فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال السيوطي:
{وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كالأعلام (32)}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ومن آياته الجوار في البحر} قال: السفن {كالأعلام} قال: كالجبال.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير، عن قتادة- رضي الله عنه- في الآية قال: سفن هذا البحر تجري بالريح، فإذا مسكت عنها الريح ركدت.
وأخرج ابن المنذر من طريق عطاء، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {فيظللن رواكد على ظهره} قال: لا يتحركن ولا يجرين في البحر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- {رواكد} قال: وقوفًا {أو يوبقهن} قال: يهلكن.
وأخرج ابن المنذر، عن الضحاك: {أو يوبقهن} قال: يغرقهن.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير، عن مجاهد رضي الله عنه {أو يوبقهن} قال: يهلكهن.
وأخرج ابن جرير، عن السدي رضي الله عنه {ما لهم من محيص} من ملجأ.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير، عن قتادة: {أو يوبقهن بما كسبوا} قال: بذنوب أهلها.
وأخرج الحاكم وصححه، عن أبي ظبيان قال: كنا نعرض المصاحف عند علقمة- رضي الله عنه- فقرأ هذه الآية: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} فقال: قال عبد الله: الصبر نصف الإِيمان.
وأخرج سعيد بن منصور، عن الشعبي- رضي الله عنه- قال: الشكر نصف الإِيمان، والصبر نصف الإِيمان، واليقين الإِيمان كله. وقرأ {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} {وآية للموقنين}.
{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)}.
أخرج عبد بن حميد والبخاري في الأدب وابن المنذر، عن الحسن- رضي الله عنه- قال: ما تشاور قوم قط إلا هدوا وأرشد أمرهم، ثم تلا {وأمرهم شورى بينهم}.
وأخرج الخطيب في رواة مالك، عن علي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله: الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرأن، ولم يسمع منك فيه شيء، قال: «اجمعوا له العابد من أمتي واجعلوه بينكم شورى ولا تقضوه برأي واحد».
وأخرج الخطيب في رواة مالك، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- مرفوعًا «اسْتَرْشِدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا».
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من أراد أمرًا، فشاور فيه وقضى اهتدى لأرشد الأمور».
وأخرج البيهقي، عن يحيى بن أبي كثير- رضي الله عنه- قال: قال سليمان بن داود عليه السلام لابنه: يا بني، عليك بخشية الله، فإنها غاية كل شيء. يا بني، لا تقطع أمرًا حتى تؤامر مرشدًا، فإنك إذا فعلت ذلك؛ رشدت عليه يا بني، عليك بالحبيب الأول، فإن الأخير لا يعدله.
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)}.
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن إبراهيم النخعي- رضي الله عنه- في قوله: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} قال: كانوا يكرهون للمؤمنين أن يستذلوا، وكانوا إذا قدروا عَفَوْا.
وأخرج عبد بن حميد، عن منصور قال: سألت إبراهيم عن قوله: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} قال: كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم، فيجترئ الفساق عليهم.
وأخرج النسائي وابن ماجة وابن مردويه، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «دخلت عليّ زينب وعندي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلت عليّ تسبني، فردعها النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تنته، فقال لي: سبيها، فسببتها حتى جف ريقها في فمها، ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم متهلل سرورًا».
وأخرج ابن جرير وابن مردويه، عن علي بن زيد بن جدعان- رضي الله عنه- قال: لم أسمع في الأنصار مثل حديث حدثتني به أم ولد أبي محمد، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كنت في البيت، وعندنا زينب بنت جحش، فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبلت عليه زينب، فقالت: ما كل واحدة منا عندك إلا على خلابة، ثم أقبلت عليّ تسبني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولي لها كما تقول لك، فأقبلت عليها- وكنت أطول وأجود لسانًا منها- فقامت».
وأخرج ابن جرير، عن السدي رضي الله عنه {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} قال: ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {والذين إذا أصابهم البغي} قال: هذا محمد صلى الله عليه وسلم ظُلم وبغي عليه وكذب {هم ينتصرون} قال: ينتصر محمد صلى الله عليه وسلم بالسيف.
{وَجَزاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)}.
أخرج ابن المنذر، عن ابن جرير في قوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} قال: ما يكون من الناس في الدنيا مما يصيب بعضهم بعضًا والقصاص.
وأخرج أحمد وابن مردويه، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المستبّان ما قالا من شيء فعلى البادىء حتى يعتدي المظلوم، ثم قرأ {وجزاء سيئة سيئة مثلها}».
وأخرج ابن جرير، عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} قال: إذا شتمك، فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي.
وأخرج ابن جرير، عن ابن أبي نجيح، في قوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} قال: يقول أخزاه الله، فيقول أخزاه الله.
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديًا ينادي، ألا ليقم من كان له على الله أجر، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا، وذلك قوله: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}».
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة، نادى مناد من كان له على الله أجر فليقم، فيقوم عنق كثير، فيقال لهم: ما أجركم على الله؟ فيقولون نحن الذين عفونا عمن ظلمنا» وذلك قول الله {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} فيقال لهم: «ادخلوا الجنة بإذن الله».
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقف العباد للحساب ينادي منادٍ ليَقُمْ من أجره على الله؛ فليدخل الجنة، ثم نادى الثانية، ليقم من أجره على الله، قالوا: ومن ذا الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس، فقام كذا وكذا ألفًا، فدخلوا الجنة بغير حساب».
وأخرج البيهقي، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ينادي مناد من كان أجره على الله فليدخل الجنة مرتين، فيقوم من عفا عن أخيه. قال الله {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}».
وأخرج ابن مردويه، عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول مناد من عند الله يقول: أين الذين أجرهم على الله؟ فيقوم من عفا في الدنيا، فيقول الله أنتم الذين عفوتم لي، ثوابكم الجنة».
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر، عن محمد بن المنكدر رضي الله عنه قال: إذا كان يوم القيامة صرخ صارخ الأرض، ألا من كان له على الله حق، فليقم فيقوم من عفا وأصلح.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينادي مناد يوم القيامة، لا يقوم اليوم أحد، إلا من له عند الله يد، فتقول الخلائق: سبحانك بل لك اليد، فيقول بلى، من عفا في الدنيا بعد قدرة».
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال موسى بن عمران عليه السلام: يا رب، من أعز عبادك عندك؟ قال: من إذا قدر عفا».
وأخرج أحمد وأبو داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رجلًا شتم أبا بكر رضي الله عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويبتسم، فلما أكثر، رد عليه بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر رضي الله عنه، فقال يا رسول الله، كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت؟ قال: إنه كان معك ملك يرد عنك، فلما رددت عليه بعض قوله، وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان، ثم قال: يا أبا بكر، نلت من حق ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله إلا أعز الله بها نصره، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة».
{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان، عن قتادة رضي الله عنه {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} قال: هذا في الخماشة تكون بين الناس، فأما إن ظلمك رجل فلا تظلمه، وإن فجر بك، فلا تفجر به، وإن خانك، فلا تخنه، فإن المؤمن هو الموفي المؤدي، وإن الفاجر هو الخائن الغادر.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي والبزار وابن مردويه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا على مَنْ ظلمه فقد انتصر».
وأخرج ابن أبي شيبة، عن عائشة رضي الله عنها: إن سارقًا سرق لها فدعت عليه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم «لا تسبخي عليه».
وأخرج ابن المنذر، عن ابن جريج رضي الله عنه، في قوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه} قال: لمحمد صلى الله عليه وسلم أيضًا انتصاره بالسيف، وفي قوله: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} الآية. قال: من أهل الشرك.
وأخرج ابن جرير، عن السدي رضي الله عنه في قوله: {هل إلى مرد من سبيل} يقول: إلى الدنيا.
{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}.
أخرج ابن جرير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ينظرون من طرف خفي} قال: ذليل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير، عن مجاهد رضي الله عنه مثله.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر، عن محمد بن كعب رضي الله عنه في قوله: {ينظرون من طرف خفي} قال: يسارقون النظر إلى النار.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير، عن قتادة رضي الله عنه مثله.
وأخرج عبد بن حميد، عن خلف بن حوشب رضي الله عنه قال: قرأ زيد بن صوحان رضي الله عنه {استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مردّ له من الله} فقال: لبيك من زيد لبيك.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {من ملجأ يومئذ} قال: تحرز {وما لكم من نكير} ناصر ينصركم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاء}.
هذا الخطاب في الظاهر يشبه الاعتذار في تخاطب الآدميين. والمعنى أنني لم أبسط عليكَ أيها الفقيرُ في الدنيا لِمَا كان لي من العلم أنني لو قَسَمْتُ عليك الدنيا لَطَغَيْتَ، ولسَعَيْتَ في الأرض بالفساد.
ويقال: قوله: {ولكن}: لكن كلمة استدارك، فالمعنى: لم أُوَسِّعْ عليكَ الرزقَ بمقدار ما تريد؛ ولم أمنع عنك (الكُلَّ)؛ لأني أُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما أشاء.
{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)}.
الله- سبحانه مُحْيِي القلوب؛ فكما أنه {وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ}، فبعدما أصاب الأرضَ جدوبةٌ، وأبطأ نزولُ الغيثِ، وقَنِطَ الناسُ من مجيء المطر، وأشرفَ الوقتُ على حدِّ الفَواتِ يُنَزِّلُ اللَّهُ بفضله الغيثَ، ويحيي الأَرضَ بعد قنوطِ أهلها.. فكذلك العبد؛ إذا ذَبُلَ غُصْنُ وقته، وتكَدَّرَ صَفْوُ ودِّه، وكسفت شمسُ أُنْسِه، وبَعُدَ عن الحضرةِ وساحاتِ القرب عَهْدُه فلربما ينظر إليه الحقُّ برحمته؛ فينزل على سِرِّه أمطارَ الرحمة، ويعود عودُه طريًّا، ويُنْبِتُ في مشاهدة أُنْسِه وردًا جَنِيًّا.. وأنشدوا:
إنْ راعني منك الصدود ** فلعلَّ أيامي تعود

ولعلَّ عهدك باللَّوى ** يحيا فقد تحيا العهود

والغصن ييبس تارةً ** وتراه مُخْضرًّا يميد

{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ (29)}.
جعل اللَّهُ في كلِّ شيء من الخلوقات دلالةً على توحُّدِه في جلاله، وتفرُّدِه بنعت كبريائه وجماله.
{وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ}: والإشارة منها أَنَّ الحقَّ- سبحانه- يغار على أوليائه أن يَسْكَنَ بعضُهم بقلبه إلى بعضٍ؛ فأبدًا يُبَدِّدُ شمْلَهم، ولا تكاد الجماعةُ من أهل القلوب تتفق في موضعٍ واحد إلا نادرًا، وذلك لمدةٍ يسيرة.. كما قالوا:
رمى الدهرُ بالفتيان حتى كأنَّهم ** بأكنافِ أطرافِ السماء نجومُ

وفي بعض الأحايين قد يتفضَّل الحقُّ عليهم فتدنو بهم الديار، ويحصل بينهم- في الظاهر- اجتماعٌ والتقاء، فيكون في ذلك الوقت قد نظر الحقُّ- سبحانه- بفضله إلى أنَّ في اجتماعهم بركاتٍ لحياة العالَم.
وهذا- وإن كان نادرًا- فإنه على جَمْعِهم- إذا يشاء- قدير.
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)}.
إذا تحقَّق العبدُ بهذه الآية فإنه إذا أصابته شظيةٌ أو حالةٌ مما يسوءه، وعلِمَ أن ذلك جزاء له، وعقابٌ على ما بَدَرَ منه من سوء الأدب لاستحيى بخجلته مِنْ فِعْلِه، ولَشغَلَه ذلك عن رؤية الناس، فلا يحاول أن ينتقمَ منهم أو يكافئَهم أو يدعوَ عليهم، وإنما يشغله تلافي ما بَدَرَ منه من سوء الفعلِ عن محاولة الانتصاف لنفسه ممن يتسلَّط عليه من الخَلْق.. تاركًا الأمرَ كلَّه لربِّه.
ويقال: إذا كَثُرَت الأسبابُ من البلايا على العبد، وتوالى عليه ذلك.. فَلْيُفَكِرْ في أفعاله المذمومة.. كم يحصل منه حتى يبلغَ جزاء ما يفعله- مع العفو الكثير- هذا المبلغ؟! فعند ذلك يزداد حُزْنُه وتأسُّفُه؛ لِعِلْمِه بكثرة ذنوبه ومعاصيه.