فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجه الأول: أن لا يُحلّ ما حرم الله فيكون كالتبديل لحكم الله.
ووجه الثاني: أنه حقه فله أن يسقطه.
ووجه الثالث: أن الرجل إذا غُلِب على حقكَ فمن الرفق به أن تحلله، وإن كان ظالمًا فمن الحق أن لا تتركه لئلا يغْتَرّ الظَّلَمة ويسترسلوا في أفعالهم القبيحة.
وذكَر حديث مسلم عن عُبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي لطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار قبْل أن يهلكوا فكان أول من لقينا أبو اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبي: أرى في وجهك سنعة من غضب فقال: أجَل كان لي على فلان دين، فأتيت أهله وقلت: أثَمّ هو؟ قالوا: لا فخرج ابن له فقلت له: أين أبوك؟ فقال سمع صوتك فدخل أريكة أمي فقلتُ: اخرجْ إليَّ، فخرج فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال: خشيت والله أن أحدثك فأكذبك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنتُ والله معسرًا قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده، قال: إن وجدت قضاء فاقض وإلاّ فأنت في حلّ.
{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)}.
يجوز أن تكون عطفًا على جملة {فمن عفا وأصلح} [الشورى: 40] فيكون عذرًا للذين لم يعفوا، ويجوز أنها عطف على جملة {هم ينتصرون} [الشورى: 39] وما بين ذلك اعتراض كما علمت، فالجملة: إمّا مرتبطة بغرض انتصار المسلم على ظالمه من المسلمين تكملة لجملة {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40]، وإمّا مرتبطة بغرض انتصار المؤمنين من بغْي المشركين عليهم، وهو الانتصار بالدفاع سواء كان دفاع جماعات وهو الحرب فيكون هذا تمهيدًا للإذن بالقتال الذي شُرع من بعد، أم دفاعَ الآحاد أن تمكنوا منه فقد صار المسلمون بمكة يومئذٍ ذوي قوة يستطيعون بها الدفع عن أنفسهم آحادًا كما قيل في عزّ الإسلام بإسلام عمر بن الخطاب.
واللام في {ولمن انتصر} موطئة للقسم، و(مَن) شرطية، أو اللام لام ابتداء و(من) موصولة.
وإضافة {ظلمه} من إضافة المصدر إلى مفعوله، أي بعد كَونه مظلومًا.
ومعنى {بعد ظلمه} التنبيه على أن هذا الانتصار بعد أن تحقق أنهم ظُلموا: فإمّا في غير الحروب فمن يتوقع أن أحدًا سيعتدي عليه ليس له أن يبادر أحدًا بأذى قبل أن يشرعَ في الاعتداء عليه ويقول: ظننت أنه يعتدي عليَّ فبادرتُه بالأذى اتقاء لاعتدائه المتوقع، لأن مثل هذا يثير التهارج والفساد، فنبه الله المسلمين على تجنبه مع عدوِّهم إن لم تكن بينهم حرب.
وأما حال المسلمين بعضهم مع بعض فليس من غرض الآية، فلو أن أحدًا ساوره أحد ببادىء عَمل من البغي فهو مرخّص له أن يدافعه عن إيصال بغيه إليه قبل أن يتمكن منه ولا يمهله حتى يوقع به ما عسى أن لا يتداركه فاعلُه من بعد، وذلك مما يرجع إلى قاعدة أن ما قارب الشيء يُعطَى حكم حصوله، أي مع غلبة ظنه بسبب ظهور بوادره، وهو ما قال فيه الفقهاء: (يجوز دفع صائل بما أمكن).
ومحل هذه الرخصة هو الحالات التي يتوقع فيها حصول الضرّ حصولًا يتعذر أو يعسر رفعه وتداركه.
ومعلوم أن محلها هو الحالة التي لم يفت فيها فعل البغي، فأما إن فات فإن حق الجزاء عليه يكون بالرفع للحاكم ولا يتولى المظلوم الانتصاف بنفسه، وليس ذلك مما شملته هذه الآية ولكنه مستقرى من تصاريف الشريعة ومقاصدها ففرضناه هنا لمجرد بيان مقصد الآية لا لبيان معناها.
والمراد بالسبيل موجب المؤاخذة بالّلائمة بين القبائل واللمزِ بالعُدوان والتبعة في الآخرة على الفساد في الأرض بقتل المسالمين، سُمي بذلك سبيلًا على وجه الاستعارة لأنه أشبه الطريقَ في إيصاله إلى المطلوب، وكثر إطلاق ذلك حتى ساوى الحقيقة.
والفاء في قوله: {فأولئك ما عليهم من سبيل} فاء جواب الشرط فإن جعلتَ لام {لمن انتصر} لام الابتداء فهو ظاهر، وإن جعلت اللام موطئة للقسم كان اقتران ما بعدها بفاء الجواب ترجيحًا للشرط على القسَم عند اجتماعهما، والأعرفُ أن يرجّح الأول منهما فيعطى جوابَه ويحذف جواب الثاني، وقد يقال: إن ذلك في القسَم الصريح دون القسم المدلول باللام الموطئة.
وجيء باسم الإشارة في صدر جواب الشرط لتمييز الفريق المذكور أتمَّ تمييز، وللتنبيه على أن سبب عدم مؤاخذتهم هو أنهم انتصروا بعد أن ظُلموا ولم يبدأوا الناس بالبغي.
{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)}.
استئناف بياني فإنه لما جرى الكلام السابق كله على الإذن للذين بُغِي عليهم أن ينتصروا ممن بغَوا عليهم ثم عقب بأن أولئك ما عليهم من سبيل كان ذلك مثار سؤالِ سائِلٍ عن الجانب الذي يقع عليه السبيل المنفي عن هؤلاء.
والقصر المفاد ب {إنما} تأكيد لمضمون جملة {فأولئك ما عليهم من سبيل} [الشورى: 41] لأنه كان يكفي لإفادة معنى القصر أن يقابل نفيُ السبيل عن الذين انتصروا بعد ظلمهم بإثبات أنّ السبيل على الظالمين، لأن إثبات الشيء لأحد ونفيه عمن سواه يفيد معنى القصر وهو الأصل في إفادة القصر بطريق المساواة أو الإطناب كقول آلسّمَؤْأل أو غيره:
تَسيل على حدّ الظُّبات نفوسنا ** وليستْ على غير الظبات تسيلُ

وأما طرق القصر المعروفة في علم المعاني فهي من الإيجاز، فلما أوردت أداة القصر هُنَا حصل نفي السبيل عن غيرهم مرةً أخرى بمفاد القصر فتأكد حصوله الأولُ الذي حصل بالنفي، ونظيرُه قوله تعالى: {ما على المُحسنين من سبيل} إلى قوله: {إنَّما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء} في سورة براءة (93).
والمراد (بالسبيل) عين المراد به في قوله: {فأولئك ما عليهم من سبيل} [الشورى: 41] بقرينة أنه أعيد معرَّفا باللام بعد أن ذُكر منكَّرًا فإن إعادة اللفظ النكرة معرّفًا بلام التعريف يفيد أن المراد به ما ذكر أولًا.
وهذا السبيل الجزاء والتبعة في الدنيا والآخرة.
وشمل عموم {الذين يظلمون}، وعمومُ {الناس} كلَّ ظالم، وبمقدار ظلمه يكون جزاؤه.
ويدخل ابتداء فيه الظالمون المتحدَّث عنهم وهم مشركو أهل مكة، والناسُ المتحدث عنهم وهم المسلمون يومئذٍ.
والبغي في الأرض: الاعتداء على ما وضعه الله في الأرض من الحق الشامل لمنافع الأرض التي خلقت للناس، مثل تحجير الزرع والأنعاممِ المحكِي في قوله تعالى: {وقالوا هذه أنعام وحَرْث حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إلا مَن نَشاء بزعمهم} [الأنعام: 138]، ومثل تسييب السائبة وتبحير البَحيرة، والشامل لمخالفة ما سنّه الله في فطرة البشر من الأحوال القويمة مثل العدل وحسن المعاشرة، فالبغْيُ عليها بمثل الكبرياء والصلف وتحقير الناسِ المؤمنين وطردِهم عن مجامع القوْم بغيٌ في الأرض بغير الحق.
و{الأرض}: أرض مكة، أو جميع الكرة الأرضية وهو الأليق بعموم الآية، كما قال تعالى: {وإذا تولى سعَى في الأرض ليفسد فيها} [البقرة: 205] وقال: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} [الأعراف: 85]، فكل فساد وظلم يقع في جزء من الأرض فهو بغي مظروف في الأرض.
و{بغير الحق} متعلق ب {يبغون} وهو لكشف حالة البغي لإفادة مذمته إذ لا يكون البغي إلاّ بغيرِ الحق فإن مسمى البغي هو الاعتداء على الحق، وأما الاعتداء على المبطل لأجل باطله فلا يسمى بغيًا ويُسمّى اعتداء قال تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194]، ويقال: استعدَى فلان الحاكمَ على خصمه، أي طلب منه الحكم عليه.
وجملة {أولئك لهم عذاب أليم} بيان جملة {إنما السبيل على الذين يظلمون} إن أريد ب {السبيل} في قوله: {ما عليهم من سبيل} [الشورى: 41] سبيل العقاب في الآخرة، أو بدل اشتمال منها إن أريد بالسبيل هنالك ما يشمل الملام في الدنيا، أي السبيل الذي عليهم هو أن لهم عذابًا أليمًا جزاء ظلمهم وبغيهم.
وحكم هذه الآية يشمل ظُلم المشركين للمسلمين ويشمل ظلم المسلمين بعضهم بعضًا ليتناسب مضمونها مع جميع ما سبق.
وجيء باسم الإشارة للتنبيه على أنهم أحرياء بما يذكر بعد اسم الإشارة لأجل ما ذكر قبله مع تمييزهم أكمل تمييز بهذا الوعيد.
{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)}.
عطف على جملة {ولَمَن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} [الشورى: 41]، وموقع هذه الجملة موقع الاعتراض بين جملة {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} [الشورى: 42] وجملة ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده [الشورى: 44].
وهذه الجملة تفيد بيان مزية المؤمنين الذي تحملوا الأذى من المشركين وصبَروا عليه ولم يؤاخذوا به من آمن ممن آذوهم مثل أختِ عمر بن الخطاب قبل إسلامه، ومثل صهره سعيد بن زيد فقد قال لقد رأيتُني وأن عُمر لمُوثقِي على الإسلام قبل أن يسلم عُمر، فكان في صبْر سعيدٍ خير دخل به عمر في الإسلام، ومزية المؤمنين الذين يصبرون على ظلم إخوانهم ويغفرون لهم فلا ينتصفون منهم ولا يستَعْدون عليهم على نحو ما تقدم في مسألة التحلل عند قوله تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40].
واللام الداخلة على (مَن) لاَم ابتداء و(مَن) موصولة.
وجملة {إن ذلك لمن عزم الأمور} خبر عن (مَن) الموصولة، ولام {لمن عزم الأمور} لام الابتداء التي تدخل على خبر {إنَّ} وهي من لامات الابتداء.
وقد اشتمل هذا الخبر على أربعة مؤكدات هي: اللام، وإنَّ، ولام الابتداء، والوصف بالمصدر في قوله: {عزم الأمور} تنويهًا بمضمونه، وزيد تنويهًا باسم الإشارة في قوله: {إن ذلك} فصار فيه خمسة اهتمامات.
والعزم: عقد النية على العمل والثباتُ على ذلك والوصف بالعزم مشعر بمدح الموصوف لأن شأن الفضائل أن يكون عملها عسيرًا على النفوس لأنها تعاكس الشهوات، ومن ثَمَّ وصف أفضل الرسل بأولي العزم.
و{الأمور}: جمع أمر.
والمراد به هنا: الخِلال والصفات وإضافة {عزم} إلى {الأمور} من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي من الأمور العَزم.
ووصف {الأمور} بـ (العزم) من الوصف بالمصدر للمبالغة في تحقق المعنى فيها، وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، أي الأمور العامة العازم أصحابها مجازًا عقليا.
والإشارة ب {ذلك} إلى الصبر والغفران المأخوذين من {صبر وغفر} والمتحمليْن لضمير (مَن) الموصولة فيكون صوغ المصدر مناسبًا لما معه من ضمير، والتقدير: إنَّ صبْره وغَفْرَه لَمِن عزم الأمور.
وهذا ترغيب في العفو والصبر على الأذى وذلك بين الأمة الإسلامية ظاهر، وأما مع الكافرين فتعتريه أحوال تختلف بها أحكام الغفران، وملاكها أن تترجّح المصلحة في العفو أو في المؤاخذة. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ في الأرض}.
لتكبَّرُوا وأفسدُوا فيَها بَطَرًا أو لعَلاَ بعضُهم على بعضٍ بالاستيلاء والاستعلاء، كمَا عليهِ الجِبلَّةُ البشريةُ. وأصلُ البَغِي طلب تجاوز الاقتصادِ فيَما يُتحرَّى من حيثُ الكميَّةُ أو الكيفيَّةُ {ولكن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ} أي بتقديرٍ {مَا يَشَاء} أنْ ينزلَهُ مما تقتضيه مشيئتُه {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ} محيطٌ بخفايا أمورهم وجلايَاها فيقدرُ لكلِّ واحدٍ منهُم في كلِّ وقتٍ من أوقاتِهم ما يليقُ بشأنِهم فيفقرُ ويُغِني ويمنعُ ويُعطِي ويَقْبِض ويبسُط حسبما تقتضيهِ الحكمةُ الربَّانيةُ. ولو أغناهُم جميعًا لبغَوا ولو أفقرهُم لهلكُوا. ورُويَ أنَّ أهلَ الصُّفَّةِ تمنَّوا الغِنَى فنزلتْ وقيل: نزلتْ في العرب كانُوا إذا أخصبوا تحاربُوا وإذا أجدبوا انتجعوا.
{وَهُوَ الذي يُنَزّلُ الغيث} أي المطرَ الذي يغيثُهم من الجدب ولذلك خُصَّ بالنافعِ منه. وقرئ {يُنزل} من الانزال {مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ} يئسوا منه وتقييدُ تنزيلِه بذلكَ مع تحققه بدونه أيضًا لتذكر كمالِ النعمةِ. وقرئ بكسر النون {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} أيْ بركاتِ الغيثِ ومنافعَهُ في كلِّ شيء من السهلِ والجبلِ والنباتِ والحيوانِ، أو رحمتَهُ الواسعةَ المنتظمةَ لَما ذُكِرَ انتظامًا أوليًا {وَهُوَ الولى} الذي يتولَّى عبادَهُ بالإحسان ونشرِ الرحمة {الحميد} المستحقُ للحمدِ على ذلك لا غيرُهُ.
{وَمِنْ ءاياته خَلْقُ السماوات والأرض} على ما هُما عليهِ من تعاجيب الصنائع فإنَّها بذاتها وصفاتِها تدلُّ على شؤونه العظيمةِ {وَمَا بَثَّ فِيهِمَا} عطفٌ على السماوات أو الخلق {مِن دَابَّةٍ} من حَيَ، على إطلاقِ اسمِ المُسبَّبِ على السببِ أو ممَّا يدبُّ على الأرضِ فإنَّ ما يختصُّ بأحد الشيئين المتجاورين يصحُّ نسبتُه إليهما كَما في قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} وإنما يخرجُ من المِلحِ. وقد جُوِّز أنْ يكونَ للملائكة عليهم السَّلامُ مشيٌ مع الطيرانِ فيوصفُوا بالدبيب وأن يخلقَ الله في السماء حيوانًا يمشُونَ فيها مشيَ الأنَاسيِّ على الأرض كما ينبىء عنْهُ قوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وقد رُويَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «فوقَ السماء السابعةِ بحرٌ من أسفله وأعلاهُ كَما بينَ السماء والأرضِ ثمَّ فوقَ ذلكَ ثمانيةُ أوعالٍ بين رُكَبهن وأظلافهنَّ كما بينَ السماء والأرضِ ثم فوقَ ذلكَ العرشُ العظيمُ».
{وَهُوَ على جَمْعِهِمْ} أي حشرِهم بعدَ البعثِ للمحاسبةِ.
وقوله تعالى: {إِذَا يَشَاء} متعلقٌ بما قبلَهُ لا بقوله تعالى: {قَدِيرٌ} فإنَّ المقيدَ بالمشيئةِ جمعُه تعالى لا قدرتُه، وإذَا عندَ كونِها بمَعْنى الوقتِ كَما تدخلُ الماضِي تدخلُ المضارعَ.
{وَمَا أصابكم مّن مُّصِيبَةٍ} أيُّ مصيبةٍ كانتْ {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} أي فهيَ بسببِ معاصيكُم التي اكتسبتمُوها. والفاء لأنَّ ما شرطيةٌ أو متضمنةٌ لمَعْنى الشرطِ. وقرئ بدونِها اكتفاء بما في الباء من مَعْنى السببيةِ.
{وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} من الذنوبِ فلا يعاقبُ عليها. والآية مخصوصةٌ بالمجرمينَ فإنَّ ما أصابَ غيرَهُم لأسبابٍ أُخرى منها تعريضُه للثوابِ بالصبرِ عليهِ {وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ في الأرض} فائتينَ ما قُضِيَ عليكُم من المصائبِ وإن هربتُم من أقطارِها كلَّ مهربٍ.
{وَمَا لَكُم مّن دُونِ الله مِن وَلِيّ} يحميكُم منَها {وَلاَ نَصِيرٍ} يدفعُها عنكُم.
{وَمِنْ ءاياته الجوار} السفنُ الجاريةُ {فِى البحر} وقرئ {الجَوَارِي} {كالأعلام} أي كالجبالِ على الإطلاقِ لا التي عليها النارُ للاهتداء خاصَّة.
{إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الريح} التي تُجريَها. وقرئ {الرياحَ}.
{فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ} فيبقينَ ثوابتَ على ظهرِ البحرِ أي غيرَ جارياتٍ لا غيرَ متحركاتٍ أصلًا.