فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وبهذا تعلم أن ليس بين قوله هنا {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} وبين قوله آنفًا {وإذا ما غضِبوا هم يغفرون} [الشورى: 37] تعارضٌ لاختلاف المقامين كما علمت آنفًا.
وعن إبراهيم النَّخعي: كان المؤمنون يكرهون أن يُستذلّوا وكانوا إذا قدَروا عفَوا.
وأدخل ضمير الفصل بقوله: {هم ينتصرون} الذي فصل بين الموصول وبين خبره لإفادة تقوّي الخبر، أي لا ينبغي أن يترددوا في الانتصار لأنفسهم.
وأوثر الخبر الفعلي هنا دون أن يقال: منتصرون، لإفادة معنى تجدد الانتصار كلما أصابهم البغي.
وأما مجيء الفعل مضارعًا فلأن المضارع هو الذي يجيء معه ضمير الفصل. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

وقوله تعالى: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض}.
قال عمرو بن حريث وغيره إنها نزلت لأن قومًا من أهل الصفة طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغنيهم الله ويبسط لهم الأموال والأرزاق، فأعلمهم الله تعالى أنه لو جاء الرزق على اختيار البشر واقتراحهم لكان سبب بغيهم وإفسادهم، ولكنه تعالى أعلم بالمصلحة في كل أحد، وله بعبيده خبرة وبصر بأخلاقهم ومصالحهم، فهو ينزل لهم من الرزق القدر الذي به صلاحهم، فرب إنسان لا يصلح وتكتف عاديته إلا بالفقر وآخر بالغنى. وروى أنس بن مالك في هذا المعنى التقسم حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال أنس: اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى، فلا تفقرني. وقال خباب بن الأرتّ: فينا نزلت: {ولو بسط الله الرزق} الآية، لأنا نظرنا إلى أموال بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع فتمنيناها فنزلت الآية.
{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)}.
هذه تعديد نعمة الله تعالى الدالة على وحدانيته، وأنه الإله الذي يستحق أن يعبد دون سواه من الأنداد.
وقرأ {يُنَزِّل} مثقلة جمهور القراء، وقرأها {يُنْزِل} مخففة ابن وثاب والأعمش، ورويت عن أبي عمرو، ورجحها أبو حاتم، وقرأ جمهور الناس: {قنَطوا} بفتح النون، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش: بكسر النون، وقد تقدم ذكرها وهما لغتان: قنَط، وقنِط، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل له: أجدبت الأرض وقنط الناس، فقال: مطروا إذًا، بمعنى أن الفرج عند الشدة، واختلف المتأولون في قوله تعالى: {وينشر رحمته} فقالت فرقة: أراد بالرحمة المطر، وعدد النعمة بعينها بلفظتين: الثاني منهما يؤكد الأول. وقالت فرقة: الرحمة في هذا الموضع الشمس، فذلك تعديد نعمة غير الأولى، وذلك أن المطر إذا ألم بعد القنط حسن موقعه، فإذا دام سئم، فتجيء الشمس بعده عظيمة الموضع.
وقوله تعالى: {وهو الولي الحميد} أي من هذه أفعاله فهو الذي ينفع إذا والى وتحمد أفعاله ونعمه، لا كالذي لا يضر ولا ينفع من أوثانكم. ثم ذكر تعالى الآية الكبرى، الصنعة الدالة على الصانع، وذلك {خلق السماوات والأرض}.
وقوله تعالى: {وما بث فيهما} يتخرج على وجوه، منها أن يريد إحداهما فيذكر الاثنين كما قال: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} [الرحمن: 22] وذلك إنما يخرج من الملح وحده، ومنها أن يكون تعالى قد خلق السماوات وبث دواب لا نعلمها نحن، ومنها أن يريد الحيوانات التي توجد في السحاب، وقد يقع أحيانًا كالضفادع ونحوها، فإن السحاب داخل في اسم السماء. وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال في تفسير: {وما بث فيهما من دابة} هم الناس والملائكة، وبعيد غير جار على عرف اللغة أن تقع الدابة على الملائكة.
وقوله تعالى: {وهو على جمعهم} يريد القيامة عند الحشر من القبور وقوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة} قرأ جمهور القراء: {فبما} بفاء، وكذلك هي في جل المصاحف. وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر وشيبة: {بما} دون فاء. وحكى الزجاج أن أبا جعفر وحده من المدنيين أثبت الفاء. قال أبو علي الفارسي: {أصاب}، من قوله: {وما أصاب} يحتمل أن يكون في موضع جزم، وتكون {ما} شرطية، وعلى هذا لا يجوز حذف الفاء عند سيبويه، وجوز حذفها أبو الحسن الأخفش وبعض البغداديين على أنها مرادة في المعنى، ويحتمل أن يكون {أصاب} صلة لما، وتكون {ما} بمعنى الذي، وعلى هذا يتجه حذف الفاء وثبوتها، لكن معنى الكلام مع ثبوتها التلازم، أي لولا كسبكم ما أصابتكم مصيبة، والمصيبة إنما هي بسبب كسب الأيدي، ومعنى الكلام مع حذفها يجوز أن يكون التلازم، ويجوز أن يعرى منه، وأما في هذه الآية فالتلازم مطرد مع الثبوت والحذف.
وأما معنى الآية فاختلف الناس فيه، فقالت فرقة: هي إخبار من الله تعالى بأن الرزايا والمصائب في الدنيا إنما هي مجازاة من الله تعالى على ذنوب المرء وخطاياه، وأن الله تعالى يعفو عن كثير فلا يعاقب عليه بمصيبة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو عنه أكثر» وقال عمران بن حصين وقد سئل عن مرضه إن أحبه إلي أحبه إلى الله، وهذا بما كسبت يداي، وعفو ربي كثير. وقال مرة الهمداني: رأيت على ظهر كف شريح قرحة فقلت ما هذا؟ قال هذا بما كسبت يدي {ويعفو عن كثير}، وقيل لأبي سليمان الداراني: ما بال الفضلاء لا يلومون من أساء إليهم؟ فقال لأنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي ابتلاهم بذنوبهم. وروي عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله أكرم من أن يثني على عبده العقوبة إذا أصابته في الدنيا بما كسبت يداه». وقال الحسن بن أبي الحسن، معنى الآية في الحدود: أي ما أصابكم من حد من حدود الله، وتلك مصائب تنزل بشخص الإنسان ونفسه، فإنما هي بكسب أيديكم {ويعفو عن كثير}، فستره على العبد حتى لا يحد عليه. ثم أخبر عن قصور ابن آدم وضعفه وأنه في قبضة القدرة، لا يعجز طلب ربه، ولا يمكنه الفرار منه و{الجواري} جمع جارية، وهي السفينة.
وقرأ: {الجواري} بالياء نافع وعاصم وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة، ومنهم من أثبتها في الوصل ووقف على الراء. وقرأ أيضًا عاصم بحذف الياء في وصل ووقف. وقال أبو حاتم: نحن نثبتها في كل حال.
و: {الأعلام} الجبال، ومنه قول الخنساء: البسيط:
وإن صخرًا لتأتم الهداة به ** كأنه علم في رأسه نار

ومنه المثل: إذا قطعن علمًا بدا علم فجري السفن في الماء آية عظيمة، وتسخير الريح لذلك نعمة منه تعالى، وهو تعالى لو شاء أن يديم سكون الريح عنها لركدت أي أقامت وقرت ولم يتم منها غرض.
وقرأ أبو عمرو وعاصم {الريح} واحدة.
وقرأ: {الرياح} نافع وابن كثير والحسن.
وقرأ الجمهور: {فيظلَلن} بفتح اللام. وقرأ قتادة: {فيظلِلن} بكسر اللام.
وباقي الآية فيه الموعظة وتشريف الصبار الشكور بالتخصيص، والصبر والشكر فيهما الخير كله، ولا يكونان إلا في عالم.
{أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)}.
أوبقت الرجل إذا أنشبته في أمر يهلك فيه، فالإيباق في السفن هو تغريقها، والضمير في: {كسبوا} هو لركابها من البشر، أي بذنوب البشر. ثم ذكر تعالى ثانية: {ويعف عن كثير} مبالغة وإيضاحًا.
وقرأ نافع وابن عامر والأعرج وأبو جعفر وشيبة: {ويعلمُ} بالرفع على القطع والاستئناف، وحسن ذلك إذا جاء بعد الجزاء. وقرأ الباقون والجمهور: {ويعلمَ} بالنصب على تقدير: أن، وهذه الواو نحو التي يسميها الكوفيون واو الصرف، لأن حقيقة واو الصرف هي التي يريد بها عطف فعل على اسم، فيقدر أن لتكون مع الفعل بتأويل المصدر فيحسن عطفه على اسم، وذلك نحو قول الشاعر: الطويل:
تقضي لبانات ويسأم سائم

فكأنه أراد: وسآمة سائم، فقدر: وأن يسأم لتكون ذلك بتأويل المصدر الذي هو سآمة قال أبو علي: حسن النصب إذ كان قبله شرط وجزاء، وكل واحد منهما غير واجب وقوله تعالى: {ما لهم من محيص} هو معلموهم الذي أراد أن يعلمه المجادلون في آياته عز وجل. والمحيص: المنجي وموضوع الروغان، يقال حاص إذا راغ، وفي حديث هرقل: فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، ثم وعظ تعالى عباده وحقر عندهم أمر الدنيا وشأنها ورغبهم فيما عنده من نعيمهم والمنزلة الرفيعة لديه، وعظم قدر ذلك في قوله: {فما أوتيتم} الآية.
وقوله: {والذين يجتنبون} عطف على قوله: {الذين آمنوا}. وقرأ جمهور الناس: {كبائر} على الجمع. قال الحسن: هي كل ما توعد فيه بالنار. وقال الضحاك: أو كان فيه حد من الحدود. وقال ابن مسعود: الكبائر من أول سورة النساء إلى رأس ثلاثين آية. وقال علي وابن عباس: هي كل ما ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم: {كبير} على الإفراد الذي هو اسم الجنس. وقال ابن عباس: كبير الإثم: هو الشرك.
{والفواحش} قال السدي: الزنا. وقال مقاتل: موجبات الحدود، ويحتمل أن يكون كبير اسم جنس بمعنى كبائر، فتدخل موبقات السبع على ما قد تفسر من أمرها في غير هذه.
وقوله تعالى: {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} حض على كسر الغضب والتدرب في إطفائه، إذ هو جمهرة من جهنم وباب من أبوابها، «وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، قال: زدني، قال: لا تغضب. قال: زدني: قال: لا تغضب ومن جاهد هذا العارض من نفسه حتى غلبه فقد كفي همًا عظيمًا في دنياه وآخرته».
وقوله تعالى: {والذين استجابوا} مدح لكل من آمن بالله وقبل شرعه، ومدح تعالى القوم الذين أمرهم شورى بينهم، لأن في ذلك اجتماع الكلمة والتحاب واتصال الأيدي والتعاضد على الخير، وفي الحديث: «ما تشاور قوم إلا هدوا لأحسن ما بحضرتهم».
وقوله: {ومما رزقناهم ينفقون} معناه في سبيل الله وبرسم الشرع وعلى حدوده، وفي القوام الذي مدحه تعالى في غير هذه الآية. وقال ابن زيد قوله تعالى: {والذين استجابوا لربهم} الآية نزلت في الأنصار، والظاهر أن الله تعالى مدح كل من اتصف بهذه الصفة كائنًا من كان، وهل حصل الأنصار في هذه الصفة إلا بعد سبق المهاجرين لها رضي الله تعالى عن جميعهم بمنه.
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)}.
مدح الله تعالى في هذه الآية قومًا بالانتصار من البغي، ورجح ذلك قوم من العلماء وقالوا: الانتصار بالواجب تغيير منكر، ومن لم ينتصر مع إمكان الانتصار فقد ترك تغيير المنكر واختلف الناس في المراد بالآية بعد اتفاقهم على أن من بغي عليه وظلم فجائز له أن ينتصر بيد الحق وحاكم المسلمين، فقال مقاتل: الآية في المجروح ينتصف من الجارح بالقصاص. وقالت فرقة: إنها نزلت في بغي المشرك على المؤمن، فأباح الله لهم الانتصار منهم دون تعدٍّ، وجعل العفو والإصلاح مقرونًا بأجر، ثم نسخ ذلك بآية السيف، وقالت هذه الفرقة وهي الجمهور؛ إن المؤمن إذا بغى على مؤمن وظلمه، فلا يجوز للآخر أن ينتصف منه بنفسه ويجازيه على ظلمه، مثال ذلك: أن يخون الإنسان آخر ثم يتمكن الإنسان من خيانته، فمذهب مالك رحمه الله أن لا يفعل، وهو مذهب جماعة عظيمة معه، ولم يروا هذه الآية من هذا المعنى، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك». وهذا القول أنزه وأقرب إلى الله تعالى. وقالت طائفة من أهل العلم: هذه الآية عامة في المشركين والمؤمنين، ومن بغي عليه وظلم فجائز له أن ينتصف لنفسه ويخون من خانه في المال حتى ينتصر منه، وقالوا إن الحديث: «ولا تخن من خانك»، إنما هو في رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يزني بحرمة من زنا بحرمته؟ فقال له النبي عليه السلام: «ذلك يريد به الزنا»، وكذلك ورد الحديث في معنى الزنا، ذكر ذلك الرواة، أما أن عمومه ينسحب في كل شيء. اهـ.

.تفسير الآيات (40- 43):

قوله تعالى: {وَجَزاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان الإذن في الانتصار في هذا السياق المادح مرغبًا فيه مع ما للنفس من الداعية إليه، زجر عنه لمن كان له قلب أولًا بكفها عن الاسترسال فيه وردها على حد المماثلة، وثانيًا بتسميته سيئة وإن كان على طريق المشاكلة، وثالثًا بالندب إلى العفو، فصار المحمود منه إنما هو ما كان لإعلاء كلمة الله لا شائبة فيه للنفس أصلًا فقال: {وجزاء سيئة} أي أي سيئة كانت {سيئة مثلها} أي لا تزيد عليها في عين ولا معنى أصلًا، وقد كفلت هذه الجمل بالدعاء إلى أمهات الفضائل الثلاث العلم والعفة والشجاعة على أحسن الوجوه، فالمدح بالاستجابة والصلاة دعاء إلى العلم، وبالنفقة إلى العفة، وبالانتصار إلى الشجاعة، حتى لا يظن ظان أن إذعانهم لما مضى مجرد ذل، والقصر على المماثلة دعاء إلى فضيلة التقسيط بين الكل وهي العدل، وهذه الأخيرة كافلة بالفضائل الثلاث، فإن من علم المماثلة كان عالمًا، ومن قصد الوقوف عندها كان عفيفًا، ومن قصر نفسه على ذلك كان شجاعًا، وقد ظهر من المدح بالانتصار بعد المدح بالغفران أن الأول للعاجز والثاني للمتغلب المتكبر بدليل البغي.
ولما كان شرط المماثلة نادبًا بعد شرع العدل الذي هو القصاص إلى العفو الذي هو الفصل لأن تحقق المثلية من العبد الملزوم للعجز لا يكاد يوجد، سبب عنه قوله: {فمن عفا} أي بإسقاط حقه كله أو بالنقص عنه لتتحقق البراءة مما حرم من المجاوزة {وأصلح} أي أوقع الإصلاح بين الناس بالعفو والإصلاح لنفسه ليصلح الله ما بينه وبين الناس، فيكون بذلك منتصرًا من نفسه لنفسه {فأجره على الله} أي المحيط بجميع صفات الكمال فهو يعطيه على حسب ما يقتضيه مفهوم هذا الاسم الأعظم، وهذا سر لفت الكلام إليه عن مظهر العظمة وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا».
ولما كان هذا ندبًا إلى العفو بعد المدح بالانتصار، بين أن علته كراهة أن يوضع شيء في غير محله لأنه لا يعلم المماثلة في ذلك إلا الله، فقال مضمرًا إشارة إلى أن المثلية من الغيب الخفي مؤكدًا لكف النفس لما لها من عظم الاسترسال في الانتصار: {إنه لا يحب الظالمين} أي لا يكرم الواضعين للشيء في غير محله دأب من يمشي في مأخذ الاشتقاق إذا كان عريقًا في ذلك سواء كان ابتداء أو مجاوزة في الانتقام بأخذ الثأر.
ولما كان هذا سادًا لباب الانتصار لما يشعر به من أنه ظلم على كل، قال مؤكدًا نفيًا لهذا الإشعار: {ولمن انتصر} أي سعى في نصر نفسه بجهده {بعد ظلمه} أي بعد ظلم الغير له وليس قاصد البعد عن حقه ولو استغرق انتصاره جميع زمان البعد.