحول من قوم إلى قوم ع عدو لقريش يقصدهم س سنون كسني يوسف ق قدرة الله في خلقه، وقيل هذا في شأن محمد صلى الله عليه وسلم فالحاء حوضه المورود والميم ملكه الممدرد والعين عزه الموجود والسين سناؤه المشهود والقاف قيامه في المقام المحمود وقربه من الملك المعبود وقال ابن عباس ليس من نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحي إليه حم عسق فلذلك قال الله تعالى: {كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك} وقيل معناه كذلك نوحي إليك أخبار الغيب كما أوحينا إلى الذين من قبلك {الله العزيز} في ملكه {الحكيم} في صنعه، والمعنى كأنه قيل من يوحي فقال الله العزيز الحكيم ثم وصف نفسه وسعة ملكه {له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن} أي من فوق الأرضين وقيل تنفطر كل واحدة فوق التي تليها من عظمة الله تعالى وقيل من قول المشركين اتخذ الله ولدًا {والملائكة يسبحون بحمد ربهم} أي ينزهونه عما لا يليق بجلاله وقيل يصلون بأمر ربهم {ويستغفرون لمن في الأرض} أي من المؤمنين دون الكفار، لأن الكافر لا يستحق أن تستغفر له الملائكة، وقيل يحتمل أن يكون لجميع من في الأرض أما في حق الكافرين فبواسطة طلب الإيمان لهم ويحتمل أن يكون المراد من الاستغفار لا يعاجلهم بالعقاب وأما في حق المؤمنين فبالتجاوز عن سيئاتهم، وقيل استغفارهم لمن في الأرض هو سؤال الرزق لهم فيدخل فيه المؤمن والكافر {ألا إن الله هو الغفور الرحيم} يعني أنه تعالى يعطي المغفرة التي سألوها ويضم إليها بمنه وكرمه الرحمة العامة الشاملة.
قوله تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء} أي جعلوا له شركاء وأندادًا {الله حفيظ عليهم} يعني رقيب على أحوالهم وأعمالهم {وما أنت عليهم بوكيل} يعني لم توكل بهم حتى تؤخذ بهم إنما أنت نذير {وكذلك} أي ومثل ما ذكرنا {أوحينا إليك قرآنا عربيًّا لتنذر أم القرى} يعني مكة والمراد أهلها {ومن حولها} يعني قرى الأرض كلها {وتنذر يوم الجمع} أي وتنذرهم بيوم الجمع وهو يوم القيامة يجمع الله سبحانه وتعالى فيه الأولين والآخرين وأهل السماوات وأهل الأرضين {لا ريب فيه} أي لا شك في الجمع أنه كائن ثم بعد ذلك يتفرقون وهو قوله تعالى: {فريق في الجنة وفريق في السعير} عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قابضًا على كفه ومعه كتابان فقال أتدرون ما هذان الكتابان قلنا لا يا رسول الله فقال للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفًا في الأصلاب وقبل أن يستقروا نطفًا في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم ولا ناقص منهم إجمال من الله تعالى عليهم إلى يوم القيامة، ثم قال للذي في يساره هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل النار وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفًا في الأصلاب وقبل أن يستقروا نطفًا في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم ولا ناقص منهم إجمال من الله تعالى عليهم إلى يوم القيامة فقال عبد الله بن عمرو ففيم العمل إذًا؟ قال اعملوا وسددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل ثم قال فريق في الجنة وفريق في السعير عدل من الله تعالى أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده.
قوله تعالى: {ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة} قال ابن عباس: على دين واحد وقيل على ملة الإسلام {ولكن يدخل من يشاء في رحمته} أي في دين الإسلام {والظالمون} أي الكافرون {ما لهم من ولي} أي يدفع عنهم العذاب {ولا نصير} أي يمنعهم من العذاب {أم اتخذوا} يعني الكفار {من دونه أولياء فالله هو الولي} قال ابن عباس هو وليك يا محمد وولي من تبعك {وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير} يعني أن من يكون بهذه الصفة فهو الحقيق بأن يتخذ وليًا ومن لا يكون بهذه الصفة فليس بولي {ما اختلفتم فيه من شيء} أي من أمر الدين {فحكمه إلى الله} أي يقضي فيه ويحكم يوم القيامة بالفصل الذي يزيل الريب وقيل علمه إلى الله وقيل تحاكموا فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن حكمه من حكم الله تعالى ولا تؤثروا حكومة غيره على حكومته {ذلكم الله} يعني الذي يحكم بين المختلفين هو الله {ربي عليه توكلت} يعني في جميع أموري {وإليه أنيب} يعني وإليه أرجع في كل المهمات {فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم} يعني من جنسكم {أزواجًا} يعني حلائل، وإنما قال من أنفسكم لأن الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم {ومن الأنعام أزواجًا} يعني أصنافًا ذكرانًا وإناثًا {يذرؤكم} يعني يخلقكم وقيل يكثركم {فيه} يعني في الرحم وقيل في البطن لأنه قد تقدم ذكر الأزواج وقيل نسلًا بعد نسل حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل وقيل الضمير في يذرؤكم يرجع إلى المخاطب من الناس والأنعام إلا أنه غلب جانب الناس وهم العقلاء على غير العقلاء من الأنعام، وقيل في بمعنى الباء أي يذرؤكم به أي يكثركم بالتزويج {ليس كمثله شيء} المثل صلة أي ليس كهو شيء وقيل الكاف صلة مجازه ليس مثله شيء، قال ابن عباس: ليس له نظير.
فإن قلت هذه الآية دالة على نفي المثل وقوله تعالى: {وله المثل الأعلى في السماوات والأرض} يقتضي إثبات المثل فما الفرق.
قلت المثل الذي يكون مساويًا في بعض الصفات الخارجية على الماهية فقوله ليس كمثله شيء معناه ليس له نظير، كما قاله ابن عباس أو يكون معناه ليس لذاته سبحانه وتعالى مثل وقوله: {وله المثل الأعلى} معناه وله الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله ولا يشاركه فيه أحد فقد ظهر بهذا التفسير معنى الآيتين وحصل الفرق بينهما {وهو السميع} يعني لسائر المسموعات {البصير} يعني المبصرات.
{له مقاليد السماوات والأرض} يعني مفاتيح الرزق في السماوات يعني المطر وفي الأرض يعني النبات يدل عليه قوله تعالى: {يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} أي أنه يوسع على من يشاء ويضيق على من يشاء لأن مفاتيح الرزق بيده {إنه بكل شيء عليم} أي من البسط والتضييق.
قوله: {شرع لكم من الدين} أي ما بين وسن لكم طريقًا واضحًا من الدين، أي دينًا تطابقت على صحته الأنبياء وهو قوله تعالى: {ما وصى به نوحًا} أي أنه أول الأنبياء أصحاب الشرائع والمعنى قد وصيناه وإياك يا محمد دينًا واحدًا {والذي أوحينا إليك} أي من القرآن وشرائع الإسلام {وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى} إنما خص هؤلاء الأنبياء الخمسة بالذكر لأنهم أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع المعظمة والأتباع الكثيرة وأولو العزم.
ثم فسر المشروع الذي اشترك فيه هؤلاء الأعلام من رسله بقوله تعالى: {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} والمراد بإقامة الدين هو توحيد الله والإيمان به وبكتبه ورسله واليوم الآخر وطاعة الله في أوامره ونواهيه وسائر ما يكون الرجل به مسلمًا، ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسب أحوالها فإنها مختلفة متفاوتة قال الله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا} وقيل أراد تحليل الحلال وتحريم الحرام، وقيل تحريم الأمهات والبنات والأخوات فإنه مجمع على تحريمهن، وقيل لم يبعث الله نبيًّا إلا وصاه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله تعالى بالوحدانية والطاعة وقيل بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة {كبر على المشركين ما تدعوهم إليه} أي من التوحيد ورفض الأوثان {الله يجتبي إليه من يشاء} أي يصطفي لدينه من يشاء من عباده {ويهدي إليه من ينيب} أي يقبل على طاعته {وما تفرقوا} يعني أهل الأديان المختلفة، وقال ابن عباس: يعني أهل الكتاب {إلا من بعد ما جاءهم العلم} أي بأن الفرقة ضلالة {بغيًا بينهم} أي ولكنهم فعلوا ذلك للبغي وقيل بغيًا منهم على محمد صلى الله عليه وسلم: {ولولا كلمة سبقت من ربك} أي في تأخير العذاب عنهم {إلى أجل مسمى} يعني إلى يوم القيامة {لقضي بينهم} أي بين من آمن وكفر يعني لأنزل العذاب بالمكذبين في الدنيا {وإن الذين أورثوا الكتاب} أي اليهود والنصارى {من بعدهم} أي من بعد أنبيائهم وقيل الأمم الخالية {لفي شك منه} أي من أمر محمد صلى الله عليه وسلم فلا يؤمنون به {مريب} يعني مرتابين شاكين فيه {فلذلك} أي إلى ذلك {فادع} أي إلى ما وصى الله تعالى به الأنبياء من التوحيد وقيل لأجل ما حدث به من الاختلاف في الدين الكثير فادع أنت إلى الاتفاق على الملة الحنيفية {واستقم كما أمرت} أي أثبت على الدين الذي أمرت به {ولا تتبع أهواءهم} أي المختلفة الباطلة {وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب} أي آمنت بكتب الله المنزلة كلها وذلك لأن المتفرقين آمنوا ببعض الكتب وكفروا ببعض {وأمرت لأعدل بينكم} قال ابن عباس أمرت أن لا أحيف عليكم بأكثر مما افترض الله عليكم من الأحكام وقيل لأعدل بينكم في جميع الأحوال والأشياء وقيل لأعدل بينكم في الحكم إذا تخاصمتم وتحاكمتم إلى {الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} يعني أن إله الكل واحد وكل أحد مخصوص بعمل نفسه وإن اختلفت أعمالنا فكل يجازي بعمله {لا حجة} أي لا خصومة {بيننا وبينكم} وهذه الآية منسوخة بآية القتال إذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة فلم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة {الله يجمع بيننا} أي في المعاد لفصل القضاء {وإليه المصير}.