فصل: فوائد بلاغية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
1- قال أبو حيان: تضمنت الآية الكريمة من ضروب البلاغة وصنوف البيان أمورا كثيرة منها الاستفهام الذي أجري مجرى التعجب في قوله: {ألم تر إلى الذين} والحذف بين {موتوا ثم أحياهم} أي {فماتوا} ثم أحياهم، والطباق في قوله: {موتوا} و{أحياهم} وكذلك في قوله: {يقبض} و{يبسط} والتكرار في قوله: {فضل على الناس} و{ولكن أكثر الناس} والالتفات في {وقاتلوا في سبيل الله} والتشبيه بدون الأداة في قوله: {قرضا حسنا} شبه قبوله تعالى إنفاق العبد في سبيله بالقرض الحقيقي فأطلق اسم القرض عليه، والتجنيس المغاير في قوله: {فيضاعفه} وقوله: {أضعافا}.
2- {أفرغ علينا صبرا} فيه استعارة تمثيلية، فقد شبه حالهم والله تعالى يفيض عليهم الصبر، بحال الماء يصب ويفرغ على الجسم فيعمه كله، ظاهره وباطنه فيلقي في القلب بردًا وسلامًا، وهدوءًا واطمئنانًا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله تعالى: {فَصَلَ} أي: انْفَصَلَ، فلذلك كان قاصِرًا. وقيل إِنَّ أصلَه التَّعدِّي إلى مفعولٍ ولكن حُذِفَ، والتقديرُ: فَصَلَ نفسه ثم إن هذا المفعول حذف حتى صار الفعلُ كالقاصِرِ.
و{بالجنود} متعلِّقٌ بمحذوفٍ؛ لأنه حالٌ من {طَالُوت} أي مصاحبًا لهم. وبين جملةِ قوله: {فلمَّا فَصَلَ} وبين ما قبلَها من الجملِ جُمل محذوفةٌ يَدُلُّ عليها فحوى الكلامِ وقوتُه، تقديرُهُ: فلما أتاهم بالتَّابُوت أذعنوا له وأجابوا فَمَلَّكُوا طالوتَ، وتأهَّبوا للخروجِ، وهي كقوله: {فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق} [يوسف: 45، 46]. ومعنى الفصل: القَطْعُ.
يقال: فصلت اللَّحْمَ عن العَظم فَصْلًا، وفاصل الرَّجُل شريكهُ وامرأته فصالًا. ويُقالُ للفطام فِصالٌ؛ لأَنَّه يقطعُ عن الرَّضاع وفصل عن المكان قطعه بالمجاوزة عنه، قال تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ العير} [يوسف: 94] والجنود جمع جُنْدٍ، وكل صنف من الخلق جُنْدٌ على حدةٍ، يقال للجراد الكثيرة: إنَّها جنود اللهِ، ومنه قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «الأَرْوَاح جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ».
والابتلاء الامتحان وفيه لغتان من بَلاَ يَبْلُو وابْتَلَى يَبْتَلِي؛ قال: الكامل:
وَلَقَدْ بَلَوْتُكَ وَابْتَلَيْتُ خَلِيفَتِي ** وَلَقَدْ كَفَاكَ مَوَدَّتِي بِتَأَدُّبِ

فجاء باللُّغتين، وأصلُ الياءِ في مبتليكم واوٌ لأَنَّهُ من بلا يبلُو؛ وابتلى يَبْتَلِي، أي: اختبر، وإِنَّما قلبت لانكِسَارِ ما قبلها.
قوله: {بِنَهَرٍ} الجمهورُ على قراءتَه بفتح الهاء وهي اللَّغة الفصيحةُ، وفيه لغةٌ أخرى: تسكينُ الهاءِ، وبها قرأ مجاهد وأبو السَّمَّال في جميع القرآن وكلُّ ثلاثي حشوه حرف حلق، فإِنّهُ يجيء على هذين الوجهين؛ كقوله: صَخَرَ وَصَخْر وشَعَر وشَعْر وَبَحَر وَبَحْر؛ قال: البسيط:
كَأَنَّمَا خُلِقَتْ كَفَّاهُ مِن حَجَرٍ ** فَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالنِّى عَمَلُ

يَرَى التَّيَمُّمَ فِي بَرٍّ وفي بَحَرٍ ** مَخَافَةَ أَنْ يُرَى فِي كَفِّهِ بَلَلُ

وتقدم اشتقاقُ هذه اللَّفظة عند قوله تعالى: {مِن تَحْتِهَا الأنهار} [البقرة: 25].
قوله: {فَلَيْسَ مِنِّي}، أي: من أَشياعي وأصحابي، ومِنْ للتَّبعيض؛ كأنه يجعلُ أصحابَه بعضه؛ ومثله قول النَّابغة: الوافر:
إِذَا حَاوَلْتَ فِي أَسَدٍ فُجُورًا ** فَإِنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي

ومعنى يَطْعَمْهُ: يَذُقْهُ؛ تقولُ العربُ: طَمِعْتُ الشَّيْءَ أي: ذُقْتُ طَعْمَهُ؛ قال: الطويل:
فَإِنْ شِئْتَ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ ** وَإِنْ شِئْتَ لَمْ أَطْعَمْ نُقَاخًا وَلاَ بَرْدَا

والنقاخ: الماءُ العذبُ المروِي، والبردُ: هو النَّومُ.

.فصل في معنى {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ}:

قال أهلُ اللُّغة: وإِنَّما اختير هذا اللَّفظُ لوجهين:
أحدهما: أَنَّ الإِنسانَ إذا عطش جدًّا، ثم شربَ الماء، وأراد وصف ذلك الماء، فإِنَّهُ يصفُهُ بالطُّعُومِ اللَّذِيذة، فقوله: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ}، أي: وَإِنْ بلغ به العطشُ إلى حيث يكون الماءُ في فَمِهِ موصوفًا بالطُّعوم الطَّيِّبة؛ فإنه يجب عليه الاحتراز عنه، وألا يشرب.
الثاني: أَنَّ مَنْ جعل الماءَ في فمه، وتمضمض به، ثم أخرجه فإنّه يصدق عليه أَنَّهُ ذاقه وطعمه، ولا يصدُق عليه أَنَّه شربه، فلو قال: ومن لم يشربه فإِنَّهُ مني، كان المنعُ مقصورًا على الشّرب. فلما قال: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ} حصل المنعُ في الشُّربِ، والمضمضة، ومعلومٌ أَنَّ هذا التَّكليف أَشَقُّ، فإِنَّ الممنُوع من الشُّربِ، إِذَا تَمَضْمضَ بالماءِ وجد نوع خِفَّةٍ وراحةٍ.
قوله: {إِلاَّ مَنِ اغترف} منصوبٌ على الاستثناء، وفي المُستَثنى منه وجهان:
الصَّحيح أَنَّهُ الجملةُ الأولى، وهي: {فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي}، والجملةُ الثانيةُ معترِضةٌ بين المُستَثنى والمُستَثنى مِنْهُ وأصلُها التَّأخيرِ، وإِنَّما قُدِّمَتْ، لأنها تَدلُّ عليها الأولى بطريقِ المفهوم، فإنَّه لمَّا قال تعالى: {فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي}، فُهِمَ منه أَنَّ من لم يشرب فإنَّه منه، فَلَمَّا كانت مدلولًا عليها بالمفهوم، صارَ الفصلُ بها كلا فصلٍ.
وقال الزمخشريُّ: والجُمْلَةُ الثَّانيةُ في حُكم المُتَأَخِّرة، إلاَّ أَنَّها قُدِّمَتْ للعناية، كما قُدِّمَتْ للعناية، كما قُدِّمَ والصَّابِئُونَ في قوله: {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والصابئون} [المائدة: 69].
والثاني: أَنَّهُ مستثنى من الجملة الثَّانية، وإليه ذهب أبو البقاء. قال شهاب الدين: وهذا غيرُ سديدٍ لأنه يؤدِّي إلى أَنَّ المعنى: ومَنْ لم يطعمْه فإِنَّهُ مِنِّي، إلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرفة بيده؛ فإنه ليس مني، لأَنَّ الاسْتثناء من النَّفْي إثباتٌ، ومن الإِثبات نفيٌ، كما هو الصَّحيحُ، ولكن هذا فاسدٌ في المعنى؛ لأنهم مفسوحٌ لهم في الاغترافِ غرفةً واحدةً.
والاستثناءُ إذا تعقَّبَ الجُمَلَ، وصلح عَوْدُهُ على كلٍّ منها هل يختصُّ بالأخيرة، أم لا؟
خلافٌ مشهورٌ، فإنْ دلَّ دليلٌ على اختصاصِهِ بإحدى الجُمَلِ عمِلَ به، والآيةُ من هذا القبيل، فإنَّ المعنى يعودُ إلى عودِهِ إلى الجُملة الأولى، لا الثَّانية لِمَا قَرَّرْنَاهُ.
وقرأ الحرمِيَّان وأبو عمرو: {غَرْفَة} بفتح الغين وكذلك يعقوب وخلفٌ. والباقون بضمها. فقيل: هما بمعنى المصدر، إلاَّ أنهما جاءا على غير الصَّدر كنبات من أَنْبَتَ، وَلَوْ جاءَ على الصَّدر لقيل: اغترافًا. وقيل: هما بمعنى المُغْتَرف كالأَكل بمعنى المأكولِ. وقيل: المَفْتُوح مصدرٌ قُصِدَ به الدَّلالة على الوحدةِ، فإنَّ فَعْلَة يدُلُّ على المَرَّة الواحدة، ومثله الأكلة يقال فلان يأكل بالنهار أكلة واحدة والمضمُومُ بمعنى المفعول، فحيثُ جعلتهما مَصْدرًا فالمفعولُ محذوفٌ، تقديره: إلاَّ مَن اغترف ماءً، وحيثُ جعلتهما بمعنى المفعول كانا مفعولًا به، فَلا يُحتاج إلى تقديرِ مَفْعُولٍ.
ويدل على الشَّيء الَّذي يحصُلُ بالكَفِّ كاللُّقمة والحُسْوة والخُطوةِ بالضم، والحُزَّة القطعة اليسيرة من اللحم. قال القرطبيُّ: وقال بعضهم: الغرقة بالكَفّ الواحد، والغُرفة بالكفين.
وقال المبرِّدُ غَرْفَةً بالفتح مصدر يقعُ على قليل ما في يده وكثيره وبالضَّمِّ اسم ملء الكف، أو ما اغترف به، فحيثُ جعلتهما مصدرًا، فالمفعولُ محذوفٌ تقديره: إِلاَّ من اغترف ماءً، وحيثُ جعلتهما بمعنى المفعول كان مفعولًا به، فلا يحتاجُ إلى تقديره مفعولٍ ونُقِلَ عن أبي علي أَنَّهُ كان يُرَجِّح قراءة الضَّمِّ؛ لأَنَّه في قراءةِ الفتح يجعلها مصدرًا، والمصدرُ لا يوافق الفعل في بنائِهِ، إِنَّما جاءَ على حذفِ الزوائد وجعلُها بمعنى المفعول لا يحوج إلى ذلك فكان أرجح.
قوله: {بِيَدِهِ} يجوزُ أن يتعلَّق ب {اغْتَرَفَ} وهو الظَّاهر. ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه نعتٌ ل {غُرْفَة}، وهذا على قولنا: بأن غُرْفَة، بمعنى المفعول أَظْهر منه على قولنا: بأنها مَصْدَرٌ، فإنَّ الظَّاهِرَ من الباء على هذا أن تكون ظرفيَّةٌ، أي: غُرفةً كائِنَةً في يده.
قوله: {جَاوَزَهُ هُوَ والذين آمَنُواْ مَعَهُ} هو ضميرٌ مرفوعٌ منفصِلٌ مؤكِّدٌ للضّمير المستكنِّ في جَاوَزَ.
قوله: والَّذِين يحتملُ وجهين:
أظهرهما: أنه عطفٌ على الضَّمير المستكنِّ في جَاوَزَ لوجود الشَّرط، وهو توكيدُ المعطوفِ عليه بالضَّمير المنفصلِ.
والثاني: أَنْ تكُون الواوُ للحالِ، قالوا: ويلزَمُ من الحالِ أن يكونُوا جاوزوا معه، وهذا القائلُ يجعلُ {الَّذِينَ} مبتدأ، والخبرَ قالوا: {لاَ طَاقَةَ}؛ فصار المعنى: فلَمَّا جَاوَزَهُ، والحالُ أنَّ الَّذِين آمنوا قالوا هذه المقالة، والمعنى ليس عليه.
ويجوزُ إدغامُ هاء {جَاوَزَهُ} في هاء هو، ولا يُعْتدُّ بفصلِ صلةِ الهاءِ؛ لأنها ضعيفةٌ، وإِنْ كان بعضهم استضعف الإِدغام، قال: إِلاَّ أَنْ تُخْتَلَسَ الهاءُ، يعني: فلا يبقى فاصلٌ. وهي قراءة أبي عمرو، وأدغم أيضًا واوَ هو في واو العطف بخلاف عنه، فوه الإِدغام ظاهرٌ لالتقاءِ مثلين بشروطِهما. ومَنْ أظهر وهو ابن مجاهدٍ، وأصحابُهُ قال: لأَنَّ الواو إِذا أُدْغِمَت سَكَنَتْ، وإذا سكنت صَدَقَ عليها أنها واوٌ ساكنة قبلها ضمَّةٌ، فصارَت نظير: {آمَنُواْ وَكَانُواْ} [يونس: 63] فكما لا يُدغم ذاك لا يدغم هذا. وهذه العِلَّةُ فاسدةٌ لوجهين:
أحدهما: أنها ما صارَتْ مثلَ {آمنوا وكانوا} إلا بعد الإِدغام، فكيف يُقال ذلك؟ وأيضًا فإِنَّهُم أدغموا: {يَأْتِيَ يَوْمٌ} [البقرة: 254] وهو نظيرُ: {فِي يَوْمٍ} [إبراهيم: 18] و{الذى يُوَسْوِسُ} [الناس: 4] بعين ما عَلَّلوا به.
وشرطُ هذا الإِدغام في هذا الحرف عند أبي عمرو ضمُّ الهاءِ، كهذه الآية، ومثله: {هُوَ والملائكة} [آل عمران: 18] {هُوَ وَجُنُودُهُ} [القصص: 39]، فلو سكنت الهاءُ؛ امتنع الإِدغامُ نحو {وَهُوَ وَلِيُّهُمْ} [الأنعام: 127] ولو جرى فيه الخلافُ أيضًا لم يكن بعيدًا، فله أُسوة بقوله: {خُذِ العفو وَأْمُرْ} [الأعراف: 199] بل أولى لأَنَّ سكون هذا عارضٌ بخلافِ: الْعفوَ وأمر.
قوله تعالى: {والذين آمَنُواْ مَعَهُ}.
ليس المراد منه المعيّة في الإِيمان، لأنَّ إيمانهم لم يكُن مع إِيمان طَالُوت، بل المراد: أَنَّهم جاوزا النَّهر معه لأَنَّ لفظ مع لا تقتضي المعيَّة لقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْرًا} [الشرح: 5] واليسر لا يكون مع العسر.
قوله: {لاَ طَاقَةَ لَنَا اليوم} لنَا هو: خبر لا، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، ولا يجوزُ أن يتعلَّقَ بطاقة، وكذلك ما بعده من قوله: {اليَومَ} و{بِجَالُوتَ}؛ لأنه حينئذٍ يصير مُطَوَّلًا والمُطَوَّلُ ينصبُ منونًا، وهذا كما تراهُ مبنيًا على الفتح، بل {اليَوْمَ} و{بِجَالُوتَ} متعلِّقان بالاستقرار الَّذي تعلَّق به {لنَا}.
وأجاز أبو البقاء: أن يكون بِجَالُوتَ هو خبرَ لا، ولنَا حينئذٍ: إِمَّا تبيينٌ أو متعلِّقٌ بمحذوف على أَنَّه صفةٌ لطاقة.
والطَّاقةُ: القُدرةُ وعينُها واو؛ لأَنَّها مِنَ الطَّوقِ وهو القُدرةُ، وهي مصدرٌ على حذفِ الزَّوائدِ، فإِنَّها من أَطَاقَ ونظيرها: أجَابَ جابةً، وأَغَارَ غارةً، وَأَطَاعَ طَاعةً.
وجالوت اسمٌ أعجميٌّ ممنوعُ الصرفِ، لا اشتقاقَ له، وليس هو فَعَلوتًا من جال يَجُول، كما تقدَّم في طَالُوت، ومثلهما داود.
قوله: {كَم مِّن فِئَةٍ} كَمْ خبريةٌ، فإنَّ معناها التَّكثيرُ، ويدلُّ على ذلك قراءة أبي: وكَائِن، وهي للتكثير، ومحلُّها الرَّفعُ بالابتداء، و{مِنْ فِئَةٍ} تمييزُها، ومِنْ زائدةٌ فيه. وأكثرُ ما يجيءُ مميِّزها، ومميِّز كَائِن مجرورًا بمِنْ، ولهذا جاء التنزيلُ على ذلك، وقد تُحْذفُ مِنْ فيُجَرُّ مميِّزها بالإِضافة لا بمِنْ مقدرةً على الصَّحيح، وقد يُنصَبُ حَمْلًا على مُميِّز كم الاستفهامية، كما أَنَّهُ قد يُجَرُّ مميِّز الاستفهاميّةِ حَمْلًا عليها، وذلك بشروطٍ ذكرها النُّحاةُ.
قال الفرَّاء: لو ألغيت مِنْ ها هنا جاز فيه الرَّفع والنَّصبُ والخفضُ.
أَمَّا النَّصبُ فلأنّ كم بمنزلة عددٍ، فينصب ما بعدهُ نحو: عشرونَ رجلًا. وَأَمَّا الخَفْضُ، فبتقدير دخول حرف من عليه.
وأَمَّا الرَّفعُ، فعلى نيَّة الفِعْل تقديره كم غلبت فئةٌ ومِنْ مجيءِ كَائِن منصوبًا قولُ الشاعر: الخفيف:
أُطْرُدِ اليَأْسَ بالرَّجَاءِ فَكَائِنْ ** آلِمًا حُمَّ يُسْرُهُ بَعْدَ عُسْرِ

وَأَجازُوا أَنُ يكونَ مِنْ فِئَةٍ في محلِّ رفع صفةً لكم فيتعلَّق بمحذوفٍ. وغَلَبَت هذه الجملةُ هي خبرُ كم والتقديرُ: كثيرٌ من الفئاتِ القليلةِ غالبٌ الفئاتِ الكثيرةَ.
وفي اشتقاق فئة قولان:
أحدهما: أنها من فاء يَفِيء، أي: رجع فَحُذِفَتْ عينُها ووزنُها فِلَة.
والثاني: أَنَّها مِنْ فَأَوْتُ رأسَه أي: كسرتُه، فحُذِفت لامُها ووزنُها فِعَة كمئة، إِلاَّ أَنَّ لامَ مائة ياءٌ، ولامَ هذه واوٌ، والفِئَةُ: الجماعةُ من النَّاسِ قلَّت، أو كثرت، وهي جمعٌ لا واحد له من لفظه، وجمعها: فئات وفئون في الرَّفع، وفئين في النَّصب والجرِّ، ومعناها على كلٍّ من الاشتقاقين صحيحٌ، فإنَّ الجماعَةَ من النَّاسِ يَرْجِعُ بعضهم إلى بعضٍ، وهم أيضًا قطعةٌ من النَّاسِ كقطَعِ الرَّأْسِ المكسَّرة.
قوله: {بِإِذْنِ الله} فيه وجهان:
أَظهرهُمَا: أنَّه حالٌ فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، والتَّقدير: ملتبسين بتيسير الله لهم.
والثاني: أَنَّ الباءَ للتَّعْدية، ومجرورها مفعولٌ به في المعنى، ولهذا قال أبو البقاء: وإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَها مَفْعُولًا به.
وقوله: {والله مَعَ الصابرين} مبتدأٌ وخبرٌ، وتحتمِل وجهين:
أحدهما: أن يكون محلُّها النَّصْبَ على أنها من مقولهم.
والثاني: أنَّها لا محلَّ لها من الإِعراب، على أَنّها استئنافٌ أَخْبَرَ اللهُ تعالى بها. اهـ. بتصرف.