فصل: قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: إن الموصول في محل رفع، أي: يجيبون ربهم إذا دعاهم كقوله: {استجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] قال المبرد: معنى {وَيَسْتَجِيبُ الذين ءامَنُواْ}: ويستدعي الذين آمنوا الإجابة، هكذا حقيقة معنى استفعل، فالذين في موضع رفع، والأوّل أولى.
{وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ} أي: يزيدهم على ما طلبوه منه، أو على ما يستحقونه من الثواب تفضلًا منه.
وقيل: يشفعهم في إخوانهم {والكافرون لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} هذا للكافرين مقابلًا ما ذكره للمؤمنين فيما قبله.
{وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ في الأرض} أي: لو وسع الله لهم رزقهم لبغوا في الأرض لعصوا فيها، وبطروا النعمة، وتكبروا، وطلبوا ما ليس لهم طلبه.
وقيل: المعنى: لو جعلهم سواء في الرزق لما انقاد بعضهم لبعض، ولتعطلت الصنائع، والأوّل أولى. والظاهر عموم أنواع الرزق.
وقيل: هو: المطر خاصة {ولكن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاء} أي: ينزل من الرزق لعباده بتقدير على حسب مشيئته، وما تقتضيه حكمته البالغة.
{إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ} بأحوالهم {بَصِيرٌ} بما يصلحهم من توسيع الرزق، وتضييقه، فيقدر لكل أحد منهم ما يصلحه، ويكفه عن الفساد بالبغي في الأرض.
{وَهُوَ الذي يُنَزّلُ الغيث} أي: المطر الذي هو أنفع أنواع الرزق، وأعمها فائدة، وأكثرها مصلحة {مّن بَعْدِ مَا} أي: من بعد ما أيسوا عن ذلك، فيعرفون بهذا الإنزال للمطر بعد القنوط مقدار رحمته لهم، ويشكرون له ما يجب الشكر عليه {وَهُوَ الولى} للصالحين من عباده بالإحسان إليهم، وجلب المنافع لهم، ودفع الشرور عنهم {الحميد} المستحق للحمد منهم على إنعامه خصوصًا وعمومًا.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الأخرة} قال: عيش الآخرة {نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا} الآية.
قال: من يؤثر دنياه على آخرته لم يجعل الله له نصيبًا في الآخرة إلاّ النار، ولم يزدد بذلك من الدنيا شيئًا إلاّ رزقًا فرغ منه، وقسم له.
وأخرج أحمد، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وابن حبان عن أبيّ بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بشر هذه الأمة بالسناء، والرفعة، والنصر، والتمكين في الأرض ما لم يطلبوا الدنيا بعمل الآخرة، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب» وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الأخرة} الآية، ثم قال: «يقول الله: ابن آدم تفرّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسدّ فقرك، وإن لا تفعل ملأت صدرك شغلًا، ولم أسدّ فقرك» وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن عساكر عن عليّ قال: الحرث حرثان، فحرث الدنيا المال، والبنون، وحرث الآخرة الباقيات الصالحات.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه من طريق طاوس عن ابن عباس: أنه سئل عن قوله: {إِلاَّ المودة في القربى} قال سعيد بن جبير: قربى آل محمد.
قال ابن عباس: عجلت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلاّ كان له فيهم قرابة، فقال: إلاّ أن تصلوا ما بيني، وبينكم من القرابة.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عنه قال: قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أسألكم عليه أجرًا إلاّ أن تودوني في نفسي لقرابتي، وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم» وأخرج سعيد بن منصور، وابن سعد، وعبد بن حميد، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن الشعبي قال: أكثر الناس علينا في هذه الآية: {قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المودة في القربى}، فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عن ذلك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واسط النسب في قريش ليس بطن من بطونهم إلاّ، وله فيه قرابة، فقال الله: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} على ما أدعوكم إليه {إِلاَّ المودة في القربى} أن تودوني لقرابتي منكم، وتحفظوني بها.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه من طريق عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس في الآية قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة من جميع قريش، فلما كذبوه، وأبوا أن يبايعوه قال:
«يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني، فاحفظوا قرابتي فيكم، ولا يكون غيركم من العرب أولى بحفظي، ونصرتي منكم» وأخرج عبد بن حميد، وابن مردويه عنه نحوه.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عنه أيضًا نحوه.
وأخرج ابن مردويه عنه أيضًا نحوه.
وأخرج ابن مردويه عنه أيضًا من طريق أخرى نحوه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق مقسم عن ابن عباس قال: قالت الأنصار: فعلنا، وفعلنا، وكأنهم فخروا.
فقال العباس: لنا الفضل عليكم.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاهم في مجالسهم، فقال: «يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة، فأعزكم الله؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «أفلا تجيبون؟» قالوا: ما نقول يا رسول الله؟ قال: «ألا تقولون: ألم يخرجك قومك، فآويناك؟ ألم يكذّبوك، فصدّقناك؟ ألم يخذلوك، فنصرناك؟» فما زال يقول حتى جثوا على الركب، وقالوا: أموالنا، وما في أيدينا لله، ورسوله، فنزلت: {قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المودة في القربى}، وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو: ضعيف، والأولى أن الآية مكية لا مدنية، وقد أشرنا في أوّل السورة إلى قول من قال: إن هذه الآية، وما بعدها مدنية، وهذا متمسكهم.
وأخرج أبو نعيم، والديلمي من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المودة في القربى} أي: تحفظوني في أهل بيتي، وتودونهم بي» وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه.
قال السيوطي: بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية {قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المودة في القربى} قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «عليّ، وفاطمة، وولداهما» وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية بمكة، وكان المشركون يودّون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {قل} لهم يا محمد {لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} يعني: على ما أدعوكم إليه {أَجْرًا} عرضًا من الدنيا {إِلاَّ المودة في القربى} إلاّ الحفظ لي في قرابتي فيكم، فلما هاجر إلى المدينة أحبّ أن يلحقه بإخوته من الأنبياء، فقال: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الله} [سبأ: 47] يعني: ثوابه، وكرامته في الآخرة كما قال نوح:
{وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين} [الشعراء: 109]، وكما قال هود، وصالح، وشعيب لم يستثنوا أجرًا كما استثنى النبي صلى الله عليه وسلم، فردّه عليهم، وهي: منسوخة.
وأخرج أحمد، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طريق مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية: قال: «لا أسألكم على ما أتيتكم به من البينات، والهدى أجرًا إلاّ أن تودوا الله، وأن تتقرّبوا إليه بطاعته».
هذا حاصل ما روي عن حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية.
والمعنى الأوّل هو: الذي صح عنه، ورواه عنه الجمع الجمّ من تلامذته، فمن بعدهم، ولا ينافيه ما روي عنه من النسخ، فلا مانع من أن يكون قد نزل القرآن في مكة بأن يودّه كفار قريش لما بينه، وبينهم من القربى، ويحفظوه بها، ثم ينسخ ذلك، ويذهب هذا الاستثناء من أصله كما يدلّ عليه ما ذكرنا مما يدلّ على أنه لم يسأل على التبليغ أجرًا على الإطلاق، ولا يقوي ما روي من حملها على آل محمد على معارضة ما صح عن ابن عباس من تلك الطرق الكثيرة، وقد أغنى الله آل محمد عن هذا بما لهم من الفضائل الجليلة، والمزايا الجميلة، وقد بينا بعض ذلك عند تفسيرنا لقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت} [الأحزاب: 33]، وكما لا يقوي هذا على المعارضة، فكذلك لا يقوي ما روي عنه أن المراد بالمودّة في القربى: أن يودوا الله، وأن يتقرّبوا إليه بطاعته، ولكنه يشدّ من عضد هذا أنه تفسير مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده عند أحمد في المسند هكذا: حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عن ابن عباس: أن النبي... فذكره.
ورواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن مسلم بن إبراهيم، عن قزعة به.
وأخرج ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب.
قال السيوطي: بسند صحيح عن أبي هانىء الخولاني قال: سمعت عمر بن حريث، وغيره يقولون: إنما نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة {وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ في الأرض}، وذلك أنهم قالوا: لو أن لنا، فتمنوا الدنيا.
وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن عليّ مثله. اهـ.

.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {وَقُلْ آمَنتُ بِما أنزل الله مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}.
تقدمت الآيات الموضحة له في سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيَ النبيون مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُم} [البقرة: 136].
قوله تعالى: {الله الذي أَنزَلَ الكتاب بالحق والميزان}.
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه هو الذي أنزل الكتاب في حال كونه متلبسًا بالحق الذي هو ضد الباطل، وقوله: {الكتاب} اسم جنس مراد به جميع الكتب السماوية.
وقد أوضحنا في سورة الحج أن المفرد الذي هو اسم الجنس يطلق مرادًا به الجمع، وذكرنا الآيات الدالة على ذلك مع الشواهد العربية.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {والميزان} يعني أن الله جل وعلا هو الذي أنزل الميزان، والمراد به العدل والإنصاف.
وقال بعض أهل العلم: الميزان في الآية: هو آلة الوزن المعروفة.
ومما يؤيد ذلك أن الميزان مفعال، والمفعال قياسي في اسم الآلة.
وعلى التفسير الأول وهو أن الميزان العدل والإنصاف، فالميزان الذي هو آلة الوزن المعروفة داخل فيه، لأن إقامة الوزن بالقسط من العدل والإنصاف.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الله تعالى هو الذي أنزل الكتاب والميزان أوضحه في غير هذا الموضع كقوله تعالى في سورة الحديد: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط} [الحديد: 25].
فصرح تعالى بأنه أنزل مع رسله الكتاب والميزان لأجل أن يقوم الناس بالقسط، وهو العدل والإنصاف. وكقوله تعالى في سورة الرحمن {والسماء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الميزان أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الميزان وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان} [الرحمن: 7- 9].
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي والله تعالى أعلم: أن الميزان في سورة الشورى وسورة الحديد هو العدل والإنصاف، كما قاله غير واحد من المفسرين.
وأن الميزان في سورة الرحمن هو الميزان المعروف أعني آلة الوزن التي يوزن بها بعض المبيعات.
ومما يدل على ذلك أنه في سورة الشورى وسورة الحديد عبر بإنزال الميزان لا بوضعه، وقال في سورة الشورى {الله الذي أَنزَلَ الكتاب بالحق والميزان} [الشورى: 17] وقال في الحديد: {وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان} [الحديد: 25].
وأما في سورة الرحمن فقد عبر بالوضع لا الإنزال، قال: {والسماء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الميزان} [الرحمن: 7] ثم أتبع ذلك بما يدل على أن المراد به آلة الوزن المعروفة، وذلك في قوله: {وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان} [الرحمن: 9] لأن الميزان الذي نهوا عن إخساره هو أخو المكيال، كما قال تعالى: {أَوْفُواْ الكيل وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المخسرين وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشيئاءهُمْ} [الشعراء: 181- 183]. وقال تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الذين إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 1- 3]. وقال تعالى عن نبيه شعيب: {وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان} [هود: 84] الآية. وقال تعالى عنه أيضًا {قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الكيل والميزان} [الأعراف: 85] الآية. وقال تعالى في سورة الأنعام:
{وَأَوْفُواْ الكيل والميزان بالقسط لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [الأنعام: 152] وقال تعالى في سورة بني إسرائيل {وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تأويلا} [الإسراء: 35].
فإن قيل: قد اخترتم أن المراد بالميزان في سورة الشورى وسورة الحديد، هو العدل والإنصاف، وأن المراد بالميزان في سورة الرحمن هو آلة الوزن المعروفة، وذكرتم نظائر ذلك من الآيات القرآنية، وعلى هذا الذي اخترتم يشكل الفرق بين الكتاب والميزان، لأن الكتب السماوية كلها عدل وإنصاف.
فالجواب من وجهين:
الأول منهما هو ما قدمنا مرارًا من أن الشيء الواحد إذا عبر عنه بصفتين مختلفتين جاز عطفه على نفسه تنزيلًا للتغاير بين الصفات منزلة التغاير في الذوات، ومن أمثلة ذلك في القرآن قوله تعالى: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى الذي خَلَقَ فسوى والذي قَدَّرَ فهدى والذي أَخْرَجَ المرعى} [الأعلى: 1- 4] فالموصوف واحد والصفات مختلفة، وقد ساغ العطف لتغاير الصفات. ونظير ذلك من كلام العرب قول الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهما ** م وليث الكتيبة في المزدحم

وأما الوجه الثاني:
فهو ما أشار إليه العلامة ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين، من المغايرة في الجملة بين الكتاب والميزان.
وإيضاح ذلك: أن المراد بالكتاب هو العدل والإنصاف المصرح به في الكتب السماوية.
وأما الميزان: فيصدق بالعدل والإنصاف الذي لم يصرح به في الكتب السماوية، ولكنه معلوم مما صرح به فيها.