فصل: قال أبو حيان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



و{مِن} زائدة في النفي لتأكيد نفي الولي لهم.
وقوله: {من دون الله} صفة ثانية ل {أولياء} وهي صفة كاشفة.
و{من} زائدة لتأكيد تعلق ظرف {دُون} بالفعل.
{الله وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن}.
تذييل لجملة {وما كان لهم من أولياء ينصرونهم}، وتقدم آنفًا الكلام على نظيره وهو {من يضلل الله فما له من وليّ من بعده} و{سبيل} نكرةُ في سياق النفي فيعم كل سبيل مخلص من الضلال ومن آثاره والمقصود هنا ابتداء هو سبيل الفرار من العذاب المقيم كما يقتضيه السياق.
وبذلك لم يكن ما هنا تأكيدًا لما تقدم من قوله: {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده}. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كالأعلام (32)}.
لما ذكر تعالى من دلائل وحدانيته أنواعًا، ذكر بعدها العالم الأكبر، وهو السماوات والأرض؛ ثم العالم الأصغر، وهو الحيوان.
ثم اتبعه بذكر المعاد، أتبعه بذكر السفن الجارية في البحر، لما فيها من عظيم دلائل القدرة، من جهة أن الماء جسم لطيف شفاف يغوص فيه الثقيل، والسفن تشخص بالأجسام الثقيلة الكثيفة، ومع ذلك جعل تعالى للماء قوة يحملها بها ويمنع من الغوص.
ثم جعل الرياح سببًا لسيرها. فإذا أراد أن ترسو، أسكن الريح، فلا تبرح عن مكانها.
و{الجواري}: جمع جارية، وأصله السفن الجواري، حذف الموصوف وقامت صفته مقامه، وحسن ذلك قوله: {في البحر}، فدل ذلك على أنها صفة للسفن، وإلا فهي صفة غير مختصة، فكان القياس أن لا يحذف الموصوف ويقوم مقامه.
ويمكن أن يقال: إنها صفة غالبة، كالأبطح، فجاز أن تلي العوامل بغير ذكر الموصوف.
وقرىء: {الجواري} بالياء ودونها، وسمع من العرب الأعراب في الراء، وفي البحر متعلق بالجواري، و{كالأعلام} في موضع الحال، والأعلام: الجبال، ومنه قول الخنساء أخت صخر ومعاوية:
وإن صخرًا لتأتم الهداة به ** كأنه علم في رأسه نار

ومنه:
إذا قطعن علمًا بدا علم

وقرأ جمهور السبعة: {الريح} إفرادًا، ونافع: جمعًا، وقرأ الجمهور: {فيظللن} بفتح اللام، وقرأ قتادة: بكسرها، والقياس الفتح، لأن الماضي بكسر العين، فالكسر في المضارع شاذ.
وقال الزمخشري: من ظل يظل ويظل، نحو ضل يضل ويضل. انتهى.
وليس كما ذكر، لأن يضل بفتح العين من ضللت بكسرها في الماضي، ويضل بكسرها من ضللت بفتحها في الماضي، وكلاهما مقيس.
{لكل صبار} على بلائه، {شكور} لنعمائه.
{أو يوبقهن}: يهلكهن، أي الجواري، وهو عطف على {يسكن}، والضمير في {كسبوا} عائد على ركاب السفن، أي بذنوبهم.
وقرأ الأعمش: {ويعفو} بالواو، وعن أهل المدينة: بنصب الواو، والجمهور: {ويعف} مجزومًا عطفًا على {يوبقهن}.
فأما قراءة الأعمش، فإنه أخبر تعالى أنه يعفو عن كثير، أي لا يؤاخذ بجميع ما اكتسب الإنسان.
وأما النصب، فبإضمار أن بعد الواو، وكالنصب بعد الفاء في قراءة من قرأ: {يحاسبكم به الله فيغفر}، وبعد الواو في قول الشاعر:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك ** ربيع الناس والشهر الحرام

ونأخذ بعده بذناب عيش ** أجب الظهر ليس له سنام

روي بنصب ونأخذ ورفعه وجزمه.
وفي هذه القراءة يكون العطف على مصدر متوهم، أي يقع إيباق وعفو عن كثير.
وأما الجزم فإنه داخل في حكم جواب الشرط، إذ هو معطوف عليه، وهو راجع في المعنى إلى قراءة النصب، لكن هذا عطف فعل على فعل، وفي النصب عطف مصدر مقدر على مصدر متوهم.
وقال القشيري: وقرئ: {ويعف} بالجزم، وفيها إشكال، لأن المعنى: إن يشأ يسكن الريح، فتبقى تلك السفن رواكد، أو يهلكها بذنوب أهلها، فلا يحسن عطف ويعف على هذه، لأن المعنى: يصيران شيئًا يعف، وليس المعنى ذلك، بل المعنى: الإخبار عن الغيوب عن شرط المشيئة، فهو إذن عطف على المجزوم من حيث اللفظ، لا من حيث المعنى.
وقد قرأ قوم: {ويعفو} بالرفع، وهي جيدة في المعنى. انتهى، وما قاله ليس بجيد، إذ لم يفهم مدلول التركيب.
والمعنى: أنه تعالى إن يشأ أهلك ناسًا وأنجى ناسًا على طريق العفو عنهم.
وقال الزمخشري: فإن قلت: علام عطف {يوبقهن} قلت: على {يسكن}، لأن المعنى: إن يشأ يسكن الريح فيركدن، أو يعصفها فيغرقن بعصفها. انتهى.
ولا يتعين أن يكون التقدير: أو يعصفها فيغرقن، لأن إهلاك السفن لا يتعين أن يكون بعصف الريح، بل قد يهلكها تعالى بسبب غير الريح، كنزول سطحها بكثرة الثقل، أو انكسار اللوح يكون سببًا لإهلاكها، أو يعرض عدو يهلك أهلها.
وقرأ الأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، ونافع، وابن عامر، وزيد بن علي: {ويعلم} بالرفع على القطع.
وقرأ الجمهور: {ويعلم} بالنصب؛ قال أبو علي وحسن: النصب إذا كان قبله شرط وجزاء، وكل واحد منهما غير واجب.
وقال الزجاج: على إضمار أن، لأن قبلها جزاء.
تقول: ما تصنع أصنع مثله، وأكرمك، وإن أشئت، وأكرمك علي، وأنا أكرمك، وإن شئت، وأكرمك جزمًا.
قال الزمخشري: فيه نظر، لما أورده سيبويه في كتابه قال: واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله: إن تأتني آتك وأعطيك ضعيف، وهو نحو من قوله:
وألحق بالحجاز فاستريحا

فهذا لا يجوز، وليس بحد الكلام ولا وجهه، إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلًا، لأنه ليس بواجب أنه يفعل إلا أن يكون من الأول فعل. فلما ضارع الذي لا يوجبه، كالاستفهام ونحوه، أجازوا فيه هذا على ضعفه.
قال الزمخشري: ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحد الكلام ولا وجهه، ولو كانت من هذا الباب، لما أخلى سيبويه منها كتابه، وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة. انتهى.
وخرج الزمخشري النصب على أنه معطوف على تعليل محذوف، قال تقديره: لينتقم منهم {ويعلم الذين يجادلون}، يكره في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن، ومنه قوله تعالى: {ولنجعلك آية للناس} وقوله: {خلق الله السماوات والأرض بالحق} {ولتجزى كل نفس بما كسبت} انتهى.
ويبعد تقديره لينتقم منها، لأنه ترتب على الشرط إهلاك قوم، فلا يحسن لينتقم منهم.
وأما الآيتان فيمكن أن تكون اللام متعلقة بفعل محذوف، أي {ولنجعله آية للناس}، {ولتجزى كل نفس بما كسبت}.
فعلنا ذلك، وكثيرًا ما يقدر هذا الفعل محذوفًا قبل لام العلة، إذا لم يكن فعل ظاهر يتعلق به.
وذكر الزمخشري أن قوله تعالى: {ويعلم} قرىء بالجزم، فإن قلت: فكيف يصح المعنى على جزم ويعلم؟ قلت: كأنه قال: أو إن يشأ يجمع بين ثلاثة أمور: هلاك قوم، ونجاة قوم، وتحذير آخرين، لأن قوله: {ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص} يتضمن تحذيرهم من عقاب الله، {وما لهم من محيص} في موضع نصب، لأن يعلم معلقة، كقولك: علمت ما زيد قائم.
وقال ابن عطية في قراءة النصب، وهذه الواو ونحوها التي تسميها الكوفيون واو الصرف، لأن حقيقة واو الصرف التي يريدونها عطف فعل على اسم مقدر، فيقدر أن ليكون مع الفعل بتأويل المصدر، فيحسن عطفه على الاسم. انتهى.
وليس قوله تعليلًا لقولهم واو الصرف، إنما هو تقرير لمذهب البصريين.
وأما الكوفيون فإن واو الصرف ناصبة بنفسها، لا بإضمار أن بعدها.
وقال أبو عبيد على الصرف كالذي في آل عمران: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} ومعنى الصرف أنه كان على جهة، فصرف إلى غيرها، فتغير الإعراب لأجل الصرف.
والعطف لا يعين الاقتران في الوجود، كالعطف في الاسم، نحو: جاء زيد وعمرو.
ولو نصب وعمرو اقتضى الاقتران؛ وكذلك واو الصرف، ليفيد معنى الاقتران ويعين معنى الاجتماع، ولذلك أجمع على النصب في قوله: {ويعلم الصابرين}، أي ويعلم المجاهدين والصابرين معًا.
عن عليّ، رضي الله عنه، اجتمع لأبي بكر رضي الله عنه مال، فتصدق به كله في سبيل الله والخير، فلامه المسلمون وخطأه الكافرون، فنزلت: {فما أوتيتم من شيء}، والظاهر أنه خطاب للناس.
وقيل: للمشركين، وما شرطية مفعول ثان لأوتيتم، ومن شيء بيان لما، والمعنى: من شيء من رياش الدنيا ومالها والسعة فيها، والفاء جواب الشرط، أي فهو متاع، أي يستمتع في الحياة.
{وما عند الله}: أي من ثوابه وما أعد لأوليائه، {خير وأبقى} مما أوتيتم، لأنه لا انقطاع له.
وتقدم الكلام في الكبائر في قوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} في النساء.
وقرأ الجمهور: {كبائر} جمعًا هنا، وفي النجم، وحمزة، والكسائي: بالإفراد.
{والذين يجتنبون}: عطف على {الذين آمنوا}، وكذلك ما بعده.
ووقع لأبي البقاء وهم في التلاوة، اعتقد أنها الذين يجتنبون بغير واو، فبنى عليه الإعراب فقال: {الذين يجتنبون} في موضع جر بدلًا من {الذين آمنوا}، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار، أعني: وفي موضع رفع على تقديرهم. انتهى.
والعامل في {إذا} {يغفرون}، وهي جملة من مبتدأ وخبر معطوف على {يجتنبون}، ويجوز أن يكون {هم} توكيدًا للفاعل في {غضبوا}.
وقال أبو البقاء: {هم} مبتدأ، و{يغفرون} الخبر، والجملة جواب إذا. انتهى.
وهذا لا يجوز، لأن الجملة لو كانت جواب إذا لكانت بالفاء، تقول: إذا جاء زيد فعمرو منطلق، ولا يجوز حذف الفاء إلا إن ورد في شعر.
وقيل: {هم} مرفوع بفعل محذوف يفسره {يغفرون}، ولما حذف، انفصل الضمير، وهذا القول فيه نظر، وهو أن جواب إذا يفسر كما يفسر فعل الشرط بعدها، نحو:
{إذا السماء انشقت} ولا يبعد جواز ذلك على مذهب سيبويه، إذ جاء ذلك في أداة الشرط الجازمة، نحو: إن ينطلق زيد ينطلق، فزيد عنده فاعل بفعل محذوف يفسره الجواب، أي ينطلق زيد، منع ذلك الكسائي والفراء.
وقال الزمخشري: {هم يغفرون}، أي هم الأخصاء بالغفران، في حال الغضب لا يغول الغضب أحلامهم، كما يغول حلوم الناس.
ولمجيء {لهم} وإيقاعه مبتدأ، وإسناد {يغفرون} إليه لهذه الفائدة. انتهى، وفيه حض على كسر الغضب.
وفي الحديث: «أوصني، قال: لا تغضب، قال: زدني، قال: لا تغضب، قال: زدني، قال: لا تغضب».
{والذين استجابوا لربهم}، قيل: نزلت في الأنصار، دعاهم الله للإيمان به وطاعته فاستجابوا له.
وكانوا قبل الإسلام، وقبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، إذا نابهم أمر تشاوروا، فأثنى الله عليهم، لا ينفردون بأمر حتى يجتمعوا عليه.
وعن الحسن: ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم. انتهى.
وفي الشورى اجتماع الكلمة والتحاب والتعاضد على الخير.
وقد شاور الرسول عليه السلام فيما يتعلق بمصالح الحروب والصحابة بعده في ذلك، كمشاورة عمر لهرمز.
وفي الأحكام، كقتال أهل الردّة، وميراث الحربي، وعدد مدمني الخمر، وغير ذلك.
والشورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور، على حذف مضاف، أي وأمرهم ذو شورى بينهم.
و{هم ينتصرون}: صلة للذين، وإذا معمولة لينتصرون، ولا يجوز أن يكون {هم ينتصرون} جوابًا لإذا، والجملة الشرطية وجوابها صلة لما ذكرناه من لزوم الفاء، ويجوز هنا أن يكون هم فاعلًا بفعل محذوف على ذلك القول الذي قيل في {هم يغفرون}.
وقال الحوفي: وإن شئت جعلت هم توكيدًا للهاء والميم، يعني في أصابهم، وهو ضمير رفع، وفي هذا نظر، وفيه الفصل بين المؤكد والتوكيد بالفاعل، وهو فعل الظاهر أنه لا يمتنع، والانتصار: أن يقتصر على ما حده الله له ولا يتعدى.
وقال النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم، فتجترئ عليهم الفساق، ومن انتصر غير متعد فهو مطيع محمود.
وقال مقاتل، وهشام عن عروة: الآية في المجروح ينتصف من الجارح بالقصاص.
وقال ابن عباس: تعدى المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، وأخرجوهم من مكة، فأذن الله لهم بالخروج في الأرض، ونصرهم على من بغى عليهم.
وقال الكيا الطبري: ظاهره أن الانتصار في هذا الموضع أفضل، ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة لله ولرسوله وإقامة الصلاة؟ فهذا على ما ذكره النخعي، وهذا فيمن تعدى وأصر، والمأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادمًا مقلعًا.
وقد قال عقيب هذه الآية {ولمن انتصر بعد ظلمه} الآية، فيقتضي إباحة الانتصار.
وقد عقبه بقوله: {ولمن صبر وغفر}، وهذا محمول على القرآن عند غير المصر.
فأما المصر على البغي، فالأفضل الانتصار منه بدليل الآية قبلها.
وقال ابن بحر: المعنى تناصروا عليه فأزالوه عنهم.
وقال أبو بكر بن العربي نحوًا من قول الكيا.
قال الجمهور: إذا بغى مؤمن على مؤمن، فلا يجوز له أن ينتصر منه بنفسه، بل يرفع ذلك إلى الإمام أو نائبه.